الضمير.. يبدو أنه موجود فقط فى خيالات الشعراء ووجدان المبدعين! سلعة بائرة لم يعد يبتاعها أحد فى العالم، الذى يسقط فى حرب إبادة غزة سقوطًا مخزيًا لا يحدثنا أحد اليوم عن الضمير، والمدنيين (!!) وعن مزاعم قيام حماس بعملية غير مدروسة، وأن هناك وسائل أخرى للمقاومة السلمية كان يمكن انتهاجها، على طريقة غاندى ومانديلا!
نحن فى الجحيم وفى قلب أتون النار منذ سبعين عامًا، لم تتوقف خلالها المجازر والمذابح ضد الأبرياء والمدنيين العزّل من شعبنا العربى، تحت سمع وبصر العالم وضميره المزعوم، الذى كنا نضع له حسابًا! شاعر مثل صلاح جاهين كتب فى مبكية تلاميذ مدرسة بحر البقر -بالحسينية شرقية التى قصفها الصهاينة ٨ إبريل ١٩٧٠- «الدرس انتهى لموا الكراريس» : إيه رأيك فى البقع الحمرا/ يا ضمير العالم يا عزيزى/ دى لطفلة مصرية وسمرا/ كانت من أشطر تلاميذي/دمها راسم زهرة/راسم عار/ع الصهيونية والاستعمار/والدنيا اللى عليهم صابرة/وساكته على فعل الأباليس/.
لو كان جاهين حيًا ما كان سيكتفى بأن يستبدل كلمة فلسطينية بالطفلة المصرية، ليكون معبرًا عن اللحظة القاتمة شديدة السواد والحلوكة، بل شديدة الغضب من فرط بقع الدم الحمرا التى رقعت رقعة غزة أو بالأحرى فلسطين كلها! كان سيكتب أنشودة حزن جديدة، مستلهمة من أرواح أكثر من ستة آلاف طفل، استشهدوا تحت وابل البارود والنار فى شوارع غزة وبيوتها.
الاستعمار والصهيونية وضمير العالم الذى خاطبه جاهين عندما ضربت الفانتوم الإسرائيلية مدرسة بحر البقر فسقط شهيدًا من تلاميذها ثلاثون، ومن عمالها أحد عشر، وأصيب من الأطفال بجراح خمسون طفلًا، لم يطرأ عليه أى تغيير! السلطة للقوانين من ساسة الغرب والأميركان، والشعر والأدب وتطييب الخواطر للبسطاء وأصحاب القلوب والوجدان.. ولا عزاء للضمير.. مات وشبع موتًا.
- لموا الكراريس..إيه رأى رجال الفكر الحر/فى الفكرادى المنقوشة بالدم/إيه رأيك يا شعب يا عربى/إيه رأيك يا شعب الأحرار/ دم الأطفال جايلك يحـبى/يقول انتقموا من الأشـرار.
مذبحة بحر البقر فجرت ينابيع الحزن فينا. كلنا نتذكرها، لكن من يعرف مستشفى النصر فى غزة؟ من مرَّ على غرفة الموت (العناية المركزة سابقًا) حيث تمدد الأطفال الرضع فوق الأسرة البيضاء وقد تعفنت جثثهم، وهى متصلة بأجهزة التنفس الصناعي! تسلل صحفى فلسطينى عابرًا أهوالًا ومخاطر ولحظات موت مرعبة ليصل إلى هذا الجناح فى المستشفى، ليوثق بالصور والفيديو عارًا جديدًا، ترتديه–كما الثياب الفاخرة–الصهيونية والاستعمار، كما لو أنه حلة جديدة قشيبة، رغم أنها مخضبة بالدم وبرائحة الموت والعفن، لكنها تتباهى بها كثياب العيد، فلا تأبه لضمير أو شيء من هذا الكلام الفارغ الذى تلوكه ألسنة الشعراء والروائيين والمفكرين الرومانسيين والصحفيين المنفصلين عن الواقع التعس الذى يحيط بهم، ويفرون إلى التمسك بمباديء ثورات فرنسية سقطت ومباديء إخاء توارت، ومواثيق ومعاهدات دولية وقانون دولى سقط عندنا فقط.. فى فلسطين، وفى منطقتنا العربية، عن عمد ومع سبق الإصرار!
