26.4 مليار ريال إجمالي الناتج المحلي و2% نمو الاقتصاد في سلطنة عمان
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
القيمة المضافة للأنشطة غير النفطية تحقق زيادة تفوق التوقعات
تطورات إيجابية في قطاعات التنويع وارتفاع قيمتها المضافة
تواصل أنشطة الإقامة والخدمات الغذائية التعافي بمعدلات جيدة
تراجع نمو الأنشطة الصناعية بنسبة 2.6%
قادت الأنشطة غير النفطية زخم نمو الاقتصاد وزيادة الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان خلال العام الجاري، وسجلت القيمة المضافة للأنشطة غير النفطية معدل زيادة يفوق التوقعات محققة نموا بنسبة 3.
ومقوما بالأسعار الثابتة، زاد حجم الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان خلال الربع الثالث من العام الجاري إلى 9.3 مليار ريال عماني بنسبة نمو 2.2 بالمائة، وهو ما يرفع إجمالي حجم الناتج المحلي لسلطنة عمان مقوما بالأسعار الثابتة إلى 26.4 مليار ريال عماني وإلى 31.4 مليار ريال عماني، مقوما بالأسعار الجارية، وذلك خلال الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام التي شهدت نسبة نمو حقيقي للناتج المحلي بنحو 2 بالمائة.
وبنهاية الربع الثالث من 2023، سجلت الأنشطة غير النفطية مساهمة بنحو 65 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي لسلطنة عمان أي ما يقدر بحوالي 6.4 مليار ريال عماني في حين بلغت نسبة مساهمة الأنشطة النفطية في الناتج المحلي 35 بالمائة، وقد سجل النمو في القطاعات النفطية تراجعا بنسبة 0.9 بالمائة بنهاية الربع الثالث نظرا لخفض معدلات الإنتاج من قبل الدول المصدرة للنفط في إطار الالتزام بالسياسات التي اتبعتها مجموعة أوبك بلس بهدف الحفاظ على توازن السوق النفطية.
وجاء زخم النمو في الأنشطة غير النفطية خلال الربع الثالث بدعم من أداء جيد في عدد من قطاعات التنويع الاقتصادي والأنشطة الخدمية، حيث ارتفعت القيمة المضافة لقطاعات الزراعة والصيد والنقل والتخزين والأنشطة العقارية وأنشطة المعلومات والاتصالات والصحة والتعليم كما واصلت أنشطة الإقامة والخدمات الغذائية التعافي بمعدلات جيدة، في حين تراجع نمو الأنشطة الصناعية بنسبة 2.6 بالمائة.
وكان الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة قد سجل نموا نسبته 2.1 بالمائة خلال النصف الأول من هذا العام ليصل إلى نحو 17.0 مليار ريال، مقارنة بنحو 16.7 مليار ريال خلال النصف الأول من 2022. ومقوما بالأسعار الجارية، سجل الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان نحو 20.4 مليار ريال خلال النصف الأول من هذا العام، وترجح توقعات وزارة الاقتصاد أن يتم تحقيق معدل نمو إجمالي للناتج المحلي بنسبة 2.3 بالمائة بنهاية عام 2023.
وتعد معدلات النمو المحققة خلال العام الجاري عند مستويات جيدة تتوافق مع النظرة الإيجابية لوزارة الاقتصاد والتقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، كما تتجاوز معدلات النمو في سلطنة عمان متوسطات النمو المحققة في منطقة دول المجلس، كما يجدر الإشارة إلى أن استمرار النمو الجيد للاقتصاد العماني يأتي رغم العديد من التحديات التي تواجه آفاق نمو الاقتصاد العالمي، وقد أكد تقرير الآفاق الاقتصادية لمنطقة دول مجلس التعاون الصادر مؤخرا عن البنك الدولي على أن منطقة دول مجلس التعاون قد شهدت تحسنا ملحوظا في أداء القطاعات غير النفطية على الرغم من تراجع إنتاج النفط خلال عام 2023، واستمد النمو زخمه من جهود التنويع الاقتصادي وتطوير القطاعات غير النفطية، ورجح التقرير هدوءا لوتيرة نمو الاقتصاد في منطقة دول مجلس التعاون بسبب تخفيضات إنتاج أوبك بلس وتباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي خلال العام الجاري مع توقع نمو أعلى خلال عام 2024.
