المركز الخبري الوطني:
2025-01-31@02:38:06 GMT

دبلوماسية المسار الثاني Track II Diplomacy

تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT

دبلوماسية المسار الثاني Track II Diplomacy

الخميس, 21 ديسمبر 2023 4:22 م

سيف الدين الدراجي

بعيدا عن الأطر الرسمية، تلعب دبلوماسية المسار الثاني دورا محوريا في بلورة رؤى مشتركة تخدم المصالح العليا للدولة. ففي ظل الماضي المضطرب والحاضر المتأرجح للعراق تُرسم للمتابعين والمتخصصين بعض الصور المعقدة، حين تتوقف المحادثات الرسمية غالبًا وسط انقسامات راسخة او مواقف غير موحدة، في خضم أصداء الجمود السياسي الذي قد يرافق اي خطوة نحوة تحقيق المنجز، ليبرز مسار آخر من العمل الدبلوماسي، دون محددات وقوالب القيود الرسمية، بمبادرات يقودها المهتمون بشبكات اتصال فعال، عبر المجتمعات المتطلعة لحلول جوهرية، تمهد الطريق لعلاقات تعاون مشترك بتوجهات بناءة وخياراتٍ إستراتيجية.


تشير دبلوماسية المسار الثاني (Track 2 Diplomacy) إلى التفاعلات والحوارات غير الرسمية وغير الحكومية التي تحدث بين أفراد، منظمات، أو مجموعات من دول مختلفة، خارج القنوات الدبلوماسية التقليدية أو ما يُعرف بالمسار الدبلوماسي الأول (Track 1 Diplomacy) .
تتمثل أهداف دبلوماسية المسار الثاني في تعزيز التفاهم، وبناء الثقة، وتحقيق التقارب بين الأطراف المعنية.وتتميز بأنها تشمل عادةً مشاركة أفراد من ناشطي المجتمع المدني، والأكاديميين، و رجال الأعمال، وغيرهم من الشخصيات غير الحكومية. كما يمكن أن تشمل هذه التفاعلات ورش العمل، والندوات، واللقاءات غير الرسمية، وتعتبر أحد الأدوات الفعالة في حل النزاعات، وتعزيز الفهم المتبادل، والتحضير للمفاوضات الرسمية.
تم أختيار الاسم “المسار الثاني” لتمييز هذا النوع من الدبلوماسية عن المسار الأول، الذي يشير إلى التفاعلات الرسمية والحكومية بين الدول. كما ويعتبر استخدام دبلوماسية المسار الثاني طريقة فعّالة للتعامل مع التحديات الدولية وتحقيق التقارب بين الثقافات والمجتمعات.
تعتبر دبلوماسية المسار الثاني أحد الأدوات الحديثة والفعّالة في سياق العلاقات الدولية، وتلعب دورًا أساسيًا في تعزيز مكانة الدول وتحقيق أمانها القومي.
يشهد العراق في الوقت الحالي سعياً حثيثاً من قبل بعض الشخصيات المؤمنة بفكرة التأسيس لدبلوماسية فاعلة وسياسة خارجية منتجة بتوئمة المسارين الاول والثاني، وفتح قنوات التواصل مع المحيط الدولي والإقليمي من خلال تبني استراتيجيات عمل دبلوماسية المسار الثاني.
تعمل دبلوماسية المسار الثاني في العراق في مساحة فريدة، وفي ظروف سياسية بالغة التعقيد على المستويين الداخلي والخارجي. حيث تكون مراكز الفكر والمؤسسات الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني كمنصات محايدة، تجمع ممثلين من مجموعات متنوعة – علماء وأكاديمين وباحثين ورجال دين وشيوخ قبائل ونشطاء وفنانين وسياسيين – قد لايجدوا لأنفسهم عادة مكاناًعلى طاولة المفاوضات نفسها، ليتناولوا حوارات وقضايا حساسة، من التوترات الأقليمية الى مراحل ما بعد الصراع، في بيئة آمنة بعيدا عن الضغوطات التقليدية.
