آلات تحارب بدلا من الجنود.. 5 تقنيات تستخدمها إسرائيل في غزة
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
يكمن الوجه الآخر للتفوق التقني الإسرائيلي في المجال العسكري تحديدا في الحساسية المفرطة لدولة الاحتلال تجاه أي خسائر كبيرة في جنودها، وهو ما خلق إحجاما متأصلا عن خوض المواجهات المباشرة المتكافئة، ما دفع إلى ظهور عقيدة عسكرية تعتمد على الآلة اعتمادا رئيسيا، مع قناعة أنه لا حاجة إلى أعداد كبيرة من الجنود على الأرض ما دام هناك منظومات دفاع قوية، وجيش من الروبوتات والكاميرات والمُسيَّرات، وأجهزة الاستشعار والرشاشات التي تعمل عن بُعد (1).
كان هذا الاعتماد المُفرط على الآلة والثقة بها الثغرة الأكبر التي فطنت إليها المقاومة الفلسطينية واستغلتها لتنفيذ هجومها غير المسبوق في السابع من أكتوبر/تشرين الأول. لقد أتت عملية "طوفان الأقصى" لتثبت مخاطر الاعتماد المبالغ فيه على التكنولوجيا في المجال العسكري وإهمال العنصر البشري، غير أن إسرائيل فيما يبدو واصلت تكثيف اعتمادها على التكنولوجيا في غزوها البري لغزة رغم أن أحداث 75 يوما من القتال الصعب في شوارع المدينة تشي بأن الاحتلال يخوض حربا لا ينفع فيها التفوق التكنولوجي وحده.
الروبوت "جاغوار"تكمُن إحدى نقاط الضعف الرئيسية في المنظومة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي في أن قواته النظامية البالغة 173 ألف جندي عامل أضعف بكثير من أن تخوض حربا متعددة الجبهات وحدها دون الاستعانة بقوات الاحتياط، التي يُمثِّل تعدادها ثلاثة أضعاف ذلك الجيش بنحو 464 ألف جندي، ولا يمكن لتلك القوات التي يتألف معظمها من مُجنَّدين شباب أن تخوض حربا طويلة دون أن يتأثر معها الاقتصاد الإسرائيلي، لأسباب عدة أهمها استنزاف الجيش للكفاءات من سوق العمل. ولرأب الصدع، عمل مهندسو إسرائيل منذ زمن طويل على تكوين جيش متكامل من الروبوتات القاتلة لتقليل الاعتماد على الجنود (2) (3).
خاضت تلك الروبوتات معارك بديلة عن الاحتلال في عدة جبهات ساخنة، كان أبرزها حين أوكلت إسرائيل إليها مهمة إزالة علم حزب الله على حدود لبنان في يونيو/حزيران 2022، ولم تكن لتجرؤ حينها على إرسال مقاتليها خشية تكرار سيناريو عام 2006، حين اختطف الحزب اثنين من جنودها، ودفعها في النهاية إلى خوض حرب فاشلة انتهت بهزيمة موجعة استقال على إثرها وزير الدفاع ورئيس الأركان وعدد من كبار الضباط في الجيش الإسرائيلي. ويخوض الاحتلال محاولات مستميتة منذ عام 2021 لتزويد "فرقة غزة" المنتشرة على حدود القطاع بالروبوت القتالي "جاغوار"، ليحل محل الجنود على طول الحدود، حيث يُمكن للروبوت القيام منفردا بدوريات على السياج، والاشتباك وإصابة المقاتلين عن بُعد، وتدمير نفسه حال وقع في الأسر (4).
ولكن حتى قبل أن تُثبِت عملية "طوفان الأقصى" فشل ذلك الروبوت في مهامه، اعترف ضباط إسرائيليون لموقع "والا" العبري بأن المشروع لا يسير وفق ما هو مخطط له، وبأنه يواجه الكثير من العقبات. ويمتلك الاحتلال إصدارا آخر أكثر تطورا يحمل الكاميرات ومزودا بتقنيات متطورة مثل الرادار وأنظمة استشعار الحركة، ويستخدمه الاحتلال حاليا لاكتشاف الأنفاق التي بنتها المقاومة. وتكمن مهام الروبوتات في التحرك داخل الأنفاق، ورسم خريطة لها وتحديد مواقعها، دون إرسال الجنود إليها، إذ تقضي سياسة الاحتلال بعدم إرسال جنوده لمواجهة المقاومة تحت الأرض، حيث تملك المقاومة ميزة الهجوم في الممرات الضيقة، والمناورة في ممرات ملغومة وناقصة التهوية (5).
