عثمان أبوزيد: حرب بلا إعلام (1 من 5)
تاريخ النشر: 21st, December 2023 GMT
طلب مني بعض الزملاء أن أحدثهم في جلسة عبر الفيديو عن إعلام الحرب وما ينبغي أن يكون. والمقصود حرب الخرطوم بالتحديد والنظر في تناول الإعلام لها.
وأول ما فعلته لتحضير الحديث أن تواصلت مع أربعة من ذوي الدربة والخبرة بهذا المجال، أحدهم ضابط عظيم في الجيش الوطني وله إسهام كبير في الإعلام الحربي، والآخر صديق عمل أستاذًا للإعلام سنوات في الجامعات الأمريكية وما يزال، والثالث دبلوماسي كبير لم يشأ أن يرد على رسالتي، والرابع مفكر ووزير سابق للإعلام.
لقد تهيبت هذه المهمة في الواقع، لأن تناول موضوع الحرب بعيدًا عن ساحة المعركة، ينطوي على مخاطرة. ولمعد هذه الأسطر خبرة سابقة في أثناء معركة الأمطار الغزيرة أوائل عام 1997 في اللجنة الإعلامية المنبثقة عن اللجنة العليا للاستنفار، وكان بحكم اطلاعه على سير المعركة من الداخل، يجد الكثير من المفارقة بين ما يراه في الواقع وبين ما يقرأ ويسمع ويشاهد في وسائل الإعلام.
إن المطلع من الداخل على خفايا الأحداث أثناء الحرب؛ يظهر له ما ينشر ويقال في وسائل الإعلام وكأنه الفقاقيع التي تطفو على وجه الماء.
فيما يلي أقدم ملخصًا لما دار في جلستنا في محاولة التحليل لإعلام حرب الخرطوم، ومن ثم تقديم بعض المقترحات والتوصيات.
بدأت الحرب في 15 أبريل، وتعطلت كل وسائل الإعلام القومية؛ ومنها هيئة الإذاعة والتليفزيون التي كانت تحت حراسة قوات الدعم السريع. ومنذ ذلك الوقت حتى يومنا لم تطبع صحيفة ورقية واحدة، وهذه أطول فترة في تاريخ الصحافة السودانية تتوقف فيها طباعة وتوزيع الصحف.
في الفترة التي سبقت اندلاع الأزمة كان واضحًا وجود تنافس بين إعلام القوات المسلحة وإعلام الدعم السريع، وكما يُقال في الجيش فإن وجود سلاح خارج السيطرة ولو كان قطع سلاح صغيرة
يشكل خطرًا على الأمن القومي، كذلك وجود إعلام خارج السيطرة مهدد للأمن القومي.
ظهرت قوات الدعم السريع باستعداد إعلامي أفضل، ضمن رفع الاستعداد لديها. وهي قد تمكنت من إقامة منظومة متطورة للاتصالات، وعقدت دورات تدريبية في الداخل والخارج لعدد من ضباطها بما في ذلك التدريب على الاتصالات العسكرية الميدانية.
في المقابل كانت إدارة الحرب النفسية والتوجيه المعنوي في القوات المسلحة قد جرى حلهما، وأحيل إلى التقاعد كافة ضباطها.
وقد استُعيض عن غياب التوجيه المعنوي في الجيش بنشاط مكثف قام به المستشار الإعلامي لقائد الجيش، الذي تصدى للعمل المعنوي (الإعلامي والسياسي)، وتولى بعض المهام الإعلامية الأخرى رئيس تحرير صحيفة القوات المسلحة، وسرعان ما استبعد الاثنان من مواقعهما في الفترة التي سبقت اندلاع الأزمة.
نجح إعلام الدعم السريع في خلق بلبلة عامة وتضليل، ولكنه أخفق في تشكيل رأي عام مؤيد. والسبب هو افتقاده سلامة الخط السياسي ووضوح الهدف، وهذا عامل جوهري في سلامة الأداء الإعلامي.
ثمة قاعدة مهمة عند وضع أي استراتيجية إعلامية أن تُبنى على نموذج فكري (برادايم) سليم وعلى خط سياسي مستقيم يعكس قضية حرب عادلة مع وضوح الأهداف. عندئذ يتعاظم تأثير الإعلام، ويتناقص التأثير المعنوي المضاد لإعلام العدو.
أقوى تعليق على الخط السياسي للدعم السريع ما قاله الألماني باتريك هاينيش في تغريدة له على منصة تويتر يوم 11 نوفمبر 2023م قائلا: “خلف الأبواب المغلقة، يناقش الكثيرون بالفعل سؤال: ماذا لو فازت ميليشيا الدعم السريع في هذه الحرب؟
إنهم مدمِّرون وليسوا إداريين. يقول الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في القرن الإفريقي: من الصعب أن نتخيلهم يديرون دولة”.
أما الجيش فكان خطه السياسي في هذه المعركة صحيحًا وعادلا، وإن عانى الوضع بشكل عام من فراغ سياسي بسبب أربع سنوات من الاضطراب السياسي، ولذلك جاءت هذه الأزمة مركبة من مخاطر وتحديات تمثل تهديدًا عميقًا لكيان الوطن ووجوده.
(نواصل)
كتب ـ عثمان أبوزيد
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
السودان.. الجيش يسيطر علي مباني ومواقع استراتيجية في الخرطوم
واصلت وحدات برية من الجيش السوداني مسنودة بالدبابات، تقدمها في اتجاه محور وسط العاصمة الخرطوم حيث سيطرت قوات الجيش بالفعل على عدد من المباني والمواقع الاستراتيجية، من بينها مجمع النيليين المجاور لجسر المسلمية، وموقف شروني المؤدي إلى القصر الرئاسي، فضلا على حديقة القرشي".
ووفق مصادر عسكرية سودانية؛ فقد كثف الجيش انتشاره في شوارع الصحافة ظلط، مطبقا بذلك حصاره على قوات الدعم السريع الموجودة في عدد من المباني بالمدينة.
وكان قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قد قال في كلمة نشرت على منصة "تليجرام"، الأحد، إن قواته "لن تخرج" من العاصمة الخرطوم، مهددا بتصعيد جديد في المعارك ضد الجيش، بقيادة عبد الفتاح البرهان.
وذكر حميدتي الذي ظهر بعد اختفاء طرح تساؤلات على مدار الأشهر الماضية، إن "الوضع مختلف حاليا"، مضيفا: "الحرب داخل الخرطوم. ولن نخرج من القصر الجمهوري".
جاء الخطاب بعد فترة طويلة غاب فيها حميدتي عن الظهور علنا، في وقت حقق فيه الجيش تقدما كبيرا في المعارك على مدار الأشهر الماضية.
وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية ، قد لفتت في تقرير سابق، إلى "اختفاء" حميدتي من ميادين القتال منذ أشهر، مما "أثار استياء واسعا وسط جنوده، شعورهم بالتخلي عنهم".
جدير بالذكر ان السودان يشهد منذ نحو عامين حربا مدمرة بين قوات الدعم السريع والجيش، أدت إلى مقتل وإصابة عشرات الآلاف ونزوح وتهجير الملايين.
وأحدثت الحرب انقساما في البلاد، حيث أصبح الجيش يسيطر على الشمال والشرق، بينما تسيطر قوات الدعم على معظم إقليم دارفور (غرب) وأجزاء من الجنوب.