قد يكون البحر الأحمر أكثر المسطحات المائية إثارة للجدل في التاريخ. فقد كان ساحة للمنافسة الإمبراطورية أو القوى العظمى لمدة 500 عام على الأقل، بدءا من البحث البرتغالي عن الطريق البحري إلى آسيا، وصولا إلى الحرب الباردة. ويظل الرابط التجاري الأهم بين آسيا وأوروبا.

لذا فإن الهجمات التي شنتها قوات الحوثيين على السفن "الإسرائيلية" في الأيام الأخيرة تنطوي على احتمال حدوث اضطراب كبير.

وكلمة "إسرائيلية" بين علامتي اقتباس لأن ملكية سفن الشحن التجاري معقدة ومبهمة؛ فغالبا ما تختلف ملكية السفينة، وتشغيلها، وعلم التسجيل، وليس بالضرورة أن يكون لأي منها أي تأثير في ملكية أو وجهة البضائع التي على متنها، أو جنسية الطاقم.

بالإضافة إلى ذلك، فبسبب هجمات الحوثيين توقفت أهم شركات شحن الحاويات في العالم -بما في ذلك إم إس سي وميرسك وهاباغ لويد وكوسكو- عن الإبحار عبر هذه المياه، خوفا من الخسائر في الأرواح أو الأضرار.

في هذا السياق يشير كاتب هذا المقال بروس جونز، وهو باحث في معهد بروكينغز الأميركي، إلى تشكل تحالف عمل جديد بقيادة الولايات المتحدة يحمل اسم "عملية حارس الرخاء"، وهو تحالف بحري لحماية السفن التجارية من هجمات الحوثيين.

وسيعمل تحت آلية مسبقة وهي القوات البحرية المشتركة، وهو تحالف بحري لمكافحة القرصنة والإرهاب، الذي يعمل انطلاقا من البحرين.

وذكر جونز أن 9 دول سجلت -حتى الآن- رسميا في هذا التحالف. ويرى الكاتب أن الغرب أمام 3 خيارات لمكافحة هجمات الحوثيين، كلها لها سلبيات خطيرة.

مسلحون مجهولون هاجموا ناقلة نفط فى مضيق باب المندب بالبحر الأحمر قبالة سواحل اليمن (الجزيرة) الأول: إعادة توجيه الشحن

فحتى تُجمع فرقة العمل، تبدل شركات الشحن في الوقت الحالي الطرق بين البحر الأحمر والرحلة الطويلة حول رأس الرجاء الصالح قبالة جنوب أفريقيا. وقد حدث ذلك من قبل عندما أُغلقت قناة السويس نتيجة الحروب العربية الإسرائيلية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات.

والسلبية هنا، كما يقول الكاتب، هي أن تغيير المسار عبر رأس الرجاء الصالح من شأنه أن يضيف نحو 60% من وقت العبور (وتكلفة الوقود)، من المواني الآسيوية إلى الأوروبية.

وليس إضافة التكاليف إلى شركات الشحن (الذين سيضيفون هذه التكاليف على المستهلكين) فقط؛ ولكن الأهم من ذلك هو تعطيل الأعمال في التصنيع العالمي في الوقت المناسب. ومع أن هذا يُعدّ خيارا مقبولا لأسبوع أو أسبوعين، فإنه إذا استمر أطول من ذلك، فإن تعطيل سلاسل التوريد البحرية العالمية سيكون كبيرا.

الثاني: مهاجمة الصواريخ والمسيّرات في مصدرها لاجتثاث الأسلحة ولردع الهجمات

وذكر الكاتب أن هناك بالفعل انتقادات بأن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يأذن بعدُ بهذا المسار. وعلق جونز بأن القول سهل لكن تحقيقه صعب، إذ لن يصعب كثيرا على قوات الحوثي إخفاء أنفسهم، ومخزون المسيّرات والصواريخ من الاستهداف الأميركي.

ثالثا: توسيع التحالف

وذكر الكاتب أن ألمانيا حتى الآن لم تنضم إلى التحالف، نظرا للمطالب المتزايدة على البحرية الألمانية المتواضعة في مياه شمال أوروبا، حيث يستعرض الروس قوتهم تحت سطح البحر.

ولم تنضم أستراليا بحجة أنه من الأفضل نشر قدرتها البحرية المتواضعة في غرب المحيط الهادي، ومن الممكن أن تسهم اليابان، خاصة أن لها قاعدة في جيبوتي. ومن المساهمين المحتملين الصين، التي لديها قاعدة قريبة.

