تتموضع الولايات المتحدة، في موقعٍ دفاعي في البحر الأحمر، لتَحمي البضائع والسفن الإسرائيلية التي أعلن الحوثيون عن استهدافها دون سواها، ما دام قتْل الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين مستمراً في قطاع غزة.

ولم تتجاوب العديد من الدول، مع دعوة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، لإنشاء قوة «حارس الازدهار»، بل اقتصرتْ على دول عدة من دون أن تكون لديها مَنافذ على البحر الأحمر.

وهذا ما أربك التخطيط الأميركي لحماية مصالح إسرائيل الاقتصادية ووَضَعَ واشنطن في موقفٍ مُحْرِج جداً وأمام خيارات صعبة جميعها سيئة.

كيف يمكن أن يرتدّ إغراقُ إسرائيل لأنفاق غزة عليها؟ منذ يوم ماذا يَكشف مقتل الأسرى الإسرائيليين عن سلوك جيشهم... وتأثير المقاومة؟ 17 ديسمبر 2023

وقفت 154 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب بوقف إطلاق النار في غزة، وكذلك صوّتت 13 دولة في مجلس الأمن مع وقف الحرب، ورفضتْ أميركا وحدها القرار (مع تمنّع بريطانيا)، ما جعلها وحيدةً أمام حلفائها وشركائها وخصومها.

وهذه إشارة واضحة إلى أن نفوذ أميركا وأخلاقها ودروسها بالإنسانية «أصبحتْ من التاريخ».

إلا أن تصميم واشنطن على حماية إسرائيل والسماح لها بالاستمرار في القتل وتدمير غزة والحفاظ على ردْعها، دَفَعَ الإدارة الأميركية لإقامة تحالف تحت عنوان حماية السفن والممر المائي عبر باب المندب - حيث تمر 12 في المئة من الحركة التجارية والنفطية - في اتجاه إسرائيل.

علماً أن الحوثيين أعلنوا أن الممر مفتوح للجميع ما عدا البضائع والنفط المتجهة لإسرائيل فقط، ما يعني أن الأمر لا يتعلق بحماية الممر المفتوح للجميع باستثناء تل أبيب.

وقد وافقت بريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا وهولندا والنروج وإسبانيا وجزر السيشيل والبحرين والدنمارك، على الانخراط في التحالف الذي تقوده أميركا، بينما رفضتْ دول مطلّة على البحر الأحمر، المشاركة. وهذا يؤكد أن واشنطن لم تعد تتمتع بالنفوذ الذي تنعّمت به لعقود، وأنها فشلت في حشد القوة التي تمنحها شرعيةً مطلقة للقيام بأعمال حربية.

ويمرّ عبر باب المندب، نحو 6 ملايين برميل من النفط يومياً وما قيمته 10 مليارات دولار من البضائع والسلع و12 في المئة من حركة الملاحة العالمية التي تستفيد من هذا الممر المائي الذي يفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا ويتوسط القارات الخمس.

وبإغلاقه أمام السفن الإسرائيلية وبضائعها، تتحوّل كل هذه السفن نحو رأس الرجاء الصالح بدل المرور عبر قناة السويس، وهذا ما فعلتْه شركات عالمية كبرى للتجارة والنقل الدولية حتى إشعار آخَر، ما أدى إلى ارتفاع كبير في تكاليف النقل وشركات التأمين بنسبة بلغت 200 في المئة، وهذا سيؤخر تسليم النفط والبضائع لأسابيع.

وقد أعلن ميناءي أشدود وحيفا في إسرائيل، أنهما شبه خاليين من البضائع، خصوصاً أن إسرائيل تستورد نصف نفطها من خلال هذا الممر المائي الحيوي. وهذا ما سيدفع تل أبيب وواشنطن للبحث عن بدائل بحرية أو برية (أو الاثنان) أخرى.

وبرفْع التكاليف، فإن ذلك من شأنه أن ينعكس على التضخم الذي أصاب إسرائيل أولاً وكذلك القارة الأوروبية التي تتأثر مباشرةً بارتفاع أسعار النقل والتأمين وبتأخُّرٍ سيدوم أربعة أسابيع إضافية في موسم شتاء قارس سيضرب أوروبا أكثر من غيرها.

ومن المفترض أن تحمي هذه القوة الأميركية المشتركة جميع السفن الإسرائيلية وبضائعها، في حال تعرّضت لأي هجوم وستدافع عنها، كما قال أوستن.

