ليبيا – أجرت صحيفة المرصد الأربعاء ، حوارًا مع المبعوث الأممي الى ليبيا عبدالله باتيلي بشأن آخر مستجدات الأوضاع خاصة بعد إحاطته الأخيرة لمجلس الأمن التي نالت قضية الانتخابات الحيز الأكبر منها .

و تحاورت المرصد مع المبعوث باتيلي عن عدة قضايا منها صدور قوانين الانتخابات و عدم امكانية اجرائها في ظل وجود حكومتين اضافة لملف المجموعات المسلحة وقضية رشاوى حوار جنيف الذي شغل الرأي العام وظلت نتيجة التحقيق فيه حبيسة الادراج  .

وفيما يلي نص الحوار كاملاً :

س – السيد باتيلي ، قلتم في إحاطتكم لمجلس الأمن إن القوانين الانتخابية جاهزة و مقبولة لمفوضية الانتخابات ، بالتالي لم تعد هناك معضلة إلا وجود حكومة موحدة للإشراف على الانتخابات، فلما لا تركزون على حوار يقتصر على هذا المسار فقط؟

ج – ما قلته في إحاطتي هو أن ليبيا، وعلى عكس ما كان عليه الحال في العامين الماضيين، بات لديها اليوم قوانين انتخابية يمكن البناء عليها لإجراء انتخابات ناجحة من الناحية الفنية.

س – ما المعني بمصطلح البناء عليها الذي ذكرته في الاحاطة ؟

ج – ما أعنيه بـ “البناء على هذه القوانين” يتجاوز الاعتراف بإمكانية تنفيذها فنيا إلى العمل على تجنب تكرار ما حدث في الانتخابات التي فشلت في 2021.

ذلك أن ليبيا اليوم في حاجة إلى توافق سياسي على جملة من القضايا المهمة، وقضية توحيد الحكومة واحدة منها لكنها ليست الوحيدة.

نحن نعتقد أن الانتخابات يمكن أن تكون مدخلا لتعافي البلاد، وتوحيد مؤسساتها، وضمان استدامة السلام والاستقرار فيها ، ولا نريد أن تكون الانتخابات عاملا لتأزيم الوضع أكثر مما هو عليه بالفعل، أو لتكريس الانقسام المؤسسي، أو لتدشين دورة جديدة من الصراع المسلح.

س – هل يكفي صدور القوانين الانتخابية لاجراء الانتخابات ؟

ج – القوانين الانتخابية لوحدها غير كافية لإجراء الانتخابات ما لم تلتزم الأطراف المعنية بصدق وإخلاص بتنفيذها.

إن تشكيل حكومة موحدة تقود البلاد نحو الانتخابات هو ما تشترطه هذه القوانين الانتخابية وهو أيضا ما يطالب به المواطنون في جميع أنحاء ليبيا.

وعلى الفاعلين الرئيسيين أن يعملوا بروح من التوافق وبحسن نية من أجل ليبيا ومن أجل الحفاظ على وحدتها وسيادتها وعلينا أن نتجنب تكرار ما حدث في أغسطس 2022، عندما أدى تشكيل الحكومة إلى صراع عنيف أدى إلى مقتل العديد من الليبيين.

س – ما دور البعثة بالتحديد في هذه القضية ؟

ج – لا يمكن لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن تتولى تنظيم وإجراء الانتخابات بالنيابة عن الليبيين. البعثة ليست مرشحة ولا ناخبة، كما أنها لا تصدر تشريعات لليبيا. مهمتنا هي دعم عملية يقودها ويملك زمامها الليبيون.

س – من واقع تواصلاتكم ، ما مدى جدية الاجسام القائمة في اجراء الانتخابات ؟

لسوء الحظ، فإن بعض الجهات الفاعلة غير الراغبة في الخضوع لامتحان الليبيين واختيارهم و تواصل تأخير العملية الانتخابية.

س – هل هناك أمثلة على ذلك ؟

ج – من  الأمثلة على ذلك تضمين القوانين الانتخابية أحكاماً من شأنها أن تعرقل العملية الانتخابية ونتيجة لذلك وعلى الرغم من السلامة الفنية العامة للقوانين، لا تستطيع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات البدء في التنفيذ بسبب الشروط السياسية المسبقة والأحكام غير المألوفة التي وضعها السياسيون.

