أكاديمية البحث العلمي تحتفل بتدشين الشبكة القومية لمتاحف العلوم
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
نظمت أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا اليوم الخميس حفل تدشين الشبكة القومية لمتاحف ومراكز العلوم؛ الممولة من أكاديمية البحث العلمي والتي تشرف عليها كلية الآثار جامعة عين شمس بالتعاون مع عدد من الخبراء والمراكز العلمية والبحثية المصرية والدولية ذات الصلة بعلوم التراث على أن تعمل الشبكة كجهة مختصة لتوثيق وتحليل وعرض وتفسير وحفظ التراث العلمي المصري المتنوع.
وأوضح الدكتور محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا في كلمته في الافتتاح أن المؤتمر الأول للشبكة القومية لمتاحف ومراكز العلوم يُنظم بالتعاون مع البنية التحتية البحثية الأوروبية لعلوم التراث ولجنتها الوطنية السلوفينية وجامعة لوبليانا بسلوفينيا، بحضور ممثلي الجامعات والمراكز البحثية والمتاحف السلوفينية مع نظرائهم من الهيئات المصرية، وحضر الحفل ايضاً الدكتور هاني هلال، وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق، والدكتور محمود الدماطي، وزير الآثار الأسبق، والدكتورة جينا الفقي، المشرف على قطاع العلاقات العلمية والثقافية بالأكاديمية، والدكتور عبد الرازق النجار، المشرف على الشبكة القومية للمتاحف، ومن الجانب السلوفيني حضر الاحتفال البروفيسور الدكتور ماتيجا سترليك، رئيس اللجنة التوجيهية للبنية التحتية الأوروبية للبحث في علوم التراث بسلوفينيا، والدكتورة إيرينا لازار، مدير بمؤسسة اليونسكو وأستاذ بكلية العلوم الإنسانية بجامعة بريمورسكا، بسلوفينيا، وناقشت الطاولة المستديرة سبل التعاون المشترك ورسم خارطة طريق لمشاركة مصر بلجنة وطنية في البنية التحتية البحثية الأوروبية لعلوم التراث.
وستقوم الشبكة القومية لمتاحف ومراكز العلوم بالتعاون مع المؤسسات الدولية برفع كفاءة مراكز العلوم الإقليمية التابعة للأكاديمية وزيادة دورها المجتمعي ورفع كفاءة العاملين بها والمتاحف المصرية ونشر الأبحاث والدراسات المختصة بالتراث العلمي وتمويل طلاب البحث العلمي المختصين بالتراث العلمي
وأوضحت الدكتورة جينا الفقي، المشرف على قطاع العلاقات العلمية والثقافية بالأكاديمية أن المؤتمر شمل أيضا استضافة المنتدى السنوي الثاني لمجموعة العمل المصرية – السلوفينية في مجال علوم التراث بمشاركة العديد من خبراء التراث من البلدين وذلك لمناقشة آفاق التعاون المشترك وتوطيد العلاقات في مجال بحوث الآثار والتراث، حيث تم إطلاق المنصة الرقمية للمنتدى والذي يستضيفه معمل بحوث علوم التراث بجامعة لوبليانا بسلوفينيا، كما تم الاتفاق على تنظيم زيارات بحثية وعلمية متبادلة للعام القادم للمختصين بعلوم التراث والتعاون في إجراء عدد من البعثات الأثرية بمصر وتوثيق وتفسير التراث المعماري المصري والسلوفيني وتدريس التراث المصري القديم والقبطي والإسلامي بالجامعات السلوفينية. ومشاركة جامعة لوبليانا في برنامج الماجستير المشترك مع جامعتي عين شمس وجامعة ماربورج بألمانيا.
كما شمل اللقاء أيضاً مناقشة سبل تمويل المشروعات البحثية المشتركة في مجال علوم التراث على أن يتم ذلك من خلال التواصل مع الجهات المختصة والزيارات المتبادلة مع الشركاء من دولة سلوفينيا. وأضافت الدكتورة جينا الفقي أن المؤتمر ضم عدد من المعارض الفنية التي توثق الصداقة المصرية اليوغسلافية في فترة الستينيات من القرن الماضي ودور المؤسسات والخبراء اليوغسلاف في إنقاذ آثار النوبة وإدارة وحفظ التراث المصري.