وكانت سلطنة عمان قد نجحت في تحقيق معدل نمو مرتفع خلال العام الماضي مما ساهم في رفع حجم الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى قياسي، وخلال العام المقبل، من المتوقع أن يرتفع معدل النمو الاقتصادي بدعم من تواصل الإصلاحات الهيكلية ومبادرات التنويع التي تعزز ارتفاع النمو في القطاعات غير النفطية خاصة الإنشاءات والسياحة والاستثمارات المتنامية في قطاع الطاقة المتجددة وغيره من قطاعات التنويع الاقتصادي.
وتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان، بالأسعار الجارية، 44 مليار ريال عماني خلال عام 2022 مرتفعا بنسبة 30 بالمائة بالأسعار الجارية وبنسبة 4.3 بالمائة بالأسعار الثابتة، معززا بنمو كبير في القطاعات النفطية وغير النفطية، حيث سجل القطاعان نموا نسبته 61.6 بالمائة و16.9 بالمائة على التوالي بالأسعار الجارية.
وبسبب تبعات الجائحة وتراجع النفط، كان النمو قد شهد حالة من الانكماش خلال عام 2020، وانتقل للتعافي الجيد بدءا من عام 2021 حيث سجل نموا بنسبة 3.1 بالمائة.
وانعكاسا للتطورات الإيجابية على الصعيد الاقتصادي والمالي، رصد تقرير البنك المركزي العُماني حول التطورات المالية والاقتصادية في سلطنة عمان أن التعافي في القطاعات غير النفطية يعد واسع النطاق، حيث أظهرت جميع القطاعات الرئيسة نموا إيجابيا خلال 2022، وتوسعت الأنشطة الصناعية غير النفطية بنسبة 23.5 بالمائة، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى زيادة القيمة المضافة في قطاع الصناعات التحويلية.
كما أكد صندوق النقد الدولي على استمرار الاقتصاد في سلطنة عمان في مسار النمو بدعم من المستويات الجيدة لأسعار النفط ونمو الأنشطة النفطية وغير النفطية، وقد أشادت بعثة الصندوق بالنتائج الإيجابية التي حققها الأداء الاقتصادي والمالي لسلطنة عُمان مؤكدة على التسارع الذي تشهده وتيرة نمو الأنشطة غير النفطية التي زادت من 1.2 بالمائة في عام 2022 إلى 2.7 بالمائة في النصف الأول من عام 2023، بفضل تعافي قطاعات الزراعة والحراجة وصيد الأسماك وقطاع الإنشاءات وتحسن أداء الأنشطة الخدمية.
وتتبنى سلطنة عمان رؤية طموحة لتعزيز التنويع الاقتصادي ودعم كافة القطاعات غير النفطية، لتكون مصدر النمو الرئيسي للناتج المحلي الإجمالي، وتحقيقا لهذه الرؤية شهدت الأعوام الماضية تسارعا في مبادرات وخطط التحفيز الاقتصادي ووضع الاقتصاد والتنمية على مسار مستدام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الناتج المحلی الإجمالی لسلطنة عمان الأنشطة غیر النفطیة التنویع الاقتصادی بالأسعار الجاریة ملیار ریال عمانی القیمة المضافة النصف الأول من الربع الثالث نمو الاقتصاد العام الجاری نمو الأنشطة فی القطاعات خلال العام النمو فی بنسبة 2
إقرأ أيضاً:
الخطاب الديني في سلطنة عمان.. تعزيز للتسامح والاعتدال والتقارب
يعزز الخطاب الديني في سلطنة عمان، العديد من المفاهيم ذا الصلة بالإنسانية والتسامح والاعتدال، وينمي في النفوس روح المحبة والتقارب والخير، ومحاسبة النفس والعودة إلى تقويم الذات وتصحيح الجوانب التي قد يشوبها انحراف عن المسار القويم للإنسانية السمحة والمعتدلة.
وعرف الخطاب الديني في عمان بالاعتدال والدعوة دائما إلى التسامح وقبول الآخر، ويتجلى ذلك في المفاهيم والمحاور التي يتبناها الخطاب الديني في كل مراحلة، خاصة في شهر رمضان الذي يلزم فيه الناس المساجد ومتابعة الخطب والمحاضرات الدينية.