لم يعد أحد يخاطب ضمير العالم ب(عزيزي). الكيان الصهيونى مليء بالقتلة، لا يوجد مدنيون هناك، كلهم جيش احتلال تساعده الصهيونية العالمية والغرب القبيح كله.
الدرس انتهى أيها العالم.. لموا الكراريس.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: محمود الشربيني الضمير غزة
إقرأ أيضاً:
ذكريات معرض الكتاب..!
علاقتى بمعرض القاهرة الدولى للكتاب بدأت مبكرًا، ذلك لأن أسرتى تضع الكتاب فى مكانة عالية؛ أبى كان مهندسًا وأمى كانت خريجة مدارس الأمريكان وتجيد اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية. ووجدت من بين كتبها ديوان توماس استيرز اليوت؛ أو (تى اس اليوت) الذى أطلق عليه أهم شعراء القرن العشرين.. أما إخوتى الثلاثة أطباء أتذكر أنى كنت بصحبة أسرتى فى المعرض منذ حداثتى؛ فى المرحلة الإعدادية. كان المعرض يقام كل عام فى أرض المعارض بالجزيرة؛ منذ عام ١٩٦٩ حتى عام ١٩٨٣ إلا أن أزهى سنوات المعرض بدأت منذ تولى الدكتور سمير سرحان رئاسة المعرض منذ عام ١٩٨٦ فقد حوله إلى مهرجان ثقافى متجدد يحمل كل عام مفاجآت جديدة وفعاليات غير مسبوقة؛ نجح دكتور سرحان فى استضافة رموز الإبداع الأدبى والفكرى والدينى والسياسى؛ تميزت ندوات المعرض بالصراحة المطلقة وفتح ملفات مسكوت عنها منذ عقود؛ تعرفت على الدكتور سمير سرحان وصار صديقا بفضل الأديب محمد جلال رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون وكان أستاذى وصديقى. وفى كل عام كان الدكتور سرحان؛ يقدم لى رواد المعرض؛ فعلى مدار سنوات تعرفت عن قرب بأسماء رائدة مثل محمود درويش وعبدالوهاب البياتى وأدونيس ونزار قبانى وبطرس غالى منذ أن كان وزيرًا للدولة للشئون الخارجية حتى صار أمينًا عامًا للأمم المتحدة. وعشرات من الأسماء المؤثرة فى العالم العربى والشرق الأوسط.. أذكر أننى بعد أن تعرفت على الشاعر اللبنانى الشهير محمد على شمس الدين تحمس لاستضافتى فى أمسية شعرية فى بيروت عام 2003 قرأت من خلالها مجموعة من قصائدى وصفها الشاعر عباس بيضون بأنها تصف لبنان أكثر من شعراء لبنان؛ أما محمد على شمس الدين فقال: القهر العربى أشعل النيران فى عقول الشعراء وحوّل أقلامهم إلى سيوف تثأر من كرامتنا المنهوبة.
معرض الكتاب الذى حصل على لقب ثانى أكبر وأضخم معرض على مستوى العالم بعد معرض فرانكفورت. والحقيقة أن سمير سرحان مهّد لمن بعده بسلسلة الفعاليات الثقافية التى لا تزال قائمة. وفى هذا العام الذى نحتفل فيه بالعام ٧٣ فى عمر المعرض. أجد الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة؛ أشعل المعرض بمجموعة نشاطات جديدة فى جميع فروع الثقافة والفنون؛ بحيث أعاد إحياء روح المعرض التى نامت سنوات بعد أن استبدت الأحداث السياسية وأخبار الحروب المتلاحقة على أفكار المبدعين. حتى تجلت ابتكارات الدكتور هنو وزير الثقافة الذى ننتظر منه الكثير فقد ظهر حماسه منذ اليوم الأول لتولى مسؤوليته.
معرض القاهرة الدولى للكتاب أمانة فى عنقنا جميعا ومن حقنا أن نستثمر حماس وزيرنا الفنان المبدع ويكون فى كل عام حالة إبداعه مثمرة.
[email protected]