تَحالُف «حارس الازدهار» في البحر الأحمر... أمام خيارات حرِجة!
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
تتموضع الولايات المتحدة، في موقعٍ دفاعي في البحر الأحمر، لتَحمي البضائع والسفن الإسرائيلية التي أعلن الحوثيون عن استهدافها دون سواها، ما دام قتْل الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين مستمراً في قطاع غزة.
ولم تتجاوب العديد من الدول، مع دعوة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، لإنشاء قوة «حارس الازدهار»، بل اقتصرتْ على دول عدة من دون أن تكون لديها مَنافذ على البحر الأحمر.
كيف يمكن أن يرتدّ إغراقُ إسرائيل لأنفاق غزة عليها؟ منذ يوم ماذا يَكشف مقتل الأسرى الإسرائيليين عن سلوك جيشهم... وتأثير المقاومة؟ 17 ديسمبر 2023
وقفت 154 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب بوقف إطلاق النار في غزة، وكذلك صوّتت 13 دولة في مجلس الأمن مع وقف الحرب، ورفضتْ أميركا وحدها القرار (مع تمنّع بريطانيا)، ما جعلها وحيدةً أمام حلفائها وشركائها وخصومها.
وهذه إشارة واضحة إلى أن نفوذ أميركا وأخلاقها ودروسها بالإنسانية «أصبحتْ من التاريخ».
إلا أن تصميم واشنطن على حماية إسرائيل والسماح لها بالاستمرار في القتل وتدمير غزة والحفاظ على ردْعها، دَفَعَ الإدارة الأميركية لإقامة تحالف تحت عنوان حماية السفن والممر المائي عبر باب المندب - حيث تمر 12 في المئة من الحركة التجارية والنفطية - في اتجاه إسرائيل.
علماً أن الحوثيين أعلنوا أن الممر مفتوح للجميع ما عدا البضائع والنفط المتجهة لإسرائيل فقط، ما يعني أن الأمر لا يتعلق بحماية الممر المفتوح للجميع باستثناء تل أبيب.
وقد وافقت بريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا وهولندا والنروج وإسبانيا وجزر السيشيل والبحرين والدنمارك، على الانخراط في التحالف الذي تقوده أميركا، بينما رفضتْ دول مطلّة على البحر الأحمر، المشاركة. وهذا يؤكد أن واشنطن لم تعد تتمتع بالنفوذ الذي تنعّمت به لعقود، وأنها فشلت في حشد القوة التي تمنحها شرعيةً مطلقة للقيام بأعمال حربية.
ويمرّ عبر باب المندب، نحو 6 ملايين برميل من النفط يومياً وما قيمته 10 مليارات دولار من البضائع والسلع و12 في المئة من حركة الملاحة العالمية التي تستفيد من هذا الممر المائي الذي يفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا ويتوسط القارات الخمس.
وبإغلاقه أمام السفن الإسرائيلية وبضائعها، تتحوّل كل هذه السفن نحو رأس الرجاء الصالح بدل المرور عبر قناة السويس، وهذا ما فعلتْه شركات عالمية كبرى للتجارة والنقل الدولية حتى إشعار آخَر، ما أدى إلى ارتفاع كبير في تكاليف النقل وشركات التأمين بنسبة بلغت 200 في المئة، وهذا سيؤخر تسليم النفط والبضائع لأسابيع.
وقد أعلن ميناءي أشدود وحيفا في إسرائيل، أنهما شبه خاليين من البضائع، خصوصاً أن إسرائيل تستورد نصف نفطها من خلال هذا الممر المائي الحيوي. وهذا ما سيدفع تل أبيب وواشنطن للبحث عن بدائل بحرية أو برية (أو الاثنان) أخرى.
وبرفْع التكاليف، فإن ذلك من شأنه أن ينعكس على التضخم الذي أصاب إسرائيل أولاً وكذلك القارة الأوروبية التي تتأثر مباشرةً بارتفاع أسعار النقل والتأمين وبتأخُّرٍ سيدوم أربعة أسابيع إضافية في موسم شتاء قارس سيضرب أوروبا أكثر من غيرها.
