نجح عام الاستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة، على مدار العام الماضي، في تشجيع سكان الدولة على العمل الجماعي عبر ثلاث مجالات رئيسية هي الاستهلاك المسؤول، والحفاظ على البيئة، والعمل المناخي.
وارتكز عام الاستدامة الذي أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تحت شعار "اليوم للغد"، على إرث الأجداد وقدرتهم على التأقلم والعمل على حماية أرضنا اليوم وتخيل إمكانيات الغد.


واستطاع عام الاستدامة خلال مرحلة الاستهلاك المسؤول وعبر العديد من الأنشطة والفعاليات التشجيع على ممارسات تقليل هدر الطعام، وتبني سلوكيات استهلاك كميات طعام مسؤولة، وتعزيز الأنظمة الغذائية النباتية من أجل عادات استهلاكية أكثر صحة واستدامة، كما ركز على الدعوة نحو التحول للأزياء المستدامة بتشجيع السكان على التحول إلى الموضة البطيئة ودعم المزيد من العلامات التجارية الصديقة للبيئة.
وركزت مرحلة الحفاظ على البيئة على تشجيع السكان على تبني أسلوب حياة صديق للبيئة بتركيز الجهود على التحول إلى بدائل خالية من البلاستيك، وحماية النظم البيئية من المخلفات المتبقية، وفصلها وإعادة تدويرها، إضافة إلى تشجيع استخدام وسائل النقل العام.
كما دعت مرحلة العمل المناخي، والتي تزامنت مع انعقاد مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28)، إلى دعوة الجماهير للالتزام بالعادات المستدامة في حياتهم اليومية، مثل اختيار وسائل النقل الصديقة للبيئة، وتقليل المخلفات وتوفير المياه والطاقة وكذلك زراعة النباتات في المنزل.
وقال عيسى السبوسي، مدير مشروع عام الاستدامة : "في بداية المشروع، أردنا التأكد من أنه سيتم تناول الجوانب المختلفة للاستدامة على مدار العام. حيث أن أغلب الأفراد يعرفون ما يتعين عليهم القيام به، لكنهم غير مطلعين على أسباب القيام بذلك، أو أهميته ضمن السياق المحلي والإقليمي. لقد قدم لنا علماء تغيير السلوك، الذين ساهموا في تصميم استراتيجية عام الاستدامة، خبراتهم من أجل تحفيز التغيير السلوكي المستدام ذي الصلة والذي يمكننا تحقيقه".
وأضاف: "مع اقترابنا من عام 2024، نشعر بسعادة غامرة إزاء العدد الكبير من الأبحاث والمشاركات العامة ضمن مفهوم الاستدامة، لقد تشكل لدينا فهم أعمق للتغيير الذي نحتاج إلى إجرائه بشكل جماعي، بالإضافة إلى تطوير المزيد من الأبحاث الكمية التي تشير إلى تحول مؤثر نحو تبني الاستدامة والالتزام بهذا النهج مدى الحياة."
التأثير الجماعي
قدم كل مجال من مجالات مبادرة عام الاستدامة دافعًا ماليًا أو صحيًا أو اجتماعيًا أو بيئيًا يوضح شكل الفائدة التي سوف تعود على الناس عند اتخاذ خيارات مستدامة، والتي هدفت إلى تحقيق المزيد من التأثير وتحفيز تغير سلوكي مستدام.
كما ساهم عام الاستدامة في تبسيط مفهوم الاستدامة عبر نشر مقاطع فيديو تعليمية ذات محتوى تفاعلي موجهة للجمهور تتضمن أمثلة يومية حول طرق تبني الأفراد لأسلوب حياة أكثر وعياً بالبيئة، وشجعت المبادرة الجمهور على إعادة التفكير في الاستدامة بطرق أبسط.