وأكد عدد من المختصين على أن نهج الخطاب الديني في سلطنة عمان نهج التسامح والدعوة إلى التقارب ونبذ أوجه الشقاق أو الفتن، والدعوة بالهدوء واللطف وتقبل آراء الآخرين، مؤكدين على ضرورة تجديد الخطاب الديني ومواضيعه لتتناسب ومتطلبات المرحلة وتطور الوسائل.
رقي الخطاب الديني
وقال الباحث بدر بن سالم العبري: إن التّسامح والعمل الاجتماعيّ مفهومان مطلقان من حيث الزّمنيّة، ولا يمكن حصرهما في شهر ما كرمضان، ولكن في الوقت ذاته رمضان فرصة للتّذكير بهما وبأهميّتهما، فهناك فارق بين التّذكير وبين ما انغرس في العقل الجمعيّ من تصوّر أنّه يسامح في رمضان، فإذا انقضى قطع وآذى، فهناك من ينظر إلى رمضان لذاته، وكأنّ رمضان هو الّذي يثيب ويمنع، ويعفو ويعاقب، بيد أنّ الأصل في المنظور إلى مَن كتب علينا الصّيام، أي الله جلّ جلاله.
وأضاف: تأتي أهميّة الخطاب الدّينيّ في تصحيح المفاهيم، وفي مراجعة العديد من القضايا الاجتماعيّة في رمضان من خلال مفاهيم القرآن الكبرى، خاصّة وأنّ العديد من النّاس لصيقة المسجد في رمضان، ولديهم من الفراغ ما يملأونه بالاستماع إلى الخطاب الدّينيّ، فلا ينبغي أن يقتصر هذا الخطاب على المواعظ المكرّرة، والكلام الّذي يُكرّر كلّ عام، وخصوصا أنّ مثل هذه المواعظ حاضرة اليوم بشكل طبيعيّ في وسائل التّواصل الاجتماعيّ، ولا يكاد تخفى على أحد.
وأكد العبري على الحاجة إلى أن يكون هناك رقيّ في الخطاب الدّينيّ ذاته، يتناسب والمرحلة الّتي نعيشها، ليس على مستوى الأدوات المستخدمة في الخطاب، أو طريقة الخطاب ذاته، فنحن بحاجة إلى تجديد ورقيّ الخطاب بحيث يتناسب والمرحلة الزّمنيّة الّتي نعيشها، ويكون منفتحا على جميع الأجواء الثّقافيّة والفكريّة والمعرفيّة المعاصرة، ولا يكون محصورا في اتّجاه وخطاب تقليديّ متكرّر، فكلّما اتّسعت أجواء الخطاب؛ ساهم ذلك في رقيّ الخطاب الدّينيّ ذاته.
وأوضح العبري أن قضيّة التّعايش والتّسامح اليوم لم تعد منحصرة عند أدبيات وأخلاقيات سلوكيّة طبيعيّة في المجتمع، كقضايا حقوق الجوار وابن السّبيل، وإعادة تكرار لروايات وقصص حدثت في واقع ظرفيّ غير واقعنا، بل أصبحت قضيّة تطرح من زوايا متعدّدة، فهي قضيّة فلسفيّة في الابتداء، متعلّقة بقيم الذّات الإنسانيّة المطلقة، كالكرامة والمساواة والعدل، كما أصبحت قضيّة إجرائيّة متعلّقة بالمواطنة من حيث نظام الحكم الأساسيّ، ومصاديقه التّشريعيّة في القوانين، كما أصبحت حالة اجتماعيّة ونفسيّة متعلّقة بالاجتماع البشريّ، وفي الوقت ذاته لما يمرّ به العالم اليوم من حالات انغلاقيّة وتكفيريّة متطرّفة تؤثر في استقرار الدّول والاجتماع البشّريّ، فأصبحت مرتبطة بالجوانب السّياسيّة والأمنيّة، وعليه ينبغي على الخطاب الدّينيّ أن لا يكون منحصرا في زاوية ضيّقة في طرح الخطاب، بل ينبغي أن يتفاعل مع الاتّجاهات الأخرى، وهذا يرفع من قيمة الخطاب المسجديّ في رمضان، ويتفاعل إيجابا مع تطوّر المجتمعات البشريّة، والتّداخل المعرفيّ والثّقافيّ.
