جامعة القاهرة تستضيف محاضرة لرئيس رابطة العالم الإسلامي
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
استضافت جامعة القاهرة برئاسة الدكتور محمد الخشت رئيس الجامعة، المحاضرة التذكارية التي ألقاها الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى رئيس رابطة العالم الإسلامي ورئيس رابطة الجامعات الإسلامية حول "مستجدات الفكر بين الشرق والغرب"، بقاعة الاحتفالات الكبرى بالجامعة، وبحضور الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، والسفير أسامة نقلي سفير المملكة العربية السعودية بمصر، والدكتور سامي الشريف الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية، والدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وكوكبة من رؤساء الجامعات المصرية، ونواب رئيس جامعة القاهرة، وعمداء الكليات، ولفيف من رؤساء التحرير منهم الأستاذ عصام كامل والأستاذ أحمد أيوب، وأعضاء هيئة التدريس والطلاب.
وفي مستهل اللقاء، قال الدكتور محمد الخشت، إن تواجد الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسي رئيس رابطة الجامعات الإسلامية، داخل قبة جامعة القاهرة له الكثير والعديد من المعاني والدلالات، والتي تستلزم التوقف لتوضيحها وتتمثل في توسيع آفاق التعاون بين جامعة القاهرة والهيئات العالمية الكُبري من الشرق والغرب ليس فقط في المجالات البحثية والأكاديمية والعلوم الطبيعية والرياضية، بل أيضًا في مجال الفكر الإنساني وتجديد الخطاب الديني، مؤكدًا أن هذا اللقاء يعكس طبيعة العلاقات فوق الاستراتيجية بين مصر والمملكة العربية السعودية لكونها علاقات لا تتضمن الملفات السياسية والاقتصادية وحدها بل هي علاقات تعود إلي وحدة الأصل والدم المشترك، فجدة النبي مصرية وهي هاجر عليها السلام وسيدنا إسماعيل جد النبي محمد نصف مصري لأن أمه مصريه، بالإضافة إلي أن كثيرا من القبائل في صعيد مصر من أصل عربي وتعود أصولها إلي شبه الجزيرة العربية ويرجع نسب الكثير منها للنبي عليه الصلاة والسلام وللصحابة الكرام.
وأضاف رئيس جامعة القاهرة، أن التعاون بين جامعة القاهرة والهيئات العالمية الكبرى يعكس ما وصلت اليه الجامعة عالميًا في مجال تجديد الخطاب الديني وتأسيس خطاب ديني جديد وظهور تيار إصلاحي عالمي، مشيرًا إلى الدور الكبير للدكتور محمد بن عبد الكريم في تطوير الفكر الاسلامي والقانوني، والإصلاحات المتعددة التي قام بها داخل النظام القضائي السعودي، لافتًا إلى أنه عند تولي الشيخ محمد بن عبد الكريم وزارة العدل قام بتمكين تقنين الشريعة الاسلامية وإصدار أول رخصه محاماة للمرأة السعودية.
كما قدم الدكتور محمد الخشت، باسم مجلس جامعة القاهرة التهنئة لفخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بمناسبة توليه فترة رئاسية جديدة.
وفي مستهل كلمته، أشاد الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسي رئيس رابطة الجامعات الإسلامية، بالدكتور محمد عثمان الخشت بوصفه قائدًا للمنظومة الأكاديمية داخل جامعة تاريخية قفزت مجددًا برؤيته الطموحة وبدعم من القيادة السياسية المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، مقدمًا التهنئة للشعب المصري لتولي السيد الرئيس فترة رئاسية جديدة بعد فوزه المستحق في الانتخابات الرئاسية، مشيرًا إلى القفزات الكُبري والتقدم غير المسبوق الذي حققته جامعة القاهرة داخل مختلف التصنيفات العالمية المرموقة بقيادة الدكتور محمد الخشت الفيلسوف والمفكر الإسلامي والأكاديمي المرموق.
