اعتبر محللون دوليون أن التحالف البحري الدولي، الذي أعلنت الولايات المتحدة عن تشكيله لمواجهة الحوثيين في البحر الأحمر، يستهدف "تشتيت الانتباه عن معاناة غزة" و"تخفيف الضغط العالمي" لوقف "حرب الإبادة" التي تشنها إسرائيل على القطاع منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

 

المحللون استبعدوا، في أحاديث مع الأناضول، أن يحقق هذا التحالف هدفه، محذرين من أنه سيزيد المنطقة "توترا ومعاناة"، ومشددين على ضرورة إنهاء الحرب على غزة كي تتوقف هجمات الحوثيين ضد بعض سفن الشحن في هذا الممر الملاحي الحيوي للتجارة الدولية.

 

وتضامنا مع غزة، استهدف الحوثيون، المدعومين من إيران، بصواريخ ومسيّرات سفن شحن في البحر الأحمر تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية أو تنقل بضائع من وإلى إسرائيل.

 

وتستحوذ التجارة البحرية على 70 بالمئة من واردات إسرائيل، ويمر 98 بالمئة من تجارتها الخارجية عبر البحرين الأحمر والمتوسط. وتساهم التجارة عبر البحر الأحمر بنسبة 34.6 بالمئة في اقتصاد إسرائيل، بحسب وزارة المالية.

 

ومنذ اندلاع الحرب على غزة، تقدم إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لحليفتها إسرائيل أقوى دعم عسكري واستخباراتي ودبلوماسي ممكن، حتى بات منتقدون يعتبرون واشنطن شريكة في "جرائم الحرب" بغزة.

 

وخلال زيارته إلى البحرين، حيث يوجد مقر الأسطول الأمريكي في الشرق الأسط، أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري تشكيل تحالف دولي باسم "حارس الازدهار"، بهدف "ضمان حرية الملاحة لكل البلدان وتعزيز الأمن والازدهار الإقليميين".

 

ويضم التحالف 10 دول هي: الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشل وإسبانيا والبحرين. فيما نسب موقع "بوليتيكو" الأمريكي لمسؤول رفيع في إدارة بايدن أن التحالف يضم 19 دولة، بينهم دول عربية، ولكن 9 دول فقط وافقت على الإعلان عن مشاركتها.

 

تخبط أمريكي

 

نضال شقير، أستاذ التواصل الاستراتيجي والعلاقات الحكومية في باريس، رجح أن "هذا التحالف سيكون شكليا.. ولا دولة في التحالف تمثل المنطقة، باستثناء البحرين.. أين السعودية وسلطنة عمان والإمارات؟".

 

واعتبر أن "الإدارة الأمريكية تتخبط في قراراتها فيما يخص الشرق الأوسط، فلو عدنا إلى بداية حقبة بايدن، سنلاحظ أن من أولى قراراته كان رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب".

 

واستطرد شقير وهو فرنسي من أصل لبناني، قائلا: "سياسات بايدن دفعت الدول الخليجية إلى التعاون مع إيران، فلماذا بعد المصالحة ستعود إلى كسب عداوتها؟".

 

ورجح أن "إدارة بايدن لن تستطيع فعل شيء، والحل يجب أن يكون سياسيا وليس عسكريا، لوقف مناوشات الحوثيين في البحر الأحمر".

 

وبالنسبة لدوافع الدول المشاركة في التحالف، قال شقير: "أهداف الدول متفاوتة، فمنهم من دخله بحكم التبعية للولايات المتحدة، ومنهم بسبب تعطل مصالحه، وآخرين كالبحرين لأنهم في مواجهة دائمة مع إيران".

 

وشدد على أنه "لن يتم إيقاف مناوشات الحوثيين الآنية؛ لأنك تتحدث عن مليشيات وليس دولة، والحل بسيط هو وقف حرب غزة حتى تعود الأمور إلى طبيعتها".

 

ومنذ 7 أكتوبر الماضي، يشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة، خلفت حتى مساء أول أمس الثلاثاء 19 ألفا و667 شهيدا، و52 ألفا و586 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، بحسب سلطات القطاع والأمم المتحدة.

 

معاناة غزة

 

سالم الجهوري، خبير العلاقات الدولية، نائب رئيس جمعية الصحفيين بسلطنة عمان، قال للأناضول: "أستغرب من تشتيت الانتباه عن معاناة غزة إلى مكان آخر وهو موضوع التحالف الذي يُراد له أن يؤمن خطوط الملاحة في البحر الأحمر".

 

وأضاف: "لأن هناك معاناة، بالتأكيد العرب سيتعاطفون مع غزة وسيستخدمون كل ما يملكون من وسائل للضغط، منها أيضا إدخال المواد الغذائية والمعونات الصحية والوقود".

