أكدت منظمة حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش" أن فوز الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بولاية ثالثة في الانتخابات الرئاسية جاء إثر حملة اعتقالات وترهيب وشروط مرهقة على المرشحين الآخرين، ما منع حدوث منافسة حقيقية على ساحة الانتخابات.

وقال المنظمة: "في الأشهر التي سبقت الانتخابات، قمعت قوات الأمن الاحتجاجات السلمية، وضايقت واحتجزت وحاكمت عشرات الصحفيين، والنشطاء السياسيين، والحقوقيين".

وأضافت: "استهدفت السلطات أغلب المؤيدين المفترضين لأحمد الطنطاوي وهو معارض، ومنافس محتمل على الرئاسة، ونجحت في استبعاد ترشيحه من خلال منعه من التأهل".

أعلنت السلطات في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023 فوز السيسي بـ 89.6% من الأصوات في الانتخابات التي جرت من 10 إلى 12 ديسمبر/كانون الأول.

تكبيل المشاركة السياسية

قال عمرو مجدي، باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول، قضت حكومة عبد الفتاح السيسي بإحكام على أي منافسة محتملة، وقوضت بشدة الحق في المشاركة السياسية".

وأضاف: "قضاء الحكومة على الانتخابات المستقلة هو الفصل الأخير من حملة القمع المستمرة التي دمرت الفضاء المدني، وكبّلت المشاركة السياسية في البلاد خلال العقد الماضي".

وتابع: استخدمت السلطات مجموعة من الأدوات القمعية للقضاء على المنافسين المحتملين، إذ أنهى الطنطاوي، وهو عضو سابق في مجلس النواب ويُنظر إليه على نطاق واسع على أنه المنافس الأبرز للسيسي، حملته الانتخابية في أكتوبر/تشرين الأول بعد فشله في التأهل.

وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني، أحالت السلطات الطنطاوي، ومدير حملته، و21 من مؤيديه المعتقلين إلى المحاكمة، من بدون أي ذنب سوى حملته الانتخابية السلمية.

اقرأ أيضاً

واشنطن بوست بعد إعادة انتخاب السيسي: مصر على حافة الهاوية

الهيمنة على مجلس النواب

تهيمن الأحزاب المؤيدة للسيسي بأغلبية ساحقة على مجلس النواب وتوافق على القرارات الحكومية دون تدقيق.

ومن النماذج على ماسبق التعديلات الدستورية لعام 2019 التي عززت سلطة السيسي عبر السماح له بالترشح لفترة إضافية واحدة، بالإضافة إلى الفترتين السابقتين، ومددت أيضًا فترة ولايته الحالية من أربع إلى ست سنوات.

وذكرت المنظمة أنه بموجب مرسوم "الهيئة الوطنية للانتخابات" الصادر في 25 سبتمبر/أيلول، يمكن للمواطنين المصريين تسجيل توكيلهم لمرشح ما بزيارة أحد مكاتب التوثيق الحكومية المخصصة البالغ عددها 217، والتابعة لوزارة العدل، حيث يمكنهم التوقيع على استمارة إلكترونية بحضور أحد موظفي المكتب.

كما يمكن للمصريين في الخارج تسجيل التوكيل في بعثات دبلوماسية معيّنة، ولكن السلطات المصرية لم تسمح إلا بـ 20 يوما فقط لتقديم التوكيلات، من 25 سبتمبر/أيلول إلى 15 أكتوبر/تشرين الأول.

قمع طنطاوي

قالت هيومن رايتس ووتش إن حملة التواصل التي قام بها الطنطاوي، خاصة جهود جمع التوكيلات من الجمهور قوبلت بالقمع.

وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول، أنهى الطنطاوي حملته الانتخابية، قائلًا إنه لم يتمكن من جمع إلا نحو نصف عدد التوكيلات المطلوبة.

ووثّقت هيومن رايتس ووتش حالات مُنع فيها الأفراد من تقديم توكيل للطنطاوي أو غيره من المنافسين المحتملين للسيسي، فضلا عن اعتقال الكثير من مؤيدية، واتهام النيابة لمعظمهم بجرائم تتعلق بالإرهاب و"نشر أخبار كاذبة".