ومن المفترض أن تحمي هذه القوة الأميركية المشتركة جميع السفن الإسرائيلية وبضائعها، في حال تعرّضت لأي هجوم وستدافع عنها، كما قال أوستن.
إلا أن ما هو غير واضح إذا كان هذا التحالف سيستخدم القوة لضرْب مصادر النيران الحوثية، وهذا الردّ لم يحصل لغاية اليوم رغم عشرات الهجمات على السفن التي تحمل بضائع إلى إسرائيل وكذلك على أهداف في إيلات.
وهذا ما هو مستبعد جداً لأن ذلك لن يردع الحوثيين المصممين على عدم التراجع عن موقفهم إلا بإنهاء الحرب، وكذلك سيدفع الأمور إلى أبعد من ذلك، أي إلى إغلاق كلي لباب المندب حيث لن تجرؤ سفينةٌ على المرور في منطقةِ حربٍ، وهذا ما سيشمل جميع السفن المتجهة إلى كل أنحاء العالم وسيضرب سمعة الولايات المتحدة وحلفائها الردعية.
لكن أي تطور خطير من هذا النوع، إذا حصل، لن يترك الأمور على حالها أو يُبْقيها مقتصرة على باب المندب، ولن يترك الحوثيون وحدهم في معركةٍ ضد إسرائيل وحلفائها. فمن الطبيعي أن تتحرك إيران وحلفاؤها لتوسيع التصادم إلى مستوى أكبر، ما سيدفع واشنطن والحلفاء للتفكير ملياً قبل مشاهدة أكثر من ممر بحري عالمي مغلَق أو يتعرض لعدمِ استقرارٍ وكذلك اتساع جغرافية المعركة لتصبح صعبة الاحتواء.
من هنا، فإن أميركا خسرت – بدفاعها المستميت عن جرائم إسرائيل – مكانةً مميزة في العالم لتفشل في حماية الممرات البحرية وترتبك أمام قوةٍ تُعد متواضعة، لتجد نفسَها أمام خياراتٍ صعبة تذهب بماء وجهها وتَفرض عليها وعلى حلفائها، خصوصاً فرنسا وبريطانيا وألمانيا، التمركزَ لاصطياد المسيَّرات والصواريخ المتجهة من اليمن نحو إسرائيل دعماً لغزة.
كلما اتخذتْ أميركا مواقف تكتية محدودة وغير موفَّقة لدولةٍ كبرى وتخلّت عن القِيَم الإنسانية والعادلة بعدم التساوي بين الشعوب والسماح لإسرائيل باستمرارها في قتل الأطفال والنساء وموظفي الأمم المتحدة والصحافيين والكوادر الطبية، تفتح الطرق لأعدائها، مثل إيران وحلفائها، لتسجيل انتصاراتٍ على الدولة العظمى التي أصبحت ترصد السماء دفاعاً عن «إجرام» إسرائيل التي لم تَعُد أي دولة في العالم الحر تستطيع تبرير أفعالها التي ارتقت إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من دون شك وبمجاهرةٍ من مسؤوليها بذلك.
ويبدو أن سماح أميركا باستمرار حرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الشخصية - والتي من خلالها يحمي نفسه من المحاسبة والسجن - قد يوسع إطارَها لتتمدّد أكثر فتتدهور الأمور، إلا إذا توقفت في الوقت المناسب ما سيودي بهيبة الولايات المتحدة.
لكن متى يحين وقتُ وقْف الحرب؟ يبدو أن إسرائيل لا تمانع جرّ المنطقة بأكملها إلى صِدام واسع. فهل تُجر أميركا خلف إسرائيل نحو تصعيد غير محسوب؟
يبقى القرار بيد الميدان، على أن تبقى دائماً فلسطين محور الحرب والقضية.
المصدر: الراي
كلمات دلالية: وهذا ما
إقرأ أيضاً:
الحصار في البحر الأحمر.. نقطة ضعف استراتيجية للعدو الإسرائيلي
يمانيون../
يشكل البحر الأحمر مصدر قلق دائم للكيان الصهيوني منذ وجوده على الأراضي الفلسطينية سنة 1948م.