وعلى سبيل المثال، دعا أحد مقاطع الفيديو الخاصة بمبادرة عام الاستدامة الأفراد إلى التفكير في الاستدامة على أنها شكل من أشكال العافية الجسدية، وتحسين الصحة النفسية، وإعادة الاتصال بالطبيعة، وبالتالي جعل الاستدامة ممارسة متأصلة في حياتنا اليومية.
وتضمنت المقاطع الأخرى نصائح عملية من خبراء مقيمين في الإمارات حول فوائد اعتماد السلوكيات المستدامة، وروايات أرشيفية غنية تعتمد على قيم الاستدامة الراسخة في البلاد، وتوفير حقائق وأرقام للجمهور لتمكينهم من فهم أهمية أفعالهم اليومية من أجل بناء مستقبل أفضل لكوكبنا.
كما قدمت سلسلة مقاطع خاصة بوسائل التواصل الاجتماعي بعنوان "أمي تعرف أكثر" نظرة فكاهية حول ممارسات الاستدامة بين الأجيال وسعة الحيلة التي تتمتع بها جميع الأمهات. واستُلهمت مقاطع أخرى من شهر رمضان لتسليط الضوء على أهمية المشاركة وتجنب الإسراف والحفاظ على الموارد. كما سلطت إحدى المقاطع الضوء على ممارسة "النايبة"، وكيف احتضن أسلافنا أسس ممارسات الاستهلاك المسؤول.
وركز عام الاستدامة على قصص الأجداد وتدبيرهم لأمور الحياة من خلال سلسلة "إرث الاستدامة"، ومنها قصة امرأة إماراتية قامت بإعادة تدوير أعواد المصاصات واستخدامها لصنع البرقع، وهو أسلوب ذكّرت من خلاله مبادرة عام الاستدامة الجماهير بالتراث المستدام لدولة الإمارات العربية المتحدة، وغرست فيهم الشعور بالفخر بقيمنا المشتركة.
أشجار القرم.
لتشجيع ممارسات الحفاظ على البيئة بشكل أكبر، تم تنظيم العديد من الفعاليات المجتمعية مثل "مشروع أشجار قرم عيد الاتحاد: اليوم للغد" الذي يسعى إلى استرجاع زراعة غابات القرم على طول سواحل دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن تعهدات دولة الإمارات العربية المتحدة بزراعة 100 مليون شجرة قرم بحلول عام 2030.
وانطلاقًا من إيمان راسخ بأن اتخاذ خطوات صغيرة يمكن أن يؤدي إلى تغيير كبير، أصدر فريق عام الاستدامة ثلاثة أدلة دعت الجمهور إلى تبني عادات أكثر استدامة من خلال تقديم نصائح عملية ورؤى لخبراء ومعلومات مفيدة لإلهام العمل الجماعي، والتي يمكن للجمهور الاطلاع عليها عبر الموقع الإلكتروني لعام الاستدامة. تتضمن هذه الأدلة، سلسلة من المداخلات من مجموعة مختارة من أعضاء شبكة خبراء الاستدامة، التي تتألف من خبراء مقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة ممن يحملون فهماً عميقاً بأجندة الاستدامة في الدولة.
رحلة غامرة
يأخذ موقع عام الاستدامة المستخدمين في رحلة غامرة لرواية قصة التراث الغني لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تتداخل حكايات الموارد والناس والتجارة والابتكار المتجذرة بعمق في قيمنا.
وتصور صفحة "عبر الزمن" رحلة الإمارات التي تأخذ زوار الموقع عبر جولة في الماضي والحاضر والمستقبل لتسليط الضوء على تطور الدولة - بما في ذلك حلول المياه المبتكرة التي أدت إلى استدامة الحضارات حتى الموانىء التي جذبت الناس من جميع أنحاء العالم،.
ودعت صفحة "كلنا معًا اليوم" زوار الموقع لإجراء اختبار تحليل الشخصية من أجل الاستدامة لتقييم بصمتهم الكربونية. وقام الاختبار بتذكير المستخدمين بتأثير أفعالهم اليومية في صنع مستقبل أكثر إشراقًا وتشجيعهم على البدء في رحلتهم الخاصة في مجال الاستدامة.