جدير بالذكر أن الشبكة القومية لمتاحف ومراكز العلوم هي أحدث الشبكات التي تم إنشاؤها ضمن برنامج الشبكات القومية العلمية، الذي تتبناه أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا كإحدى آليات الأكاديمية لتجميع الخبرات والمتخصصين في المجالات الحيوية وتحقيق رؤية مصر 2030، حيث يهدف برنامج الشبكات القومية العلمية إلى تكوين شبكات علمية وطنية تجمع كل المدارس العلمية المصرية في نفس المجال معاً وتوفر لهم الدعم المادي والفني اللازم لإجراء بحوث وتطوير وبناء القدرات ووضع الآليات للنهوض بالبحث العلمي وتعظيم العائد منه وحسن استغلال الموارد والقدرات المتاحة. ويضم برنامج الشبكات القومية العلمية بالإضافة للشبكة القومية لمتاحف ومراكز العلوم 8 شبكات وهم: شبكة خبراء التكنولوجيا الحيوية، واللجنة القومية للتنمية المستدامة والحكومة، والشبكة القومية العلمية لصناعة السباكة المصرية، والشبكة الوطنية للمعشبات المصرية، والشبكة القومية للعلوم النووية، والشبكة المصرية لأبحاث السرطان، والشبكة القومية للمعلوماتية الحيوية، والشبكة القومية لتحلية المياه، وتعد الشبكة القومية لمتاحف ومراكز العلوم إحدى الشبكتين الجديدتين التي تستضيفهما جامعة عين شمس بالإضافة إلي الشبكة القومية للمعلوماتية الحيوية.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: العلوم البحث العلمي الآثار عين شمس جامعة عين شمس أکادیمیة البحث العلمی القومیة العلمیة
إقرأ أيضاً:
مفارقة التقدم العلمي
في مقالنا السابق، عبرّتُ عن حاجتنا العاجلة إلى مراجعة علاقتنا بالأنظمة التقنية وآلية تفاعلنا معها بما تحمله من تأثيرات يمكن أن تخرجَ المجتمعات الإنسانية عن نمطها الإنساني السليم، ونستكمل في مقالنا الحالي شيئا من هذا التوجّس الرقمي الآخذ في التقدّم السريع الذي يطرق أبواب وعينا؛ لنعيد تحديد بُوصلتنا الإنسانية وفقَ أطرها العقلانية ومبادئها الأخلاقية؛ إذ ترسّخ في قاموس معارفنا أن التقدّم العلمي والتقني يمثّل تجسيدا لانتصار الإنسان على الجهل والمرض والعوز، ولكن مع هذا التقدم تتضاعف مشكلاتنا الوجودية بلباسها الجديد التي تهدد استقرار الإنسان النفسي والاجتماعي، وتنشأ تساؤلات تتعلق بالتقدم العلمي والتقني وضريبته التي تدفعها المجتمعات الإنسانية -رغم كل الفوائد الناتجة- فكيف يمكن أن يكون للتقدم العلمي وجه مظلم؟ ولماذا نشعر بالضياع والقلق كلما اقتربنا أكثر من تحقيق «الحلم التقني»؟
قبل عقود ماضية، كان الإنسان يرى في التقدّم وسيلةً للخلاص والتطوّر المحمود؛ حيثُ وضع آماله على التقدّم العلمي في إيجاد حلول لمشكلاته الكثيرة منها إطالة عمره، وتحسين صحته، وتخفيف أعباء العمل، وبات كثير من هذه الأمنيات حقيقةً واقعية؛ فأصبح متوسط عمر الإنسان أطول، والأمراض أقل فتكًا، وأصبحت الآلات تؤدي الكثير من المهام الشاقة. لكن في المقابل، زاد التقدمُ العلمي الفجوة النفسية والاجتماعية؛ فتقلصت مستويات السعادة، وزادت معدلات الاكتئاب والقلق والتوتر وفقدان المعنى والشغف؛ فارتفعت معدلات الجريمة والانتحار.
