إلى حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه بين حبرة القلم وصفحة الورقة التي ستكتب بها فضائلك ثمة مساحة صغيرة، في هذه المساحة تضج صيحات عالية مدوية لكل الفضائل والصفات النبيلة تتسابق فيما بينها إلى مقام سموك. استمر هذا التنافس طويلا بينها إلى أن فازت صفة الحكمة، حينها عم الهدوء والسكينة وارتسمت ابتسامة الرضى، حينها سال الحبر على الورق مسطرا حقيقة واقعٍ يعيشه الوطن والمواطنون، واقع فخرٍ وشموخٍ واعتزاز.

ها هي ذي الحكمة الممزوجة بالحلم والأناة والعلم ترص الصفوف وتشحذ الهمم وتُأَلِف النفوس وتُحَكِم الفكر وتغرس الحرية وتصدح بالحق، تلك الحكمة التي نستمد منها العزيمة والتي بها صرنا جندا مجندة في سبيل نمو وارتقاء تجربتنا الديموقراطية، مسطرين بذلك حاضرا يشهد عليه التاريخ بالحكمة والحرية والازدهار، تاركين شعوب العالم في لحظة من الدهشة عنوانها: كيف لمثل هذا أن يكون! ومتى يكون لنا مثل هذا؟! سر يا سيدي على خطى من نور، فأنت ستبقى لشعبك القدوة والقائد، الأمن والأمان، الفخر والشموخ، الدافع والحافز، وأنت الضمير والسد المنيع (المشعل الحكيم). فهنيئًا لنا هذا الحاضر المزهر، مترقبين المستقبل المشرق في عهد آخر أبناء الشيخ أحمد الجابر الرجل العظيم صاحب النهضة، داعين متضرعين للمولى عز جلاله ان يمددك يا مشعل الحكمة بالعمر الطويل ويسبغ عليك موفور الصحة والعافية ويثبت على الإيمان قلبك. فأنت يا (مشعل الحكمة) كنت وستبقى لنا شعلة الحق التي يهتدي بنورها كل ضال وينعم بدفئها كل مظلوم ولا يأمن عذابها كل ظالم.

بقلم أنَس محمد العتيبي
[email protected]

المصدر: جريدة الحقيقة

إقرأ أيضاً:

محمد غنيم يكتب: مع الشيخ محمد رفعت

بعد أن فقد بصره وهو ابن ثلاث سنوات سأل والده: "متى النهار يطلع يا بابا؟"، فبكى الأب بحرقة وقال "سترى بقلبك يا بني أكثر مما ترى بعينيك"، لم يعرف الأب وقتها أن صوت ابنه سيكون كالشمس في تاريخ مصر، لا يبدأ النهار إلا بسماعه عندما تشير عقارب الساعة إلى تمام السابعة صباحا.

إنه الشيخ محمد رفعت -رحمه الله- الذي تلاحم صوته مع نسيج الوعي المصري ووجدانه، فأراد الله أن يحيا صوت الشيخ رفعت في مناسبتين، الأولى طوال العام عند الساعة السابعة صباحا عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، هذا الوقت الذي يتعلق بذاكرة كل مصري أثناء ذهابه إلى المدرسة ونزوله إلى عمله صباحًا، إذا سمع صوت الشيخ رفعت أدرك أن الشمس قد أشرقت إيذانًا بميلاد يوم جديد مصحوب بصوت الشيخ محمد رفعت.

وأما الثانية فطوال شهر رمضان المبارك مع أذان المغرب، هذا الأذان الذي إن سمعه المصريون في أي وقت استشعروا بنسمات شهر الصيام، ارتبط أذان الشيخ محمد رفعت بالإعلان عن وقت الإفطار كل يوم في رمضان، فأصبح له خصوصية يتفرد بها عن أي أذان آخر.

الشيخ محمد رفعت هذا الصوت الملائكي الخالد الذي تجددت فيه معجزة القرآن، إلا أن التسجيلات التي وصلتنا لم توفه حقه، ذلك لأن أغلب التسجيلات كانت قديمة تحتاج إلى ترميم وإصلاح، فغير المونتاج الصوتي شيئا من حقيقة صوت الشيخ رفعت، والأمر الثاني أن التسجيلات بدأت في فترة مصاحبة المرض لهذا الصوت، كما قال موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في إحدى لقاءاته إن تسجيلات الشيخ محمد رفعت تحمل تأثير مرضه وكأنك تسمع صوتا جميلا لكن عليه مسحة من المرض، وذكر أن تسجيل سورة مريم هو الذي يعطي بعضا من صوت الشيخ رفعت في اكتماله وشبابه ومقدرته.