فيما قدمت صفحة "واجبنا" موارد تعليمية ومسارات وظيفية في مجال الاستدامة للجمهور ، فضلاً عن مبادرات عام الاستدامة التي يمكن للجمهور المشاركة فيها.
بيت الاستدامة
أطلق عام الاستدامة، بهدف تشجيع العمل المناخي الشامل وإشراك الجمهور في مؤتمر (كوب 28)، مبادرة بوب كوب - وهي عبارة عن مجموعة من فعاليات العمل المجتمعي التي تدعو جميع من يعتبرون دولة الإمارات العربية المتحدة وطنًا لهم لاستكشاف مستقبل أكثر جودة وازدهارًا لكوكبنا والتخطيط والعمل من أجله، وقد عقدت الفعاليات في موقع بيت الاستدامة لإتاحة الفرصة للزوار للتعرف على الاستدامة بطريقة شاملة.
كما كان لعام الاستدامة حضور قوي في مؤتمر (كوب 28)، حيث أظهر التزامًا على مستوى الدولة تجاه الاستدامة من خلال بيت الاستدامة ومركز داعمي العمل المناخي في المنطقة الخضراء في إكسبو دبي.
وقدم بيت الاستدامة والذي استقطب ما يقرب من 60 ألف زائر من أصل 130 ألف من الحضور في مؤتمر (كوب 28)، تجربة زوار متعددة الحواس عرضت مدى عمق رحلة دولة الإمارات العربية المتحدة نحو الحياد المناخي.
وقد استلهمت التجارب المتنوعة من صمود الأسلاف في دولة الإمارات، كما أتاحت فرصة فريدة للزوار من جميع أنحاء العالم لفهم قيم الاستدامة الراسخة في الدولة عبر تراثها الغني، وإلهام أجيال الغد من أجل مستقبل مزدهر مستدام.
ومن خلال تجارب غامرة مثل "العشاء في 2050" و"حلول مع الطبيعة"، دعت المساحة الزائرين لاستكشاف تأثير تغيير خياراتهم اليوم مما يعزز من القدرة على الصمود الغذائي، وبالتالي تكرار دعوة عام الاستدامة نحو التغييرات السلوكية المستدامة.
قصة جماعية
تميز العرض الرسمي لعيد الاتحاد الثاني والخمسين لدولة الإمارات في مدينة إكسبو بدبي، والذي تزامن مع انعقاد مؤتمر (كوب 28) باستخدام تقنيات مبتكرة وعروض آسرة، تجسد التراث الغني لدولة الإمارات والنسج الذي يصل معاني الاتحاد والاستدامة عبر التاريخ، التي رُمز إليها من خلال عناصر مختلفة من نسيج السدو.
وسلط العرض الضوء، انطلاقاً من جذور الثقافة والتراث الإماراتي، على تراث الأجداد والعلاقة الوثيقة بين عراقة التقاليد وحداثة التكنولوجيا، والذي عكس الالتزام المشترك برعاية عالمنا المترابط والحفاظ عليه.
كما ركز العرض على رؤية دولة الإمارات لمستقبل مستدام مشترك يتعاون فيه العالم للتغلب على التحديات المناخية من خلال الابتكار، والعمل المشترك، مستلهمين من جهود داعمي العمل المناخي من دولة الإمارات العربية المتحدة وجميع أنحاء العالم.
وحصل العرض على شهادة "أيزو 20121"، المعيار العالمي لإدارة الفعاليات المستدامة، في ظل تضمينه العديد من العناصر المستدامة في جميع مراحل إنتاجه، كما قدم 84 طالبًا وطالبةً من جميع أنحاء الدولة مجسمات مصنوعة من مواد مستدامة لعرض المناظر الطبيعية المفضلة لديهم تماشيًا مع "عام الاستدامة" والتراث الوطني الغني.
