فى سبتمبر عام 1932 بعث عالم النفس الكبير سيجموند فرويد برسالة إلى عالم الفيزياء الشهير ألبرت أينشتاين، ضمن حوار متصل بين قمتين عالميتين حول مستقبل العالم فى أعقاب الحرب العالمية الأولى، وخلال الأزمة الاقتصادية العالمية مطلع ثلاثينيات القرن الماضى.. المتأمل للأفكار المطروحة برسالة فرويد سيجد ارتباطًا كبيرًا بين فكر هذا العالم، وبين ما نعيشه اليوم بعد قرابة القرن من رسالته لأينشتاين.
يرى فرويد أن العالم المشغول فى هذا الوقت «قبل مائة عام تقريبا» بإنشاء عصبة الأمم حماية للبشرية من الحرب والدمار، هو فى الحقيقة عالم سيتجه أكثر وأكثر نحو مزيد من الحروب المدمرة. وقد بدأت رسالة فرويد بسؤال حول العلاقة بين الحق والقوة، وقال إنه من الصواب أن نصحح السؤال بأن يكون عن العلاقة بين الحق والعنف. ويرى فرويد أنه لا تناقض بين الحق والعنف لأن كليهما كمعنيين قد انبثق من الآخر. الناس تلجأ لاستخدام العنف لحل النزاعات من بدايات التاريخ حتى اليوم، والفارق فقط فى أدوات العنف التى تطورت من استخدام العضلات وصولا اليوم لكل أدوات الدمار.
وهنا يشرح فرويد لصديقه أينشتاين أن رحلة الإنسان عبر التاريخ قد يتصورها البعض رحلة من أزمنة العنف إلى عصر الحق والقانون، ولكنها فى حقيقتها تحول من عنف الفرد والقبيلة إلى عنف الدولة والتجمعات الدولية – إننا حسب وصف فرويد نعيش زمن سيادة العنف وليس سيادة القانون.
الحقيقة أن ما كتبه وسجله فرويد فى رسالته لصديقه أينشتاين «وثيقة تاريخية» تؤكد تطور الفكر الاستعمارى الغربى من عنف الدولة، إلى عنف الجماعة. لقد ظلت أوروبا من القرن الخامس عشر الميلادى تتصارع فيها الدول على السيطرة باستخدام العنف ضد بعضها البعض حينا، وضد الآخرين من خارج أوروبا أحيانا أخرى.
وبعد حروب وصراعات أكلت قلب أوروبا، بدأ التفكير المنظم فى استخدام «العنف» بديلا عن الحق لفرض السيطرة ومنطق الاستغلال.. إسرائيل أو الكيان الصهيونى كمكون أوروبى بالأساس والذى تم فرضه على فلسطين هو مرحلة من مراحل توظيف العنف الأوروبى لفرض السيطرة.. أمريكا والغرب عموما يتحدثون لغة واحدة عن حق إسرائيل فى الدفاع عن النفس، ثم تطور المفهوم إلى دعوة إسرائيل باحترام قوانين الحرب. المعنى الحقيقى المستقر فى الفكر الغربى الاستعمارى، هو مساعدة إسرائيل بتنظيم عمليات القتل إمعانا نحو مزيد من السيطرة على فلسطين.
ويرى فرويد فى موضع من رسالته أن التوسع فى استخدام العنف، يؤكد أن الحروب لم ولن تكن يومًا وسيلة للسلام، ولكنها تفتح شهية تجار العنف لمزيد من التدمير. إنها حلقة جهنمية لا يمكن السيطرة على قوانينها، حيث لا قانون للدمار سوى الدمار.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كامل عبدالفتاح حول مستقبل العالم الحرب العالمية الأولى
إقرأ أيضاً:
نور القلوب: كيف تفتح الواردات الإلهية والذكر أبواب الحق في حياتنا؟
القلب، مهبط الواردات التي هي الأحوال والخواطر النورانية، يعدّ من أهم المحاور التي يُمكن أن ينطلق منها الإنسان في رحلته الروحية نحو الله.
كيف يكون الذكر وسيلةً لاستقبال الأنوار؟
فكيف تعمل هذه الواردات؟ وكيف يكون الذكر وسيلةً لاستقبال هذه الأنوار؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها الدكتورعلي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي جمهورية مصر العربية السابق، في حديثه عن القلب وأثر الواردات عليه عبر صفحته الرسمية على موقع الإلكتروني(الفيسبوك)
القلب وفتح أبواب الحق:وضح جمعة، القلب هو مهبط الواردات الإلهية التي تُحدث تغييرات جذرية في الإنسان. فالذكر المستمر لله والتزام العبادة يؤديان إلى تنزل الأنوار على القلب، مما يفتح له أبواب الحق ويقوده إلى الفهم والمعرفة. تتجلى هذه الواردات في صورة أنوار تملأ القلب وتؤثر في سلوك الإنسان.
سيدنا رسول الله ﷺ: نموذجٌ للنور الإلهيمن أعظم الأمثلة على تأثير الواردات الإلهية على القلب هو ما عاشه سيدنا رسول الله ﷺ. فبكثرة تنزل الأنوار على قلبه الشريف، كان يغلق باب الخلق، فينعزل عن الناس ويشغل نفسه بذكر الله، وذلك بسبب شدة الأنوار التي كانت تملأ قلبه. يقول د. علي جمعة: "كان النبي ﷺ يستغفر الله في اليوم سبعين مرة بسبب كثرة الأنوار التي كانت تغمر قلبه، حتى لا تلهيه عن تبليغ الرسالة والصبر على أذى الناس."
النور الذي يغير حياة الصحابةكانت الصحابة الكرام، الذين تجولوا بالقرب من النبي ﷺ، يشهدون تأثير هذا النور الإلهي في حياتهم. فالصحابي، وفقًا لرؤية د. علي جمعة، هو من نظر إلى النبي ﷺ، حتى وإن كان أعمى، لأن النور الذي ينبثق من قلب النبي ﷺ كان يعدّل فطرة هذا الإنسان ويحيي قلبه. وهذا النور هو الذي جعل الصحابة يشهدون التحول الروحي الذي كانوا يعيشونه.
كيف ينفع الذكر القلب؟ينبّه جمعة إلى أن القلب يحتاج إلى عدة وسائل لتنزيل الواردات النورانية عليه، وأهم هذه الوسائل هو الذكر المستمر بالله، والعبادة، والتخلية من الصفات القبيحة، والتحلية بالفضائل. هذه هي الطريقة المثلى لتزكية القلب، وجعل الإنسان قادرًا على استقبال الأنوار التي تقوده إلى الله.
الطريق إلى النور الإلهي
في النهاية، يشرح الدكتور علي جمعة أن القلب هو مركز الواردات النورانية التي تأتي من الله، وأنه يجب على المؤمن أن يتنقى قلبه ويجعل من الذكر وسيلة لتلقي هذه الأنوار. فالذكر والعبادة لا يقتصران على الأوقات المخصصة فقط، بل يجب أن يتخللا كل جوانب الحياة، ليظل القلب مفتوحًا لاستقبال الأنوار التي تعينه على السير في طريق الحق.