وأكد رئيس رابطة العالم الإسلامي، وجود إرث كبير من الأفكار والسجالات العميقة وصلت إلى صدامات وصراعات ومحاكمات وحروب على مدار أعوام مضت شرقًا وغربًا وكانت أكثر فظاعة في الغرب بشهادة التاريخ مثل حرب الـ 30عامًا التي مزقت أوروبا وغيرت خريطتها والتي كانت شرارتها الأولي حربا دينية ثم تحولت بعد ذلك إلي حرب ذات مصالح سياسية، إلى جانب الحرب العالمية الأولي والثانية وما ترتب عليها من آثار جسيمه.
وأوضح الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسي، أن السبب الرئيس في الصراعات الفكرية هو الانغلاق والضيق في الرأي الآخر، بالإضافة إلى تضارب المصالح واستهداف الشخصيات الفكرية لأهداف خاصة، مؤكدًا أن الوعي الحضاري يترجم صحيح الدين والفكر من خلال الحوارات التي تُجنب الأفراد من الوقوع في فخ الاستفزاز الديني، وتدني مستوي الوعي في إدارة الجدالات الدينية الفكرية.
وأضاف رئيس رابطة العالم الإسلامي، أن الإنسان ليس معصوما من الخطأ ولا يمتلك الحقيقة المُطلقة، وأن الله سبحانه وتعالي أمر الناس بالإعراض عن الجاهلين، مشيرًا إلى أن مستجدات الفكر الإنساني تتصف بالاستمرار في الحراك والتغيربشكل يومي وهو ما يتطلب التعامل مع هذا التغيير المستمر من خلال إعمال العقل المفكر الذي من شأنه أن يتعامل بشكل سليم مع تلك المستجدات.
وأكد الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسي، أن الدين كامل لا زيادة عليه، ويتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية المؤكدة، وهو متجدد على الدوام وصالح ومصلح لكل زمان ومكان وأن الاجتهادات الشرعية تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والنيات والأشخاص وذلك باتفاق فقهاء الإسلام، والتجديد في الدين يكون من خلال الاجتهاد في فهم الشرع لتحقيق مصالح الناس وليس تجديد الدين نفسه، وأن الاجتهاد ليس قاصرًا علي أحد دون الآخر أو مكان دون الآخر بل هو واجب شرعي ويجب علي الجميع أن يجتهدوا، لافتًا إلى ضرورة إحياء علوم الدين وتبصير المسلمين بحقيقة الدين والعمل به في ظل غفلة الناس وما احدثه الجهلة من منكر القول، وداعيًا إلي عدم تصدير فتاوي في غير مكانها، ومشددًا أن العصمة تكون فقط لكتاب الله وسنه رسوله.
وتطرق رئيس رابطة الجامعات الإسلامية، إلى مفهوم العولمة وانفتاح العالم على بعضه وما يشهده من تنوع واختلاف ومحاولات التأثير على البعض من أجل تمرير أجندات فكرية وثقافية لصالح قوي خارجية معينة، مشيرًا إلى تعدد المفاهيم والأعراف والثقافات والحضارات واللغات في الغرب، واختلاف الفكر الفلسفي داخل الدول الأوروبية وهو ما يدل على اختلاف طرق التفكير، ومؤكدًا أن العلمانية تعني أن الدين لا يُسير الحياة العامة في الدول العلمانية، ولا يتدخل في شأن الحياة.
وقال الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسي، إنه لا بد من احترام حق الآخر وعدم المساس بالهويات الدينية لكونها تُمثل خصوصية لأن كل إنسان بداخله فطرة سليمة يجب إخراجها من خلال الحوار وكسب الآخرين والدعوة إلي حب الجميع دون استثناء.
وعقب الدكتور محمد الخشت، على محاضرة الدكتور محمد بن عبد الكريم، قائلا إنها محاضرة كاشفة وشاملة وتطرقت لكافة النقاط المركزية في خريطة الفكر العالمي، وليست مجرد محاضرة للرصد والتحليل بل لتكريس وتعزيز تيار وسطي عقلاني انفتاحي على العالم وهو تيار يدعو لحب الخير للجميع، مؤكدًا أن الله سبحانه وتعالى هو رب للناس أجمعين سواء العالم أو الجاهل والطالح أو الفاسد.