ومنذ أوائل 2023 وحتى منتصف سبتمبر/أيلول، اعتقلت قوات الأمن نحو 2,028 شخصًا على خلفية الممارسة السلمية لحرية التعبير والتجمع.

وأفادت هيومن رايتس ووتش أوائل نوفمبر/تشرين الثاني أن السلطات اعتقلت وحاكمت خلال الشهر السابق عشرات المشاركين في عدة احتجاجات سلمية مناهضة للحكومة في جميع أنحاء البلاد، وكان بعضها على صلة بالانتخابات.

اقرأ أيضاً

بعد فوز السيسي برئاسيات 2024.. ناشطون: مبروك على العسكر 6 سنوات جديدة من تخريب مصر

قيود وتجريم التجمعات

واتهمت السلطات العديد من المعتقلين بجرائم تتعلق بالإرهاب والتجمع غير القانوني، بناء على القانونيين الصادرين في 2023 و 1914 بشأن التجمع، واللذين يفرضان قيودًا شديدة، ويجرّمان التجمعات لخمسة أشخاص أو أكثر.

ولا يزال الآلاف محبوسين احتياطيا أو يقضون أحكاما في قضايا تتعلق بالتجمع السلمي.

ووسعت السلطات استخدام نظام الاتصال عبر الفيديو (الفيديو كونفرنس)، وهو منتهِك بطبيعته، لتجديد الحبس الاحتياطي دون مثول المحبوسين حضوريا أمام القاضي.

 وقالت هيومن رايتس ووتش إن هذه الانتهاكات الواسعة والمزمنة كان لها آثار محبطة على المشاركة السياسية في الفترة التي سبقت الانتخابات.

تكبيل الإعلام

كما قوّضت السلطات في عهد السيسي بشدة حرية وسائل الإعلام والحق في الوصول إلى المعلومات.

وتدرج منظمات مراقبة حرية الصحافة مصر كل عام تقريبًا منذ العام 2014 ضمن الدول الـ 10 التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين.

في 2023، استهدفت السلطات الصحفيين ووسائل الإعلام قبل الانتخابات.

وفي أكتوبر/تشرين الأول، أحال "المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" عاملين في موقع "مدى مصر" الإعلامي المستقل إلى النيابة العامة بتهمة مزاولة أنشطة إعلامية دون ترخيص، ونشر أخبار كاذبة دون التأكد من مصادرها.

في فبراير/شباط، أحالت النيابة العامة ثلاثة صحفيين من مدى مصر إلى المحاكمة في قضية أخرى تتعلق بتقرير يزعم وجود فساد في "حزب مستقبل وطن" الموالي للسيسي.

وفي يونيو/حزيران، منعت السلطات الوصول إلى موقعين إخباريين مستقلين، "مصر 360" و"السلطة الرابعة"، وفقا لمنظمات حقوقية محلية ودولية، لينضما بذلك إلى مئات المواقع المحجوبة منذ 2017.

منع التوكيلات لغير السيسي

استخدمت السلطات المضايقات أيضا ضد جميلة إسماعيل، رئيسة "حزب الدستور" والسياسية البارزة، التي أوقفت أيضًا حملتها الانتخابية في أكتوبر/تشرين الأول.

في 30 سبتمبر/أيلول، روت إلهام عيدروس، الناشطة اليسارية والنسوية وإحدى مؤسسي "حزب العيش والحرية"، أن مجموعة من المجهولين أخافوها بمجموعة من البلطجية ومنعوها بالقوة هي والقيادي البارز في "حزب المحافظين" مجدي حمدان من الدخول إلى مكتب الشهر العقاري لعمل توكيلات لجميلة إسماعيل بعد أن ألمح كلاهما إلى أنهما لن يعطيا توكيلا للرئيس السيسي.

وقالت عيدروس لـ "هيومن رايتس ووتش" إنها تقدمت بشكوى إلى النيابة العامة، لكن محاميها قال إنه لم يتم التحقيق فيها قط.

ونشر حمدان فيديو على فيسبوك يلقي فيه باللوم على أنصار السيسي في الهجوم.

شهود عيان

أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع أشخاص ذهبوا إلى عدة مكاتب للشهر العقاري بين أواخر سبتمبر/أيلول ومنتصف أكتوبر/تشرين الأول لتقديم توكيلات رسمية.

