تقرير: الطباخون كثر.. فهل ينضج الحل السياسي في ليبيا؟
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
على أكثر من نار، يجري تسخين طبخة الحل السياسي في ليبيا، وبينما تزدحم البلاد بالعديد من الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية، تزدحم الأروقة بلقاءات، ثنائية وثلاثية وأحيانا أكثر من ذلك، تخرج منها إشارات توحي بأن الجميع يشعر بالحرج من انسداد الأفق السياسي في هذا البلد الذي ينتظر حلا شاملا يوحد ترابه وحكوماته كما هو شعبه.
تحضر أمريكا وبريطانيا وتركيا ومصر في المشهد السياسي الليبي، عبر مجموعة من اللقاءات، التي جرت مؤخرا، وعلى أجندة الجميع، محاولات معلنة لجمع العقد الليبي بقوى الأمر الواقع الخمسة الرئيسية، وبدء مرحلة جديدة عنوانها الرئيسي الوصول إلى الإنتخابات عبر بوابة حكومة متفق عليها من الجميع.
ولا تغيب الأمم المتحدة ومبعوثها عبد الله باتيلي عن المشهد، بل يبدو أن كل ما يجري هو من تدبير هذا الأخير، الذي دعا الأطراف الليبية الأساسية لاجتماع يتم فيه تداول الأمور الخلافية تمهيدا لحلها وفتح الباب أمام العملية السياسية المنتظرة، لكن وإن التقت الأقوال والتصريحات على مبدأ الجميع يريد الانتخابات، إلا أن مجريات الأمور لا تبدو مشجعة لحد الآن فكل يضع شروطه (حسب قول باتيلي) والترحيب لا يكفي بل لابد من السير خطوة باتجاه الآخر الشريك.
وهذه جردة سريعة لأبرز تطورات المشهد الليبي، سياسيا، خلال الأسابيع الأخيرة، وكلها تُوحي بأن هناك من يحرك الطبخة، لكن لا أحد يعلم على أي نار ستنضج، هل على نار المبعوث الدولي أم المبعوث الأمريكي أم السفير البريطاني أم التركي أم المصري.
المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند والقائم بالأعمال في السفارة الأمريكية لدى ليبيا جيرمي برنت، التقيا خليفة حفتر، في مدينة بنغازي، وتم بحث السبل لتعزيز العمل الحيوي الذي يقوم به الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بحسب السفارة الأمريكية والهدف حل المسائل السياسية التي تقف عائقا أمام الانتخابات وحكومة وطنية موحدة، وتوحيد الجيش الليبي.
وفي نفس اليوم استقبل النائبان بالمجلس الرئاسي موسى الكوني وعبد الله اللافي، بالعاصمة طرابلس، المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، والقائم بأعمال السفارة الأمريكية في ليبيا جيرمي برنت.
وكذلك الأمر، تم استعراض تفاصيل مبادرة المبعوث الأممي والمصالحة الوطنية وتضافر الجهود لإنجاح العملية السياسية، تمهيداً لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية.
قبل هذا وذاك استضافت القاهرة اجتماعا ضم رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي ورئيس مجلس النوّاب عقيلة صالح وخليفة حفتر.
ودون شك أكد الجميع، أهمية الجهود التي تقودها بعثة الأمم المتحدة وأهمية دعم الحل الليبي الليبي المتوازن لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة.
وقبل هذا وذاك، التقى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، في أنقرة وتم التأكيد على ضرورة تشكيل حكومة جديدة مهمتها الإشراف على الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة.
وردا على كل ما سبق، وحتى لا يغيب أحد عن مهرجان اللقاءات عقد رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة والنائبين بالمجلس الرئاسي عبد الله اللافي وموسى الكوني ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، اجتماعا مطولا في طرابلس شددوا فيه على أن الحل في ليبيا يكمن في إيجاد قوانين انتخابية عادلة ونزيهة تعبر مباشرة لمرحلة الاستقرار بإنهاء المرحلة الانتقالية الحالية والرحيل المتزامن لكل الأجسام الحالية.
وطالب المجتمعون في بيانهم، جميع الأطراف بالترفع الكامل عن أي حساسيات ذات بعد جهوي أو فئوي، وعدم الرضوخ لسطوة السلاح والاستبداد، أو التورط في صفقات مشبوهة لغرض تشتيت الجهود المحلية المدعومة بتوافق دولي.