ما يدل على ذلك هي التصريحات للمسؤولين الصهاينة عن أهمية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، حيث تقول غولدا مائير “وزيرة خارجية” الكيان آنذاك في خطاب لها أمام الأمم المتحدة في 1 مارس 1957م: “إن حرية الملاحة البحرية لإسرائيل في البحر الأحمر هي مصلحة قومية حيوية بالنسبة لهم”.
في عام 1949م، تمكن “جيش” العدو الإسرائيلي من احتلال منطقة أم الرشراش، ليصبح للكيان بعد ذلك منفذ على البحر الأحمر، وأعطاه هذا مرونة التحرك التجاري والاقتصادي باتجاه البحر العربي والمحيط الهندي، لا سيما بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر والأردن، والاطمئنان الصهيوني من أن خليج العقبة ومضايق تيران وقناة السويس لم تعد تشكل للكيان أي عوائق.
وخلال تجارب سابقة، مثل إغلاق الملاحة البحرية الإسرائيلية في البحر الأحمر أهم النكبات لاقتصاد العدو، وظل مضيق باب المندب من أهم نقاط الضعف الاستراتيجية للعدو الإسرائيلي، والتي سببت له الكثير من الخسائر، وظل تعرض الخطوط الملاحية لـ”إسرائيل” في المياه الدولية في البحر الأحمر من أهم الهواجس التي تثير القلق لدى الإسرائيليين.
جاءت الصفعة غير المتوقعة لـ”إسرائيل” من خلال تفعيل مضيق باب المندب، وتم استخدامه لحصار السفن الإسرائيلية في مناسبات استثنائية، لكنها شكلت قلقاً وهاجساً للصهاينة، منها، قيام جبهة التحرير الفلسطينية بتنفيذ عملية فدائية في مضيق باب المندب، عندما ضرب زورق مسلح بمدفع بازوكا تابع لجبهة التحرير الفلسطينية ناقلة النفطة الليبيرية (كورال سي)، والمؤجرة لنقل النفط إلى “إسرائيل”، وأثارت هذه العملية قلق الكيان، لأن نصف احتياجات “إسرائيل” تقريبا من النفط كانت تصله بواسطة سفن قادمة من إيران عبر مضيق باب المندب إلى ميناء “ايلات”، وقد عمد الكيان الصهيوني بعد هذه الحادثة إلى تسليح ناقلات النفط العائدة إليه، وصرح قائد القوات البحرية الإسرائيلية آنذاك قائلاً: “إن سيطرة مصر على قناة السويس لا يضع بين يديها سوى مفتاح واحد فقط في البحر الأحمر، أما المفتاح الثاني (يقصد به مضيق باب المندب) والأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية سيكون بين أيدينا” أي في يد “إسرائيل”.
عملية الحصار الثانية على الكيان الصهيوني كانت في حرب أكتوبر سنة 1973م، حيث تم منع وصول النفط إلى ميناء “ايلات” عبر مضيق باب المندب، وتسبب في حرمان “إسرائيل” من الاتصال بشرق أفريقيا وجنوبها وجنوب شرق آسيا، ما سبب لها أضراراً اقتصادية.
وخلال تلك الحرب القصيرة قال ما يسمى وزير الدفاع الإسرائيلي (موشي دايان) في حديث لصحيفة إسرائيلية: “كنا نتوقع المصريين في خليج العقبة، فإذا بهم يظهرون في باب المندب. بعد انتهاء الحرب سنعمل بكل قوتنا لتدويل هذا الممر أو احتلاله”.
وبالفعل تحرك الكيان الصهيوني، بكل ما يملك، محاولاً أن يكون له نفوذ في البحر الأحمر، والسيطرة على مضيق باب المندب، وحاول السيطرة على بعض الجزر التي تقع عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر سواء عن طريق الاحتلال أو الشراء أو الاستئجار، والتي من أهمها جزر الساحل الإرتيري (دهلك وحالب وفاطمة وسنشيان ودميرا) وجزر الساحل اليمني (زقر، وحنيش الصغرى والكبرى وبريم الواقعة في مدخل باب المندب).