 قالت صحفية(45 عامًا)، إنها ذهبت في 6 أكتوبر/تشرين الأول مع خمسة آخرين إلى مكتب شهر عقاري في القاهرة لتسجيل توكيلها لجميلة إسماعيل، لكنهم وجدوا باب المكتب مغلقًا أثناء ساعات العمل.

وأضافت: انتظرنا على الدرج المؤدي إلى مدخل المكتب إلى أن قامت مجموعة من المجهولين الذين يحملون صور السيسي بدفع الجميع بعيدا، وإغلاق المدخل، وغادرنا دون تسجيل التوكيلات.

قالت صحفية (27 عامًا)، وصحفية (35 عامًا)، وطالبة في جامعة القاهرة إنهن بين 26 سبتمبر/أيلول و14 أكتوبر/تشرين الأول، زرن بشكل منفصل عدة مكاتب شهر عقاري لتقديم توكيلات للطنطاوي،  وفي كل مرة كان يقابلهم أشخاص مجهولون وصفوهم بـ "البلطجية"، يدفعون أنصار الطنطاوي، ويضايقونهم أمام المكاتب.

وأكدن أن الشرطة كانت حاضرة أحيانا لكنها لم تتدخل.

وأوضحت هيومن رايتس ووتش أن هناك مقاطع فيديو منتشرة على إكس بتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول تظهر مجموعة من أنصار الطنطاوي يحتجون على منعهم من تقديم التوكيلات داخل مكتب الشهر العقاري في القاهرة.

وأظهر فيديو آخر، أيضًا في 3 أكتوبر/تشرين الأول، مجموعة من المواطنين أمام أحد مكاتب الشهر العقاري في الإسكندرية وهم يصرخون قائلين إن موظفي المكتب رفضوا السماح لهم بتقديم توكيلات للطنطاوي.

وقال أحدهم إنه ظل يزور مكتب الشهر العقاري لستة أيام لكنه لم يتمكن قط من تقديم التوكيل.

اقرأ أيضاً

نيويورك تايمز: السيسي رئيس مصر لولاية ثالثة رغم سوء إدارته وتجاهله أزماتها 

 

المصدر | الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السيسي الانتخابات الرئاسية بمصر فوز السيسي بولاية ثالثة هيومن رايتس ووتش أحمد طنطاوي القمع في مصر أکتوبر تشرین الأول المشارکة السیاسیة هیومن رایتس ووتش الشهر العقاری سبتمبر أیلول مجموعة من

إقرأ أيضاً:

لماذا يتجاهل السيسي دعوات إخلاء سبيل المعتقلين؟.. تصاعد الانتهاكات في السجون

في الوقت الذي تتواصل فيه الدعوات للاصطفاف مع النظام المصري بمواجهة خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترمب نحو المنطقة العربية، تتفاقم فيه معاناة المصريين مع سياسات البطش الأمني، التي زادت مؤخرا معدلات جرائمها بالمخالفة للقانون والدستور، متجاهلة دعوات حقوقية بإخلاء سبيل المعتقلين السياسيين لزيادة اللُحمة الوطنية.

آخر الأزمات الأمنية المثيرة لمخاوف المصريين، كان قيام نجل ضابط شرطة في مدينة "15 مايو" بحلوان جنوب العاصمة المصرية القاهرة، بإطلاق الرصاص من سلاح والده الميري على الشاب مصطفى على (21 عاما)، إثر خلاف بينهما، محدثا به إصابة بالغة يقبع على إثرها بالمشفى، بحسب "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان".



وفي فاجعة جديد انتحر المعتقل المصري السابق مصطفى محمد أبوالوفا، بتناول حبة الغلة السامة، وذلك بعد معاناة طويلة مع المرض النفسي وتبعات اعتقاله بتهمة الانضمام لـ"تنظيم الدولة"، حيث ظهر بمقطع مصور يقول: "لن أسامح من ظلمني".