من الأهمية بمكان ان نفهم بأن دبلوماسية المسار الثاني ليست بديلاً للدبلوماسية الرسمية. بل إنها تلعب دورًا تكميليًا حيويًا. حيث يمكن للبصيرة المستفادة من حوارات المسار الثاني أن تُعلم وتُثرِي مفاوضات المسار الأول، بما توفره من وجهات نظر قيّمة على مستويات غير حكومية قد يتم تجاهلها او ربما يغفل او يتغاضى عنها البعض.
تعتمد دبلوماسية المسار الثاني على التفاعل المباشر بين الشعوب والمجتمعات المدنية ومراكز صنع القرار، وهي لا تقتصر على العلاقات الحكومية الرسمية فحسب.
يمكن للعراق أن يحقق من خلال هذا المسار شراكات وثيقة مع مختلف الفئات المجتمعية، مما يعزز فهمًا أعمق للتحديات والفرص التي يواجهها على الساحة الدولية.
ضمن بودقة الجنبة الأمنية، تُعد دبلوماسية المسار الثاني أحد الوسائل الفعّالة لتحقيق الأمن القومي، حيث تتيح للعراق بناء تحالفات مستدامة وموثوقة، من خلال توسيع شبكة العلاقات، واكتساب دعمًا دوليًا يسهم في ضمانة استمرار الإستقرار وتعزيز القدرة على التصدي للتحديات الأمنية المتزايدة.
تعتبر الثقة أحد ركائز دبلوماسية المسار الثاني، حيث يقوم العراق ببناء علاقات قائمة على الثقة والتفاهم المتبادل. حيث يتم تعزيز هذه العلاقات من خلال التبادل الثقافي، وورش العمل، والتعاون في المجالات الاقتصادية والتنموية.
كما تتيح دبلوماسية المسار الثاني للعراق المشاركة الفعّالة في التحديات الإقليمية والدولية. من خلال التفاعل المستمر مع الدول الجارة وأعضاء المجتمع الدولي، بما يمكن العراق من تعزيز التعاون المشترك لمواجهة التحديات المشتركة مثل الإرهاب، والتغير المناخي، والأزمات الإنسانية.
ان ضمان استمرار نجاح دبلوماسية المسار الثاني يحتم على العراق توسيع قاعدة شراكاته والاستفادة من التكنولوجيا لتعزيز التواصل وتحقيق أهدافه الإستراتيجية. حيث يشكل الاستثمار في التعليم وتبادل الخبرات الثقافية جزءًا أساسيًا من هذه الجهود.
وفقاً لما تقدم أعلاه، لابد من الإطلاع على بعض الامثلة التي بينت أهمية عمل دبلوماسية المسار الثاني. فعلى سبيل المثال وفي مناسبات عدة ، استخدمت الولايات المتحدة دبلوماسية المسار الثاني في محاولة منها لحل النزاعات أو التوصل إلى تفاهمات غير رسمية. كاستخدام الوسطاء غير الحكوميين لتسهيل التواصل مع دول مثل كوبا وإيران.
كما تم استخدام دبلوماسية المسار الثاني لتحسين العلاقات بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية. فقد شهدنا محادثات غير رسمية ولقاءات بين ممثلين عن البلدين . ونتيجة لذلك استحدثت حكومة كورية الجنوبية وزارة تأخذ على عاتقها دراسة اعادة توحيد الكوريتين.
كما استخدمت بريطانيا وأيرلندا الشمالية دبلوماسية المسار الثاني لتعزيز الحوار بين المجتمعات المختلفة في الصراع الطويل بين الكاثوليك والبروتستانت في إيرلندا الشمالية على المستوى الداخلي، وتوسعت لخلق حالة من التعاون مع جمهورية أيرلندا.
وفي ذات السياق، وفي محاولة لتعزيز مكانتها الدولية كوسيط للسلام، شاركت كندا في العديد من المبادرات لدعم الحوارات الثنائية وورش العمل غير الرسمية في مناطق متعددة، من بينها جهود لتسوية النزاعات في الشرق الأوسط.