س – الى ماذا ترمي التسوية التي تتحدث عنها و تحدثت عنها حتى في احاطتك لمجلس الأمن ؟

ج – تهدف التسوية السياسية التي أدعو إليها إلى حل هذه المزالق من قبل الجهات الفاعلة ذاتها التي يمكنها صنع السلام أو تهديده في ليبيا ، والغرض هنا ليس إشراك الفاعلين الذين هم في الواقع تحت سلطة طرف واحدٍ أو أكثر من الأطراف الرئيسية.

من الضروري التعامل في المقام الأول مع أولئك الذين يملكون بالفعل مفاتيح إنهاء أو استمرار الأزمة.

س – هل هذه الاطراف الفاعلة كافية للتوصل الى تسوية ؟

ج – بالتوازي مع الحوار بين الفاعلين الرئيسيين ودعمًا له، سأواصل إشراك الأحزاب السياسية والوجهاء وشيوخ القبائل والجهات الأمنية والمكونات الثقافية والنساء والشباب ومجتمع الأعمال وغيرها من مكونات المجتمع الليبي، بحيث تغذي هذه المشاورات بعضها البعض وتكون مفيدة في نهاية المطاف. هؤلاء الأطراف هم أيضا مواطنون ليبيون ويجب عدم إسكات أصواتهم.

س – ولكن أيضًا بالتوازي مع دعواتكم ، هناك من يرى ضرورة صياغة حل ( ليبي – ليبي ) بعيدًا عن أي جهات أخرى خاصة أن هناك من يعتبر المجتمع الدولي ومؤسساته متخاذلاً ، ما ردكم ؟

ج – إن الدعوات المتكررة لبعض الجهات الوطنية والإقليمية والدولية من أجل التوصل إلى حل ليبي ليبي يجب أن تُأخذ في الاعتبار حقيقة أن المواطنين الليبيين البسطاء قد تم خداعهم من قبل العديد من الأجسام القائمة ، ومرة أخرى، ليس المجتمع الدولي هو من خذل الليبيين ويتعين على القادة أن يقروا بهذا الواقع وأن يعترفوا بشجاعة وأمانة بمسؤوليتهم عن المأزق الحالي.

س – عودة على الانتخابات ، ماذا نحتاج غير القوانين لبلوغها وتحقيق التغيير المنشود ؟

ج – تحتاج ليبيا إلى تهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات، وهذا يعني التزاماً سياسياً عاماً من الجميع بقبول العملية ونتائج هذه الانتخابات، وضمان حرية وسلامة المرشحين والمرشحات في التنقل وإجراء حملاتهم الانتخابية والاجتماع بمناصريهم.

كما يعني أيضاً حرية الناخبين في التعبير عن أصواتهم بعيداً عن أي إكراه أو تهديد. وتتطلب الانتخابات أيضًا مساحة مدنية واسعة وآمنة تشجع على احترام حقوق الإنسان والحريات السياسية، وتسمح بعرض الأفكار والنقاش العام.

س – على صعيد الحملات الانتخابية وحرية التصويت ، هناك من يرى عدم تكافؤ  الفرص خاصة عند الحديث عن مرشحين لهم القدرة على الوصول للمال العام ، ما قولك في هذه القضية ؟   

ج – لضمان إجراء عملية عادلة، يجب معاملة جميع المرشحين على قدم المساواة وتوفير فرص متكافئة لهم. وهذا يعني، من بين أمور أخرى، أنه لا ينبغي السماح لأي مرشح باستخدام الأموال العامة لخدمة حملته أو دعايته الانتخابية.

أرجو أن تكون قد وضحت الحاجة الملحة إلى تسوية سياسية ملزمة ترافق هذه القوانين وتأخذنا إلى انتخابات تتمتع بفرص نجاح أقوى.

س – على ذكر الحوار ،  هناك قضية رشاوى الحوار السابق في جنيف إبان فترة ولاية سلفك ” ستيفاني ويليامز ” خلال عملية اختيار الدبيبة  وهي واقعة أكدها تقرير خبراء مجلس الأمن .

