في عام 1949 نشر الروائي الإسرائيلي "يزهار سيلمنسكي" روايته "خربة خزعة" والتي تتحدث عن قرية عربية مُتخيلة بنفس اسم الرواية الذي لا يعني شيئًا في اللغة العربية غير أنه سجع اللغة كما رآه الروائي الإسرائيلي، وتتحدث عن تلك القرية التي قام الجنود الإسرائيليين بطردهم وتفضح الرواية بشكل لا واعي لا أخلاقية الجندي الإسرائيلي وتعطي اعترافًا شرعيًا للفلسطيني بأنه كان موجودا، وبعد ثلاثة عقود بالتمام، اعترفت السينما هي الأخرى بأن الفلسطيني كان هنا من خلال فيلم المُخرج الإسرائيلي "رام ليفي" المُقتبس عن الرواية، وهو الفيلم الذي فتح أبوابًا جديدة لتناول الفلسطيني في السينما الصهيونية خاصة بعد اجتياح بيروت 1982 والمظاهرات التي شهدتها البلاد اعتراضًا على الغزو وأنتجت جيلًا جديدًا من المثقفين والأكاديميين هو ما يُعرف بالتيار "ما بعد الصهيوني" والذي كان لنتاجه آثارًا كذلك في السينما.



لم يكن عرض "خربة خزعة" للمرة الأولى سهلًا، فقد صدر قرار بمنعه وظل ممنوعًا حتى قضت المحكمة بإعادة عرضه، ولكن "مناحم بيجين" رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك قرر أن يتجاوز قرار المحكمة بأن يلغي قسم الدراما بالتليفزيون الإسرائيلي خشية أن تُعرض أفلامًا مثل تلك مرة أخرى.

وفي العام 1984 قدم المخرج أوري باباش فيلمه الهام "وراء القضبان" وكان الفيلم جامعًا لتيارين رئيسيين بدا في التأثير على صناعة السينما في إسرائيل، أولهما ما عرفناه بتيار ما بعد الصهيونية والثاني هو تيار "الحساسية الجديدة" والذي كان ينصب بالتركيز على وضع اليهود الشرقيين "المزراحيين" داخل المجتمع الإسرائيلي، ويعرض الفيلم قصة سجين سياسي فلسطيني يزامل سجين جنائي إسرائيلي شرقي، ومن خلال علاقتهما في السجن يبحثان عن فرصة للتعايش ومن خلالها تُمرر السردية الفلسطينية وشرعيتها.

وبينما كان يتنامى التيار السينمائي الجديد، تنامى أيضًا تيارًا آخر موازيًا اهتم ببطولات الجندي الإسرائيلي على غرار التيار الهوليودي لأفلام الحروب الأمريكية، لذلك لم يكن لتيار "ما بعد الصهيونية" تأثيرًا كبيرًا ولكن كان له تأثير ولو محدود.

اقرأ أيضا: صورة "الفلسطيني العربي" في السردية المؤسسة للسينما الصهيونية (1)

الأدوار الجديدة
لقد أعُطيت صورًا جديدة للفلسطيني، وكُسر "التابو" في السينما الإسرائيلية إلى درجة أن فيلم "خط النار" والذي أنتُج عام 1989 كان يناقش قصة الحب المستحيل بين جورج خوري الفلسطيني وميريام سيدمان اليهودية بل وانبرى الفيلم لمحُاكمة ماضي إسرائيل وتأسيسها الإرهابي من خلال شخصية شقيق مريم الذي كان عضوًا في الهاجانا الإسرائيلية والذي يتعرض بالكثير من المضايقات لجورج الفلسطيني كثير العاطفة والمروءة، وبالإضافة للهاجانا ألقى الفيلم الضوء أيضًا على عصابات "شتيرن" المتُطرفة التي كانت تستهدف البريطانيين والعرب على حد سواء، وأجرء ما جاء به الفيلم أنه جعل مقتل "ميريام" ونهايتها المأساوية على أيدي أحد أفراد شتيرن الذي علم بقصة حبها للعربي، فظهر الفلسطيني هنا عاشقًا رومانسيًا غير متعطشًا للدماء، وبالعكس من تلك الصفات ظهر اليهودي الإسرائيلي.