وأكد العبري على انه ينبغي أن لا يكون الخطاب الدّينيّ كلاسيكيّا لا يتعدّى إعادة ما ذكر في ظرفيّات لها ما يناسبها من خطاب، وإن كانت قيمته باقيّة في مطلقيّة البر والإحسان والتّعاون المجتمعيّ، ولكن ينبغي أن تكون مصاديقه وفق زمننا، لهذا حضور الجانب الاقتصاديّ والقانونيّ وتوعية النّاس بهما أصبح ضرورة اليوم، كما ينبغي أن يكون استثمار أعمال البر بما يتناسب في تدوير المال تدويرا استثماريّا، عن طريق الوقف، أو المساهمة في خلق وظائف تساهم في استمراريّة استقرار الأسر المحتاجة، وتتحول بذاتها إلى أسر منتجة، كذلك إحياء الإنسان اليوم بالمساهمة في تعليمه ورقيّه ثقافيّا وصحيّا أولى من إسراف الإنفاق في بناء المساجد وتزيينها، وهذا يحتاج إلى خلق وعي عن طريق الخطاب الدّينيّ، الّذي ينفتح على واقع العصر، ويتماشى معه.
تأثير القيم
من جانبها أكدت الدكتورة صابرة بنت سيف بن أحمد الحراصية متخصصة في علم النفس التربوي على أن شهر رمضان بروحانيته الخاصة، فتُقبل النفوس على العبادة، وتُضاعف الأعمال الصالحة، ويجد الخطاب الديني تأثيرًا أعمق في قلوب الناس. ومع دخول هذا الشهر المبارك، نلاحظ كثافة في حلق الذكر والمناشط الدينية والمسابقات القرآنية التي تُنظمها المؤسسات الدينية والجماعات المسجدية والتربويون والمجتمع بمختلف فئاته، إلى جانب الجهود التي يبذلها الدعاة والأئمة لتعزيز الوعي الديني واستثمار الأجواء الرمضانية في توجيه الناس نحو الخير. كما يبرز رمضان كفترة تزدهر فيها الأنشطة المجتمعية التي تُعزز قيم العطاء والتعاون، مثل المبادرات التطوعية لخدمة المحتاجين، وبرامج دعم الأسر المتعففة، والمشاريع الشبابية التي تهدف إلى نشر الوعي بالقيم الإسلامية بأساليب إبداعية، مما يعكس تزايد الإقبال على التفاعل المباشر مع الخطاب الديني والمجتمعي خلال هذه الفترة.
وأشارت الحراصية إلى انه في المقابل، يلاحظ أن الإقبال على حضور المحاضرات والدروس الدينية خارج رمضان يكون أقل مقارنةً بهذا الشهر الفضيل، وهو أمر طبيعي نظرًا لما يميز رمضان من أجواء إيمانية خاصة، حيث تتضاعف فيه الأجور، ويكون الناس أكثر حرصًا على استثمار وقتهم في العبادات والطاعات. ومع ذلك، فإن التغيرات التي طرأت على وسائل تلقي المعرفة، وتنوع أساليب الخطاب الديني، ساهمت أيضًا في تراجع الحضور في غير رمضان، مع بحث البعض عن بدائل تلائم إيقاع حياتهم المتسارع. فقد أتاح انتشار البرامج التلفزيونية، ومقاطع الفيديو القصيرة، والمدونات الصوتية (البودكاست)، ومنصات التواصل الاجتماعي للناس فرصة الوصول إلى المحتوى الديني في أي وقت ومن أي مكان، مما جعل البعض يفضلون هذه الوسائل المرنة على الحضور الفعلي للمحاضرات في المساجد. إلى جانب ذلك، فإن التجديد في أساليب الطرح الديني، ولجوء بعض الدعاة إلى استخدام لغة تحليلية أو فلسفية قد لا تكون قريبة من الجمهور العام، ساهم في إحداث فجوة بين بعض الأفراد والخطاب الديني التقليدي. وفي المقابل، هناك من يطرح القضايا الدينية بأسلوب بسيط جدًا لا يتناسب مع احتياجات المجتمع المتغيرة، أو يعيد تناول موضوعات قد لا تلامس الواقع الحالي ولا تعالج التحديات التي يواجهها الأفراد، مما يجعل بعض الفئات، خاصة الشباب، يشعرون بعدم ارتباط هذا الخطاب بقضاياهم اليومية. هذا التنوع في الأساليب، رغم أنه يعكس اجتهاد الدعاة في توصيل الرسالة الدينية، إلا أنه يؤكد الحاجة إلى خطاب ديني متوازن يجمع بين العمق والوضوح، وبين الأصالة ومواكبة العصر، بحيث يكون قريبًا من هموم الناس، ويعالج قضاياهم بأسلوب يجذبهم ولا ينفرهم.