ألم يحن الوقت لنشر تقرير الرشاوى كاملاً لتعزيز شفافية البعثة أمام الليبيين؟

ج – يمكنكم توجيه أسئلتكم حول هذا الأمر إلى لجنة خبراء الأمم المتحدة، وهي جهة مستقلة تم تكليفها بالتحقيق في هذا الموضوع من قبل لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن. اتبعت البعثة القنوات الرسمية في الإبلاغ عن الشكاوى المقدمة من بعض أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي حينذاك، وتعاملت مع ذلك بمنتهى المسؤولية وبينت موقفها علنياً وبإمكانك العودة للبيانات الصادرة عن البعثة.

وما يمكنني أن أؤكده لكم، كرئيس لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، هو أننا نعمل بشفافية كاملة ومنفتحون مع الليبيين بشأن حقيقة الوضع. لكن للأسف هناك حملات تضليل ممنهجة وأخبار مزيفة وكاذبة يتم نشرها باستمرار من قبل هذه الجهة أو تلك.

ولذلك أدعو الإعلاميين الليبيين اليوم إلى الانتباه إلى محاولات التلاعب بهم وإلى انتقائية البعض في التعامل مع مواقف البعثة. كما أدعوهم إلى الاضطلاع بدورهم المهم للغاية في ضمان حق الليبيين في الوصول إلى المعلومات الدقيقة ومساعدة بلادهم على تجاوز هذه الأزمة من خلال تحري المهنية والنزاهة والحياد خدمة لليبيا ولاستقرارها.

ويؤسفني أن أقول إن العديد من الأطراف السياسية تنظر إلى أي عملية سياسية لإخراج ليبيا من أزمتها على أنها فرصة لكسب الغنائم والاستيلاء على المناصب وتحقيق مكاسب شخصية.

ولو صدقت النيات في إخراج ليبيا من الانسداد السياسي الحالي لما وجدتَ من يعرض ذمته للبيع ولن يجد من يملك المال ما يشتريه.

س – كيف ستتجنبون وقوع جرائم رشوة مستقبلية مشابهة في أي حوار خاصة مع تمسككم بمشاركة الدبيبة في الحوار القادم ؟

ج – الاجابة على هذا السؤال – والذي يوحي بأننا لا نقوم بما يكفي لمنع حدوث مثل هذه الممارسات غير المقبولة في العملية السياسية- أقول باختصار، سياق الحوار الآن مختلف تماماً.

يجب أن ندرك أن الدعوات قد تم إرسالها شملت عددا محدودا من الفاعلين الذين بمقدورهم – كما قلت سابقا – إما التوصل إلى توافق يدفع بالعملية السياسية قدماً، أو البقاء رهائن الجمود السياسي وبالتالي منع ليبيا من إجراء انتخابات سلمية تكون نتائجها مقبولة للجميع. 

س – منذ سنوات طويلة و البعثة تتحدث عن حل المليشيات المسلحة و اعادة ادماجها و لكن في المقابل نرى ان الدولة هي التي اندمجت في المليشيات المسلحة  ، بتاريخ 17 ديسمبر الجاري اصدر الدبيبة قرار بصرف قرابة نصف مليار دينار لبضعة مليشيات .

الا تعتقدون ان الاغداق الحكومي على المال يتناقض مع خططكم عن حل المليشيات و ادماجها؟ ألم يحن الوقت لتجفيف منابع تمويل هذه المليشيات؟ ام ان نوايا البعثة في هذا الصدد غير جادة كما يقول البعض ؟

ج – البعثة جادة وواضحة تماما فيما يتعلق بتوحيد مؤسسات الدولة الليبية واحتكار استخدام القوة المشروعة من قبل تلك المؤسسات ، كما كانت البعثة دائما جادة وواضحة في الدعوة إلى إنشاء آلية مستقلة لمراقبة الإنفاق العام وتبني قواعد وقيم الحكم الرشيد.

وقبل هذا وذاك دعت البعثة وتدعو إلى مؤسسات موحدة تتمتع بالشرعية وتكون مسؤولة أمام الشعب الليبي. يجب تجديد شرعية المؤسسات بتفويض مباشر وواضح من الشعب.

ان السؤال ليس هو ما تراه البعثة أو تريد تنفيذه لأن البعثة ليست سلطة تنفيذية ولا تشريعية في البلاد ، السؤال هو ماذا يريد الفاعلون الليبيون وهل هم مستعدون لتقديم التنازلات اللازمة من أجل إنهاء الوضع القائم وتوحيد المؤسسات ووضع حد لهدر مقدرات وثروات الشعب الليبي.

يجب استعادة الدولة وتوحيد مؤسساتها وتحصينها حتى تكون قادرة على تحديد طريقة مقبولة للتعامل مع التشكيلات المسلحة في سياق إدارة جديدة ، والواقع أن الدولة الليبية تعرضت للضعف والوهن خلال أكثر من عقد وقد حان الوقت لوقف النزيف المؤسسي والمالي الذي تعاني منه البلاد على جميع المستويات.

وأعتقد أن إجراء عملية انتخابية شاملة وموثوقة تفضي إلى إقامة مؤسسات شرعية وموحدة هي النهج الصحيح لدعم تنفيذ عمليات التسريح ونزع السلاح والإدماج.

وتعمل البعثة على هذا الجانب مع عدد من الجهات العسكرية والأمنية ولديها الخطط والخبرات اللازمة لإنجاح هذه العملية بمجرد انتهاء الانقسام المؤسسي، وإبداء الليبيين لإرادة سياسية حقيقية لمعالجة هذا الوضع. وهذه عملية مهمة وقد أظهرت التجارب في بلدان أخرى أنها حيوية لأمن واستقرار دائمين.

س – إذا تتفقون على ضرورة تسريح عناصر المليشيات ونزع اسلحتها ؟

ج – لا مفر من تسريح ونزع سلاح ودمج أفراد هذه التشكيلات المسلحة إذا أردنا ليبيا آمنة ومستقرة ومزدهرة – وهذا قرار يعود للليبيين أولا وأخيرا ونحن كبعثة للأمم المتحدة مستعدون للدعم والمساعدة.

في إحاطتي الأخيرة أمام مجلس الأمن، أشرت إلى أنه على الرغم من الثروة الهائلة التي يتمتع بها بلدهم، فإن المواطنين الليبيين يعانون بشكل متزايد من صعوبات اقتصادية واجتماعية. إن مطالبهم بإنهاء الفساد وسوء الإدارة يتردد صداها في جميع أنحاء البلاد، حيث تظهر التقارير الصادرة عن مصرف ليبيا المركزي وغيره من الهيئات الرقابية بوضوح أن الإنفاق العام قد تصاعد من خلال تدابير مشكوك في سلامتها، في حين أن اللجنة المالية العليا التي أنشأها المجلس الرئاسي لم تباشر عملها بشكل كامل بعد.

س – تتابعون بالتأكيد التقارير من هنا و هناك و تذمر المواطنين من تفشي الفساد ، مالذي ينبغي اتخاذه في هذا الصدد ؟

ج – الكل مجمع على استشراء الفساد في ليبيا، وعلى غياب معايير الحكم الرشيد، وعلى تعطيل آليات الرقابة والمحاسبة. وهذا الأمر إن استمر لا يبشر بالخير.

لذلك على القادة الليبيين أن يضعوا حدا لهذا الأمر، وأتمنى أن يكون الحوار السياسي بين الأطراف الرئيسية مدخلا لمعالجة القضايا الخلافية الملحة، ووضع أساس متين لمعالجة كل الاختلالات التي تمنع ليبيا من تبوؤ المكانة التي تليق بها في محيطها الإقليمي والدولي.

( انتهى الحوار ) 

السيد عبدالله باتيلي ممثل الأمين العام للامم المتحدة في ليبيا ، شكرًا على رحابة صدرك لهذا الحوار  .

– نحن على استعداد دائم للاجابة على تساؤلات الليبيين ، شكرًا جزيلاً لكم على اتاحة هذه الفرصة .

 

* حاوره / محمود المصراتي

 

المصدر: صحيفة المرصد الليبية

كلمات دلالية: القوانین الانتخابیة لمجلس الأمن فی لیبیا لیبیا من من قبل حوار ا من أجل

إقرأ أيضاً:

علي البقلوطي.. الجزيرة نت تحاور عالما تونسيا جمع بين الرياضيات والعلوم الأخرى

مثل كثير من المتميزين في تخصصاتهم، اشتعل شغف الأستاذ بجامعة صفاقس التونسية علي البقلوطي بالرياضيات منذ مرحلة التعليم الإعدادي والثانوي، لتكون دراسة هذا المجال هي اختياره الأول في التعليم الجامعي، وواصل مسيرة التفوق والإبداع، التي تكللت مؤخرا بجائزة "فايزر" المرموقة للبحث العلمي لسنة 2024، التي تمنحها الأكاديمية الملكية البريطانية.

ورغم حصوله على هذه الجائزة الدولية الرفيعة، كأول عربي ينالها، فإن داء الغرور لم يتسلل إلى نفسه، ولم يعتبر هذه الجائزة تكريما ذاتيا له، بقدر ما هي تكريم لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي في تونس.

وتحدث البقلوطي عن علاقته بالرياضيات، التي تتعدى نطاق البحث العلمي إلى التدخل في كافة تفاصيل حياته، إذ إن كل تفصيلة تدار بمنهج المعطيات والنتائج، وكشف أنه في بعض الأحيان تخطف النظريات الرياضية التي يفكر فيها النوم من عينيه، فيستيقظ لتدوين بعض الأفكار التي جالت في ذهنه.

ويرى أن علم الرياضيات، الذي يوصف دوما بأنه نمطي وجاف، يتدخل في كثير من العلوم، بل إن كثيرا من أبحاثه تقوم على هذا النهج، الذي يحاول من خلاله أن يصاهر بين الرياضيات والعلوم الأخرى.

ولم ينس البقلوطي الإشارة إلى أن أحد الأسباب التي تخلق جفاء بين الطلاب وعلم الرياضيات هي طريقة تدريسه، موضحا "روشتة" الإصلاح من وجهة نظره، التي يجب أن تركز على البعد التطبيقي لعلم الرياضيات.. وإلى نص الحوار.

دعنا نبدأ من جائزة "فايزر" التي حصلت عليها، ماذا تعني بالنسبة لك؟

تعني الكثير على المستوى الوطني قبل الشخصي، فهي شهادة نجاح للمنظومة الوطنية للبحث والتكوين، وعلى المستوى الشخصي تعد اعترافا بتميز أعمالي البحثية وارتقائها لمستوى هذه الجائزة العلمية المرموقة.

هل بإمكانك وصف لحظة استقبالك لخبر الفوز؟

كانت لحظات سعيدة للغاية وفرحة عارمة عشتها مع زوجتي فور استقبالي البريد الإلكتروني الذي يخبرني بالفوز، فجائزة فايزر سبق وحصل عليها علماء كبار من أمثال "نيوتن" و"كاستيلي" و"مونج" و"أومبير"، وشرف كبير أن ينضم اسمي لقائمة الحاصلين عليها، كأول عربي ينال هذا الشرف، وأنا متحمس لاستلام الجائزة في 2025، حيث سيكون هذا الحدث لحظة فارقة في تاريخ البحث العلمي الأفريقي والعربي.

الدكتور علي البقلوطي يرى أن طريقة تدريس الرياضيات في العالم العربي تحتاج إلى تعديل (علي البقلوطي) الشغف المبكر بالرياضيات تميزك في مجال صعب مثل علم الرياضيات، من المؤكد أنه نتاج شغف شديد بهذا العلم تشكل في مراحل مبكرة من حياتك الدراسية، فما الشرارة التي أشعلت هذا الشغف؟

(بنبرة متحمسة) مثل كثير من الذين حققوا نجاحات ملموسة في تخصصهم، تشكل شغفي بهذا العلم منذ مرحلة التعليم الإعدادي، وفي مرحلة البكالوريا كنت شغوفا ليس فقط بحل التمارين الرياضية، ولكن بالبحث أيضا عن طرق مختلفة للحل، غير تلك المتعارف عليها، لذلك وبعد أن حصلت على البكالوريا، سرت خلف شغفي هذا والتحقت بكلية العلوم بصفاقس، لأدرس الرياضيات، وذلك بالرغم من أنه كان بإمكاني الالتحاق بكليات أخرى مثل الطب والهندسة، ولأني أدرس ما أحب، تفوقت في الكلية، واستكملت دراساتي العليا في فرنسا، وعدت للتدريس في جامعة صفاقس.

حماسك وأنت تتحدث عن الشغف بهذا العلم، قد لا يكون مستساغا عند البعض ممن يرون في الرياضيات علما نمطيا وجافا، فما ردك على هؤلاء؟

صحيح أن علم الرياضيات جاف، لأنه يعتمد على الذهن والتفكير والمعقولية والتحليل الذاتي، لكن يمكن جعله مثيرا للاهتمام بإبراز تطبيقاته، التي بدونها لم تكن البشرية لتحقق أي تقدم في البحث العلمي والتكنولوجيا، فهو قاطرة العلوم، فلا يوجد علم لا يعتمد عليه، حتى العلوم الإنسانية، التي تحتاج إلى إحصاءات خاصة بتحليل النتائج.

والثورة الآن التي تحدث في مجال الذكاء الاصطناعي هي قائمة على هذا العلم أيضا، الذي كان له دور أيضا في إنتاج الهواتف الجوالة وشاشات البلازما، لذلك فإن الإحصاءات في فرنسا على سبيل المثال، تشير إلى أن علم الرياضيات مسؤول وحده عن توفير 10 آلاف فرصة عمل سنوية.

وأحد أسباب منحي الجائزة الأخيرة، هو أن أبحاثي تركز على علاقة المصاهرة بين علم الرياضات والعلوم الأخرى، فركزت على تأثير الرياضيات في العلوم الأخرى مثل الفيزياء النظرية وميكانيكا الكم وعلم النسيج والخلايا البيولوجية.

البعد التطبيقي في التدريس لكن للأسف، يفتقد تعليم الرياضيات في العالم العربي لهذا المنهج الذي يظهر العلاقة بين الرياضيات والعلوم الأخرى، لهذا يظل في أنظار بعض الطلاب، علما مملا، فهل نحن بحاجة إلى ثورة في أسلوب تدريسه؟

(يومئ بالموافقة) أتفق معك تماما، فنحن بحاجة إلى ثورة في تدريس الرياضيات، فهذا العلم متطور، والنظريات التي كانت سائدة في السبعينيات، لم تعد صالحة الآن، ويجب أن يتطور التدريس مع تطور العلم.

وكيف يتطور التدريس؟

هذه القضية تشغلنا في المجمع التونسي للعلوم والفنون والآداب (بيت الحكمة) الذي أعمل عضوا فيه، وما خلصنا إليه هو أن طريقة التدريس يلزمها الاهتمام بالبعد التطبيقي، حتى يعرف الطالب ما وراء النظرية من تطبيقات على مستوى العلوم المختلفة من ميكانيكا وهندسة وطب وغيرها، أما التركيز فقط على الجانب النظري عند التدريس، فهذا من شأنه أن يصيب الطلاب بالملل.

وكيف اهتمت أبحاثك بهذا الجانب التطبيقي؟

هناك فرق بين البحث والتدريس، فأبحاثي نظرية، وأحد أبرز مجالاتها "نظرية مجموعات لي"، وهي فرع من فروع الرياضيات، وسميت على اسم عالم الرياضيات النرويجي سوفوس لي، وتلعب دورا حاسما في مجالات مختلفة من الرياضيات والفيزياء والهندسة وميكانيكا الكم.

ولكن عندما أقوم بالتدريس، يكون البعد التطبيقي حاضرا بإبراز تطبيقات العلم في الطبيعة والفيزياء والذكاء الاصطناعي والتشفير وخلافه من العلوم لخلق الشغف بهذا العلم لدى الطالب.

عالم الرياضيات التونسي الدكتور علي البقلوطي، الحاصل مؤخرا على جائزة فايزر من الأكاديمية الملكية البريطانية (علي البقلوطي) علماء رفعوا سقف الطموح كيف تشعر أن خلفيتك الثقافية شكلت نهجك الخاص في الرياضيات؟

(يصمت برهة) الشغف بعلم من العلوم ذاتي جدا، وكان بإمكاني الالتحاق بكليات أخرى، لكني فضلت دراسة الرياضيات، وهذا الشغف هو السبب الأساسي للنجاح والحصول على جائزة فايزر، كأول عالم عربي يحصل عليها.

رغم أن الشغف ذاتيا كما تقول، لكن المؤكد هناك علماء في المجال أشعلوه أكثر وأكثر، فمن هؤلاء، وهل تمنيت العمل معهم؟

(مبتسما) شغفت في مسيرتي بالعديد من العلماء، وعملت بالفعل مع بعضهم، وأتيح لي الالتقاء كثيرا مع بعضهم الآخر، فأحد فلذات العلم هو العالم الياباني (هيدينوري فوجيوارا) الذي جمعتني به أبحاث مشتركة، ومن فرنسا حيث حصلت على الدكتوراه، كانت لدي فرصة الالتقاء بنوابغ الرياضيات مثل ميشيل ديفلو.

وعلى المستوى العربي، شغفت بالكثير من علماء تونس مثل عباس البحري ونادر المصمدي، فهؤلاء كان لهم دور كبير في الارتفاع بمستوى الطموح الذاتي لإنجاز أعمال ترقى للاعتراف الدولي.

الرياضيات والذكاء الاصطناعي في تصورك ما المجال الأكثر أهمية في حياتنا الذي تعلب فيه الرياضيات الدور الأكبر؟

(بدون تردد) علوم الإحصاءات، فأي دولة، بل حتى منشأة صغيرة، لا يكون لديها إحصاءات واضحة للتقييم، تكون فاشلة من وجهة نظري، ومحكوم عليها بالإفلاس، والمجال الآخر الذي أصبح يتدخل في كثير من أمور حياتنا هو (الذكاء الاصطناعي)، الذي ولد أيضا من رحم الرياضيات، ولكن كل الخوف من أن يطغى الذكاء الاصطناعي على البشر، ويؤدي إلى هلاكه.

كيف يمكن أن يؤدي لهلاك البشر؟

(مبتسما) مثلما يمكن أن تؤدي السيارة وهي من صنع الإنسان إلى قتله، إذا أسيء استخدامها، فإن الذكاء الاصطناعي يمكنه فعل الشيء ذاته، فالطائرات على سبيل المثال تسير في الطرق الهوائي وفق برمجة، إذا تم إفسادها بالذكاء الاصطناعي، يمكن أن تؤدي لكوارث، وكذلك حسابات البنوك محمية ببرامج ذكية، إذا تم اختراقها بالذكاء الاصطناعي، يمكن أن تحدث أزمة مالية كبيرة في العالم.

هل تكون وظيفة الباحث العلمي من الوظائف التي قد يلغيها الذكاء الاصطناعي؟

الذكاء الاصطناعي عاجز عن إنتاج أفكار جديدة، فهو فقط يستطيع تجميع المتاح وبلورته في سياق جديد.

حتى في مجال الرياضيات؟

(بنبرة متحمسة) الذكاء الاصطناعي عاجز حتى الآن على حل تمرين بسيط، وإذا تمكن من ذلك مستقبلا سيكون خارقا للعادة، ولا أدري إن كان سيتمكن أم لا، ولكنه على الأقل عاجز حتى الآن، فالجائزة الأخيرة التي حصلت عليها كانت بسبب العمل على نظريات قائمة على تخمينات عمرها 40 عاما ظلت بدون حلول، وتمكنا من ذلك، فهل كان بإمكان الذكاء الاصطناعي تحقيق ذلك؟

وصف عبقري الرياضيات

وبسبب نجاحك في ذلك، وصفك البعض بـ"عبقري الرياضيات في العالم العربي" و "عالم الرياضيات الأول في العالم العربي"، هل تسعدك تلك الأوصاف؟

لا أظن أن هذه الأوصاف دقيقة، لأني أهتم بـ3 مجالات من علوم الرياضيات هي: "علوم التشوه في الهندسة" و "نظرية مجموعات لي" و "التحليل التوافقي اللا تبادلي"، وحاولت حل مشاكل كبيرة في هذه الفروع، لكن من المؤكد أن هناك آخرين أفضل مني.

ألاحظ أن أفكارك مرتبة وكأنك تحل معادلة رياضية، فهل تتأثر حياتك الشخصية بتخصصك في علم الرياضيات؟

(لم ينتظر استكمال السؤال) نعم، فأنا استعمل المعطيات والنتائج في كل شيء، وأي مشكلة حياتية تواجهني أسعى لحلها بالمنهجية نفسها التي أتعامل بها في علم الرياضيات.

