من الأسئلة التي تواجهني يوميا، ولا يخلو يوم منها منذ السابع من أكتوبر، وبداية الحرب والمجازر على غزة، سؤال من الجماهير تدور فحواه: حول تقصير الشعوب مع غزة وأهلها، وأنهم لم يعد لديهم أية حيلة ينصرونهم بها، سوى الدعاء، فهل هذا يكفي؟ بل إن السؤال يتطور ويصبح: ألسنا شركاء في التقصير والإهمال لهم؟ والسؤال في كل هذه الحالات مقصود به الفتوى الدينية، حيث الإثم والحساب الأخروي أمام الله تبارك وتعالى.
بداية فإن هذا الشعور يدل على ضمير حي، وينم عن حالة صحية تحياها الأمة تترجمه لهذا السؤال الدائم حول ماذا يمكن أن يقدموا، وتتهم نفسها بالتقصير الدائم، رغم ما قدمته، سواء على مستوى الشعوب العربية أو الغربية، فحقيقة الأمر أن الشعوب قدمت حسب استطاعتها ما يعد عطاء مهما، وإن كان المنتظر والمأمول أن يكون أكبر من ذلك، فإن الإنسان المسلم خاصة يقدم العطاء، متمنيا من الله القبول، وراجيا منه أن يوفقه لأكثر من ذلك، فما يمكن رصده مما قدمته الشعوب كثير، لكن ذكر بعضه مهم، لأنه يعطي أملا في الاستمرار، والتطوير.
فمما قدمته الشعوب وبرز أثره سريعا، المقاطعة الاقتصادية لكل الشركات التي تدعم الكيان الصهيوني، حتى أعلنت شركة ستار بوكس خسائر بلغت أحد عشر مليار دولار، وأجبرت الشعوب شركة كزارا تعتذر بشدة عن حملة دعائية قامت بها، فهمت منها أنه تعريض وسخرية من الشهداء في غزة، فقامت بسحبها والاعتذار، وقس على ذلك ميادين أخرى للمقاطعة.
فمنها ما قامت به الشعوب من مواقف تجاه من أيدوا الكيان الصهيوني، أو كانوا خصما للمقاومة، ممن سموا بالصهاينة العرب، سواء على مستوى إعلاميين، أو مشايخ، أو فنانين، وكم كانت مواقف الجماهير نحو هؤلاء مهمة ومؤثرة، بل أعطت إشارة لأمثالهم بأن مصيرهم لن يختلف كثيرا عنهم، وهو الإهمال والمهانة، وسخط الجماهير عليهم.
كما أسقطت الشعوب مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني، واتضح أنه مجرد مشروع لن يتجاوز حدود الأنظمة والحكام، ورغم مرور سنوات على هذا المشروع، ومحاولة الكيان والمطبعين إيهام الشعوب أن معهم كثير من الشعوب، وأنهم اقتحموا مجالات عدة، فهو محض وهم، فالأحداث الأخيرة وما قبلها، تثبت دوما أن خيار الشعوب هو رفض كل تطبيع، ورفض كل من يكون ينتمي لهذا المعسكر، وهو ما ألقى بظلاله على مؤيدين من قبل للسلام مع الكيان، مثل: الدكتور أسامة الغزالي حرب، فخرج علنا على إحدى الفضائيات المصرية يعلن رفضه وكفره بهذا السلام، وهذا التطبيع، وأنه لا ينام الليل مما يرى من مجازر في غزة.
أسقطت الشعوب مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني، واتضح أنه مجرد مشروع لن يتجاوز حدود الأنظمة والحكام، ورغم مرور سنوات على هذا المشروع، ومحاولة الكيان والمطبعين إيهام الشعوب أن معهم كثير من الشعوب، وأنهم اقتحموا مجالات عدة، فهو محض وهموالحشود والمظاهرات والمسيرات التي خرجت سواء على مستوى العالم العربي أو الغربي، رغم التضييق على هذه المسيرات، وعلى أي تأييد لغزة والمقاومة، وصل حد التهديد بسحب جنسيات من يثبت دعمه للمقاومة، بل اقترحت بعض دول أوروبا أن يكون ضمن مسوغات منح الجنسية إعلان إدانته لها، وتأييده للكيان، وخروج أصحاب جامعات أمريكية يعلنون عن تحالف رؤساء جامعات يعلنون فيه أن أي طالب سيثبت دعمه لغزة والمقاومة فلن يحظى بوظيفة بعد التخرج في شركاتهم، ومع ذلك خرج الطلاب والطلبة، من الغربيين، يحتشدون بمئات الآلاف، مطالبين بإنهاء الحرب على غزة.
بل تطور الحراك في أمريكا، فقامت مقاطعات بإعلان رفضها منح صوتها للرئيس الأمريكي الحالي بايدن عند ترشحه، عقابا شعبيا سلميا منهم، على موقفه الداعم للحرب والمجازر، وهو موقف يتصاعد في أمريكا، ويتصاعد في دول أخرى أيضا.
وقوافل الإغاثة الإنسانية التي خرجت من دول عدة، معظمها تبرعات من شعوب منها الغنية، وكثير منها يعانون الفقر، وقد رأينا تبرعات تخرج من مواطنين مصريين على بعض القنوات، بمبالغ قد يراها المشاهد زهيدة وقليلة، لكنها معبرة عن روح التضامن، وتعتبر استفتاء حيا لرفض التطبيع، ولو كان لدى الشعوب ثقة كافية لقدموا أكثر لنجدة غزة وأهلها.