تظهر هذه الأمثلة كيف يمكن استخدام الدول للتفاعلات غير الرسمية لتحقيق أهداف دبلوماسية وحماية أمنها القومي.
وعلى الرغم من إمكانياتها ومردوداتها الإيجابية، قد تواجه دبلوماسية المسار الثاني تحديات.وعقباتٍ، ممكن ان تتمثل بالمخاوف الأمنية ومحدودية الموارد والتشكيك من جانب بعض الفاعلين السياسيين. ومع ذلك، فإن النجاحات لا يمكن إنكارها.فهناك العديد من الامثلة عن اهمية حوارات المسار الثاني في تمهيد الطريق لاتفاقيات وقف إطلاق النار، والإفراج عن السجناء، بل والتأثير لتغيير بعض سياسات الدول المناوئة والمنافسة.
بينما قد تركز العناوين على القمم الدبلوماسية الكبرى، علينا ان نفكر دائماً بالعمل الهادئ الذي يحصل في الغرف الخلفية لموائمة جهود ما يحصل في قاعات المؤتمرات.
وفي الختام لابد من الإشارة الى أنه بتعزيز دور دبلوماسية المسار الثاني، يمكن للعراق أن يبني جسورًا قوية مع العالم ويعزز تأثيره على الساحة الدولية. فضلاً عن حماية مرتكزات الامن القومي وتعزيز العلاقات الدولية التي تعكس التزام العراق بالتعاون البنّاء والفعّال في تحقيق الاستقرار الإقليمي و الدولي.

المصدر: المركز الخبري الوطني

كلمات دلالية: المسار الثانی فی غیر الرسمیة من خلال

إقرأ أيضاً:

عربي21 تحاور مدير الشبكة السورية حول آليات تحقيق العدالة الانتقالية (شاهد)

يعد ملف العدالة الانتقالية من أهم القضايا البارزة في المشهد السوري بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، المسؤول عن ارتكاب 90 بالمئة من الانتهاكات بحق السوريين منذ اندلاع الثورة عام 2011، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

ويتصدر الحديث عن المحاسبة والعدالة الانتقالية الأوساط السورية بوصفه ضرورة لتحقيق الإنصاف للضحايا وضمان استقرار مستدام في البلاد، في حين لا يزال غياب الدور الفعال للسلطة في دمشق في دفع مسار المحاسبة محط انتقادات العديد من أهالي الضحايا والمغيبين قسريا.

والأربعاء، تطرق الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في مؤتمر انتصار الثورة السورية بالعاصمة دمشق إلى أولويات البلاد في المرحلة المقبلة بعد سقوط النظام، موضحا أن الحفاظ على السلم الأهلي من خلال السعي إلى تحقيق العدالة الانتقالية ومنع مظاهر الانتقام.


ويعتبر مسار العدالة الانتقالية من أهم التحديات أمام السوريين بسبب الكم الهائل من الانتهاكات التي جرى ارتكبها النظام المخلوع بحق الشعب السوري خلال الـ14 عاما الماضية.

وشدد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، على ضرورة مسار العدالة الانتقالية في سوريا لتحقيق العدالة للضحايا وضمان عدم تكرار الانتهاكات التي وقعت بحق السوريين خلال عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
Bu gönderiyi Instagram'da gör Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)'in paylaştığı bir gönderi
وأوضح عبد الغني في لقاء خاص مع "عربي21"، أن العدالة الانتقالية تستند إلى أربعة أركان رئيسية: المحاسبة، لجان الحقيقة والمصالحة، التعويضات، وإصلاح المؤسسات. 

وأشار عبد الغني إلى أهمية تشكيل هيئة مستقلة تقود مسار العدالة الانتقالية، تتألف من خبراء في القانون الدولي ومنظمات حقوقية وروابط الضحايا، مع ضمان عدم خضوعها لسيطرة الحكومة، رغم أن الدولة يجب أن تلعب دورا في رعاية العملية. 

وتحدث مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان عن تفاصيل أركان العدالة الانتقالية الأربعة والخطوات الواجب اتخاذها خلال المرحلة المقبلة من أجل تحقيق العدالة للضحايا.