 

الجهوري، وهو خبير في الشؤون الدولية، رأى أن "هذا التحالف لن يزيد المنطقة إلا توترا ومعاناة وسيطيل أمد الحرب والخلافات وسيزيد صعوبة الوضع في غزة والدول المتشاطأة على البحر الأحمر".

 

واعتبر أن "الحوثيين، سواء نتفق أو نختلف معهم بشأن اليمن، اصطادوا الفرصة (بدعم غزة) وبرزوا كداعم للقضايا العربية".

 

وبشأن مصير التحالف، قال الجهوري إنه "لن يحقق أهدافه في المرحلة القريبة، وعلى الدول الضغط على إسرائيل لوقف الحرب".

 

وأردف أن "الولايات المتحدة تبحث عمَن يحمي مصالحها ويساهم معها في تحمل تكلفة هذه الحرب، وهذه الأدوار تريد أن تكلف بها الدول القريبة من مجرى البحر الأحمر".

 

ومضى قائلا إن "الولايات المتحدة تريد ألا يكون تدخلها مباشرا، وإنما عبر المجموعة التي أعلنت عنها، وهي 19 دولة، بينها 9 أعلنت عن نفسها، وبقيت مجموعة لا ترغب في الإعلان عن نفسها، لكن يبدو أنها معروفة".

 

ومستنكرا، استطرد: "الحقيقة أن واشنطن تريد أن تحمي مصالحها في المنطقة، وتريد من أصدقائها العرب وجيران إسرائيل القيام بهذا الدور الذي تكافئهم عليه بانحيازها لتل أبيب وترد الجميل لهم بدفع الأموال والسلاح والجنود والمعدات وتحريك حاملات الطائرات بالقرب من إسرائيل للمساهمة في إبادة أهل غزه".

 

وتابع أن "إسرائيل تدفع أهل غزة إلي الحدود المصرية لإخراجهم من القطاع لتضمه إليها وتديره أمنيا (كما حدث خلال احتلاله بين 1967 و2005). والولايات المتحدة ذهبت بعيدا في انحيازها وهذا أمر يفرض على العرب مراجعة مصالحهم مع واشنطن".

 

وعاد الجهوري للحديث عن التحالف قائلا إنه "لا يمكن لهذه الدول إيقاف تهديدات الحوثيين للسفن.. إلا إذا اختاروا تدمير اليمن وصنعاء لوقف التهديدات للملاحة البحرية".

 

الجهوري رأى أن الدول المشاركة في التحالف تريد "تخفيف الضغط السياسي العالمي لحل مشكلة فلسطين ولإيقاف الحرب والإبادة في غزة والاعتداءات في الضفة الغربية".

 

وفيما يتعلق بوجود البحرين كدولة عربية وحيدة ضمن التحالف، قال الجهوري إن "بعض الدول العربية مترددة ولها حسابات أخرى، خاصة وأن بعضها قطع شوطا في عملية سلام مع الحوثيين".

 

وحذر من أن خطوة التحالف "تنسف كل الجهود التي بنيت على مدى 6 سنوات لتقريب وجهات النظر بين (أطراف النزاع اليمني).. هذه الخطوة تنسف كل ذلك لنحقق الغايات التي تريدها إسرائيل".

 

واختتم حديثه بالقول: "العرب تعرضوا للكثير من الحروب والطغيان العسكري والسياسي الإسرائيلي، ويأتي هذا التحالف لتحييد صنعاء (الحوثيين) من استخدام قدراتها.. هذا المشروع أمامه الكثير من علامات الاستفهام ولن يكتب له النجاح".

 

مواطن قوة

 

كاوه حسن، الباحث في شؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا لدى مركز ستيمسون بالعاصمة البلجيكية بروكسل، قال إن "توقيت الإعلان عن هذا التحالف يعود إلى ازدياد هجمات الحوثيين على سفن تجارية في باب المندب، وقرار شركات شحن كبرى تعليق نشاطها عبر البحر الأحمر".

 

وتابع حسن للأناضول، وهو هولندي من أصل عراقي: "هذا يؤثر على التجارة العالمية.. ليس فقط مصالح الولايات المتحدة في خطر، وإنما كل الدول؛ فنسبة غير قليلة من التجارة (نحو 40 بالمئة) تمر عبر باب المندب والبحر الأحمر".

 

ومضيق باب المندب يقع بين شبه الجزيرة العربية وإفريقيا، ويربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، ويختصر رحلات السفن 14 يوما في المتوسط.

 

وبخصوص التحالف نفسه، اعتبر حسن أن "ملامحه غير واضحة، ولكنه يضم دولا كبرى مؤثرة بقيادة واشنطن، وبالتأكيد سيكون له مواطن قوة".