كان يفترض أن تمنحنا التقنية مزيدًا من الوقت للراحة والتأمل، ولكنها -في بعض حالاتها غير الموزونة- جعلتنا عالقين في دوامة لا تنتهي من الإدمان الرقمي، والمقارنات الاجتماعية، وانعدام المعنى؛ فبدلًا من تحقيق الراحة المنشودة، أصبحنا عبيدًا للهواتف الذكية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والعمل المستمر دون انقطاع. كانت المجتمعاتُ الإنسانية التقليدية قائمةً على أنظمة اجتماعية وثقافية مستقرة تمنح الإنسان إحساسًا بالهوية والانتماء، ومع تطوراتنا العلمية، قادت العولمة الرقمية والتقدم التقني إلى تفكيك هذه البنى؛ لتجعل الفرد يشعر بالعزلة والاغتراب رغم تضاعف الارتباط بين المجتمعات الإنسانية في العالم بسبب النشاط التقني وانتشار وسائله التواصلية، ولكن في المقابل، باتت هذه المجتمعات وأفرادها أكثر تفككًا من الناحية العاطفية؛ فتهاوت القيم الأخلاقية وضعفت المكتسبات العقلية والمعرفية العميقة، وتحولت الحياة إلى سباق مفتوح من الاستهلاك والتطوّر المستمر بلا هوادة؛ ليفقد الإنسان أهم تساؤل فطري ينبغي للعقل البشري أن يثيره: لماذا؟
سبق أن وصفتُ الإنسانَ الحديث بالإنسانِ الرقمي؛ لاقترانه الكبير بالتقنيات الرقمية التي قرّبته من معارف كثيرة -رغم سطحيتها- لم يكن من السهل بلوغها مع زمن سابق يندر فيه مثل هذا الاقتران الرقمي، ورغم كل الوسائل التقنية المتاحة له، نجده يعاني من شعور دائم بأنه ضائع في متاهات الحياة التي تؤرقه بمستجداتها الفاتنة ذات المعايير المثالية، ولم تعد هناك حقائق مطلقة؛ إذ تراجعت الفلسفة أمام العلم مفتوح المصادر، وتحولت الأسئلة الوجودية العميقة إلى قضايا «لا عملية» لا تحظى بالاهتمام ولا تثير دهشة العقل، والأدهى أن يفقد الإنسان ذاته ومعنى وجوده؛ فكيف -حينها- يمكن لإنسان أن يعرف عن عالمه الفيزيائي المحيط فيما يكون عاجزًا عن فهم ذاته ومعنى وجوده؟
مع ظهور الذكاء الاصطناعي وتسارع تطويراته، اتسعت هذه المفارقة وضاقت حلولها؛ فبعد أن أخذت الظنونُ بالإنسان بأنه الكائن الأذكى في الوجود والأجدر في فهم قواعد الحياة -دون منافس- وحل ألغازها، يجد نفسَه الآن في مواجهةٍ مع كياناتٍ اصطناعية ذكية تتجاوزه في مستويات التفكير واتخاذ القرارات والإبداع؛ ليبرز السؤال المهم: أما زلنا مميزين؟ وهل سيفقد الإنسان قيمته في عالم تسيطر عليه الخوارزميات الذكية؟ تصل بنا حتمية واقعنا الحالي إلى نتيجة مفادها أن التقدّم في الذكاء الاصطناعي ومشتقاته مثل الروبوتات الذكية وأنظمة التواصل الرقمية ليس مجرد إنجاز علمي، ولكنه بمنزلة التحدي الوجودي الذي فرض واقعه علينا بكل ثقل؛ ليعيد الإنسانُ صياغةَ مفهوم المسائل الوجودية ومشكلاتها الجديدة؛ فسبق أن أسس الإنسانُ تقدمَه على فكرة تفرّده بالعقل ومركزيته الوجودية؛ فإذا فقد هذه المَيزة لصالح الذكاء الاصطناعي، فما الذي سيبقى له؟ مثل هذه الأسئلة، لم تكن تطرح إلا في الفلسفات القديمة على سبيل المنحى الفلسفي النظري الذي لا يعوّلُ على واقعٍ ملموس وقطعي؛ لتصبح اليوم قضايا عملية يمكن أن تحدد مصيرنا مجتمعاتٍ وأفرادًا.
كل ما سقناه في الأعلى من تأملات تخص مفارقة التقدّم العلمي؛ فإنها لا تسوّق حصر المشكلة في التقدم العلمي بحد ذاته، ولكن في آلية استعمالاتنا للتقنيات المصاحبة للتقدم العلمي واستيعابنا لضرورة تحقيق التوازن بين الممارسة الرقمية والممارسة الإنسانية بجميع أبعادها؛ فينبغي أن تكون التقنية أداةً لخدمة الإنسان، لا سجنًا يفرض عليه أنماطَ حياةٍ غير طبيعية. نحن بحاجة إلى فلسفة جديدة تواكب هذا التقدّم وتعيد التوازن بين العلم والروح المنسية في زحمة التطوّر العلمي غير المحكم والموزون وبين المادية والمعنى وبين الذكاء الاصطناعي والذكاء العاطفي. نحن بحاجة إلى إعادة تعريف النجاح والتقدّم؛ فلا يقاسان بمعدلات النمو الاقتصادي أو الاكتشافات العلمية فحسب، ولكن بمقدار ما يضيفانه إلى حياة الإنسان من سلام داخلي وتوازن نفسي. علينا أن نتريّث قليلا قبل كل خطوة نخطوها نحو التطور التقني؛ لنسأل أنفسنا: أهذا التقدم يجعلنا أكثر سعادةً، أم أنه سباقٌ مجهول النهاية؟ إن المفارقة الحقيقية ليست في التقدم ذاته، ولكن في عدم قدرتنا على استعماله بحكمة؛ فالتقنية، كما قال الفيلسوف الألماني «مارتن هايدغر» ليست مجرد أدوات، وإنما طريقة جديدة لرؤية العالم، وإن لم نتحكم في هذه الرؤية ومساراتها؛ فإننا نجد أنفسنا في عالم متقدم تقنيًا، لكنه خالٍ تمامًا من الروح والمعنى الذي سنفقد بسببه مغزى الوجود والتقدّم المفيد.
د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني