حكم إخفاء أغراض الآخرين بقصد المزاح
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي، مضمونة:"ما حكم إخفاء أغراض الآخرين بقصد المزاح؟ حيث يقوم بعض الأصدقاء أحيانًا بإخفاء أغراض زملائهم بغرض المزاح وعمل ما يُسمَّى بـ (المقالب). فما حكم ذلك شرعًا؟".
لترد دار الإفتاء موضحة: أنه يحرم المزاح المشتمل على ترويع الآخرين وإخافتهم وأخذ أموالهم وأمتعتهم وإخفائها على جهة المزاح؛ جاء في "مسند الإمام أحمد" عن عبد الله بن السائب بن يزيد، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم، أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا».
المزاح من وسائل الترويح عن النفس التي يتناولها النَّاس في حياتهم من أجل تناسي الهموم، وتخفيف الضغوطات اليومية، والتسلية، والـتخلص من الملل، وإدخال السعادة والسرور على الآخرين.
ولأن المزاح مما ينشر السرور واللطف ويشيع البهجة في حياة الناس كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمزح مع أهله وأصحابه والأطفال الصغار؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ». قال أبو أسامة: يعني: يُمَازِحُهُ. رواه أبو داود والترمذي في "سننيهما" وأحمد في "مسنده".
قال الإمام شهاب الدين الرملي في "شرح سنن أبي داود" (19/ 160، ط. دار الفلاح): [قيل: إنَّ هذا من جملة مزحه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ولطيف أخلاقه؛ لأنَّ كل أَحد له أذنان تثنية أذن.. وعلى القول الأول أنّه من جملة مزحه، فيُحمل على أنَّه قاله لأنس في صغره قبل البلوغ؛ فإنَّه كان أكثر مزحه مع النساء والصبيان؛ تلطفًا بهم دون أكابر الصحابة رضي اللَّه عنهم] اهـ.
حكم إخفاء أغراض الآخرين بقصد المزاح
ويحرم المزاح المشتمل على ترويع الآخرين وإخافتهم وأخذ أموالهم وأمتعتهم وإخفائها على جهة المزاح؛ جاء في "مسند الإمام أحمد" عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسيرٍ، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى نَبْلٍ معه فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع، فضحك القوم، فقال: «مَا يُضْحِكُكُمْ؟»، فقالوا: لا، إلا أنا أخذنا نَبْلَ هذا ففزع، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا»، وعن عبد الله بن السائب بن يزيد، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهم، أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لَاعِبًا، وَلَا جَادًّا».
قال الإمام ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (10/ 287، ط. المكتبة التجارية): [إن ما يفعله الناس من أخذ المتاع على سبيل المزاح حرام؛ وقد جاء في الحديث: «لَا يَأْخُذْ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ صَاحِبِهِ لَاعِبًا جَادًّا» جعله لاعبًا من جهة أنه أخذه بنية رده، وجعله جادًّا؛ لأنه روع أخاه المسلم بفقد متاعه] اهـ.
وقال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار" (5/ 379، ط. دار الحديث): [قوله: (لَاعِبًا) فيه دليلٌ على عدم جواز أخذ متاع الإنسان على جهة المزح والهزل.. وقوله: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) فيه دليلٌ على أنه لا يجوز ترويع المسلم ولو بما صورته صورة المزح] اهـ.
وقال الإمام المناوي في "فيض القدير" (6/ 447، ط. المكتبة التجارية): [(لا يحل لمسلم أن يروع) بالتشديد أي: يفزع (مسلمًا) وإن كان هازلًا؛ كإشارته بسيف أو حديدة أو أفعى أو أخذ متاعه فيفزع لفقده؛ لما فيه من إدخال الأذى والضرر عليه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم ه علیه وآله وسلم قال الإمام
إقرأ أيضاً:
هل رأس الإمام الحسين في مصر أم عسقلان؟ الإفتاء تحسم الجدل بالأدلة
كيف وصل رأس الإمام الحسين إلى مصر؟ يُقيم المصريون احتفالين بسيدنا الحسين بن علي -رضي الله عنهما-، الأول: بميلاده المُوافق 3 شعبان من العام الهجري، والثاني: في الأسبوع الأخير من شهر ربيع الآخر احتفالاً باستقرار رأس الحسين في مصر، ويتساءل الكثير هل رأس الحسين موجود بمصر؟.
أكد الشيخ محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أهمية توضيح الحقائق التاريخية المتعلقة برأس الإمام الحسين رضي الله عنه، في ضوء الجدل القائم حول وجوده في مصر.
حقيقة وجود رأس الإمام الحسين في مصر
وقال «وسام» في تصريح له، إن الرأس الشريف لسيدنا الحسين دفنت أولاً في باب الفراديس بدمشق، ثم تم نقلها إلى عسقلان، وهو ما وثقته كتب التاريخ وشهادات المؤرخين.
وتابع: «ما زال هناك مكان للضريح الشريف للإمام الحسين في عسقلان، مما يعزز من صحة ما ذكره العلماء، وعندما دخل الصليبيون الشام، خاف والي عكا على الرفات الشريف، فنقل الرأس في موكب مهيب في عام 548 هجري، وهو ما وثقه عدد من المؤرخين، مثل ابن الأزرق الفارقي والمقريزي».
وأكمل: أنه في عهد الدكتور علي جمعة، تم إصدار فتوى تثبت وجود رأس الإمام الحسين في مصر، وتم الرد على الشبهات المثارة حول هذا الموضوع، مؤكداً أن هذه الشبهات لا تفيد أمام الله.
وأفاد بأن هناك العديد من الشواهد التاريخية التي تؤكد نقل الرأس الشريف إلى مصر، وأن لجاناً متعددة عبر القرون أثبتت هذا الأمر، داعيا إلى توخي الحذر من المعلومات المغلوطة التي تحاول قطع الطريق بين المسلمين وآل البيت.
متى ولد الحسين؟ولد الإمام الحسين "رضي الله عنه" في الثالث من شهر شعبان السنة الرابعة من الهجرة، واستشهد في كربلاء في العاشر من المحرم سنة 61 هـ.
شهد رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)، البشرى بميلاد الإمام الحسين في الثالث من شهر شعبان المبارك في السنة الرابعة، فأسرع النبي الكريم إلی دار علي بن أبي طالب والزهراء رضي الله عنهما، فقال لأسماء بنت عميس: "يا أسماء، هاتي ابني، فاستبشر -صلى الله عليه وسلم- وضمَه إليه وأذن في أذنه اليمنی وأقام في اليسری ثم وضعه في حجره وبکی، فقالت أسماء، فداك أبي وأمي ممَ بکاؤك؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: من ابني هذا، وقالت: إنه ولد الساعة. فقال -صلى الله عليه وسلم-: يا أسماء تقتله الفتنة الباغية من بعدي، لا انالهم الله شفاعتي، ثم تلقی الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر الله تعالی بتسمية وليده المبارك فالتفت إلی علي -رضي الله عنه- قائلا: سمَه حسينا".
أين دفن جسد الحسين ؟
وقال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن المؤرخين وكُتَّاب السيرة -سوى المتفلسفة- أجمعوا على أنَّ جسد الحسين "رضى الله عنه" دفن مكان مقتله في كربلاء، أمَّا الرأس الشريف فقد طافوا به حتَّى استقر بـ«عسقلان» الميناء الفلسطيني، على البحر الأبيض، قريبًا من موانئ مصر وبيت المقدس.
وأكد المفتي السابق، في فتوى له، أنه أيَّد وجود الرأس الشريف بـ«عسقلان»، ونقله منها إلى مصر جمهور كبير من المؤرخين والرواد، منهم: ابن مُيَسَّرٍ، والْقَلْقَشَنْدِي، وعليّ ابن أبي بكر الشهير بالسايح الهروي، وابن إياس، وسبط ابن الجوزي، وممن ذهب إلى دفن الرأس الشريف بمشهد القاهرة المؤرِّخ «عثمان مدوخ».
الرأس الشريف له ثلاثة مشاهد تزار
وأضاف "جمعة" أن المؤرخ «عثمان مدوخ»، قال: إن الرأس الشريف له ثلاثة مشاهد تزار: مشهد بدمشق دفن به الرأس أولًا، ثمَّ مشهد بعسقلان بلد على البحر الأبيض، نقل إليه الرأس من دمشق، ثمَّ نقل إلى المشهد القاهري لمصر بين خان الخليلي والجامع الأزهر، ويقول المَقْرِيزِيُّ: إنَّ رأس الحسين رضى الله عنه نقلت من عسقلان إلى القاهرة في 8 جمادى الآخرة عام 548هـ، وبقيت عامًا مدفونة في قصر الزمرد حتى أنشئت له خصيصًا قبة هي المشهد الحالي، وكان ذلك عام 549هـ.
دليل وجود رأس الحسين في مصر
ونقل المفتي السابق، شهادة الدكتور الحسيني هاشم، وكيل الأزهر وأمين عام مجمع البحوث، تعليقًا على ما دَسَّهُ النَّسَّاخون على كتاب الإمام السيوطي «حقيقة السنة والبدعة» ما ملخصه: وقد أَكَّدَ استقرار الرأس بمصر أكبر عدد من المؤرخين، منهم: ابن إياس في كتابه، والْقَلْقَشَنْدِي في «صبح الأعشى»، والمقريزي الذي عقد فصلًا في خططه المسمى «المواعظ والاعتبار» ص427، وص428، وص430 يؤكد رواية (ابن مُيَسَّرٍ) أن الأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي، هو الذي حمل الرأس الشريف على صدره من عسقلان، وسعى به ماشيًا حيث وصل مصر يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة 548 هجرية، وحلت الرأس في مثواها الحالي من القصر يوم الثلاثاء 10 من جمادى الآخرة سنة 548 هجرية عند قُبَّةِ باب الديلم، حيث الضريح المعروف الآن بمسجده المبارك، وكذا السَّخَاوِي -رحمه الله- قد أثبت رواية نقل رأس الحسين إلى مصر.
وعرض الرأي الرسمي لمصلحة الآثار، حيث قالت «عطيات الشطوي»، المفتِّشة الأثرية الثقة والمشرِفة المقيمة على تجديد القبة الشريفة في عصرنا: «تؤكد وثائق هيئة الآثار أنَّ رأس الحسين رضى الله عنه نُقِلَ من عسقلان إلى القاهرة -كما يقول المقريزي- في يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمانٍ وأربعين وخمسمئة، الموافق (31 أغسطس سنة 1153م)، وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم واليها، وحضر في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخرة المذكور (الموافق 2 سبتمبر 1153م)».
واستند عضو هيئة كبار العلماء، إلى ما قاله «المقريزي»: فقدم بـه (الرأس) الأستاذ مكنون في عشارى من عشاريات الخدم، وأنزل به إلى الكافوري (حديقة)، ثم حمل في السرداب إلى قصر الزمرد، ثم دفن في قبة الديلم بباب دهليز الخدمة (المقر الحالي).
وفي العصر الأيوبي أنشأ أبو القاسم بن يحيى بن ناصر السكري المعروف بالزرزور، منارة على باب المشهد سنة 634هـ (1236م)، وهي منارة مليئة بالزخارف الجصية والنقوش البديعة، وهي تعلو الباب الأخضر، وقد تَهَدَّمَ معظمها، ولم يبقَ منها إلا القاعدة المربعة، وعليها لوحتان تأسيسيتان (وقد جددت وهي موجودة الآن).
وتابع: "وقد احترق هذا المشهد في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب سنة 640هـ، وقد قام بترميمه بعد هذا الحريق القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني، ووسَّعَهُ وألحق به ساقية وميضأة، ووقف عليه أراضي خارج الحسينية قرب الخندق، (ويقول بعض بَحَّاثَة المؤرخين: إن الذي أحرق المشهد هم اليهود بمصر)".
واستطرد: "واستمرت عمليات التوسع والإضافة حتَّى جاء الأمير "كَتْخُدَا"، فقام بإصلاحات كثيرة؛ ففي سنة 1175هـ أعاد بناء المسجد، وعمل به صهريجًا وحنفية بفسحة، وأضاف إليه إيوانين، كما رتَّب للقائمين عليه مرتبات كثيرة ظلَّ معمولًا بها حتى سنة 1206هـ".
ولفت إلى أنه لمَّا قدم إلى مصر السلطان عبد العزيز سنة 1279هـ، وزار المقام الحسيني الشريف، أمر الخديوي إسماعيلَ بعمارته وتشييده على أَتَمِّ شكل وأحسن نظام، وقد استغرقت هذه العملية عشر سنوات؛ إذ تمت سنة 1290هـ، أمَّا المنارة التي في جنوب غربيِّ المسجد فقد تمت سنة 1295هـ، وهي غير المنارة الأيوبية التي في جنوب شرقي المسجد.
وألمح إلى ما نقل في أواخر «بحر الأنساب» ما ملخصه -بتصرف- أن العلَّامة الشبراوي (شيخ الأزهر لوقته) ألَّف كتابًا أسماه «الإتحاف» أثبت فيه وجود الرأس بمقره المعروف بالقاهرة يقينًا، وذكر أن مِمَّنْ أثبتوا ذلك الأعلام: الإمام المحدث الحافظ زَكِيُّ الدِّينِ الْمُنْذِرِيُّ، والإمام المحدث الحافظ ابن دِحْيَةَ، والإمام المحدث الحافظ نَجْمُ الدِّينِ الغيطي، والإمام مَجْدُ الدِّينِ بْنِ عُثْمَانَ، الإمام مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ، والقاضي مُحْيِي الدِّينِ بْنِ عَبْدِ الظَّاهِرِ، والقاضي عبد الرحيم، كما أكد هذا الشيخ عبد الله الرِّفَاعِيُّ المَخْزُومِيُّ في مؤلَّفِهِ، ووالشيخ ابن النَّحْوِيِّ في مؤلَّفِهِ، والشيخ القُرَشِيُّ في مُؤَلَّفِهِ، والشيخ الشبلنجي في مُؤَلَّفِهِ، والشيخ حَسَنُ الْعَدَوِيُّ في مُؤَلَّفِهِ، والشيخ الشَّعْرَانِيُّ في أكثر من مَؤَلَّفٍ، والشيخ المُنَاوِيُّ في مَؤَلَّفَهِ، والشيخ الصَّبَّانُ في مُؤَلَّفِهِ، والشيخ الأُجْهُورِيُّ في مُؤَلَّفِهِ، كما أكَّده الشيخ أبو المَوَاهِبِ التُّونُسِيُّ، والشيخ أبو الحسن التَّمَّارُ، والشيخ شَمْسُ الدِّينِ البَكْرِيُّ، والشيخ كريم الدِّينِ الخَلْوَتِيُّ.
وشدد على أن جماهير الصوفية على اختلاف المراتب والأسماء والمشارب والأوطان، مِمَّا يرفع الحكم إلى درجة التواتر؛ لعدم التسليم بتواطؤ كل هؤلاء على الكذب، أو على الجهل والغفلة والتعصب، بالإضافة إلى كبار المؤرخين الذين أسلفنا ذكرهم.
الرأس الطاهر وصل إلى القاهرة من عسقلان
وأوضح أنه تم الإجماع على أنَّ الرأس الطاهر وصل إلى القاهرة من عسقلان في (يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة خمسمئة وتسع وأربعين) فحمله الأمير (سيف المملكة مكين)، والقاضي (ابن مسكين) إلى السرداب الخليفي العظيم بقصر الزمرد، فحُفِظَ مؤقتًا بالسرداب من عاشر جمادى الآخرة في خلافة (الفائز الفاطمي) على يد وزيره (الصالح طلائع بن رزيك)، حتى بُنِيَ القبر الحالي والقبة عند باب الديلم، الواقع وقتئذ في الجنوب الشرقي من القصر الكبير، والمعروف الآن بالباب الأخضر، فحمل الرأس الشريف من السرداب العظيم إلى هذا القبر، ودفن به في الثلاثاء الأخير من ربيع الآخر على المشهور من العام التالي، وهو موعد الذكرى السنوية الكبرى بمصر للإمام الحسين "رضى الله عنه".