وأشار رئيس جامعة القاهرة، إلى أن الالتقاء المصري السعودي ليس التقاء تاريخيا فقط بل هو التقاء في مستجدات الفكر على الساحات العالمية والإسلامية وتجديد الخطاب الديني في مساحات مشتركة، وتوجه الأفكار نحو الانفتاح والتعددية ومواجهة الفكر المتطرف، مؤكدًا ضرورة إعمال العقل واحترام التراث القديم والعمل علي صنع تراث جديد دون تكرار، وتعددية الصواب والبعد عن الحقيقة المطلقة والصواب الواحد.
وأكد الدكتور محمد الخشت، ضرورة التمييز بين ما هو مقدس وما هو بشري، والتمييز بين الإسلام والمسلمين فالإسلام ثابت وهو القرآن والسنة النبوية الثابتة الصحيحة بيقين، وقال: " إننا على مستوي العالم لسنا بحاجة إلى أن نكون متفقين حتى نعيش في سلام، لأن الله خلق الناس أنواعا وأشكالا، وعلى الجميع أن يتقبل فكرة التنوع والإختلاف"، مضيفًا أن مشروع الجامعة لتجديد الخطاب الديني يعني أن الجامعة ليست رائدة في العلوم الطبيعية فقط بل أصبحت منبرًا للعقل الوسطي والعقلانية يلتقي تحت قبتها العلماء والشخصيات البارزة.
ومن جانبه، قال الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية، إن المحاضرة الثقافية الدينية التي ألقاها الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسي، بمثابة خريطة طريق استطاع أن يصحح من خلالها مسارا نرجوه جميعًا في أدبيات الفقه والتفكير، موضحًا أن الشريعة جاءت لتحقيق مصالح الخلق أجمعين ودفع المفاسد عنهم من خلال الجهد العلمي الطويل لفقهاء النص الشرعي.
وأكد الدكتور شوقي علام، الحاجة لوجود عقول رشيدة تدرك النص وما وراء النص وأهداف ما وراء النص في إطار منضبط وفق قواعد وأصول، باعتبار أن العقل المنضبط الواعي والمستنير يستطيع أن يواجه قضايا الناس ويراعي في ذلك الأبعاد والسياقات المختلفة، مشيرًا إلى أن الفقه السابق هو فقه رشيد واستطاع العلماء بعقليتهم الفريدة أن يقوموا بحل مشكلات عديدة تناسب عقودهم وأزمانهم، موجهًا الشكر للدكتور محمد الخشت لإتاحة الفرصة له للمشاركة في هذا الحوار الهام.
وأشار الدكتور سعد الدين الهلالي، إلى استماعه خلال فترة شبابه لخطاب ديني يكرس كراهية الآخر، ويكرس أفكارا بعينها وهي أن الله هو رب لنا وخاص بنا فقط، وأننا ناجون وغيرنا هالك، مؤكدا أن الدين الإسلامي يقوم ببناء كل إنسان ليكون فقيه نفسه، وأنه لا بد من التحاور وقت الاختلاف، مؤكدًا أن وظيفة أهل العلم الديني هو التذكير وليس السيطرة علي البشرية من خلال الدين، لأن الدين لله.
وفي ختام المحاضرة قام الدكتور الخشت بمنح الشيخ العيسى درع الجامعة الذهبي، كما قام الشيخ العيسى بمنح الدكتور الخشت درع رابطة العالم الإسلامي ودرع رابطة الجامعات الإسلامية.
جانب من اللقاءجانب من اللقاءالمصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: رئيس جامعة القاهرة الخطاب الديني تجديد الخطاب الديني مفتي الديار المصرية جامعة القاهرة أستاذ الفقه المقارن المملكة العربية السعودية الجامعات الإسلامية رابطة العالم الإسلامي شبه الجزيرة العربية رابطة الجامعات الاسلامية سفير المملكة العربية السعودية أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر مصر والمملكة العربية السعودية رئیس رابطة الجامعات الإسلامیة رئیس رابطة العالم الإسلامی الدکتور محمد الخشت الخطاب الدینی جامعة القاهرة مشیر ا إلى مؤکد ا أن أن الدین من خلال أن الله إلى أن
إقرأ أيضاً:
الدكتور حسن الشافعي: الحل في التجديد الديني وإعادة الاعتبار للفكر الفلسفي الإسلامي
الدكتور حسن الشافعي عضو هيئة كبار علماء الأزهر، ورئيس المجامع العلمية اللغوية، يرى أن الفكر الإسلامي منفتح على العالم، وأن القرآن العظيم يحض على السير في الأرض ومعرفة السنن الكونية ومصائر الأمم، والفلسفة تتبع القرآن، ولهذا نراها تهتم بالنظر في كل مناحي الحياة، تهتم بالحياة اليومية للإنسان المسلم، وتهتم أيضا بتاريخ الإنسان وتراثه، بل وتراث الأمم الأخرى.
حسن الشافعي -أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم، ورئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة- ولد بمحافظة بني سويف عام 1930 في بيت علم، التحق في 1953 بكلية أصول الدين بالأزهر، وفي الوقت عينه سجل نفسه طالبا بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وحصل على الليسانس والشهادة العالية منهما بمرتبة الشرف وكان الأول في الترتيب على جامعة الأزهر، والثاني في كلية دار العلوم، واختير معيدًا بكلية دار العلوم في قسم الفلسفة الإسلامية عام 1963.
اعتُقل عدة مرات منذ 1954 وهو في الفرقة الثانية بكلية دار العلوم، وكاد أن يموت تحت آلات التعذيب في السجن الحربي بتهمة انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وقضى في المعتقلات 12 عاما على فترات مختلفة، وأفرج عنه سنة 1970، وواصل دراسته حتى حصل على الماجستير عام 1969م عن "سيف الدين الآمدي المتكلم الأشعري المتوفى سنة 631هـ"، وأُتيحت له فرصة السفرِ إلى "كلية الدراسات الشرقية والأفريقية" بجامعة لندن عام 1973م، ونال منها درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عام 1977م عن "تطور علم الكلام الاثنا عشري في القرن السابع الهجري".
إعلانأُعير في عام 1981م إلى الجامعة الإسلامية بإسلام آباد في باكستان حيث عمل في إنشائها ووضع مناهج التدريس والعمل بها، وتولى عام 1983م عمادة كلية الشريعة والقانون فيها، ثم عُيِّن نائبًا لرئيس الجامعة، ثم صدر قرار إجماعي من مجلسِ أمناء "الجامعة الإسلامية العالمية" بإسلام آباد باختياره رئيسًا لها، وأنشأ المقرَّ الجديد لها في قلب العاصمة الباكستانية، وأضاف إليه 3 كليات جديدة؛ للعلوم الإدارية، والعلوم الاجتماعية، والعلوم التطبيقية. وحين انتهت مدة رئاسته عام 2003م مُدَّتْ خدمته هناك عامين آخرين حتى عام 2004م فعاد إلى القاهرة أستاذًا غير متفرغ بكلية دار العلوم.
د حسن الشافعي التقيناه في مجمع اللغة العربية بمنطقة الزمالك بالقاهرة، وكان هذا الحوار:
مساهماتك الفكرية يقدرها العلماء في مجال الفلسفة الإسلامية، وكان الجديد في مجال علم الكلام، أنك أنشأت منهجا أو علما جديدا باسم "علم القواعد الشرعية الاعتقادية" هل كان هذا المنهج أو ذلك العلم هو المسوغ الرئيسي لنيل جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، أم كان التقدير لمجمل أعمالك الفكرية؟أرى أن نيل جائزة خدمة الإسلام تتطلب النظر لمجمل السيرة الفكرية والمسيرة العملية للفائز بالجائزة، فقد كانت براءة الجائزة تشير إلى مجمل أعمالي وما كتبته تحقيقا و تأليفا وترجمة، ولم يشيروا إلى مؤلف معين، ونوهوا إلى الجهد الذي قمت به في الجامعة العالمية الإسلامية في إسلام أباد، حيث أقمت هناك 15 عاما، حيث كان جهدي الأساسي في مناهجها ونظمها الإدارية وإنشاء كلياتها ومعاهدها، وأضفت لها 3 كليات جديدة، وانتقلت بها من مقر تابع لأحد المساجد، لتصبح جامعة عالمية ومكانا تعرف به الجامعة الآن، وهذا ما أعتز به حقيقة في مسيرتي الفكرية والعلمية، بالإضافة إلى دوري في هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومجلس حكماء المسلمين، وفي النهاية أشاروا إلى دوري في خدمة اللغة العربية ورئاستي السابقة لمجمع اللغة العربية، وقيامي الآن على دوري في اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، والمشروعات العلمية التي ننهض بها، كل هذا ينظر له على أنه خدمة للإسلام والعربية.
إعلان علم جديد ما أهمية علم "القواعد الشرعية الاعتقادية" الذي استحدثته في مجال علم الكلام، وهل من الممكن أن نلقي عليه الضوء لتقريبه لأفهام الناس؟وانا طالب أزهري درست علم الكلام، وهو علم العقيدة الإسلامية منذ عام 1950، وقرأت في هذا المجال وتخصصت فيه، حتى قدر لي الله أن أكون أحد أعضاء هيئة التدريس في قسم الفلسفة الإسلامية في كلية دار العلوم، وكان معه اهتمامي بفرع علم الكلام، وبعد تعمق فيه أحسست بأنه يجب إنشاء فرع جديد، هناك في منظومة العلوم الفقهية علم يسمى علم القواعد الفقهية، وله نظائر في فكر القانون الغربي، ويهتم بالقواعد التي تحكم التفكير الفقهي ويلجأ إليها في الإجادة وتقديم الحلول التفصيلية المختلفة، والارتفاع إلى هذا المستوى للقواعد العامة التي تحكم الأحكام الاعتقادية، واستطاع علم الفقه أن يتفرع إلى فروع تخدم نفس النظرية العلمية، ومنها علم "القواعد الفقهية"، وفي هذا المجال مؤلفات كثيرة أشهرها كتاب "المصالح الكبرى" لعالم الفقه المصري العز بن عبدالسلام، الذي يتحدث عن مقاصد الشريعة وأهدافها، وأيضا كتاب الشاطبي المشهور "الموافقات".
إذا كان الفقهاء الكبار استطاعوا أن يخترعوا فرعا من فروع الدراسات الفقهية يخدم فرعا من منظومة التفكير الفقهي، فلماذا لا يكون له مِثْل في علم الكلام وهو المقابل لعلم الفقه، فهذا هو أصول الفقه، وهذا أصول الدين، فلماذا لا نستحدث فرعا جديدا نسميه "علم القواعد الاعتقادية الشرعية" يجمع القواعد التي تحكم التفكير الاعتقادي، والتفكير في مسائل العقيدة، وبالفعل وجدت أن هذا التفكير ليس جديدا، وأن هناك من كتاب العقائد في الفقه من ضمَّنها بعض الرؤى التي تنظر في المسائل الاعتقادية، والتفكير في مسائل العقيدة، خاصة في علم أصول الفقه.
وبعد تعمق فيه أحسست بأنه يجب إنشاء فرع جديد؛ قلت يجب أن نجمع من جديد هذه القواعد الشرعية في علم منفصل وإن كان متصلا، متخصص في جمع هذه القواعد، وقدمت نماذج منها في المجالات المختلفة في كتاب: "مقدمة أساسية لعلم القواعد الفقهية الشرعية" وفي الكتاب تأصيل للفكرة على نحو تأصيلي، لا تفصيلي، لأن التفصيل سيأتي من مصادره الأساسية في القرآن والسنة ومذاهب المتكلمين، وأيضا من علم القواعد الفقهية، وبعد أن أفرغ من مهامي التي تشغلني الآن من تحقيق كتب أبي الحسن الأشعري، ومنها كتاب "اللّمع" وهو كتاب نادر وله نسخة واحدة في العالم كله، وهو أهم كتب الشيخ الإمام الحسن الأشعري، والصادر عن مجلس حكماء المسلمين وتبرعت به لمجلس حكماء المسلمين، وأنا الآن مشغول بكتابة حاشية شارحة لهذا الكتاب حيث سيصدر كتاب يضم الأصل والحاشية قريبا إن شاء الله، وبعد ذلك سأتفرغ لعلم القواعد الاعتقادية الشرعية، وسأستخلصه من القرآن أولًا ثم السنة وبقية المصادر.
إعلان مذهب الوسطية لكن لماذا حورب المذهب الأشعري في مصر والعالم الإسلامي من قبل، ثم لماذا الاتجاه الآن لتدريس هذا المذهب والدعوة للاهتمام به خاصة من الأزهر؟أذكر هنا مقولة للشيخ أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر الشريف: أن هذا المذهب هو أحوج ما يحتاج المسلمون لمعرفته اليوم للخروج من هذه الفتنة الملعونة التي انزلق إليها المسلمون وهم لا يشعرون، وهي فكرة التكفير التي يُعنى بها من يريد استحلال المال والأعراض، ولا يوجد مذهب من مذاهب الأمة العقدية التي نزلت على أرض الواقع وتحركت على أرضها سلم من تكفير المؤمنين غير مذهب الإمام الأشعري!
وأضيف أن هذا حدث أيضا من متعصبي الوهابية، ثم من القاعدة وداعش، وممن يدعون أنهم أنصار بيت المقدس وغيرهم الذين استحلوا الدماء والأعراض والأموال للمسلمين وغير المسلمين، وهذا التوجه ليس من توجه الشيخ أحمد الطيب، بل هذا توجه بدأ منذ أكثر من 700 عام، الأزهر بدأ مؤسسة شيعية كما هو معلوم على أيدي الفاطميين، بقيادة المعز لدين الله الفاطمي، وكانوا منحرفين جدا عن نهج الصحابة، ومتطرفين جدا في تعظيم الإمام، وكلنا يعلم قصيدة ابن هانئ الأندلسي عندما انتصر المعز لدين الله ودخل مصر قال له:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
خلع عليه أوصاف الله عز وجل وأسمائه الحسنى، وصفات النبي، ولهذا انتقم الله منهم ولم يعمروا في مصر سوى قرنين من الزمان وتم استئصال شأفتهم تماما، ولم يبق في مصر شيعي واحد، وتحول المصريون منذ عهد صلاح الدين إلى المذهب السني، ومنذ صلاح الدين ومذهب الأشاعرة السني هو المعتمد للدراسة بالأزهر، ونحن نمضي على نهج شيوخنا السابقين ومنهم الحسن العطار والطهطاوي والشيخ محمد عبده، وسائر المجددين الذين نرجو أن يكون لهم تلاميذ وعلماء وأبناء على نفس النهج في الوقت الحاضر.
اهتمامي بابن رشد كان بتشجيع من أستاذنا الدكتور محمود قاسم عميد كلية دار العلوم، ورئيس قسم الفلسفة، والمؤسس الحقيقي لهذا القسم، وكانت قضية حياته إنصاف فكر ابن رشد، وكما نعرف أن فكر ابن رشد يختلف في التأويل بين الشرقيين والغربيين، الغربيون خاصة رجال الكنيسة يستخدمون أفكاره ويعتبرونه ملحدا ويحاربونه، مع أنهم تلاميذ على فكره، وأما التيار العلماني الإلحادي فيعتبر ابن رشد المؤسس لفكرهم العلماني، وهذا خطأ في فهم ابن رشد.