وبينت الدكتورة الحراصية انه وسط هذه التحديات، يظل رمضان فرصة لإعادة التفاعل المباشر مع الخطاب الديني، حيث يكون الناس أكثر إقبالًا على التوجيه والاستماع إلى المواعظ، وأكثر انفتاحًا على القيم الإسلامية التي تتجلى بوضوح في هذا الشهر.
ولا تقتصر أجواء رمضان الروحانية على المسلمين فحسب، بل تمتد لتشمل غيرهم ممن يعيشون في المجتمعات الإسلامية، حيث يتفاعلون مع قيم الشهر الفضيل، ويشاركون في مظاهره الروحانية والاجتماعية، مثل موائد الإفطار الجماعية، وحضور الفعاليات الرمضانية، والتجمعات التي تعكس روح الشهر وقيمه. ومن خلال هذه التجربة المباشرة، يجد البعض فرصة للتعرف على الإسلام عن قرب، وهو ما يعزز فهمه الصحيح بعيدًا عن الصور النمطية، وقد يكون منطلقًا لطرح التساؤلات حوله بل واعتناقه لدى بعضهم.
وأكدت أن تأثير القيم يزداد حين يكون التسامح والتعايش جزءًا أصيلًا من الهُوية المجتمعية، كما هو الحال في سلطنة عمان، التي تُعد نموذجًا متفردًا في ترسيخ مبادئ الاحترام المتبادل والانفتاح الواعي على مختلف الثقافات والمذاهب. فعلى الرغم من أن التسامح والانفتاح نهج ثابت في السلطنة، إلا أن مظاهره تبرز بشكل أوضح خلال رمضان، حيث تتجلى روح التآخي في تعاملات الناس، ويتشارك الجميع أجواء الشهر الفضيل، مما يمنح غير المسلمين فرصة فريدة لمعايشة قيم الإسلام في صورتها الحقيقية. وتنعكس هذه القيم أيضًا في الخطاب الديني العماني، الذي يتميز بالوسطية والمرونة، بعيدًا عن الغلو أو التشدد، مما أسهم في تعزيز ثقافة الحوار ونشر روح الألفة بين أفراد المجتمع. ويظهر ذلك جليًا في المساجد والمجالس الدينية، حيث يتم تناول القضايا بأسلوب يعزز الأخلاق الفاضلة، ويحث على الرحمة والتعاون.
وأوضحت الحراصية أن الخطاب الديني له دور في تقويم السلوك إلى جانب دوره في تعزيز التكافل، خاصة في ظل التحديات التي يفرضها العصر الحديث وانتشار المغريات المتنوعة. فمع التطور التكنولوجي الهائل والانفتاح الثقافي عبر الإنترنت، أصبح الشباب معرضين لمؤثرات عديدة، قد تؤثر على أنماط تفكيرهم وسلوكياتهم. هنا يظهر أثر الخطاب الديني في ترسيخ القيم وضبط السلوكيات، حيث يساعد في توعية الأفراد بخطورة الانسياق وراء المؤثرات السلبية، ويوجههم إلى كيفية التفاعل الواعي مع مستجدات العصر دون التفريط في المبادئ الإسلامية. وتشير الدراسات في علم النفس والسلوك إلى أن الخطاب الديني الذي يعتمد على أسلوب الإقناع والحوار بدلاً من الخطاب الوعظي التقليدي، يكون أكثر فاعلية في التأثير على الأفراد وتحفيزهم نحو التغيير الإيجابي. فعندما يقدم الدين كمنهج حياة شامل، وليس مجرد قائمة أوامر ونواهٍ، يصبح أكثر جاذبية، خاصة لدى الشباب الذين يحتاجون إلى فهم أعمق لكيفية الموازنة بين التقدم الحضاري والثوابت الدينية.
وقالت إن كل هذه الجهود تؤكد أن الخطاب الديني المتزن، حين يُقدَّم بروح المحبة والرحمة، يكون أكثر تأثيرًا في القلوب، وأقدر على بناء مجتمع أكثر ترابطًا وانسجامًا، حيث تتجسد القيم الإسلامية في أفعال ملموسة تعود بالنفع على الجميع.