إلا أن ما هو غير واضح إذا كان هذا التحالف سيستخدم القوة لضرْب مصادر النيران الحوثية، وهذا الردّ لم يحصل لغاية اليوم رغم عشرات الهجمات على السفن التي تحمل بضائع إلى إسرائيل وكذلك على أهداف في إيلات.

وهذا ما هو مستبعد جداً لأن ذلك لن يردع الحوثيين المصممين على عدم التراجع عن موقفهم إلا بإنهاء الحرب، وكذلك سيدفع الأمور إلى أبعد من ذلك، أي إلى إغلاق كلي لباب المندب حيث لن تجرؤ سفينةٌ على المرور في منطقةِ حربٍ، وهذا ما سيشمل جميع السفن المتجهة إلى كل أنحاء العالم وسيضرب سمعة الولايات المتحدة وحلفائها الردعية.

لكن أي تطور خطير من هذا النوع، إذا حصل، لن يترك الأمور على حالها أو يُبْقيها مقتصرة على باب المندب، ولن يترك الحوثيون وحدهم في معركةٍ ضد إسرائيل وحلفائها. فمن الطبيعي أن تتحرك إيران وحلفاؤها لتوسيع التصادم إلى مستوى أكبر، ما سيدفع واشنطن والحلفاء للتفكير ملياً قبل مشاهدة أكثر من ممر بحري عالمي مغلَق أو يتعرض لعدمِ استقرارٍ وكذلك اتساع جغرافية المعركة لتصبح صعبة الاحتواء.

من هنا، فإن أميركا خسرت – بدفاعها المستميت عن جرائم إسرائيل – مكانةً مميزة في العالم لتفشل في حماية الممرات البحرية وترتبك أمام قوةٍ تُعد متواضعة، لتجد نفسَها أمام خياراتٍ صعبة تذهب بماء وجهها وتَفرض عليها وعلى حلفائها، خصوصاً فرنسا وبريطانيا وألمانيا، التمركزَ لاصطياد المسيَّرات والصواريخ المتجهة من اليمن نحو إسرائيل دعماً لغزة.

كلما اتخذتْ أميركا مواقف تكتية محدودة وغير موفَّقة لدولةٍ كبرى وتخلّت عن القِيَم الإنسانية والعادلة بعدم التساوي بين الشعوب والسماح لإسرائيل باستمرارها في قتل الأطفال والنساء وموظفي الأمم المتحدة والصحافيين والكوادر الطبية، تفتح الطرق لأعدائها، مثل إيران وحلفائها، لتسجيل انتصاراتٍ على الدولة العظمى التي أصبحت ترصد السماء دفاعاً عن «إجرام» إسرائيل التي لم تَعُد أي دولة في العالم الحر تستطيع تبرير أفعالها التي ارتقت إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من دون شك وبمجاهرةٍ من مسؤوليها بذلك.

ويبدو أن سماح أميركا باستمرار حرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشخصية - والتي من خلالها يحمي نفسه من المحاسبة والسجن - قد يوسع إطارَها لتتمدّد أكثر فتتدهور الأمور، إلا إذا توقفت في الوقت المناسب ما سيودي بهيبة الولايات المتحدة.

لكن متى يحين وقتُ وقْف الحرب؟ يبدو أن إسرائيل لا تمانع جرّ المنطقة بأكملها إلى صِدام واسع. فهل تُجر أميركا خلف إسرائيل نحو تصعيد غير محسوب؟

يبقى القرار بيد الميدان، على أن تبقى دائماً فلسطين محور الحرب والقضية.

المصدر: الراي

كلمات دلالية: وهذا ما

إقرأ أيضاً:

حارس الازدهار عام من الفشل والاخفاق


في الثاني عشر من يناير من العام 2024، قررت الولايات المتحدة وبريطانيا خوض معركة البحر الأحمر مع اليمن منفردتين وكانت الأهداف اكبر من مجرد احتواء العمليات اليمنية ، لكن اليوم وبعد نحو عام تذوب الأهداف البريطانية – الامريكية كفص ملح ، فكيف بدأ وضع الدولتان اللاتي هيمنتا على العالم وطرق التجارة البحرية لعقود ؟
بالنسبة لأمريكا وبريطانيا، كان لابد من غطاء إقليمي لتحركاتهما الجديدة في المنطقة، وكانتا تعولان على انخراط دول عدة في المنطقة بعد ان ضمنتا ذلك بتمزيق المنطقة طائفيا وقد اختارتا عدوا تعتقدان بانه قد استهلك علاقته بجيرانه واصبح محل حصار وهدف لكل الأطراف ناهيك عن تقلص قدراته وضعفه كما كانت تتوهم ، لكنهما اصطدمتا بواقع جديد لم يكن بالحسبان.
في مثل هذا اليوم شنت الطائرات الامريكية والبريطانية عشرات الغارات الجوية رفقة قصف صاروخي انطلاقا من حاملة الطائرات حينها "ايزنهاور" وقواعد على الأرض في قبرص وثالثة من غواصات في البحر كانت الحملة في بدايتها كبيرة جدا وطالت محافظات عدة ابرزها صنعاء والحديدة وصعده.
لأشهر، ظلت وتيرة العدوان الأمريكي – البريطاني مرتفعة بمعدلات تفوق العشر غارات يومياً وقد دفع هذا الزخم من الغارات والقصف الصاروخي بأمريكا وبريطانيا للتوهم بأنهاء قدرات من وصفوهم بـ"الحوثيين".. كانت تعتقدان انهما قد اكملتا ما بداه التحالف بقيادة السعودية قبل سنوات، لكن الوضع اختلف تماما، فرغم نجاح أمريكا معادتها بتحييد اللعبين الدوليين او خداعهما بمن في ذلك خصومها الكبار روسيا والصين باستصدار قرار من مجلس الامن يشرعن العدوان على اليمن، الا ان الدول الإقليمية رفضتا الانخراط باي تحالفات باستثناء البحرين التي تتخذها القوات الامريكية قاعدة لقواتها في المنطقة وقد ادرج اسمها عنوة في التحالف مع ان مشاركتها لا تكاد تذكر .
اما على صعيد المواجهة فقد قلبت القوات اليمنية الطاولة على الجميع مع وضعها بوارج واساطيل وسفن الدول المشاركة بالعدوان على راس قائمة الأهداف لتنجح معها بإغراق العديد من السفن البريطانية وتدمير أمريكية أخرى والاهم الحاقها اضرار بعشرات البوارج الامريكية والبريطانية ممن تم استدعائها للإصلاح مكررا والاهم قرار أمريكا وبريطانيا سحب حاملات الطائرات من ايزنهاور حتى لينكولن مرورا بروزفلت وقريبا "ترومان".
حتى الأهداف التي رسمتها أمريكا باعتبارها استعراض ضد بلد فقير يعاني من الحروب والحصار، تلاشت وقد أصبحت الدفاع الامريكية تتحدث بانها تعمل على اضعاف قدرات "الحوثيين" "قدر المستطاع" والعبارة الأخيرة تعني لا طاقة لنا بالحوثي وجنوده.
كانت أمريكا وبريطانيا تأملان بان يؤدي العدوان على اليمن لتحقيق اهداف سريعة تحقق مكاسب اكبر من المعلنة، وهي بذلك تبنيان توقعاتهما على الوضع في هذا البلد المنهك بسنوات من الحرب والحصار، لكن جميع الأهداف تبعثرت امام صمود الإرادة وقوة التدبير والإدارة فلم تسلم أمريكا وبريطانيا اللاتي ظلت لعقود تستعرضان ضد اي تمرد على اجندتهما بالمنطقة بحاملات الطائرات والبوارج ، ونفوذهما تلاشي بشكل شبه كلي مع رفض دول الانصياع لهما والاهم ان اليمن فرضت واقع جديد في البحر الأحمر بعد ان حاولتا تلك الدول رسمه لصالحهما والاهم انهم لم تنقذا الاحتلال ولن تجنباه شر اليمن.

 

مقالات مشابهة

  • ارتفاع أسعار الشحن إلى الولايات المتحدة مع استمرار هجمات اليمن في البحر الأحمر
  • بايدن: حشدنا 20 دولة لحماية السفن في البحر الأحمر 
  • لأول مرة.. واشنطن تعترف بأن “قوات صنعاء” تستهدف السفن الحربية في البحر الأحمر
  • هل تستطيع إسرائيل التخلص من اعتمادها على أميركا؟
  • تقرير أمريكي: نشاط سفن التجسس الإيرانية لصالح الحوثيين يتجاوز البحر الأحمر (ترجمة خاصة)
  • “حارس الازدهار” فشل عسكري وإخفاق دبلوماسي
  • ميناء “إيلات”.. خسائر بـ”مليارات الدولارات” شهريا بسبب الحصار اليمني 
  • واشنطن تلجأ الى التعتيم على أخبار “حاملات الطائرات” في البحر الأحمر 
  • حارس الازدهار عام من الفشل والاخفاق
  • انكسار تحالف “الازدهار”.. عام من الإخفاق الأمريكي في اليمن