وهذا التحدي من كثيرين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، سواء الصفحات الكبيرة عددا، أو المحدودة، معظمها رفض الإجراءات التي يضيق بها الفيس بوك ومواقع التواصل الأخرى، وتحدوا ذلك، ونشروا، سواء بصراحة، أو بالتحايل، دون مراعاة لفقد صفحات كبيرة تعب أصحابها في تكوينها.
أما الدعاء الذي تلهج به ألسنة الملايين من المسلمين للمظلومين من أهل غزة، فهم لا يفترون عنه ليل نهار، مصحوبا بالدموع، وربما ظن البعض أنها حيلة العاجز، ولكنه سلاح مضاء، يزلزل الجبال، ويقهر الطغاة والظلمة، وهو سند نفسي كبير للمستضعفين.
هذه بعض جهود الشعوب العربية والغربية نحو غزة، وهو جهد في سياق تحدي كبير، وتضييق غير مسبوق على القضية الفلسطينية إقليميا وعالميا، ومع ذلك فقد قدمت الشعوب ما تستطيع، ولا زالت تسأل عما يمكن فعله، وتسأل عن حيل تحتال بها لتكسر القيود التي تقيدها، وهذا مكسب كبير للقضية الفلسطينية برمتها، أن تتبارى الشعوب لأداء واجبها نحوها، ولا تشعر أنها قدمت شيئا، بل تلوم وتتهم نفسها بالتقصير.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة العربية التضامن الفلسطينية فلسطين غزة تضامن عرب عدوان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الصهیونی
إقرأ أيضاً:
فيدان: بي كي كي سيخرج من سوريا سواء عبر طرق سلمية أو بخلاف ذلك
شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الأحد، على رفض بلاده وجود أي جهة تحمل السلاح خارج سلطة الحكومة المركزية في سوريا، لافتا إلى أن امتدادات حزب "العمال الكردستاني" (بي كي كي) على الأراضي السورية ستخرج من الحسابات.
وتأتي تصريحات فيدان عقب مؤتمر مؤتمر الحوار الكردي الذي عقد في القامشلي شمال شرقي سوريا بدولة لامركزية، وهو ما ترفضه الحكومة السورية محذرة من السعي إلى تكريس الانفصال أو الحكم الذاتي.
وتعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، التي تسيطر على مناطق شمال شرقي سوريا، امتدادا لحزب "العمال الكردستاني" الذي تدرجه أنقرة ودول غربية على قوائم الإرهاب، ويتخذ من جبال قنديل شمالي العراق مقرا له.
وقال فيدان خلال مؤتمر صحفي مع نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة، إن "تنظيم بي كي كي الإرهابي سيخرج من الحسابات في سوريا سواء بإرادته عبر طرق سلمية أو بخلاف ذلك كما خرج تنظيم داعش الإرهابي من الحسابات".
وأضاف وزير الخارجية التركي، أن بلاده ستقف بوجه "المجموعات التي تستغل الوضع الحالي في سوريا لتحقيق بعض أهدافها، وتسعى إلى الإضرار بوحدة أراضي سوريا وسيادتها"، حسب وكالة الأناضول.
وأشار فيدان إلى أن أنقرة "تراقب تنفيذ الاتفاق الذي تم توقيعه في الأشهر الماضية بين ما يسمى قوات قسد والحكومة السورية في دمشق"، مؤكدا حساسية هذا الملف بالنسبة لتركيا.
وشدد فيدان، على "وجود حاجة ملحة لاجتثاث العناصر الإرهابية تماما من سوريا"، مضيفا أن "الشعب السوري عانى من آلام كبيرة لسنوات طويلة. وسنواصل مساهمتنا في بناء مستقبل ينظر فيه السوريون إلى الغد بأمل".
وفي 12 آذار /مارس الماضي، وقع الرئيس السوري أحمد الشرع مع قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي، اتفاقا ينص على دمج مؤسسات الأخيرة المدنية والعسكرية في الدولة السورية الجديدة.
لكن مؤتمر الحوار الكردي الذي عقد السبت الماضي دفع الرئاسة السورية إلى تحذير قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من السعي إلى تكريس الانفصال، أو الحكم الذاتي.
وقالت الرئاسة السورية، في بيان، إن التحركات الأخيرة "تكرّس واقعا منفصلا على الأرض، تتعارض بشكل صريح مع مضمون الاتفاق وتهدد وحدة البلاد وسلامة ترابها".
وشددت على رفض دمشق "بشكل واضح أي محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت مسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل".
وردا على مطالبات مؤتمر الحوار الكردي بمنح حقوق للأكراد، وضمان إمكانية عمل النساء في مؤسسات الدولة، والمؤسسات العسكرية، قالت الرئاسة السورية "نؤكد أن حقوق الإخوة الأكراد، كما جميع مكونات الشعب السوري، مصونة ومحفوظة في إطار الدولة السورية الواحدة، على قاعدة المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون، دون الحاجة لأي تدخل خارجي أو وصاية أجنبية".
وأضافت "ندعو شركاء الاتفاق، وعلى رأسهم قسد، إلى الالتزام الصادق بالاتفاق المبرم وتغليب المصلحة الوطنية العليا على أي حسابات ضيقة أو خارجية".