ابن رشد مفكر مسلم مؤمن، ويقيم أفكاره النهضوية على أسس قرآنية ولا ننسى أنه كان قاضي قضاة قرطبة، وهو أكبر القضاة الشرعيين، ووالده وجده تسنموا هذا المنصب من قبله، وليس غريبا أن أول كتاب كتبه في الفقه كان "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" وهو كتاب في الفقه المقارن بين المذاهب المختلفة، ويحدد الحكم الأرجح.
والتأويل الإسلامي الشرقي لفكر ابن رشد أنه فكر إسلامي صريح، وأنه عني بالجمع بين الشريعة والحكمة وبين العقل والنقل، وبين الفكر والفلسفة، كما جاء في كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال"، ابن رشد مفكر مسلم، ولكن ما أشاعه عنه الغرب أنه قائد الاتجاه الالحادي اللاتيني كان هذا خطا في التفكير، وإن كان ما زال يجد له مؤيدين لدى البعض من الكتاب المصريين.
وفي بعض الأقسام الفلسفية بالجامعات، حاولنا إنصاف ابن رشد كمفكر إسلامي، وكان معنا بعض الأساتذة مثل الدكتورة زينب الخضيري رئيسة قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة، وأثبت الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق أن فكر الغزالي وابن سينا هو الأصل فيما قاله ديكارت، وديكارت قرأ بالعربية هذه الكتب وتأثر بها، فالدور الذي قام به فكر ابن رشد في الحضارة الغربية، يجب أن يوازيه اهتمام بهذا الفكر في الحياة الفكرية الإسلامية المشرقية، وإذا لم يكن هذا حدث في الماضي فممكن أن يحدث الآن.
إعلانوالأفكار المناديَة بالقطيعة مع التراث، والأخذ بالعلمانية المطلقة والخروج على الدين، وهذه الأفكار التي تعتبر خروجا على العقلية العربية من بعض المغاربة وبعض المصريين، هذه دعوات انتهت، وأصبح الجميع ينادون بتجديد الفكر الديني، في إطار يتسق مع الظروف الحاضرة، فلا قطيعة ولا تقديس مع التراث، وإنما هو التعامل مع الفكر الديني من خلال حداثة إسلامية تفيد هذا المجتمع العربي والإسلامي، والنموذج الذي يهدينا في هذا، هو نموذج ابن رشد.
المعجم التاريخي المعجم التاريخي العربي الذي يقوم به اتحاد المعاجم العلمية العربية، حلم انتظرته الأمة العربية منذ أكثر من قرن، ويتم التجهيز والتخطيط له منذ 40 عاما، إلى أي مرحلة من الإنجاز وصل؟ وما المدة اللازمة لإنهاء المعجم التاريخي العربي، مع أن الإنجليز عندما قاموا بإنجاز هذا المعجم استغرق منهم قرنا كاملا؟اهتدينا في المعجم التاريخي بأصول المعجميات العالمية، وما تم في معاجم أخرى ولكن مع مراعاة طبيعة اللغة العربية التي تعتمد على الجذر اللغوي ومنه ينبثق كل شيء في اللغة، ولحسن الحظ بدأت الفكرة من مشروع بدأه المغفور له الاستاذ سعيد بدوي، وهو صاحب الفكرة المطبقة الآن في مجمع اللغة العربية بالقاهرة في معجم "تاريخ الشعر العربي" وهذا مشروع في إطار الشعر العربي فقط، إنما المعجم التاريخي يتناول اللغة بكل ميادينها، علم وفن وشعر ونثر وحكم وخطب وغيرها، وعن طريق الجذر وتطويره في منهج، وجاء من طوّر هذا، وقام الأستاذ مأمون وجيه بتحويل هذا إلى مشروع شبه رقمي يمكن أن ينتظم خطوات المعجم التاريخي من البداية للنهاية، ولما توفر هذا المنهج و طرحناه على العلماء العرب، وتوفر التمويل والإدارة عن طريق الدكتور القاسمي، وفي غضون عامين على الأكثر سوف يكتمل هذا المعجم التاريخي الذي قد يصل إلى 50 مجلدا.
إعلان