السينما التسجيلية

إلا أن تأثير ذلك التيار ما بعد الصهيوني ظهر بشكل جلي في مجال الإنتاج الوثائقي والذي يتكامل مع إعادة البحث التاريخي الأكاديمي في تأسيس دولة إسرائيل والذي أخرج مؤرخين من أمثال "بيني موريس" و"آفي شلايم" و"شلومو ساند" و"إيلا شوحط" و"إيلان بابيه" وغيرهم، وتكاملًا معهم ورسالتهم، ظهر مخرجين في الحقل التوثيقي من أمثال "يال سيفان" والذي قرر من الأساس أن يُغادر إسرائيل لكونها دولة عنصرية، وقدم سيفان العديد من الأفلام التي تنتصر للفلسطيني على حساب السردية الإسرائيلية مثل "عبيد الذاكرة" الذي قدم نقدًا لاذعًا لاستهلاك ذكرى الهولوكوست واستغلاله في إبادة الفلسطينيين، وفيلمًا عن "يافا" سماه "ميكانيكية البرتقال" متتبعًا فيه السرقة الكبرى التي قام بها الإحتلال في حق البرتقال اليافاوي وفلاحيه، وقد توج سيفان مسيرته كصانع سينما مستقل بأن كان أول من تعاون مع مخرج فلسطيني هو "ميشيل خليفة" وقدما سويًا فيلم "الطريق 181" الذي اهتم بتفنيد قرار التقسيم 1947 وظلمه للفلسطينيين، وقد لاقى هذا الفيلم هجومًا كبيرًا ومنعًا في الولايات المتحدة وفرنسا واُتهم صناعه بأنهم معادون للسامية.

وكان واحدًا من الأفلام الأهم إسهامًا في الحقل التوثيقي هو فيلم المخرج "آلون شفارز" وهو أكثر الأفلام التي شُوهدت من طرف العرب أنفسهم وهو فيلم "طنطورة" الذي أُنتج عام 2022 واشتهر بعد أحداث السابع من أكتوبر والذي يعرض مذبحة قرية الطنطورة من خلال شهادة قدامى الجنود الإسرائيليين ذاتهم ووحشيتهم في التعامل مع الأهالي والغدر بهم. ولكواليس صناعة هذا الفيلم ومناقشة تلك القضية حكاية أخرى عن محاولة الحكومة الإسرائيلية لقمع الأصوات المُستقلة عن سرديتها رغم إدعائها أنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".

إلى جانب ذلك التيار، ظهر تيار آخر يستشعر الذنب ولكنه يأبى أن يُقر به، أطلق عليه المؤرخ إيلان بابيه "صهيونية مخففة" وكان أبرز إنتاجات هذا التيار هو فيلم المخرج "آري فولمان" والذي يعد أشهر وأنجح الأفلام الإسرائيلية على الإطلاق "فالس مع بشير" عام 2008 الذي يحاول تبرئة وتبييض الجيش الإسرائيلي من مذبحة "صبرا وشاتيلا" الشنيعة من خلال سرد مخرج الفيلم ذاته لقصته التي عايشها كجندي أيامها في حرب لبنان.

هل من أثر؟

العرض السينمائي الروائي أو الوثائقي للجرائم الصهيونية أو الإشكاليات التي تحويها فكرة الدولة الإسرائيلية لم يخلف سوى أثر اجتماعي محدود، ولعل السبب في ذلك كما يراه المؤرخ ما بعد الصهيوني "إيلان بابيه" راجع لكون صانعي الأفلام أنفسهم بخلفياتهم السوسيو-اقتصادية من الأشكيناز، إذا أنه وبصرف النظر عما وصلت إليه تلك الحركة الجديدة من صناعة الأفلام كان العنصر الغالب عليها أشكينازي أوروبي أبيض، فأتت معظم الأفلام التي تتخذ موقفًا ما بعد صهيوني أو من "الصهيونية المخففة" لتصف علاقة العرب واليهود في إسرائيل من منظور مترفي الطبقة العليا في تل أبيب.