وتاليا اللقاء الكامل الذي أجرته "عربي21" مع مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان للوقوف على مسار تحقيق العدالة في سوريا:



◼ ما هي "العدالة الانتقالية" وما أهمية هذا المسار في المجتمعات التي تخرج من نزاعات عنيفة دارت على مدى سنوات؟

مفهوم العدالة الانتقالية يتمثل في تحقيق العدل في مرحلة انتقالية، كما يشير الاسم. وفي هذه المرحلة ينعكس النزاع عبر ظهور طرفين اثنين، الطرف الأول هو مرتكب النزاعات. وهذا الطرف يهمه تجاوز هذه المرحلة انطلاقا من حجة انتهاء النزاع وضرورة المضي قدما. هذا الطرف يكون غالبا محسوبا على مرتكبي الانتهاكات.

أما الطرف الثاني وهو الجانب الآخر الذي يمثل الضحايا الذين وقعت عليهم الانتهاكات، ويرفض المضي قدما دون تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

وانطلاقا من هذه الجزئية، يندلع النزاع بين الجانبين. وهذه هي فلسفة مفهوم العدالة الانتقالية.

من أجل ضبط هذا النزاع، فهناك أربعة أركان أساسية لتحقيق العدالة الانتقالية، الركن الأول هو المحاسبة، والثاني هو تشكيل لجان حقيقة ومصالحة، أما الركن الثالث فهو تقديم التعويضات، والركن الأخير إصلاح المؤسسات.

وفي الحالة السورية، نحتاج إلى تفعيل هذه الأركان الأربعة بشكل متواز بسبب كم الانتهاكات الهائلة التي جرى ارتكابها في سوريا.

من المكلف في إدارة هذا المسار؟

يجب أن تقود العدالة الانتقالية هيئة يتم تشكيلها عبر مشاورات ونقاشات مجتمعية، وتتكون من عدد من الخبراء بالقانون الدولي وملف العدالة الانتقالية ومنظمات حقوقية من المجتمع المدني وخبراء توثق الانتهاكات، بالإضافة إلى روابط الضحايا. وذلك بالاشتراك والتنسيق مع الحكومة.

ومن الضروري التأكيد على أن هذه الهيئة لا يجب أن يتم تشكيلها من قبل الحكومة وإلا ستكون جهة محسوبة على الحكومة، وإنما يتم تشكيلها من هذا المسار الذي من الممكن أن تقوم الحكومة بالإشراف عليه ورعايته.


الدولة تقود مسار العدالة الانتقالية عبر مؤسساتها، ولكن الهيئة يجب أن تكون على درجة من الاستقلالية لأن مسارها يتضمن محاسبة مرتكبي الانتهاكات. ومسار المحاسبة هو مسار قضائي يمر عبر المحاكم سواء الوطنية أو غيرها. يمكن القول إن هذه الهيئة تلعب دور قريب من دور الادعاء العام.

◼ لماذا يجب ضمان استقلالية الهيئة عن الحكومة؟

المقصد هنا هو التأكيد على استقلالية الهيئة التي تقود المسار القضائي عن الحكومة، لأنها تسعى إلى محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات في سوريا. صحيح أن النظام ارتكب 90 بالمئة من الانتهاكات، إلا أن هناك جهات أخرى ارتكبت انتهاكات ولو بنسبة أقل، ويجب محاكمة الجميع.

بالطبع سيتم محاسبة النظام من خلال التركيز عليه بشكل كبير لأنه مرتكب القدر الأكبر من الانتهاكات بحسب بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لكن سيتم في الوقت نفسه محاسبة باقي مرتكبي الانتهاكات.

المحاسبة يجب أن تكون ضد جميع مرتكبي الانتهاكات، لكن من غير المعقول أن تكون محاسبة النظام الذي ارتكب 90 بالمئة من الانتهاكات مثل طرف آخر ارتكب أقل، مثل القوات الكردية التي ارتكبت 3 بالمئة من الانتهاكات، أو المعارضة التي ارتكبت بدورها تقريبا 3 بالمئة، بالإضافة إلى هيئة تحرير الشام حيث ارتكبت بما يعادل واحد بالمئة.