في حي المغربلين بمنطقة الدرب الأحمر ولد الشيخ محمد رفعت سنة 1882 لأب يعمل ضابط شرطة بقسم الخليفة، وأم طيبة ترعى بيتها وتقوم على شئون الزوج والأولاد، واسم محمد رفعت هو اسم مركب أما والده فاسمه محمود رفعت وهو اسم مركب أيضًا، ولأن كل إنسان منا يسير إلى قدره المكتوب في الحياة، فقد واجه الشيخ محمد رفعت مصيره في الحياة مبكرا، المأساة الأولى عندما فقد بصره وهو في الثالثة أو الرابعة من عمره، والمأساة الثانية عندما فقد والده وهو ابن تسع سنوات.

ولأن في المنع عطاء، وفي كل محنة منحة، فكانت المأساة الأولى هي سبب العطاء الأعظم في حياة الشيخ محمد رفعت بعد أن قرر والداه أن يهباه للقرآن، وأتم حفظ القرآن وتجويده وهو طفل صغير في مسجد فاضل باشا، والذي عين فيه قارئا للسورة يوم الجمعة إلى أن أقعده المرض، وأما المأساة الثانية فكانت السبب في أن يتحمل الشيخ رفعت مسئولية أسرته الصغيرة المكونة من أمه وخالته وأخيه الأصغر بعد أن أصبح هو العائل الوحيد لهم، وظل على هذا الحال حتى ذاع صيته وأصاب سحر صوته كل من سمعه وتأثر به.

الشيخ محمد رفعت هو معجزة القرن العشرين في تلاوة القرآن الكريم، كان لصوته مفعول السحر على مستمعيه، فلا تسمع تلك الصيحات أثناء تلاوته كما يحدث في السرادقات مع قراء اليوم، ولكن طريقة قراءة الشيخ رفعت بما فيها من هيبة ووقار وإبهار كانت تجعل المستمعين لا يحركون ساكنا، يخشعون رهبة وإجلالا لعِظم ما يُقرأ عليهم.

تقليد الشيخ رفعت يحتاج لإمكانيات صوتية خاصة ولطبقة صوت اختص بها الله الشيخ رفعت، فيصعب جدا تقليده، تمتع الشيخ رفعت بصوت ماسي حاد جدا رنان كأنه الياقوت والمرجان، وبصوت عميق عريض جدا كأنه زئير الأسد في أدنى طبقات صوته، والعجيب أن في علو صوت الشيخ رفعت وهبوطه لا يشعر المستمع بأنه ينتقل بين القرار والجواب فهو يقرأ بطريقة السهل الممتنع، يلون الآيات بصوته وبما يناسب كل آية، فالموهبة وحدها لا تكفي، ولكنها تحتاج لذكاء يوظفها بطريقة صحيحة، والشيخ محمد رفعت وهبه الله من الذكاء الفطري والبصيرة الربانية ما جعله يقرأ القرآن بوعي وتدبر وذكاء.

عاش الشيخ محمد رفعت واهبًا حياته لخدمة القرآن الكريم ينشر صوته في كل مكان ويلبي الدعوات بعفة نفس خدمة للقرآن، لم يكن طالب مال ولا شهرة أو جاه، ترك لأبنائه ساعة يد وروشتة طبيب ومصحفًا، كما أخبر بذلك ابنه الأكبر محمد رحمه الله، وأصيب الشيخ رفعت بمرض الزغطة الذي اتضح أنه سرطان الحنجرة، فتوقف عن القراءة سنة 1943 بعد أن حبسه المرض وهو يقرأ ولم يخرج صوته في بعض الآيات فسكت ثم غادر المسجد وسط بكاء كل الحاضرين، وظل يعاني من هذا المرض الذي فشل الطب في علاجه، كان راضيا صابرا ولم يسخط، وفي يوم التاسع من مايو سنة 1950 أخذ يردد (الحمد لله) ويسأل زوجته عن أولاده، ويقول (الحمد لله) ثم فاضت روحه إلى رب العالمين، ليترك لنا صوتا لم ينطفئ يومًا، هذا الإرث الذي يشهد له بما قدمه في حياته لخدمة القرآن وإيصال رسالته، رحم الله قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت.

مقالات مشابهة

  • الحكم على المتهمين في قضية رشوة التموين
  • ولي العهد يستقبل الرئيس اللبناني في قصر اليمامة .. صور
  • أمام محمد بن راشد.. 34 قاضياً جديدا في محاكم دبي يؤدون اليمين القانونية
  • محمد بن راشد يستقبل المهنئين بشهر رمضان المبارك في دار الاتحاد
  • محمد بن راشد يستقبل المهنئين بشهر رمضان المبارك
  • محمد بن راشد يستقبل المهنئين بشهر رمضان في دار الاتحاد
  • جامعة جدة تدشن شعلة الأولمبياد الرياضي للمرة الأولى على مستوى الجامعات السعودية
  • قرأ ثلث القرآن .. من هو الشيخ عمرو البدري صاحب تريند التراويح؟
  • محمد غنيم يكتب: مع الشيخ محمد رفعت
  • أميرة العتيبي ترد على تعليق متابع حول موافقة أهلها على شهرتها.. فيديو