كل هذا الحراك السياسي واللقاءات تجري تحت سماء واحدة، لكن هل تتجه نحو نية واحدة، من حيث المنطوق، الكل أكد على الانتخابات، والكل عبر عن استعدادها للمشاركة فيها، لكن هل الكل مستعد لتسهيل مرور قانون الانتخابات الرئاسية البرلمانية الذي وضع العقدة في المنشار، هل سيقبل أحد أن يتم استبعاده، وهل يقبل أحد أن يكون كبش الفداء لليبيا، لأن خسارة منصب ومكسب وجاه، لا تقارن بخسارة وطن مهدد بالتقسيم، إذا استمر الجمود الحالي.
لنذهب إلى المبعوث الأممي، الذي بدا متفائلا جدا عندما قال “إن المناخ الوطني في ليبيا مهيأ الآن للتوصل إلى اتفاق سياسي جديد وإدارة جديدة لمستقبل أكثر إشراقاً للبلاد” وعندما يقول مهيأ فهذا يعني أنه واثق من مواقف جميع الأطراف.
لكن باتيلي نفسه يقول، أمام مجلس الأمن الدولي: “لا يجب السماح لمجموعة واحدة من المسؤولين الليبيين غير الراغبين في إجراء الانتخابات ممن يتمسكون بمقاعدهم بخذلان الشعب الليبي وتعريض المنطقة لخطر المزيد من الفوضى” هل هذا ينسجم مع الجو المهيأ وهل يرى باتيلي أن التخلي عن المقاعد أمرا هينا في هذه البقعة من الأرض التي تسمى ليبيا.
ومن مجلس النواب جاءت العصا الكبيرة لتوضع في العجلة، عندما أعلن في قرار رسمي، رفض مشاركة المجلس في أي حوار سياسي بمشاركة حكومة الوحدة الوطنية، ولا أحد يعلم كيف سيقنع المجلس البعيد عن طرابلس حكومة الدبيبة بالتنحي الآن بينما الجميع يبدو متحفزا حتى لا يخرج من مولد التشكيلات الجديد بلا (لحم أو أرز).
تبدو نهاية عام 2023 ساخنة سياسية، لكن الليبيين تعودوا خلال السنوات الماضية أن يتريثوا في الحكم، فالتصريحات الحارة والساخنة، يعقبها أحيانا صمت طويل وكأن شيئا لم يكن، وإذا كان ولابد من باب يفتح لحل الأزمة السياسية الليبية، فإن هذا الباب يجب أن يفتحه الليبون بمباركة دولية، أما أن يفتحه الخارج بمباركة ليبية، هنا لابد من السؤال، من هو الطرف الخارجي المتضرر من وضع ليبيا الحالي، ألم يحصل الجميع على حصصهم السياسية والاقتصادية والعسكرية، فلماذا يتنازلون عنها، هذا سؤال برسم جميع الهيئات الليبية التي تقول أنها تمثل الليبيين، ألم يحن الوقت ليرى المواطن الليبي نتاج ثورة قيل عنها أنها ثورة شعب لأجل دولة مؤسسات، ونختم بمثل شامي يقول “إذا كثر الطباخون احترقت الطبخة”.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: الأزمة الليبية الأمم المتحدة البعثة الأممية الحل السياسي انتخابات باتيلي فی لیبیا
إقرأ أيضاً:
بوريطة أمام 60 برلمانيا ليبيا: هناك حاجة ماسة إلى "روح الصخيرات" لإيجاد حل للملف الليبي
أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، اليوم الأربعاء ببوزنيقة، الحاجة الماسة إلى « روح الصخيرات » من أجل إيجاد حل للملف الليبي.
وقال بوريطة، في كلمة خلال افتتاح الاجتماع التشاوري بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين، الذي تمتد أشغاله على مدى يومين، بحضور أكثر من 60 عضوا من المجلسين، « نحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى روح الصخيرات في هذه المرحلة الحاسمة من الملف الليبي »، مشيرا إلى أن « تلك الروح التي جعلت الليبيين يظهرون للعالم أن لديهم القدرة والإرادة والرؤية لحل مشاكل بلادهم، هي التي تحتاجها ليبيا والمجتمع الدولي، ونتمنى أن تكون حاضرة في المراحل المقبلة انطلاقا من هذا الاجتماع ».