هلا فسرت لنا بالتفصيل أركان مسار العدالة الانتقالية؟

الركن الأول هو المحاسبة، محاسبة المتورطين بارتكاب الانتهاكات هي تنقسم إلى قسمين شق جنائي وشق غير جنائي. الشق الجنائي يستهدف الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، حيث يتم إحالتهم إلى المحاكمات.

ويستهدف هذا الشق بشكل أساسي الصفوف العليا من مرتكبي الانتهاكات مثل الصف الأول والثاني بسبب وجود أعداد هائلة من مرتكبي الانتهاكات في سوريا. وبحسب بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فلدينا معلومات عن 16 ألفا و200 شخص ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من النظام.

بالتالي، نحن لا نستطيع أن نحاسب 16 ألفا و200 شخص بسبب العدد الضخم لمرتكبي الانتهاكات. وهذا الأمر يدفعنا إلى وضع معايير للمضي قدما في المحاسبة، والمعيار الأساسي يكون متمثلا بمحاسبة الصفوف العليا مثل قادة الجيش والفروع الأمنية والصفوف السياسية، ولا يستثني ذلك محاسبة المتورطين بجرائم اقتصادية عبر تمويل النظام بمبالغ ضخمة.

وبسبب ما أوردته من عدد ضخم من مرتكبي الانتهاكات، فعلينا في شق المحاسبة الجنائية استهداف المسؤول الأكبر عن الانتهاكات وهي الصفوف العليا من النظام الذي ارتكب 90 بالمئة من الانتهاكات في سوريا.

أما بالنسبة للمحاسبة غير الجنائية، فهذه تستهدف الصفوف الدنيا من مرتكبي الانتهاكات مثل الصف الثالث والرابع والخامس ما إلى ذلك. وهذه الفئة يتم استدعاؤها من قبل لجان الحقيقة والمصالحة من أجل تقديم الاعتراف والاعتذار ودفع التعويضات للضحايا.

كل ما تحدثنا عليه هو متمثل بالمسارات الأربعة التي يجب أن تعمل مع بعضها بشكل متواز، لأن مسار المحاسبة في سوريا مشاق ومعقد ومتداخل بسبب نتيجة الكم الهائل من الانتهاكات.

وهل من الممكن تحقيق العدالة من خلال المحاكم المحلية فقط أم هناك إمكانية لإشراك المجتمع الدولي في دعم عملية؟

بالنسبة للمحاكم، هناك أيضا أكثر من مسار، المسار الأول يتمثل في المحكمة الجنائية الدولية التي تعمل في الدول المصادقة على ميثاقها من أجل التحقيق بالجرائم المرتكبة على أراضي هذه الدولة. وفي حال لم تكن الدولة مصادقة على الميثاق فمن الممكن أن يكون هناك إجبار من مجلس الأمن يحيل الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية.

نظام الأسد سواء الأب أو الابن لم يصادق على ميثاق المحكمة وكذلك مجلس الأمن رفض الإحالة بسبب الفيتو الروسي بداية عام 2014، ما حال دون عمل المحكمة الجنائية الدولية في سوريا.

لكن من الممكن العمل بأثر رجعي من خلال الاستثناء الموجود في ميثاق المحكمة، والذي يسمح للدول غير الأطراف مثل سوريا بقبول اختصاص المحكمة بشأن جرائم محددة ارتكبت في سوريا.

ونوصي نحن في الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن تعطي الحكومة هذا الاستثناء للمحكمة الجنائية الدولية، وهذه فرصة تاريخية للحكومة للتأكيد على التزامها الممثل بشكل كبير بالمحكمة الجنائية، وإرسال رسالة للضحايا ومرتكبي الانتهاكات.

ولا تحاكم الجنائية الدولية عددا كبيرا من مرتكبي الانتهاكات، حيث تحاكم ما يقرب من 5 إلى 6 أشخاص بالحدث الأعلى بالإضافة إلى القيادات الكبرى المسؤولة عن ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في سوريا.