ماذا بعد؟
قال السبوسي: "لقد أظهرت لنا جهودنا هذا العام أن التغيير يستغرق وقتًا. إنها ليست مجرد فكرة يمكن تنفيذها خلال عام واحد فقط، فخلال عام 2023، انخرط الجمهور في أجواء طموحة تجاه العمل المناخي حيث تمكنوا من فهم ما يمكنهم المساهمة فيه في المعادلة الأوسع للعمل المناخي. والآن، يجب أن نسأل أنفسنا كيف يمكننا الحفاظ على هذا الزخم والاستمرار فيه في العام المقبل وما بعده؟ ومع أخذ COP28 في الاعتبار، نتساءل، كيف يمكننا ضمان مواصلة هذه الجهود مدى الحياة؟"
مختبر المواد
أطلق عام الاستدامة برنامجه "مختبر المواد"، وهو نموذج تعاوني للإنتاج المستدام، أشرك خلاله مبدعين ومبتكرين وشركات في دولة الإمارات العربية المتحدة لإعادة النظر في مفاهيم التصميم والإنتاج - من الفكرة إلى التصنيع. يضم نهج البرنامج ذو المستويين الإنتاج المستدام وإعادة استخدام المواد، حيث ركز هذا النهج على ابتكار مواد التصنيع وإعادة استخدام الموارد والمواد المتوفرة.
وجاء المختبر تتويجًا للتعاون مع مبدعين ومبتكرين محليين لإعادة اكتشاف المواد الموجودة في الطبيعة في دولة الإمارات والاستفادة من المخلفات الزائدة وغيرها لإنتاج مواد مستدامة وقابلة للتحلل البيولوجي أو مواد صديقة للبيئة وتعزز امكانية تغيير مفهوم الإنتاج في الدولة.
بضائع مستدامة
أطلق عام الاستدامة "دبوس الاستدامة "المبتكر والمصنوع من نوى التمر المهدر وفتات الصدف كما تم تغليفه بورق ممزق مُعاد استخدامه، والذي يستطيع الأفراد زراعته في حديقتهم. صمم الدبوس بناءً على رؤية جماعية وبحث وتعاون مع خبراء التصميم المحليين حيث تناولوا من خلاله رؤية دولة الإمارات العربية المتحدة للإنتاج المستدام المتكامل.
كما أطلق فريق عام الاستدامة بالتعاون مع "أ فريند أوف ماين" منتجاته الرسمية التي تم تصنيعها من خلال إعادة تدوير مجموعة المنتجات المتبقية من "عام الخمسين" لدولة الإمارات. وقد عملت المنتجات المُعاد تدويرها بمثابة مصدر إلهام للإنتاج للشركات المحلية، للاستفادة من المواد الفائضة الموجودة لإعادة تصميمها واستخدامها لإعادة الإنتاج.
وتأكيدًا على قيم الإنتاج والتصنيع المُستدامين المحليين، تضمنت المنتجات الرسمية لعام الاستدامة، منتجات مُتعددة الوظائف صالحة للارتداء، مثل القمصان والحقائب القماشية والجاكيتات.
(وام)

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: تسجيل الدخول تسجيل الدخول تسجيل الدخول تسجيل الدخول فيديوهات الاستدامة الإمارات دولة الإمارات العربیة المتحدة فی دولة الإمارات عام الاستدامة ا لدولة الإمارات بیت الاستدامة العمل المناخی جمیع أنحاء من خلال من أجل

إقرأ أيضاً:

الإمارات: الدبلوماسية الخيار الأمثل.. ولا تطفئُ النار بالنار

أكد الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان، وزير دولة، أن دولة الإمارات اعتمدت سياسة خارجيةً شفافة، قائمة على بناء شبكة علاقات متوازنة مع دول العالم، ودعم جهود إرساء الاستقرار الإقليمي والدولي.
جاء ذلك خلال إلقاء الشيخ شخبوط بن نهيان، كلمة الإمارات في الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، ولفت إلى أن هذه الجمعية لطالما احتضنت العالم وأصغت لآماله وآلامه.