من وجهة نظر يسارية، يرى المؤرخ الإسرائيلي ما بعد الصهيوني "إيلان بابيه" أن بعض الأفلام في تصويرها للإسرائيلي كمحتل ومستعمر وللفلسطيني كضحية تحمل دلالة على أنها كانت تثير قدرًا من الاهتمام كافيًا لخلق حالة من التعاطف أو الفضول على أقل تقدير، حيث كان عرضها يستمر أسابيع في إسرائيل، وقد نال ذلك النوع من الأفلام الناقدة رواجًا في مرحلة معينة، وهو رواج ناجم عن الاندماج الحاصل بين نسخة متطرفة من اقتصاديات الحر وبروز حالة من التعددية الثقافية في المجتمع الإسرائيلي، كما أن استمرار التحول إلى الرأسمالية في الاقتصاد الإسرائيلي كان من شأنه أن يدفع نحو المزيد من التحرك النقدي للسوق الثقافية المحلية وإدراك أنه ليس مجرد مظهر لأجندة أيديولوجية، وبالفعل كانت السينما الإسرائيلية في تيارها ما بعد الصهيوني منتج اقتصادي في انفتاحه على مناقشة العديد من القضايا الحساسة أهمها العلاقة بالفلسطيني وهو ما حقق للسينما الإسرائيلية رواجها في الغرب الآن والاعتراف بها كسينما حقيقية تستطيع أفلامها أن تصل إلى منصات المهرجانات الأوروبية ومنصات الأوسكار طبعًا.

ولكن المسألة أن "صورة الفلسطيني" بحد ذاتها تحررت من أن تكون أسيرة السردية الإسرائيلية وتأرجحها سلبًا وإيجابًا، فلقد استطاع نخبة من رواد السينما الفلسطينية الحديثة الوصول بسرديتهم وقصتهم أيضًا إلى المهرجانات السينمائية العالمية من أمثال "ميشيل خليفة" و"إيليا سليمان" ومن بعدهم من الجيل الحديث، وإن كانت أفلامهم لا تعطي حلًا راديكاليًا للقضية في أغلبها وهذا ما يجعل خطابها عالميّ ورائج لدى الغرب، إلا أنها على أقل التقدير تعطي للفلسطيني فرصة الحديث عن ذاته.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الفلسطيني فلسطين غزة طوفان الاقصي سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ما بعد الصهیونی فی السینما من خلال

إقرأ أيضاً:

حزب الله يبارك للشعب الفلسطيني ومقاومته ولكل القوى التي ساندت غزة الانتصار الكبير

يمانيون../ بارك حزب الله اللبناني للشعب الفلسطيني ومقاومته ولكل قوى المقاومة التي ساندت غزة، الانتصار الكبير الذي جاء تتويجًا للصمود ‏التاريخي على مدار أكثر من 15 شهرًا من بدء ملحمة طوفان الأقصى، والذي ‏شكّل مثالًا يُحتذى به في مواجهة العدوان “الإسرائيلي-الأميركي” على أمتنا ومنطقتنا‎.‎

وقال حزب الله في بيان له مساء اليوم الإثنين، إن هذا الانتصار التاريخي يؤكّد من جديد أنّ خيار المقاومة هو الوحيد القادر على ‏ردع الاحتلال ودحر مخططاته العدوانية، ويمثّل هزيمةً استراتيجية جديدةً للعدو الصهيوني ‏وداعميه، كما يؤكّد أنّ زمن فرض الإملاءات قد ولّى، وأنّ إرادة الشعوب الحرّة عصيّة على ‏الانكسار، وهي أقوى من كل آلات الحرب والإرهاب الصهيوني والأميركي.‏

وشدد حزب الله، على أن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بفرضِ شروط المقاومة ودون التنازل عن حقوق ‏الشعب الفلسطيني، يمثّل انتصارًا سياسيًا يُضاف إلى الإنجاز العسكري، ويدل على أنّ العدو ‏لم يستطع تحقيق أيّ من أهدافه بالقوة أو كسر إرادة وصمود الشعب الفلسطيني‎.