 

ومشيرا إلى غياب ما وصفها بـ"الدول الإقليمية الهامة"، كمصر والسعودية والإمارات، قال حسن إن "مصر لا ترغب في التورط في أفعال ضد الحوثيين، لتفادي أي تصعيد محتمل معهم".

 

كما أرجع عدم مشاركة مصر إلى "دعم الولايات المتحدة لإسرائيل واستمرار حربها على غزة.. القاهرة لا تريد أن تظهر، عبر المشاركة في التحالف، وكأنها تدعم الحرب على غزة".

 

أما عن عدم انضمام السعودية، فاعتبر حسن أن للرياض وأبو ظبي "أسباب خاصة، بينها أيضا حرب إسرائيل على غزة، وأنها لا تريد أي تصعيد مع الحوثيين، إذ تريد إنهاء الحرب في اليمن (اندلعت قبل نحو 9 سنوات)، ومفاوضاتها مع الحوثيين مستمرة بهذا الشأن".

 

وعلى الرغم من وجود "مواطن قوة" في التحالف، إلا أن حسن ختم حديثه متسائلا: "هل بالفعل هذا التحالف وقوته ستكون كافية لردع الحوثيين؟".


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن غزة البحر الأحمر أمريكا اسرائيل الولایات المتحدة فی البحر الأحمر هذا التحالف فی التحالف على غزة

إقرأ أيضاً:

إسرائيل والأكراد: تحالف الأقليات يرسم خريطة الشرق الأوسط

29 مارس، 2025

بغداد/المسلة: تثير العلاقات السرية بين إقليم كردستان العراق وإسرائيل جدلاً واسعاً، فضلا عن مشاريع اخرى مثل أنبوب العقبة، الذي يُنظر إليه كجزء من محاولات تطبيع اقتصادي مع إسرائيل.

وتعود جذور هذه العلاقات إلى ستينيات القرن الماضي، عندما دعمت إسرائيل الأكراد عسكرياً ضد الحكومة العراقية، كما كشف نائب رئيس الموساد الأسبق، نحيك نفوت، عن دور الأكراد في تهجير يهود العراق إلى إسرائيل عبر إيران عام 1969.

واقتصادياً، أصبح إقليم كردستان مصدراً رئيسياً لنفط إسرائيل، حيث أفادت صحيفة “فايننشال تايمز”  أن 75% من واردات النفط الإسرائيلية تأتي من الإقليم، مما يعزز التعاون الاقتصادي بين الطرفين.

وتعتمد إسرائيل استراتيجية “تحالف الأقليات” التي أسسها ديفيد بن غوريون، بهدف بناء علاقات مع جماعات غير عربية في المنطقة، مثل الأكراد في العراق وسوريا والدروز في سوريا، لخلق توازن استراتيجي ضد الدول العربية المعادية.

و تهدف هذه السياسة إلى تعزيز نفوذ إسرائيل عبر دعم هذه الأقليات، سواء عسكرياً أو اقتصادياً، لتشكيل كيانات موالية أو مستقلة تخدم مصالحها الجيوسياسية.

وثار مشروع أنبوب العقبة، الذي يهدف إلى نقل النفط من العراق عبر الأردن، مخاوف من ارتباطه بإسرائيل.

وحذر النائب السابق وائل عبد اللطيف من أن المشروع يهدد سيادة العراق ويمثل تطبيعاً اقتصادياً، مشيراً إلى أن الأردن، الذي يعتمد سياسياً على إسرائيل، قد يكون أداة لتمرير أجندات خارجية.

ويرى عبد اللطيف أن جهات داخلية وخارجية تسعى لربط العراق بإسرائيل عبر هذا المشروع، مما يعزز الشكوك حول دوافع التعاون الكردي-الإسرائيلي وتأثيره على الاستقرار الإقليمي. ه

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • بكين تدعو واشنطن للتمسك بمبدأ الصين الواحدة في علاقاتها مع تايوان
  • الأمن اللبناني يوقف مشتبها بهم في إطلاق صواريخ نحو إسرائيل
  • هل ينفذ ترامب تهديداته بقصف إيران؟ محللون يجيبون
  • نتنياهو: واشنطن تتعامل بقوة كبيرة مع الحوثيين في اليمن
  • هل فشلت مغامرة تحالف نيروبي؟
  • هكذا غيَّر ترامب إستراتيجية واشنطن العسكرية ضد الحوثيين
  • إسرائيل والأكراد: تحالف الأقليات يرسم خريطة الشرق الأوسط
  • ترامب يوقف مساهمة أمريكا في ميزانية منظمة التجارة
  • واشنطن تؤكد انخراطها في جهود وقف الحرب في السودان
  • لماذا قصفت إسرائيل ضاحية بيروت الجنوبية؟ محللون يجيبون