ومع ذلك، يرى جونز وجود معضلة هنا بالنسبة للغرب، وتساءل: هل تفضل القوى الغربية -كخيار أول- دفع ثمن حماية التجارة البحرية العالمية، التي تعدّ الصين أكبر مصدر لها والمستفيد الرئيس منها، أو أنها -كخيار ثان- ستساعد في تسهيل قدرة الصين المتنامية على إبراز قوتها البحرية في أعالي البحار؟

وخلص في ختام مقاله إلى أن المسألة برمتها تسلط الضوء على هذه النقطة، وهي أن هناك تناقضا عميقا بين واقع العولمة، التي تعتمد بشكل كبير على التجارة البحرية وعلى الصين، وواقع التنافس "الجيوسياسي"، حيث تبرز القوة البحرية بسرعة كبعد مركزي. وتكثر التوترات والخيارات السيئة في البحر الأحمر، لكنها -أيضا- نذير بخيارات أشد صرامة، ومياه مضطربة في المستقبل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: هجمات الحوثیین البحر الأحمر

إقرأ أيضاً:

بعد تزايد مخاطر استهدافها.. بريطانيا تسحب آخر قطعها العسكرية من البحر الأحمر

الجديد برس|

سحبت المملكة المتحدة، اليوم السبت، آخر قطعها البحرية العسكرية من البحر الأحمر، في ظل استمرار الفشل الغربي في الحد من العمليات اليمنية ضد السفن الصهيونية وتلك المرتبطة بها، وارتفاع مخاطر استهداف المدمرات.

وقالت البحرية الملكية البريطانية، في بيان لها، إن المدمرة “إم إتش إس دايموند” غادرت البحر الأحمر. يأتي هذا بعد أقل من شهر من إعلانها نيتها استبدال “دايموند”، التي توصف بأنها “جوهرة البحرية البريطانية”، قبل أن تتراجع عن ذلك. رغم تحريكها لقطعة بحرية أخرى باتجاه جبل طارق، تبين لاحقاً عدم جاهزيتها لمواجهة الهجمات اليمنية.

وتأتي هذه الخطوة بعد مطالبات بريطانيا والولايات المتحدة لحلفائهما بإرسال قطع بحرية عسكرية إلى البحر الأحمر، نتيجة عجز قواتهما البحرية عن وقف العمليات اليمنية وحماية السفن في البحرين الأحمر والعربي، خاصة بعد انسحاب حاملة الطائرات الأمريكية “آيزنهاور” قبل نحو أسبوعين إثر الضربات اليمنية.

بالتزامن مع سحب المدمرة “دايموند”، كشفت صحيفة التلغراف البريطانية عن تفاقم الخسائر الاقتصادية في بريطانيا جراء تصاعد عمليات القوات المسلحة اليمنية المساندة لغزة. ونقلت الصحيفة عن مجموعة (إي أو إس) للمخاطر، قولها إن “الشهر الماضي شهد زيادة في هجمات الحوثيين من حيث الحجم والدقة والفتك”، مضيفة أن “تصاعد الهجمات في البحر الأحمر يهدد بارتفاع الأسعار”.

وأشارت الصحيفة إلى أن الشحن عبر البحر الأحمر انخفض إلى أدنى مستوياته منذ بدء الهجمات، مما يثير المخاوف من عودة التضخم. كما أكدت انخفاض عمليات النقل بنسبة 59% على أساس سنوي مع الانتقال إلى المرحلة الرابعة بصواريخ جديدة أطول مدى ورؤوس حربية أكبر، موضحة أن الحوثيين قاموا بإجراء تحول مرحلي في ملف أهدافهم، ووسعوه ليشمل عدداً أكبر بكثير من السفن.

من جهته، قال كبير خبراء الاقتصاد في بنك إنفستك للتلغراف، إن “تصاعد الهجمات في البحر الأحمر قد يؤدي إلى تعقيد معركة خفض التضخم”، موضحاً أن الهجمات تضاعفت عبر باب المندب أربع مرات منذ مايو إلى يونيو، وهو أعلى رقم منذ الخريف الماضي.

مقالات مشابهة

  • البحر الأحمر.. هجمات الحوثي تشهد تراجعاً ملحوظاً و«أسبيدس» تدمر مسيرتين
  • زعيم الحوثيين يقول إن الهجمات البحرية أثرت على الاقتصاد الأمريكي والبريطاني
  • تقرير بريطاني: تكتيكات الحوثيين البحرية تتطور وتتخذ منعطفات جديدة وخطيرة
  • صحيفة بريطانية: تصاعد هجمات الحوثيين يُضاعف مخاوف التضخم وزيادة أسعار الشحن والسلع
  • هجمات الحوثي البحرية وحملة الاختطافات على رأس مباحثات أميركية- عُمانية
  • بعد تزايد مخاطر استهدافها.. بريطانيا تسحب آخر قطعها العسكرية من البحر الأحمر
  • الإعلان رسميًا عن تنسيق أمريكي عماني بشأن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر
  • مخاوف دولية من عودة التضخم بسبب تصاعد عمليات الحوثيين
  • تقرير استخباري أمريكي: هجمات الحوثيين على السفن تعيق جهود السلام الدولية وأضرت بالأمن الإقليمي (ترجمة خاصة)
  • منظمة بحرية دولية توجه دعوة لدرء التسرب في سفينة شحن هاجمها الحوثيين في البحر الأحمر