أساليب الخطاب
من جانبه قال حمد بن هلال الخصيبي: إن شهر رمضان يعد فرصة ذهبية لتعزيز قيم التسامح والتعاون بين أفراد المجتمع، حيث يكتسب الخطاب الديني أهمية خاصة في توجيه الناس نحو معاني الرحمة والإحسان والتكافل، فالخطب والمواعظ الدينية التي تُلقى في المساجد أو تُبث عبر وسائل الإعلام تسهم بشكل مباشر في ترسيخ القيم الإسلامية السمحة، وتعزيز روح المحبة والتعاون بين الناس.
وأكد الخصيبي أن الخطب الدينية خلال الشهر الفضيل ترسيخ مفهوم التسامح، وهو أحد المبادئ الأساسية في الإسلام، من خلال الدعوة إلى العفو والتجاوز عن الأخطاء، ونبذ الخلافات، وتقوية أواصر الأخوة بين الأفراد، كما يشجع الخطاب الديني على التعاون بين أفراد المجتمع، سواء من خلال العمل الخيري، أو تقديم العون للمحتاجين، أو حتى في أبسط صور التعاون داخل الأسرة والمحيط الاجتماعي.
وأشار إلى أن التكافل الاجتماعي من أبرز القيم التي يعززها الخطاب الديني في رمضان، حيث يُحث المسلمين على إخراج الزكاة والصدقات، والمشاركة في إفطار الصائمين، ودعم الأسر المحتاجة. وتعتبر هذه الأعمال تطبيقًا عمليًا لمبادئ التعاون والمساعدة، مما يسهم في تقوية التماسك المجتمعي وتقليل الفجوة بين الفئات المختلفة.
وأوضح الخصيبي أنه ينبغي تطوير الخطاب الديني ليكون أكثر قربًا من واقع الناس، من خلال استخدام أسلوب بسيط وسهل للفهم، والاستشهاد بقصص واقعية تُلهم الأفراد وتحثهم على التحلي بالقيم الإيجابية. كما يمكن توظيف وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر الرسائل الدينية الداعية إلى التسامح والتعاون، مما يساعد في الوصول إلى شريحة أوسع من المجتمع.
تعزيز المحتوى
وقال سعيد بن عبدالله العزري متخصص في الإعلام والاتصال: إن الخطاب الديني في شهر رمضان يضفي روحانيّة تنسجم مع قدسيّة الشهر؛ حيث تتجلى فيه أسمى قيم الإيمان والتقوى، إلى جانب كونه فرصة لتعزيز أواصر التسامح والتعاون بين أفراد المجتمع، وتهذيب النفس من العادات السلبيّة، ليساهم الخطاب كأداة فاعلة في حث الهمم نحو ذلك؛ فتأثير الخطاب على الجمهور كبير وواضح على مداه الطويل بأي منصة اتصاليّة كانت (رقميّة أو تقليديّة) بما يحقق تأثيرًا في اتجاهات الجمهور إزاء قضايا محددة.
وأكد العزري أن ما تبثه وسائل الإعلام في سلطنة عُمان خلال شهر رمضان المبارك من خطاب ديني يساهم في تعزيز القيم نحو التكاتف بين أفراد المجتمع والتعاون، وهو أمرٌ محمود ويظهر من خلال ما تعرضه المنصات الإعلاميّة مسموعة أو مرئيّة أو مكتوبة للمبادرات القائمة في خدمة المجتمع وتعزيز روح التآلف بينهم، يقابله تفنيد موضوعيّ وشرعيّ لأحكام يواجهها المسلم والصائم على حد سواء، والجيد في خطابنا الديني أنه مواكب ومساير للتغيرات الفكريّة التي لا ينأى مجتمعنا العُماني عنها بنفسه في هذا العالم متعدد الثقافات.
موضحا أن ما يقدمه الإعلام العُماني من خطاب متزن ومتنوع خلال شهر رمضان له محلُّ الرضا، يقابله تطلعٌ بتكثيف المحتوى بأفكار مبدعة تقدم الرسائل والقيم الإيجابية بقالب يلامس مختلف شرائح الجمهور لتحقق تأثيرها الفاعل، لتستنبط تجارب وممارسات قدّمت على مستوى الوطن العربي في الإعلام وحقق نجاحُها تأثيرًا طويل الأمد.