الفائزون والخاسرون في انتخاباتنا
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
آخر تحديث: 21 دجنبر 2023 - 10:47 صبقلم: سمير داود حنوش هواية تُمارس بين الحين والآخر أو لعبة يمارسها الجميع ليوهم بها الجميع، إنها ممارسة حرة ديمقراطية ومِراس من المفترض أن يكون فيه رابح وخاسر، لكن في تجربتنا يريد الجميع أن يكونوا في مرتبة الغلبة حتى ولو ضحّوا بأبنائهم وقبائلهم التي تؤويهم. يوم من أيامنا المعتادة التي نُصبح فيها كما أمسينا يسمى عرساً انتخابياً، يتم الإعداد له قبيل موعده لتذكير الناخبين بتلك الوجوه التي أشبعتهم جوعاً وفقراً وملأت قلوبهم حسرات، ومناسبة تُصرف فيها أموال وفيرة من السُحت المنهوب، أي من خيرات الشعب يطعمون الشعب، تكفي لإيواء المشردين وإطعام الجائعين وتشغيل العاطلين وكسوة اليتامى الضائعين.
يوم بالنسبة إليهم مقدس لأنه يخبرهم بأحجامهم ومقدار الكعكة التي سيحصلون عليها. حكاية من حكايات العراق الجديد، وثوب ألبسته لنا ديمقراطية أميركا التي جلبتها للعراقيين تتكرر، لا يُعرف إن كان هذا اليوم الانتخابي هو الأب الشرعي للديمقراطية أم الابن البار لها، تماماً مثل حيرتنا إن كانت البيضة من الدجاجة أم العكس. نذهب في هذا اليوم لانتخاب وجوه مكررة لا تعرف الملل من الكذب والخداع، نسجل اعترافاً بالفشل وسطوة المال والسلطة معلنين أننا أدينا ولاء الانتخاب بعد أن تم توثيق انتخابنا بتدنيس أصابعنا بذلك الحبر البنفسجي، معلنين بدء دورة حياة جديدة من اللاتغيير، ولا أدري لماذا يكون هذا اللون دون غيره من الألوان خاتمة لانتخاباتنا الذي من المفترض أن يكون لون الوضوح والبصيرة والعمل المتعقل، لكن الأحداث التي تخبرنا بها قادمات الأيام لا تنمّ عن وضوح ولا تعمل بالبصيرة ولا تتخذ عقلانية في العمل. في الأيام التي تسبق الانتخابات يُصدّعون رؤوسنا بمناكفاتهم وصراخهم وعويلهم في التسابق لخدمة الفقراء والمساكين وكأنها فرصة تتاح لهم لكفكفة دموع الشعب وإزاحة همومه، وربما مناسبة ليتعانق فيها الفقير مع السلطة في صلح مؤقت. تملأ صُورُهم شوارعنا لتشوّه معالمها وتزيدها خراباً وفوضى، ولكن للحقيقة نقول إن دعاياتهم الانتخابية تتحول بعد انتهاء اليوم الانتخابي إلى سكراب (مواد مستهلكة) يعتاش عليها العاطلون والفقراء ويا لها من فائدة كبيرة لهم، يجعلوننا نتمنى لو كانت كل أيامنا انتخابات. أصبحت لعبة جميلة يتسلى بها لاعبون لا يُجيدون صنع شروطها وقوانينها، حكاية تتكرر بلاعبين وأبطال مكررين لا يهمّهم من اللعبة سوى تبادل الأدوار ليس إلا.أما نحن البؤساء فما علينا سوى الضحك في قرارة أنفسنا فهي مجرد لعبة فحسب.في المحصلة سيجلس الجميع إلى المائدة المستديرة كما يحلو لهم أن يسمّوها ليتفاوضوا أو يقتسموا الغنائم، لا فرق بين فائز وخاسر وكأن شيئاً لم يكن، وذلك “العُرس الانتخابي” لم يكن سوى مناسبة لتبادل التهاني والابتسامات أمام شاشات التلفاز والمراهنات السياسية يلعبها من يعتقد أنه يجيد الرهان والمغامرة، ونبقى نحن “الغلابة” أولئك المساكين الذين لا نملّ من تكرار سؤال يراودنا وهو: إذا كنتم كذلك فلماذا تفتعلون مثل هكذا مناسبات انتخابية؟ وإذا كنتم منذ البداية متفقين على أن تتفقوا فلماذا هذا التخالف والاختلاف؟ ربما لأنكم لا تجيدون فعل شيء سوى الضحك على عقولنا الساذجة والمتعبة منكم.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
لعبة الكراسي الموسيقية 3/1
بدأ الناس يتهافتون إلى موقع الحفل مبكراً. كان أمامهم ساعتان قبل الموعد المفترض لإطلاق فعاليات هذا المهرجان، الذي يُقام سنوياً في الهواء الطلق، في هذه المكان الذي لا تكاد تراه على الخريطة. لا يمكن التكهّن بالبداية الفعلية لفقرات الحفل، فهذا الأمر لا يملكه المنظّمون أنفسهم. الزائر المنتظر، هو من يملك القرارالنهائي في البداية الحقيقية للحفل.