مصفوفة "غوسبل"قبل نحو أربعة أشهر من "طوفان الأقصى"، أجرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية حوارا مع رئيس أركان جيش الاحتلال السابق "أفيف كوخافي"، الضابط والتقني الذي أنهى دراسته العليا في جامعة هارفارد الأميركية، حيث شرح الرجل كيف غيَّرت إسرائيل عقيدتها العسكرية لمواجهة المقاومة الفلسطينية (6). وقال كوخافي إنه كان على الاحتلال أن يتوصل إلى طريقة جديدة لحرمان المقاومة من نقاط قوتها، وحماية جنود الاحتلال، وتجنُّب الحركة في الشوارع.
في تلك الأثناء كانت إسرائيل تمتلك بالفعل وحدة كاملة من الجنود مدعومة بقدرات الذكاء الاصطناعي، عبر برامج تشبه المصفوفة، وتعالج كميات هائلة من البيانات بسرعة فائقة، وتترجمها إلى أهداف قابلة للتنفيذ. وسبق وجرب الاحتلال تلك المصفوفة في معركة "سيف القدس" عام 2021، وكانت النتيجة أن الجهاز أنشأ 100 هدف جديد في كل يوم من الحرب، بينما كانت الاستخبارات تنتج 50 هدفا في غزة في غضون عام، ما حصر الحرب فعليا بين آلة إسرائيلية ومقاوم فلسطيني (7).
عاد استخدام تلك التقنية في الحرب الدائرة حاليا بقدرات أكبر. وقد تمكن الاحتلال من نشر منصة إلكترونية تعمل بالذكاء الاصطناعي تسمى "غوسبل"، وتحتفظ المصفوفة ببيانات 30-40 ألف مقاوم في غزة، وبمجرد التعرف عليهم من اللقطات التي يُحصل عليها عبر المُسيَّرات والكاميرات في المُدرَّعات، تُترجم المعلومات الاستخباراتية إلى أهداف هجومية، ثم تتحرك على إثر ذلك الطائرات، ما يفسر تضاعف العمليات العسكرية الإسرائيلية مقارنة بمواجهاتها السابقة مع القطاع. فوفقا للأرقام الصادرة عن جيش الاحتلال، استهدفت الغارات الجوية نحو 15 ألف هدف خلال 35 يوما فقط من الحرب، وبينما ساهمت تلك التكنولوجيا الفائقة في مضاعفة قدرات جيش الاحتلال، فإنها في الوقت نفسه أفضت إلى كارثة بوقوع أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، إذ فاق عدد الشهداء حتى الآن 20 ألف شهيد، وأكثر من 52 ألف جريح، بالإضافة إلى نزوح نحو مليونَيْ شخص.
الصواريخ الذكية "JDAM"في الأيام الأولى لغزو الولايات المتحدة العراق في مارس/آذار 2003، استخدمت الطائرات الأميركية قنابل "JDAM"، وهي نوع من القنابل الذكية تحتوي على نظام توجيه يمكن تثبيته على القنبلة لتحسين دقتها، وتعمل بنظام تحديد المواقع "GPS" لضرب الأهداف العسكرية والبنى التحتية بدقة أكبر. ورغم أن بغداد كانت تمتلك بالفعل أجهزة تشويش متطورة حصلت عليها من روسيا، فإن تلك التقنية تسمح للقنابل والصواريخ بتتبع أهدافها من نقطة البداية، وإمكانية ضربها وإن بدقة أقل حتى عند التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي الخاص بها. وحين اندلعت حرب أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، كانت تلك التقنية على رأس المساعدات العسكرية التي أرسلتها الولايات المتحدة لمساعدة كييف في ضرب أهداف عسكرية روسية، وإنجاح الهجمة المضادة التي تمكنت بالفعل من تعطيل تقدم الجيش الروسي (8) (9).
ومنذ اندلاع "طوفان الأقصى"، أرسلت واشنطن إلى الاحتلال أكثر من 5000 جهاز توجيه من طراز "JDAM"، وبخلاف دقتها فإنها تُعد رخيصة التكلفة، ومن ثمَّ أسرفت تل أبيب في استخدام تلك التقنية في غاراتها، ما دفع منظمة العفو الدولية لحث الولايات المتحدة على وقف إمدادات ذلك السلاح إلى الاحتلال، كما وثقت استخدام هذا النوع من التكنولوجيا في استهداف المدنيين عبر هجمات مباشرة أو عشوائية، فيما يُعد جرائم حرب، خاصة أنها استخدمتها سابقا في معركة "سيف القدس" عام 2021 بالقدر ذاته من الشراسة والعنف (10) (11).