هذا مصطفى بن محمد ‏محادثة بيني وبينه ( أبيض #من جوا )كما قال لي #الله يغفر له ويرحمه ويتجاوز عنه ينشر ما ننشره ليل... تم النشر بواسطة ‏أحمد السادات عيد‏ في الأربعاء، ١٩ فبراير ٢٠٢٥
وفي أزمة ثالثة، توفي المعتقل خالد أحمد مصطفى داخل محبسه بسجن العاشر، في وضع اعتبر "مركز الشهاب لحقوق الإنسان" أنه يؤكد "استمرار تدهور أوضاع السجون وغياب الرعاية الصحية عن المعتقلين".

وبحسب رسالة استغاثة من زوجته فقد المعتقل منذ 6 سنوات السيد سليمان، بصره بسبب الإهمال الطبي داخل سجن بدر، وسط تجاهل السلطات مطالبات الإفراج عنه.



وكشف تقرير بعنوان: "الصمت القاتل تجاه الاضطرابات النفسية في السجون"، لـ"المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، عن تزايد حالات انتحار السجناء والسجينات، موجها اتهامه للنيابة العامة بالصمت وتجاهل المشكلة.



وبعد إنكار سجن "برج العرب" شمال غرب البلاد، لوجوده؛ تقدمت زوجة النقابي العمالي شادي محمد، ببلاغ للنائب العام حول اختفاء زوجها قسريا منذ اعتقاله إثر رفع لافتة دعم فلسطين، نيسان/ أبريل الماضي.



وكشف شاهد عيان عن حجم رداءة أوضاع المحبوسين بأماكن الاحتجاز، مع انعدام النظافة والازدحام الشديد وانتشار الحشرات، في حديثه للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، مؤكدا أن احتجازه أسبوعين بقسم شرطة قصر النيل بالقاهرة أصابه بأمراض جلدية مختلفة بينها "الجرب".

والثلاثاء الماضي، قررت نيابة أمن الدولة العليا، حبس 25 شابا، كانوا مخفيّين قسريا، مع تجديد حبس المحامية الحقوقية فاطمة الزهراء غريب، المعتقلة على خلفية كتابة عبارات مناهضة للسيسي على جدران أبنية حكومية بمدينة أسوان (جنوب).

وأعلن المحامي الحقوقي خالد علي، الأحد الماضي، عن اعتقال 59 شابا الفترة الماضية وحبسهم احتياطيا بسبب أحاديث وفيديوهات على وسائل وجروبات التواصل الاجتماعي.

وفي تقرير "منظمات تحالف المادة 55"، حول الأوضاع داخل مراكز ومقار الاحتجاز عن كانون الثاني/ يناير الماضي، كشف عن الكثير من الانتهاكات الجسيمة، مؤكدة أنها "تعكس سياسات ممنهجة تتناقض مع نصوص الدستور والمعايير الدولية لحقوق الإنسان".

"دعوات لإخلاء السبيل"

ووجهت "منظمة العفو الدولية"، الأربعاء، ندائها للسلطات المصرية بأن تُفرج فورا عن عشرات الذين اعتُقلوا تعسفا وجرت مقاضاتهم بتهم تتعلق بالإرهاب، لنشرهم محتوى على الإنترنت يدعو لإنهاء حكم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي.

وقبل حلول شهر رمضان المحتمل مطلع آذار/ مارس المقبل، تتواتر الدعوات لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وبينما جاءت إحداها من نقيب الصحفيين خالد البلشي، انطلقت اثنتين منها على لسان المحامي الحقوقي وعضو لجنة العفو الرئاسي، طارق العوضي، والإعلامي عمرو أديب.


وناشد العوضي، السيسي، مع اقتراب رمضان، أن "يمد يده بالعفو والرحمة إلى الأسر المصرية التي تعيش على أمل اللقاء"، كما قال أديب: "سيحل رمضان، ولدي أمل بعودة الإفراج عن سجناء الرأي"، فيما طالب البلشي، بالإفراج عن 25 صحفيا قبل رمضان.

ما دفع البعض للتكهن باحتمال أن تكون تلك المطالبات تمهيد لقرار عفو رئاسي عن بعض المعتقلين، أو تهدئة للشارع المصري في ظل حالة الغضب من خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين إلى مصر.