وجاءت نص كلمة دولة الإمارات:
السيد الرئيس، أشكر دينيس فرانسيس على إدارته المتميزة لأعمال الدورة السابقة، وأهنئ فيليمون يانغ على ترأسه لأعمال الدورة التاسعة والسبعين، مع تمنياتنا لكم بالتوفيق والسداد.
من منبر هذه الجمعية العام التي لطالما احتضنت العالم وأصغت لآماله وآلامه، ندعوكم لنعمل سوياً، لكي نورث أبناءنا وبناتنا والأجيال المقبلة، عالماً أفضل، ينعمون فيه بالعيش الكريم والازدهار والاستقرار، موظفين لذلك كل ما نمتلكه من قدرات وأدوات سياسية ودبلوماسية واقتصادية، مسخرين له أفضل ما توصلت إليه البشرية من تقدم وعلم، من أجل الحفاظ على الحياة بكل تجلياتها وصورها.
وفي دولة الإمارات وضعنا هذه الرؤية نصب أعيننا، فأطلقنا العنان لعجلة التقدّم في ميادين التنمية والاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا والصناعة، ومنذ قيام دولة الإمارات، اعتمدت بلادي سياسة خارجيةً شفافة، قائمة على بناء شبكة علاقات متوازنة مع دول العالم، ودعم جهود إرساء الاستقرار الإقليمي والدولي، وخفض التصعيد، والتشجيع على الحوار وبناء الجسور، وحل الأزمات بدلاً من الاكتفاء بإدارتها.
وفي ظل المنعطفات الخطيرة التي يمر بها العالم اليوم فلا بد من إعادة ضبط بوصلة العمل الدّولي نحو جملة من المبادئ الأساسية التي لا يمكن أن نحيد عنها، أهمها، توحيد الموقف تجاه جميع القضايا الشّائكة، ومساندة جميع الشعوب، بعيداً عن ازدواجية المعايير، وضمان حماية المدنيين، وإعلاء سيادة القانون، والالتزام بحقوق الإنسان، واحترام مبادئ حسن الجوار.
وتزداد أهمية العودة لهذه المبادئ، مع ما تشهده العديد من النّزاعات في منطقتنا والعالم من انتهاكات صارخة عمّقت المعاناة الإنسانية، وأعادتنا عقوداً للوراء، وتسببت في موجات لجوء ونزوح ضخمة، أثقلت كواهل الدول المعنية ودول الجوار، في ظل استمرار الحرب الدموية على قطاع غزّة، والحروب في السودان وأوكرانيا، والأزمات في اليمن وسوريا، وليبيا والساحل، وأفغانستان، وميانمار وهايتي، وغيرها.
ولا بد هنا من التذكير بأنه حتى للحروب قواعد، ويجب على أطرافها احترام القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني.
ففي غزة، يجب تحقيق وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وإدخال المساعدات بشكل عاجل وكامل ودون عوائق، وعلى نطاق واسع، وإطلاق سراح الرهائن والمحتجزين، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
ويجب توخي الحكمة في معالجة التطورات الإقليمية المتسارعة، المنذرة بالخطر في منطقتنا، ويبدو أنّ ما كنّا نحذّر منه يتطوّر الآن بشكل قد يصبح غير قابل للسيطرة، لذا، نأسف لرؤية الحرب تمتد إلى لبنان، في الوقت الذي كنّا نتطلع فيه للإعلان عن التّوصل لصفقة تنهي الحرب على غزة.
ولا يمكن القبول بتجاهل القرارات والآراء الاستشارية الصّادرة عن أعلى هيئة قضائية أممية، وهي محكمة العدل الدولية، بما في ذلك تدابيرها المؤقتة والمتّصلة بالحرب على غزة.
وندعو للحفاظ على أمن وسلامة الشعوب، وصون الاستقرار الإقليمي والدولي، بما في ذلك أمن طرق الملاحة والتجارة الدولية، وإمدادات الطاقة، خاصةً مع استمرار الجماعات الإرهابية والمتطرفة في استغلال مآسي الشعوب لتحقيق مآربها السياسية.