وتمتلك إسرائيل تقنية أشد ذكاء لاعتراض الصواريخ الفلسطينية: برنامج "بئر المعرفة" (Knowledge Well)، وهو روبوت يستقبل البيانات، ويتتبع الصواريخ التي تطلقها المقاومة، ويتمكن من تحليلها عبر معلومات تفصيلية تشمل المواقع التي أُطلقت منها ومعدلات إطلاقها، ثم يُقدم توقعات أماكن الهجمات المستقبلية حتى تقوم الدفاعات الجوية الإسرائيلية باعتراضها عبر منظومات الدفاع الصاروخي، مثل القبة الحديدة أو مقلاع داود (12). ورغم ذلك لا يبدو الاحتلال قادرا على تحقيق ذلك الهدف، لأن صواريخ حماس والمقاومة مُوزَّعة بطريقة تجعل من المستحيل معرفة مكان كل منصة إطلاق، ما يجعل تحديد مواقع جميع الصواريخ بمنزلة إهدار للوقت والموارد، كما أن بنية الصواريخ صُممت بحيث يمكنها العمل بشكل مستقل عن أنظمة القيادة والتحكُّم، فهي لا تحتاج إلا إلى جهاز تحكم عن بُعد خاص بقاذفة الصواريخ.
مُسيَّرات الغيوم العاصفةبعد ساعات من الضربة التي تعرضت لها الاستخبارات الإسرائيلية بسبب "طوفان الأقصى"، وما نتج عنها من اقتياد نحو 250 أسيرا اصطحبتهم المقاومة إلى أماكن مجهولة داخل قطاع غزة، سارع الاحتلال للاستغاثة بحلفائه الأميركيين والأوروبيين للحصول على طائرات استطلاع مُسيَّرة قصيرة المدى من أجل المهام الاستخباراتية بهدف التعرف على مواقع الأسرى في القطاع. وقد حصلت إسرائيل بالفعل على دفعة أولى مكونة من 100 طائرة، قبل أن تستقبل دفعات جديدة مزودة بتقنية التعرف على الوجوه والمباني، وتقنية "SLAM" لرسم خريطة ثلاثية الأبعاد (13).
ولأن قطاع غزة يُعد مكانا محفوفا بالمخاطر بالنسبة لجيش الاحتلال، طوَّرت قوات الاحتلال قبل شهر واحد من عملية "طوفان الأقصى" طرازا جديدا من المسيرات أطلقت عليه "الغيوم العاصفة" أو "البرق"، وسرعان ما دخلت تلك المسيرة الخدمة أثناء العملية البرية، وتكمُن مهمة ذلك السلاح الصغير في إبقاء جنود الاحتلال بعيدا عن خط النار، إلى جانب تقديمه معلومات استخباراتية للقوات البرية تساعدها في التوغل في قلب القطاع دون التعرض للاستهداف، واكتشاف وجود عناصر المقاومة سواء من الأنفاق أو أعلى البنايات، حيث تُنقَل المعلومات الدقيقة إلى كلٍّ من سلاح الجو وشعبة الاستخبارات العسكرية، والقوات البرية على الأرض لمساعدتها، وتمكين ضرب الأهداف بسرعة عند اكتشافها (14).
ولكن على نقيض كفاءتها الواضحة في مسح التضاريس الأرضية المكشوفة من السماء، تعجز تقنية المُسيَّرات عن حل معضلة الأنفاق، وسبق وفشل الاحتلال مرارا في توجيهها لاكتشاف مخابئ المقاومة. وتواجه المُسيَّرات بالأسفل بيئة مليئة بالعقبات، إذ يمكن تعطيلها بسهولة، لأنها تعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي أو الأقمار الصناعية المُخصصة للملاحة، فهي لا تعمل تحت الأرض، ولذلك يفقد جيش الاحتلال الاتصال بها بمجرد أن تكون بعيدة عن الأنظار (15).