◼ ماذا عن مسار المحاكم الوطنية؟
هذا المسار يحتاج إلى عمل كبير لأنه يتطلب في المقام الأول وجود إصلاح قضائي يشمل استقلالية القضاء وإصلاح القوانين وتضمينها بالقوانين المعنية بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. وهذا يحتاج جهد وتدريب للمحامين والقضاة لأننا لا نملك خبرة بالتعامل مع مجال جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.

ولا بديل عن هذا المسار لأن المحاكم الوطنية هي التي ستحاسب الكم الأكبر من مرتكبي الانتهاكات في سوريا.

حدثتنا عن لجان الحقيقة والمصالحة.. ما مهام هذه اللجان؟

هذه اللجان تأتي تحت مظلة هيئة العدالة الانتقالية، وتكون مسؤولة عن استدعاء عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من المتورطين بارتكاب انتهاكات مثل دعم اقتصادي وسياسي أو انخراطهم في أجهزة النظام مثل المستشفيات العسكرية والمؤسسات الدينية والفنانين والممثلين والمثقفين الذين دعموا النظام وبرروا جرائمه.


كثير من الجهات تدخل ضمن إطار لجان الحقيقة والمصالحة، بعيدا عن الـ16 ألفا الذين تحدثنا أنهم ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.

تطلب اللجان من هؤلاء الاعتراف بما قاموا به بعد مواجهتهم مع الضحايا وتقديم الاعتذار العلني عن انتهاكاتهم. ومن الممكن أن تفرض اللجان على هؤلاء أن ينخرطوا بمبادرات أهلية واجتماعية مع الضحايا بشكل أساسي. وهذا المسار يستهدف مرتكبي الانتهاكات وداعمي النظام بالعزل السياسي أيضا.

بعد تحقيق هذه المسارات، ما الذي يتبقى؟

النقطة التالية في هذا المسار هو إصلاح المؤسسات. ونقصد من إصلاح المؤسسات هو إعادة العمل على هيكلة المؤسسات المتورطة بالانتهاكات مثل الجيش والأمن والسلطة القضاء بشكل أساسي.

يأتي بعد ذلك التعويضات التي يجب أن تقدم للضحايا وذويهم. وهذا أمر صعب في سوريا بسبب وجود ملايين الضحايا سيما أن على الدولة أن تقود هذا المسار بشكل أسياسي والدولة الآن منهكة اقتصاديا بشكل كبير، الأمر الذي من شأنه أن يحجب التعويضات عن قسم كبير من الضحايا، لكن هذا هو الواقع الأليم الناجم عن حجم الانتهاكات الهائلة التي ارتكبها الأسد.

النقطة الأخيرة في هذا المسار هو تخليد ذكرى للأشخاص الذين كانوا مؤثرين وفاعلين وقدموا تضحيات هائلة في سبيل تحرير سوريا. ويجب هنا أن تقوم اللجان باختيار هؤلاء الأشخاص وفق محددات معينة تراعي التنوع المناطقي والديني والعرقي، بالإضافة إلى ضرورة التركيز على دور النساء اللواتي ساهمن في تحقيق هذا الانتصار.

مقالات مشابهة

  • غباشي: مصر تقود جهودًا دبلوماسية مع واشنطن لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط
  • 56.7% نسبة النجاح في المسار الثانوي الشامل الأكاديمي بالامتحان التكميلي
  • عربي21 تحاور مدير الشبكة السورية حول آليات تحقيق العدالة الانتقالية (شاهد)
  • عربي21 تحاور مدير الشبكة السورية حول آليات تحقيق العدالة الانتقالية
  • رسالة دبلوماسية للبنان.. هذا ما طُلب بشأن المالية
  • شاهد على دبلوماسية الحكمة العمانية
  • وزير الخارجية: حل الدولتين المسار الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة
  • القوة الجوية يبحث عن تصحيح المسار أمام الشرطة في ديربي بغداد غدا
  • أبو بكر الديب يكتب: "دبلوماسية التجار" بين مصر وتركيا
  • التحديات الأمنية تعترض طريق التنمية: هل يمكن تجاوز ألغام الشمال؟