خيارات الغرب الثلاثة لمكافحة هجمات الحوثيين على السفن الإسرائيلية
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
قد يكون البحر الأحمر أكثر المسطحات المائية إثارة للجدل في التاريخ. فقد كان ساحة للمنافسة الإمبراطورية أو القوى العظمى لمدة 500 عام على الأقل، بدءا من البحث البرتغالي عن الطريق البحري إلى آسيا، وصولا إلى الحرب الباردة. ويظل الرابط التجاري الأهم بين آسيا وأوروبا.
لذا فإن الهجمات التي شنتها قوات الحوثيين على السفن "الإسرائيلية" في الأيام الأخيرة تنطوي على احتمال حدوث اضطراب كبير.
بالإضافة إلى ذلك، فبسبب هجمات الحوثيين توقفت أهم شركات شحن الحاويات في العالم -بما في ذلك إم إس سي وميرسك وهاباغ لويد وكوسكو- عن الإبحار عبر هذه المياه، خوفا من الخسائر في الأرواح أو الأضرار.
في هذا السياق يشير كاتب هذا المقال بروس جونز، وهو باحث في معهد بروكينغز الأميركي، إلى تشكل تحالف عمل جديد بقيادة الولايات المتحدة يحمل اسم "عملية حارس الرخاء"، وهو تحالف بحري لحماية السفن التجارية من هجمات الحوثيين.
وسيعمل تحت آلية مسبقة وهي القوات البحرية المشتركة، وهو تحالف بحري لمكافحة القرصنة والإرهاب، الذي يعمل انطلاقا من البحرين.
وذكر جونز أن 9 دول سجلت -حتى الآن- رسميا في هذا التحالف. ويرى الكاتب أن الغرب أمام 3 خيارات لمكافحة هجمات الحوثيين، كلها لها سلبيات خطيرة.
مسلحون مجهولون هاجموا ناقلة نفط فى مضيق باب المندب بالبحر الأحمر قبالة سواحل اليمن (الجزيرة) الأول: إعادة توجيه الشحنفحتى تُجمع فرقة العمل، تبدل شركات الشحن في الوقت الحالي الطرق بين البحر الأحمر والرحلة الطويلة حول رأس الرجاء الصالح قبالة جنوب أفريقيا. وقد حدث ذلك من قبل عندما أُغلقت قناة السويس نتيجة الحروب العربية الإسرائيلية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات.
والسلبية هنا، كما يقول الكاتب، هي أن تغيير المسار عبر رأس الرجاء الصالح من شأنه أن يضيف نحو 60% من وقت العبور (وتكلفة الوقود)، من المواني الآسيوية إلى الأوروبية.
وليس إضافة التكاليف إلى شركات الشحن (الذين سيضيفون هذه التكاليف على المستهلكين) فقط؛ ولكن الأهم من ذلك هو تعطيل الأعمال في التصنيع العالمي في الوقت المناسب. ومع أن هذا يُعدّ خيارا مقبولا لأسبوع أو أسبوعين، فإنه إذا استمر أطول من ذلك، فإن تعطيل سلاسل التوريد البحرية العالمية سيكون كبيرا.
الثاني: مهاجمة الصواريخ والمسيّرات في مصدرها لاجتثاث الأسلحة ولردع الهجماتوذكر الكاتب أن هناك بالفعل انتقادات بأن الرئيس الأميركي جو بايدن لم يأذن بعدُ بهذا المسار. وعلق جونز بأن القول سهل لكن تحقيقه صعب، إذ لن يصعب كثيرا على قوات الحوثي إخفاء أنفسهم، ومخزون المسيّرات والصواريخ من الاستهداف الأميركي.
ثالثا: توسيع التحالفوذكر الكاتب أن ألمانيا حتى الآن لم تنضم إلى التحالف، نظرا للمطالب المتزايدة على البحرية الألمانية المتواضعة في مياه شمال أوروبا، حيث يستعرض الروس قوتهم تحت سطح البحر.
ولم تنضم أستراليا بحجة أنه من الأفضل نشر قدرتها البحرية المتواضعة في غرب المحيط الهادي، ومن الممكن أن تسهم اليابان، خاصة أن لها قاعدة في جيبوتي. ومن المساهمين المحتملين الصين، التي لديها قاعدة قريبة.