"لا يعنيه فقدان الأعمار والحياة"
وهنا تقول الحقوقية المصرية هبة حسن، إن "دعوات الاصطفاف كان بالإمكان أن يكون لها معنى وقيمة لو أن الشعب المصري بتنوع أطيافه يشعر بأقل قدر من انتماء هذا النظام له أو اهتمامه بمصالحه أو حرصه على أقل قيم العدالة والكرامة بل والإنسانية تجاه هذا الشعب".

وفي حديثها لـ"عربي21"، تضيف مديرة "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات": "دعوات الاصطفاف للأسف تمثل دعوة للوقوف خلف نظام لم يترك للمصريين مساحة يشعرون فيها بأدنى درجات وضعهم في الاعتبار؛ فضلا عن تلبية طموحاتهم من كرامة وحرية، بل ولا حتى لقمة عيش تسد حاجتهم".

وعن استمرار الانتهاكات الحقوقية والجرائم الأمنية بحق المصريين وما تؤدي إليه هذه الانتهاكات من فقدان الأعمار وصولا لفقدان الحياة نفسها، فلا ترى حسن، أن "النظام يلتفت إليها فضلا أن يهتم ويحقق أو يوقف نزيف الأرواح التي تؤدي إليه".

وتختم بالقول: "وربما حتى يعتقد المصريون أن معارضته لخطط ترامب ليست بحثا عن مصالح وطن أو مواطنين، ولكن قلقا على قدرة النظام للحفاظ على قبضته الأمنية للبلد".

"سياسة عقابية ممنهجة"
من جانبه، يقول الحقوقي المصري أحمد العطار: "في الوقت الذي تحاول فيه السلطة المصرية حشد تأييد شعبي ورسمي لمواجهة التحديات الإقليمية، وعلى رأسها السياسات الأمريكية تجاه المنطقة، نجد أن الأوضاع الداخلية تتجه إلى مزيد من التأزم".

مدير الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، يؤكد لـ"عربي21"، أن "الانتهاكات الحقوقية المتكررة تقوض أي دعوات للاصطفاف الوطني، لأن المواطنين الذين يُطلب منهم دعم النظام هم أنفسهم يعانون القمع، والاعتقالات التعسفية، والتضييق الأمني".

ويتساءل: "كيف يمكن بناء وحدة وطنية في ظل استمرار القتل خارج القانون، والانتحار بسبب القهر، والإخفاء القسري لمن يرفعون حتى شعارات إنسانية مثل دعم فلسطين؟، كما وثقنا ذلك في تقريرنا بالشبكة المصرية لحقوق الإنسان، وغيرنا من المنظمات المصرية والدولية".

"قتل وانتحار وإهمال وإخفاء"
وفي حديث العطار، عن جرائم القتل خارج القانون، تساءل: هل أصبح السلاح في يد الجميع؟"، مشيرا إلى أن "حادث إطلاق نجل ضابط شرطة الرصاص على الشاب مصطفى علي (21 عاما) تسلط الضوء على خطورة تفشي السلاح في أيدي غير المختصين، خاصة أبناء رجال الأمن، وما يعكسه ذلك من استغلال نفوذ وعدم محاسبة حقيقية للجناة".


ويوضح أنه "عندما يُستخدم السلاح الميري (المخصص لرجال الأمن فقط) في خلاف شخصي، فهذا يشير إلى غياب الرقابة والانضباط داخل المؤسسات الأمنية وأسر العاملين فيها"، مؤكدا أن "هذا النوع من الجرائم ليس الأول من نوعه، وقد شهدت مصر حالات مماثلة، ما يطرح تساؤلات حول مدى جدية الدولة في فرض سيادة القانون على الجميع، أم أن هناك فئات فوق القانون؟".

كما تحدث الحقوقي المصري، عن انتحار المعتقلين السابقين، متسائلا: "هل هو نتيجة القهر أم الإهمال؟"، مبينا أن "انتحار مصطفى أبوالوفا بعد فترة من إطلاق سراحه، بسبب معاناته النفسية جراء اعتقاله، يكشف البعد النفسي العميق لمعاناة المعتقلين السياسيين في مصر".

ويشير إلى أن "تجربة الاعتقال وما يصاحبها من تعذيب وإهانة وغياب للعدالة، تترك آثارا نفسية مدمرة قد تدفع البعض إلى إنهاء حياته، خاصة مع غياب الدعم النفسي والاجتماعي بعد الإفراج عنه".