أنظمة التشويشعقب الضربة التقنية والاستخباراتية التي تعرض لها السور الخرساني لحاجز غلاف غزة شديد التحصين يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين شنت فصائل هجوما مباغتا من الجو، ومن فوق التحصينات، وباستخدام مُسيَّرات رخيصة الثمن، ومظلات هوائية بسيطة؛ أدركت إسرائيل أنها أمام مشكلة مستعصية يجب التوصل لها فورا، خاصة أن أحدث مسيرات المقاومة من طراز "الزواري" الانتحارية قادرة على حمل رؤوس متفجرة وإصابة أهدافها بدقة، وتمتاز بصغر حجمها وبصمتها الحرارية الضئيلة التي تُمكِّنها من الاقتراب من الهدف دون اكتشافها، ما يضع أنظمة الدفاع الجوية برمتها أمام أزمة. ورغم أن إسرائيل تمتلك بالفعل أنظمة مخصصة للتعامل مع المُسيَّرات، فإنها غير قادرة على توفير الحماية لمساحات كبيرة شاسعة. وبحسب صحيفة "هآرتس" العبرية فإن الطريقة الوحيدة لإسقاط المُسيَّرات هي التشويش عليها وتعطيل الاتصالات بينها وبين مُشغِّليها (16).
لم تستطع إسرائيل حتى الآن منع حماس من استخدام مسيراتها، لكنها كثفت عمليات التشويش على نظام تحديد المواقع "GPS" بهدف منع وتعطيل أي هجوم جديد محتمل سواء من جانب حماس أو حزب الله. وبينما يمكن لتلك التقنية إرباك أسلحة المقاومة، وجعل الأهداف على الأرض تبدو في غير مواقعها، ما يجعل الطائرة أو الصاروخ الموجَّه بدقة يُخطئ في دقة إصابته؛ فإن الأمر لا يخلو من مخاطر للطائرات المدنية، التي تصبح معرضة للخطر، لا سيَّما وقد لوحظ أثناء الحرب أن الطائرات المدنية التي تُحلق قرب البحر الأبيض المتوسط تختفي عن الأنظار فوق أجزاء كثيرة من الأراضي المحتلة من على النظام، ما دفع إسرائيل لتوجيه الطيارين باستخدام أنظمة بديلة (17).
تكمن المعضلة الأكبر لاستخدام الاحتلال تقنية التشويش في زيادة المخاطر المحتملة على الأهداف غير العسكرية الإسرائيلية، خاصة أن صواريخ المقاومة استخدمت سابقا نظام تحديد المواقع العالمي لضرب أهداف عسكرية، ما يعني أنه في ظل المدى الذي تتمتع به صواريخ حماس حاليا، لم يعُد من الممكن التنبؤ في أي بقعة ستسقط الصواريخ، وأن عدد الجرحى والقتلى سيكون مرشحا للتزايد، وهي أبرز الانتقادات التي وُجهت لتلك التقنية في الداخل الإسرائيلي.
__________________________________
المصادر
الجيش الإسرائيلي لا يتعجل التحول إلى جيش آلي بالكامل. יזהה וישמיד מחבלים: הרובוט החדש של צה"ל שיילחם בגבול עזה. צה"ל התגאה בפרויקט הרובוטים בעזה. מאז הוא תקוע ורצוף קשיים. With mapping robots and blast gel, Israel wages war on Hamas tunnels. IDF possesses Matrix-like capabilities, ex-Israeli army chief says. The Gospel’: how Israel uses AI to select bombing targets in Gaza. The Gospel’: how Israel uses AI to select bombing targets in Gaza. Ukraine’s GPS-Guided Bombs Work Even When You Jam Their GPS. Exclusive: U.S. weighs sending 100-mile strike weapon to Ukraine. US sends ‘bunker buster’ bombs to Israel for war on Gaza, report says. Israel/OPT: US-made munitions killed 43 civilians in two documented Israeli air strikes in Gaza – new investigation. From rockets to recruitment, Israel’s military refocuses on AI. Israel’s appetite for high-tech weapons highlights a Biden policy gap. How Israel is using drones in Gaza. The Israeli UAV ‘worth 10 different drones’ in intel work. How Israeli Drones Will Lead The Attack On Gaza Tunnels. Hamas Drone Assault Surprised Israel, Using Russia-Ukraine War Tactics.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: على نظام تحدید المواقع جیش الاحتلال طوفان الأقصى تلک التقنیة التی ت الم سی فی الم
إقرأ أيضاً:
المخيمات الفلسطينية.. العقدة التي ظلت تؤرق الاحتلال وتحبط مخططاته
منذ توسع إسرائيل في احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، ظلت المخيمات الفلسطينية عقدة في طريق الجيش الإسرائيلي لفرض سيطرته الأمنية عليها، وهو ما يجري حاليا مع مخيمات الضفة وخاصة جنين شمالي الضفة.