يصعب في الحقيقة تحديد المسؤول المباشر عن الحفل، ولا عن فقراته؛ إذ يرى كل شخص في هذه المدينة، أعيانها، وكبار موظفيها، وشيوخها القبليين، والماليين، والدينيين، والصعاليك، أنه يتحمّل مسؤولية كبيرة في إخراج الحفل بالصورة التي يظنّ بحسب وجهة نظره، وذوقه، وفهمه للأمور، أنها جميلة. ليس غريباً، مثلاً، أن هذا المسؤول، الذي يحبّ مقطعاً حزيناً تغنّى به أحد عمالقة الشيلات الشعبية، يذكّره بالأيام الخوالي، يصرّ على إدراج هذا المقطع في فقرات الحفل، المعدّ مسبقاً بجهاز “البروجكتور” رغم أن الصور المصاحبة في العرض، لا تمتّ بصلة لهذا المقطع الصوتي. لا أحد يسمح بطبيعة الحال بمقاطع السنباطي، أو عمار الشريعي، أو عبد الوهاب، أو طلال مداح، فأصحابها، لا مجال لهم هنا. وحينما تعرف أن هناك العديد مثل هذا المسؤول، مّمن يظن أن الحفل مسؤوليته، فإنك بالتأكيد ستتخيل الصورة المثيرة كاملةً على الهواء مباشرة، لأنك ستصطدم بعشرات المقاطع، التي تتحدث عن تخيّلاتهم المثيرة مع حبيبات القلب، اللاتي ساقهن القدر، بعيداً عن طريقهم المباركة.
ولكي تكتمل الصورة، فيمكنك أن تتصوّر حماس أحدهم، وهو يتخيل أثناء إلقاء كلمته المسجّلة، أن حبيبته المثيرة، أو هكذا يظن، تشاهد المقطع عبر السناب شات، أو اليوتيوب، أو الواتساب، أو تويتر، أو الانستغرام، أو أي وسيلة أخرى، اخترعها الشيطان خصّيصاً لهذا الغرض!
كل شيء يسير كما خُطِّط له: تأكّد الفني الفلبيني من ضبط الشاشة، وجهاز الكومبيوتر، والمؤثرات الصوتية، والمايكروفونات، التي كانت في مستوى مقبول لأذن المشاهد.
شيئان فقط، كانا يعكّران صفو كلّ مسؤول هنا: أحدهما الطقس الذي لا يمكن التنبؤ به، خاصة وأن الحفل يُقام في الهواء الطلق. فعلاً، معهم كل الحق في الخوف من طقس المدينة، إذ أن تجاربهم الكثيرة معه، تكشف العداء الكبير بينهما، فهو على علاقة عكسية مع رغباتهم. يكون صحواً وجميلاً عندما يغادرون مدينتهم، وفي أسوأ حالاته عندما يكونون في الجوار. هذا الأمر يعزّز مخاوفهم التي تنتابهم آخر الليل، في أن الله يعاقبهم على أخطائهم الكثيرة، التي لا يعرف عنها أي أحد من الجمهور الذي بدأ يتوافد.
أمّا الشيء الآخر، الذي لم يجدوا له علاجاً حتى الآن، فهو إبعاد هؤلاء الأشخاص، الذين احتلّوا المقاعد الأمامية عن آخرها، ماعدا ثلاثة مقاعد فاخرة في الوسط تم تخصيصها للضيف الكبير. لا أحد يجرؤ على الاقتراب من هذه المقاعد، وليس هناك حاجة لحراستها. اقترب موعد الحفل، ومازال هؤلاء الذين يظنون أنفسهم نخبة المكان والزمان، مسيطرين على الصف الأمامي المواجه لخشبة المسرح مباشرةً. منظر كل واحد منهم، وهو يلبس البشت بخيلاء، من يعتقد أنه خالد، مخلّد في الأرض، ينغِّص على المنظّمين ليلتهم، وما أكثرهم!
khaledalawadh @