ويلمح إلى أن "الفيديو الذي تركه أبوالوفا، والذي قال فيه: (لن أسامح من ظلمني)، يلخص معاناة كثير من المعتقلين السابقين الذين يجدون أنفسهم خارج السجن لكنهم في واقع الأمر لم يغادروا دائرة القهر، حيث يواجهون التهميش والوصم الاجتماعي وغياب الفرص".

وعن الإهمال الطبي في السجون، يؤكد العطار أنه "إعدام بطيء"، ويلفت إلى أن "وفاة خالد أحمد مصطفى بسجن العاشر بسبب الإهمال الطبي ليس حادثا فرديا، بل جزء من نمط متكرر بالسجون، حيث يتم تجاهل الحالات الصحية الحرجة، ما يؤدي إلى موت بطيء للمعتقلين".

ويقول إن "تقارير المنظمات الحقوقية تشير إلى أن الإهمال الطبي أصبح وسيلة غير مباشرة للتخلص من المعارضين السياسيين، إذ يتم حرمانهم من العلاج والأدوية والرعاية الصحية اللازمة، مما يؤدي إلى وفاتهم تدريجيا، في نهج يعكس سياسة عقابية ممنهجة وليس مجرد حالات فردية".

ويقول العطار إن "الإخفاء القسري أصبح مصير كل معارض"، ويلمح إلى "قضية اختفاء النقابي العمالي شادي محمد، بعد رفعه لافتة دعم فلسطين، تكشف عن مدى توسع دائرة القمع، بحيث لم تعد مقتصرة على المعارضين السياسيين التقليديين، وتمتد إلى النقابيين، والناشطين في القضايا الإنسانية".

ويرى أن "إخفاء شخص لمجرد إبداء موقف تضامني مع قضية فلسطين يعكس حساسية النظام تجاه أي شكل من أشكال التعبير الحر، حتى لو كان متماشيا مع التوجه العام للدولة".

هل يمكن أن يحدث تغيير؟
يعتقد الحقوقي المصري، أنه "رغم كل هذه الوقائع، لا توجد حتى الآن مؤشرات واضحة على أن السلطة المصرية بصدد تغيير سياساتها القمعية"، مضيفا: "وحتى عندما تخرج أصوات من داخل النظام، مثل الإعلامي عمرو أديب، مطالبة بالإفراج عن بعض المعتقلين، فإن هذه الدعوات تبدو شكلية وغير مؤثرة، حيث لا تتبعها إجراءات حقيقية".

ويستدرك: "لكن السؤال الأهم: هل يمكن أن يستمر هذا النهج طويلا دون تداعيات؟، مجيبا بالقول: "داخليا، استمرار القمع بهذا الشكل قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي، خاصة في ظل التدهور الاقتصادي المتزامن مع القمع السياسي، ودوليا، تتزايد الضغوط على مصر من منظمات حقوقية ودول غربية، لكن النظام يعتمد على تحالفاته الإقليمية والدولية لتجنب أي مساءلة حقيقية".

يخلص للقول إن "ما يحدث حاليا يعكس أزمة متفاقمة بمجال حقوق الإنسان، حيث أصبحت الممارسات القمعية أكثر شراسة، سواء بالقتل خارج القانون، والإهمال الطبي، والإخفاء القسري، والتضييق على الحريات العامة".

ويختم مؤكدا أن "استمرار هذا النهج يجعل من الصعب تحقيق أي اصطفاف وطني حقيقي، لأن المواطنين لا يمكنهم دعم نظام يرون أنه ينتهك حقوقهم الأساسية يوميا؛ ما لم يكن هناك تغيير جذري بالسياسات الأمنية والقضائية، فإن هذه الانتهاكات ستظل مصدر توتر داخلي ودولي، وقد تؤدي لتداعيات لا يمكن التنبؤ بها على استقرار الدولة والمجتمع".

"وضع مفزع في توقيت صعب"
وفي رؤيته يقول السياسي المصري والبرلماني السابق، الدكتور عز الكومي، لـ"عربي21"، إن "دعوات الاصطفاف تلك فارغة وتقودها الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لتبييض وجه النظام في ملف تهجير الفلسطينيين".