وبحسب ما جاء في تقرير للجزيرة أعده "صهيب العصا" فإنه يوجد 30 مخيما للاجئين الفلسطينيين داخل الأرض المحتلة، 22 منها في الضفة الغربية، و8 في قطاع غزة، وقد امتلأت هذه المخيمات بالفلسطينيين الفارين من جحيم العصابات الصهيونية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ظروف صعبة يعيشها العائدون إلى جباليا لكنهم يتمسكون ببيوتهمlist 2 of 2بالخريطة التفاعلية.. ما تفاصيل المعارك في الخرطوم؟end of listوكانت المخيمات هي المكان الذي شهد بمرور الوقت تشكل الفصائل الفلسطينية، وكانت هذه بداية تحول هذه البؤر السكانية للاجئين الفلسطينيين إلى أزمة أمنية للاحتلال الإسرائيلي.
ومقارنة بالمدن والقرى الفلسطينية تتميز المخيمات بخصيصتين أساسيتين تشكلتا مع الوقت، أولاهما الكثافة السكانية العالية، حيث يتوزع مليونان و800 ألف فلسطيني على 30 بقعة جغرافية صغيرة ومحصورة.
ففي مخيم جنين مثلا يعيش 16 ألف فلسطيني في مساحة لا تتجاوز 1.4 كيلومتر مربع، وقد تحول المخيم مع الزمن إلى عائلة كبيرة يعرف الناس بعضهم بشكل وثيق.
ومع تطور مشهد الصراع والمواجهات مع الاحتلال، أعطى هذا الأمر ميزة للمقاومين للتنقل بين المنازل بحرية والتخفي بفضل الحاضنة الاجتماعية، بالإضافة إلى سهولة تنظيم مقاتلين جدد للفصائل عبر اللقاءات المباشرة والعفوية التي لا تلفت انتباه مخابرات الاحتلال الاسرائيلي.
إعلان
والخصيصة الثانية في المخيمات هي البنية التحتية التي تردت مع مرور الزمن، وتتسمُ مخيمات اللجوء عموما وفي الضفة خصوصا بضيق شوارعها وصغر أزقتها، مما أعطى المقاومين سهولة كبيرة في التنقل بين أسطح المنازل عبورا إلى أحياء المخيم بشكل سريع وسلس، ولأنهم أهل المكان يصبح التخفي والتنقل ميزة بيد هؤلاء الشباب يتفوقون بها ميدانيا على جنود الاحتلال.
وبسبب عجزه في فرض سيطرته عليها، اتبع الاحتلال الإسرائيلي أساليب جديدة في التعامل الأمني مع المخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، تقوم على تغيير جغرافيا وديمغرافيا المخيمات، وهو ما تفعله الآن قوات الاحتلال في مخيم جنين مثلا وتوثقه الكثير من مقاطع الفيديو التي يتم تسريبها.
أما التغيير الديمغرافي في شكل المخيم، فتسعى قوات الاحتلال لتحقيقه من خلال عمليات التهجير، فمن يغادر منزله في المخيم سيعود ليجده مهدما وليجد مكانه شارعا، وبالتالي تتقلص فرصة إعادة البناء في المكان نفسه.
ويعتقد الاحتلال أنه بتغييره لجغرافيا المخيمات وتفريغها من سكانها فإنه ينجح بحرمان المقاومة الفلسطينية من هذه الحاضنة الاجتماعية المهمة.
ولكن وبحسب ما ذهب إليه تقرير الجزيرة، فإنه رغم مرور قرابة 80 عاما على تشكيل المخيمات الفلسطينية، فإن إسرائيل لا تزال تبحث عن طريق لوأد المقاومة هناك، وقد اكتشفت أن مئات عمليات الاجتياح التي نفذتها في مخيمات الضفة الغربية لم تمكنها من تغيير تجذر المقاومة في المخيمات.
ويذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي بدأت في 21 يناير/كانون الثاني الماضي عدوانا عسكريا على شمال الضفة استهلته بمدينة جنين ومخيمها وبلدات في محيطهما. ثم وسّع الاحتلال عدوانه إلى مدينة طولكرم ومخيمها، قبل أن يقتحم بلدة طمون ومخيم الفارعة في محافظة طوباس.