كما أقام العدو الإسرائيلي نقاط مراقبة بحرية على الجزر التي يراها مناسبة للإشراف على حركة الملاحة في البحر الأحمر على طول الخط الملاحي الممتد من باب المندب إلى ميناء “إيلات”، وحاول كذلك إنشاء قواعد عسكرية جوية وبحرية في جنوب البحر الأحمر، ليستطيع الكيان الصهيوني الانطلاق منها وفرض سيادته على مياه البحر الأحمر وسمائه.
وظلت أطماع الكيان على مدى سنوات مضت في احتلال جزيرتي حنيش الكبرى والصغرى اليمنية، كما ينوي الكيان الصهيوني احتلال جزيرة زقر الشاهقة الارتفاع (650 متر فوق مستوى سطح البحر) لإقامة قاعدة للرادار عليها.
وظهرت المخاوف الإسرائيلية إلى العلن بعد انتصار ثورة 21 سبتمبر 2014م، إذ عبر الكثير من المسؤولين الصهاينة عن تخوفهم وقلقهم من هذه الثورة على حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، ففي خطاب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونجرس الأمريكي في 4 مارس 2015م قال: “حزب الله والحوثيون يمثلان تهديداً صارخاً لأمن واستقرار إسرائيل”، وقد جاء هذا التصريح قبل الإعلان عن تشكيل تحالف العدوان على اليمن بقيادة السعودية بـ 23 يوماً فقط.
وفي تصريح آخر لنتنياهو يقول: “نحن نشعر بقلق عميق لما يحدث في اليمن من سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة من البلاد، واستمرار تقدمهم باتجاه مضيق باب المندب ذي الأهمية الاستراتيجية الكبرى من حيث التحكم بمرور نفط العالم”.
من خلال ما سبق، تتضح لنا أهمية البحر الأحمر بالنسبة للاستراتيجية الإسرائيلية، وأن إغلاق الملاحة البحرية الصهيونية في هذا الممر المائي المهم، يعني إشعال حرب، فالكيان المؤقت لا يتحمل الحصار، ولديه في هذا الجانب تجربة مريرة مع الحصار اليمني للكيان في معركة “طوفان الأقصى”، والذي كان الحصار الأكبر والأطول والأشد قساوة على الإسرائيليين، وفشلت أمريكا عن طريق “تحالف الازدهار” في رفع الحصار اليمني على العدو الإسرائيلي.
ولهذا، فإن إعلان السيد القائد عبد الملك الحوثي عن مهلة 4 أيام لرفع الحصار عن قطاع غزة، ما لم فسيتم استئناف عملياتنا في البحر الأحمر ضد العدو الإسرائيلي، يأتي من موقع قوة، وليس للاستعراض الإعلامي، أو لكسب المواقف السياسية، فالجميع يعرفون أن تهديدات اليمن واقعية وجادة.
ويأتي التهديد اليمني في الموقع الحساس للعدو الإسرائيلي، فالكيان يدرك جيداً ما معنى فرض حصار عليه في البحر الأحمر، وهو لا يطيق مثل هذا الإجراء، ولذلك من غير المستبعد أن يستجيب العدو لهذا التهديد، ويبادر إلى إدخال المساعدات تحت أي مبرر، لأن اليمن يمتلك ورقة ضغط قوية جداً ذات حساسية لدى العدو الإسرائيلي.
أما إذا فضل العدو الخيار الثاني، فإن التداعيات والعواقب ستكون وخيمة، وهي أيضاً ستمهد لحرب إقليمية ستكون أوسع وأشد ضراوة من ذي قبل، لا سيما وأن الإدارة الجديدة في البيت الأبيض تريد أن تسير الأحداث بهذا الاتجاه، وهي مغامرة ستكون مكلفة كثيراً على الأمريكيين والإسرائيليين.
أحمد داود