وأوضح أن المقاومة الفلسطينية أثبتت خلال هذه المعركة أنها قوية وقادرة على كسر عنجهية ‏وجبروت العدو الصهيوني، رغم كل جرائمه وعدوانه الوحشي، كما أكدت أنّ هذا الكيان المؤقت ‏كيان هش لا قدرة له على البقاء والاستمرار، وأنّه لن ينعم بأمن أو استقرار طالما استمر في ‏عدوانه على شعبنا وأرضنا ومقدساتها‎.‎

ولفت إلى أن هذا الانتصار إنّما تحقّق بفضل مقاومة وصمود وثبات وصبر الشعب الفلسطيني أطفالًا ‏ونساءً وشيوخًا ورجالًا، وبفضل دماء الشهداء الذين ارتقوا في أشرف وأعظم معركة وفي ‏مقدمتهم الشهداء القادة، “إسماعيل هنية ويحيى السنوار”، اللذين تصدرا ميادين العز ‏والفداء، وجسدا أسمى معاني التضحية والبذل، وسطرا بدمائهما ملاحم البطولة التي ‏أحبطت أهداف العدو ومشاريعه.

وأضاف حزب الله: “ما قام به العدو الصهيوني خلال هذه الحرب من ارتكاب أفظع الجرائم والإبادة الجماعية، ‏والتي طالت المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ سيبقى شاهدًا تاريخيًا على همجية هذا الكيان ‏وداعميه وسيظل محفورًا في ذاكرة الأجيال، ووصمة عارٕ في جبين المجتمع الدولي الصامت ‏والمتخاذل”‎.

وأكد أن الولايات المتحدة الأميركية هي شريكة كاملة في الجرائم والإبادة الجماعية التي ارتكبها ‏العدو بحق الشعب الفلسطيني، وهي تتحمّل كل المسؤولية بسبب دعمها المستمر والمتواصل لهذا ‏الاحتلال عسكريًا وأمنيًا واستخباريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا. ‏

‏وبارك حزب الله “جهود قوى جبهات الإسناد، شركاء النصر الكبير الذين كان لهم دور محوري في دعم ‏المقاومة وتعزيز صمودها وقدموا كوكبة من الشهداء الأبرار على طريق القدس”.

وجاء في البيان “نُحيي ‏الجمهورية الإسلامية في إيران التي شكّلت ‏عمودًا أساسيًا في صمود المقاومة وتحمّلت كل الضغوطات والمخاطر لأجل فلسطين، ونُحيي ‏المقاومة الإسلامية في العراق التي لم تتوقف مُسيراتها وصواريخها وتجاوزت كل العوائق إسنادًا ‏لغزة، كما نُحيي قوة وشجاعة إخواننا المجاهدين في اليمن الذين فرضوا حصارًا على الكيان ‏الصهيوني وتحدّوا اساطيل دول كبرى في سبيل نصرة فلسطين”‎.‎

وأعرب حزب الله عن فخره واعتزازه بهذا الانتصار المبارك للشعب الفلسطيني ومقاومته والذي كان شريكاً في تحقيقه من خلال صمود وثبات وتضحيات المقاومة وشعبها في لبنان والتي قدّمت في سبيل ذلك الشهيد حسن نصرالله، ومعه هاشم صفي الدين، وعدد كبير من القادة والمجاهدين، ومن حملوا راية الدفاع عن ‏فلسطين.

وجدد حزب الله تأكيد وقوفه الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته في معركة ‏التحرير والكرامة حتى زوال الاحتلال.

مقالات مشابهة

  • الخارجية تعرب عن إدانة واستنكار المملكة بأشد العبارات الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلية
  • 33 مليونا إجمالي إيرادات الأفلام في السينما خلال أسبوع.. من صاحب المركز الأول؟
  • إحصائية بالخسائر التي خلفتها حرب الإبادة  الإسرائيلية على غزة .. تقرير
  • برتران بلييه.. مخرج السينما الفرنسية الذي تحدى التقاليد وأثار الجدل يودع الحياة عن 85 عامًا
  • «رحلة 404» أمام هووليود جيت.. الأفلام المرشحة بجمعية نقاد السينما المصريين
  • جمعية نقاد السينما المصريين تعلن الأفلام المرشحة لجوائزها السنوية
  • حماس تؤكد أن غزة ستنهض من جديد رغم الدمار الذي خلفته الحرب الصهيونية
  • مارى منيب.. الحماة التي سرقت قلوب الجماهير وضحكات السينما
  • حزب الله يبارك للشعب الفلسطيني ومقاومته ولكل القوى التي ساندت غزة الانتصار الكبير
  • حماس : غزة ستنهض من جديد رغم الدمار الذي خلفته الحرب الصهيونية