أخشى أن يطاردك علم الرياضيات أيضا في نومك، مثل كثير من العاملين بهذا العلم، ممن قالوا لي في حوارات سابقة أنهم يحلون معادلات رياضية أثناء النوم؟

(مبتسما) في كثير من الأحيان، لا أستطيع بالفعل النوم إذا كانت هناك مشكلة أفكر في حل لها، وكثيرا ما أستيقظ من نومي في عمق الليل لتسجيل معادلات جالت في ذهني، وفي كثير من الأحيان أصيح وجدتها.. وجدتها عندما يحل ما دونته المشكلة التي كنت أفكر فيها، وأحيانا يحتاج ما دونته إلى عمل إضافي لاستكماله.

تمويل البحث العلمي وهل تشعر مثل كثير من الباحثين في مجال الرياضيات بالغبن، لعدم الحصول على تمويل كاف للأبحاث، مقارنة بالعلوم الأخرى؟

(يومئ بالرفض) دعنا نكن موضوعيين، فعلم الرياضيات لا يستحق تمويلا كبيرا مثل علوم الكيمياء والهندسة والطب مثلا، لأن تلك العلوم تحتاج إلى توفير أدوات ومواد خام، في حين لا يحتاج علم الرياضيات سوى ورقة وقلم.

ومع ذلك، فأنا أدير في جامعة صفاقس في تونس مختبرا للرياضيات يحصل على تمويل معقول من وزارة البحث العلمي للإنفاق على الأبحاث والسفريات وعقد المؤتمرات الدولية.

ولكن يظل التمويل سواء للرياضيات والعلوم الأخرى ضئيلا في الجامعات العربية، مقارنة بجامعات أخرى في العالم الغربي، بسبب الأوضاع الاقتصادية للبلدان العربية، مقارنة بتلك الدول.

ختاما، ما نصيحتك لشباب الباحثين الراغبين في الحصول على جوائز دولية مرموقة مثلك؟

(بعد تنهيدة عميقة) التريث ثم التريث ثم التريث في نشر الأوراق البحثية، حيث ألاحظ تعجلا في نشر أبحاث غير ذات أهمية كبيرة في دوريات متوسطة وأقل من متوسطة، وهذا من شأنه أن يباعد بين الباحث وبين فرصة الظهور الدولي.

أما نصيحتي الثانية، فهي اختيار المجال البحثي الذي يشبع الشغف، لأنه عندما تتدخل عوامل أخرى في الاختيارات مثل اختيار المجال الذي يحقق  المكسب المادي، لا يستطيع الباحث حينها تحقيق أي نجاح.

مقالات مشابهة

  • بلومبيرغ: صندوق ثروة ليبيا السيادي يتصدر قائمة 13 صندوقًا نظيرًا في إفريقيا
  • الحملات الانتخابية بين الشعارات البراقة والقدرات المحدودة!
  • الاحتلال الإسرائيلي يعترف بحجم الخسائر الهائلة التي تعرض لها سلاح الجو نتيجة الهجوم الإيراني ويصفه ’’بالمدمر’’ (تفاصيل)
  • علي البقلوطي.. الجزيرة نت تحاور عالما تونسيا جمع بين الرياضيات والعلوم الأخرى
  • سولير لـ الدبيبة: فرنسا داعمة لاستقرار ليبيا واستمرار الحوار لضمان وحدة البلاد
  • الدبيبة: أبارك الجهود التي صححت الوضع بمصرف ليبيا المركزي
  • البعثة الأممية ترحب بتعيين محافظ جديد ونائب لمصرف ليبيا المركزي
  • هل تنهي الوساطة الخارجية أزمة البنك المركزي في ليبيا التي أدت إلى خفض إنتاج البلاد من النفط؟
  • نحالون في شبوة يطالبون بحماية حقوقهم من استغلال “لوبي الفساد” في أسواق العسل
  • الأمم المتحدة ترحب بتعيين قيادة جديدة لمصرف ليبيا المركزي وتدعو لضمان انتقال سلس وتعزيز الشفافية