وكيل لجنة حقوق الإنسان ببرلمان 2012، يضيف: "ودليل أنها فارغة أن دعوات التظاهر عند معبر رفح والتي حشد لها الأمن المصري نهاية الشهر الماضي، في نهايتها نهب المتظاهرون شاحنة مساعدات إلى غزة، كما جرى اعتقال الذين تظاهروا من أنفسهم دعما للمقاومة ويتم تجديد حبسهم حتى الآن".

ويشير إلى أن "حديث عمرو أديب، بحكم أنه مقرب من النظام فقد يكون لديه إشارة بأن يوجه دعوته للإفراج عن المعتقلين السياسيين، وربما كان الهدف نوع من التهدئة للشارع وامتصاص الغضب والتنفيث كحالات التنفيث التي سبقت انتخابات البرلمان المصري عام 2010، والتي انتهت لاحقا بثورة 25 يناير 2011".


ويصف الكومي، الوضع الأمني والحقوقي في مصر بـ"المفزع"، ويستدرك: "ولكن هناك مقايضة عليه مع الغرب وأمريكا، بأن يغضوا الطرف عما يحدث مقابل حراسة الحدود الجنوبية للبحر المتوسط ومنع الهجرة غير الشرعية، وحراسة الكيان المحتل، وقمع الإسلام السياسي".

ويشير إلى "حادثة ساحل سليم في أسيوط الأحد الماضي، وقتل (خُط أسيوط" و8 آخرين، بعد أن خرج في بث مباشر سمى فيه بعض الضباط المتورطين في تجارة مخدرات وأسلحة وغيرها، وكذلك الشاب الذي يطلق الرصاص على آخر من سلاح والده الميري في مشهد معتاد، يأتي بعد تصريح السيسي في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، بأنه لن يحاكم ضابط بعد اليوم".

وينتقد الكومي، ما يحدث بالسجون ويؤكد أنه "مأساة"، ويلفت إلى أنه "تم الكشف عن كثير منها خلال المراجعة الأممية الدورية الرابعة لملف مصر الحقوقي الشهر الماضي في سويسرا".

ويقول إن "النظام لا يريد الإفراج عن الإسلاميين المعتقلين والذين لا بواكي لهم والعالم لن يتحرك لأجلهم، ولكن ماذا عن علاء عبدالفتاح الناشط السياسي الذي يناشده العالم كله لإخلاء سبيله، ووالدته المضربة عن الطعام لأكثر من 140 يوما".

ويختم بالقول: "المنطقة تموج بأحداث تزلزل المنطقة من حرب غزة إلى إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، وحرب السودان"، ويوضح أن "هناك أحداث كبيرة ستلقي بظلالها على المنطقة ولكن العقلية الأمنية لا تفهم إلا القمع والقهر وتشديد القبضة الأمنية واعتقال كل من تم الإفراج عنهم والاستدعاء الأمني للكثيرين، واستمرار الانتهاكات التي طالت حتى النساء".

مقالات مشابهة

  • حقوق الإنسان كيف لها أن تُسترد؟
  • التفاصيل الكاملة لجولة اقتصادية حقوق الإنسان بالبحر الأحمر
  • «قرارك بإيدك.. لا للإدمان"». مبادرة طلابية لجامعة طيبة التكنولوجية في المائدة المستديرة لحقوق الإنسان
  • في ذكرى الحراك.. دعوات للسلطات الجزائرية لاحترام حقوق الإنسان
  • لماذا يتجاهل السيسي دعوات إخلاء سبيل المعتقلين؟.. تصاعد الانتهاكات في السجون
  • الإفراج عن صحفي تونسي بارز من معارضي سعيد
  • اقتصادية حقوق الإنسان تزور رأس غارب وتتفقد المشروعات الخدمية
  • مالية البحر الأحمر تستضيف ندوة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
  • اقتصادية حقوق الإنسان تزور رأس غارب وتتفقد المشروعات التنموية والخدمية
  • المؤتمر: زيارة الرئيس السيسي لإسبانيا أكدت الدور المحوري لمصر في دعم القضية الفلسطينية