وذكر الوزير، في هذا الصدد، بأن التوقيع في 17 دجنبر 2015 على اتفاق الصخيرات شكل مرجعية أساسية لليبيين وأعطى للبلاد مخاطبين على المستوى الدولي ونوعا من الاستقرار ومؤسسات، منها المؤسستان الحاضرتان اليوم، معتبرا أن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الليبيين يظلان « أداتين مهمتين » لأي تقدم في مسار حل الملف الليبي.
وبخصوص اختيار مدينة بوزنيقة لعقد هذا الاجتماع التشاوري، قال بوريطة إن المغرب ينظر إلى ذلك كإشارة للثقة الدائمة والأخوة الصادقة بين البلدين والشعبين ولارتياح الليبيين لعقد اجتماعاتهم بالمملكة، بفضل المقاربة التي اعتمدها المغرب، بتوجيهات ملكية.
وأوضح بوريطة أن هذه المقاربة تعتمد على عدم التدخل واحترام إرادة الليبيين ومؤسساتهم ودعم كل الاختيارات التي تقوم بها المؤسسات الليبية الشرعية للدفع نحو حل للأزمة في هذا البلد.
وأبرز بوريطة أن « مواقف المملكة المغربية، بقيادة جلالة الملك، ثابتة لا تتغير بتغير الأحداث والسياقات »، وقال:، « نحن مع ليبيا ونعتبر استقرارها من استقرارنا ووحدتها من وحدتنا، ونرى أن الحل هو دائما ليبي-ليبي، وليس هناك حل في فرض على الليبيين أو يأتي من الخارج ».
ولفت إلى أن المغرب يعطي مجالا لليبيين للتحاور بينهم بدون أي مواقف أو اقتراحات أو مبادرات، عدا التجاوب مع كل رغبة للأطراف الليبية لتجد مساحة بعيدا عن الضغط للتحاور والتشاور.
وأشار الوزير إلى أن هذا الاجتماع التشاوري ينعقد في سياق معقد يتسم بتحولات مهمة وأحداث متسارعة وتدخلات غير عربية في الشؤون العربية، مما يسائل الليبيين على الخصوص بشأن الحفاظ على وحدة بلادهم وسلامة أراضيهم في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به المنطقة العربية.
كما يأتي هذا الاجتماع، يتابع بوريطة، في سياق الرغبة في تحريك الملف الليبي، سواء على مستوى البعثة الأممية أو بعض الأطراف، مبرزا أن اجتماع اليوم يشكل فرصة للمجلسين كأداتين شرعيتين في ليبيا لتوحيد الرؤى والتفاعل مع هذه التطورات.
ومضى قائلا « اليوم هناك حاجة ملحة لحكومة وحدة وطنية في ليبيا للتجاوب مع تطلعات الليبيين إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار وللتحضير لانتخابات ذات مصداقية تحسم في ازدواجية بعض المؤسسات »، لافتا إلى أن المجتمع الدولي أيضا بحاجة إلى هذه الحكومة لمواكبة الإرادة الليبية سواء في القضايا الداخلية أو على المستوى الخارجي.
ونبه إلى أن « كثرة المؤتمرات الإقليمية والدولية حول ليبيا لن تعوض الحوارات الليبية-الليبية التي تحظى بالشرعية والتملك في الحلول التي يمكن أن تقترحها لليبيا »، مسجلا أن المغرب يرى دائما أن هذه الحوارات الليبية لا يمكن أن تكون إلا في سياق خال من التدخلات والتأثيرات والضغوط.
وخلص بوريطة إلى أن هذا الاجتماع التشاوري « الأساسي والمشجع » من شأنه أن يكون منطلقا لإعطاء زخم للملف الليبي، مشددا على أن « حل الأزمة الليبية بأيدي الليبيين ».
تجدر الإشارة إلى أنه سبق للمملكة المغربية، أن احتضنت سنة 2015 في مدينة الصخيرات سلسلة من جولات الحوار الليبي – الليبي، تحت رعاية الأمم المتحدة، أسفرت عن « اتفاق الصخيرات » الذي يشكل محطة تحول حاسمة في أفق تسوية الأزمة الليبية.
وقد أدى هذا الاتفاق إلى تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، والتأسيس لآليات لتوحيد مؤسسات الدولة، وتنظيم استحقاقات انتخابية بما يساهم في استكمال بناء مؤسسات دولة ليبيا وضمان وحدتها الوطنية وسيادتها الترابية استجابة لتطلعات الشعب الليبي في الرفاه والازدهار والتنمية.
كلمات دلالية الصخيرات المغرب بوزنيقة حوار ليبي-ليبي