ومع ذلك، يرى جونز وجود معضلة هنا بالنسبة للغرب، وتساءل: هل تفضل القوى الغربية -كخيار أول- دفع ثمن حماية التجارة البحرية العالمية، التي تعدّ الصين أكبر مصدر لها والمستفيد الرئيس منها، أو أنها -كخيار ثان- ستساعد في تسهيل قدرة الصين المتنامية على إبراز قوتها البحرية في أعالي البحار؟
وخلص في ختام مقاله إلى أن المسألة برمتها تسلط الضوء على هذه النقطة، وهي أن هناك تناقضا عميقا بين واقع العولمة، التي تعتمد بشكل كبير على التجارة البحرية وعلى الصين، وواقع التنافس "الجيوسياسي"، حيث تبرز القوة البحرية بسرعة كبعد مركزي. وتكثر التوترات والخيارات السيئة في البحر الأحمر، لكنها -أيضا- نذير بخيارات أشد صرامة، ومياه مضطربة في المستقبل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: هجمات الحوثیین البحر الأحمر
إقرأ أيضاً:
عاصفة واحدة أغرقت سفننا
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
قبل 100 عام، وعلى وجه التحديد في عام 1925 كان حوض الخليج العربي مسرحاً مأساوياً لفاجعة بحرية أغرقت السفن الخشبية التي كانت تعمل هناك، حيث بسطت العاصفة مخالبها على المسطحات المائية الممتدة من رأس البيشة في البصرة وحتى رأس مسندم في سلطنة عمان. .
لم تكن السفن الخليجية العاملة في عرض البحر مزودة في ذلك العام المشؤوم باجهزة التنبؤ بأحوال الطقس، وليست لديها وسيلة التواصل مع المحطات الساحلية، فعلى الرغم من أنشطة المحطات الساحلية في البصرة وفي مسقط وفي بندر عباس التي كانت تدعم السفن التجارية العابرة للمحيطات بتقارير يومية عن الطقس وتقلبات البحر، لكن سفننا الخشبية التقليدية لم تكن على تواصل مع تلك المحطات. كل ما كانوا يمتلكونه وقتذاك هو مخطوطاتهم الموروثة، وقواعدهم الملاحية المحفوظة في كتيبات صغيرة يطلق عليها (رحماني) أو (راهماني) والتي تعود في اصلها إلى المرشد البحري شهاب الدين أحمد بن ماجد، أو سليمان بن أحمد المهري، أو النوخذة جاسم القطامي، وغيرهم. واحيانا تأتي التعاليم على شكل أرجوزات يحفظها العاملون في البحر على ظهر القلب بلغة قريبة من العامية. مثال على ذلك قولهم:
وينبغي معرفة الأرياحي
ومدخل البحر والمفتاحي
فغلقه يمكث ربع عامي
مدة تسعين من الأيامي
فهذه التسعون فيها الغلقا
حقيق من جاز بها أن يشقى
وبالتالي فان العاصفة المشؤومة التي اكتسحت الخليج عام 1925 كانت خارج التوقعات، وكانوا يسمون تلك السنة: (سنة الطبعة)، ومفردة (طبعة) تعني الغرق، من قولهم: طبعت السفينة. أي غرقت. .
تذكر السجلات التاريخية ان العاصفة هبت في ليلة الثاني من أكتوبر في تلك السنة. .
لقد فجعت المدن الخليجية كلها في تلك الليلة بفقدان رجالها وبحارتها، جاءت في البداية على شكل رياح شديدة اجتاحت مناطق الغوص (مغاصات اللؤلؤ)، نذكر من تلك المغاصات: فشت الديبل وداس وحالول وأبو الحنين وجنة وحولي واشتيه وغيرهن. وكانت سفن الغوص حينها تستعد للمغادرة والعودة الى ديارها، فقد كانت السفن متقاربة ومتلاصقة للتعبير عن فرحتها وسعادتها بانتهاء موسم الغوص. كانت الرياح الشديدة مصحوبة بأمطار غزيرة، فقد تعالت الأمواج ثم تلاطمت، فتبعثرت السفن في كل الاتجاهات، وتصادمت مع بعضها البعض، فغرقت أكثرها في غضون ساعات معدودات. يقال إنها كانت مئات السفن، غرق منها ما يقارب 80%، وبعد انتهاء العاصفة وسكون البحر هرعت سفن الإنقاذ بعد أن وصلتها اخبار الكارثة، حاملة معها الطعام والشراب والإسعافات الأولية، وقد ذكر تلك الحادثة الدكتور بندركار الهندي الجنسية، وهو الشاهد على آثار تلك العاصفة، وذكر المؤرخون بأن الذين غرقوا كانوا قرابة 8000 بحارا، وجاء كذلك في مذكرات مستشار حكومة البحرين (تشارلز بلجريف) الذي تحدث عن الحادثة نقلا عن الأهالي في البحرين. وللباحثة الاماراتية (فاطمة حمد بوعيسى الشامسي) كتاب من تأليفها يحمل عنوان: (سنة الطبعة – ملحمة أبطالها الأجداد)، وهو من إصدارات عام 2022. .
ختاماً: يبدو ان النكبات لا تأتي فرادى ففي تلك الليلة بالتمام والكمال من ذلك العام انهار نفق القطار في مدينة تشيرش هيل التابعة لولاية فيرجينيا أسفر عن مقتل معظم العاملين في النفق. .
لا ريب أنها صدفة من العيار الثقيل. . .