وفي السودان، يجب على الأطراف المتحاربة وقف القتال بشكل فوريّ ودائم، والسماح بدخول المساعدات عبر الحدود وخطوط النزاع، بشكل مستدام ودون عوائق.
ونعرب عن رفضنا التام لاستمرار الأطراف المتحاربة في استهداف المدنيين، وعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية.
وتدين بلادي، بأشد العبارات، الاعتداء السافر، الذي شنته القوات المسلحة السودانية، على مقر سكن سفير دولة الإمارات في الخرطوم، في 29 من سبتمبر الجاري في خرق صارخ للمبدأ الأساسي، المتمثل في حرمة المباني الدبلوماسية، وللمواثيق والأعراف الدولية، وفي مقدمتها، اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وندعو الأطراف المتحاربة للانخراط بشكل جاد في محادثات السلام.
وفي هذا الصدد، نرى أهمية البناء على المخرجات الإيجابية لاجتماعاتْ مجموعة العمل من أجل تعزيز إنقاذ الأرواح والسلام في السودان، ونشيد بالمبادرات التي تهدف للتوصل إلى حل شامل لإنهاء الأزمة، وعلينا أن نواصل جميعاً العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لرفع المعاناة عن الشعب السوداني الشقيق من أجل حياة أكثر أماناً وازدهاراً.
وفي أوكرانيا التي تجاوزتْ تأثيرات الحرب فيها البحار والقارات، فلا بد من إيجاد حل سلمي يضع حداً لهذا النزاع، وما رافقه من تزايد في الاستقطاب الدولي، وأزمات لجوء وأسرى، وتداعيات على الأمن الغذائي العالمي.
ومن خلال تواصلنا المستمر مع كافة الأطراف ساهمت بلادي في الإفراج عن قرابة 2000 أسير حرب عبر جهود الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، ومستمرون بالدّفع نحو الحوار وخفض التصعيد، ودعم التعافي وإعادة البناء.
وحين نتحدث عن حلّ الأزمات التي طال أمدها، فلا بد من التأكيد مجدداً على دعمنا الكامل للسيادة المغربية على منطقة الصحراء المغربية، مع تأييدنا لمبادرة الحكم الذاتي في إطار الوحدة الترابية المغربية.
السيد الرئيس.. لقد أبت بلادي التسليم، بتعطل الاستجابة الدولية في العديد من الأزمات، بفعل تصاعد الاستقطاب الدولي، والعوائق المفروضة من أطراف النزاعات، فعملنا على تذليل العقبات وتسخير الإمكانات لمواصلة العمل الإنساني، ومدّ يد العون للمحتاجين في شتّى بقاع الأرض، التزاماً بإرث الشيخْ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسّس دولة الإمارات.
واليوم، أمر صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بتقديم مساعدات إغاثية عاجلة للشعب اللبناني الشقيق، بقيمة 100 مليون دولار، لمساندتهم في مواجهة التحديات الراهنة.
وحين اشتدت ويلات الحرب في السودان لتدفع بالملايين من السكان نحو كارثة إنسانية متعددة الأبعاد، سخرت بلادي جهودها لدعم الشعب السوداني، حيث ساهمنا مؤخراً بمئة مليون دولار لتعزيز جهود الأمم المتحدة لمعالجة التداعيات الإنسانية لهذه الحرب في الداخل وفي دول الجوار، إلى جانب إنشائنا لمستشفيين ميدانيين في تشاد لتقديم الخدمات الطبّية لكل من هم بحاجة إليها، بما يشمل اللاجئين السودانيين.
وبالمثل، لم ندخر جهداً في دعم الأبرياء المحاصرين في غزة، حيث عملنا على مدهم بالمساعدات العاجلة عبْر البرّ والجوّ والبحر، وسعينا لتوفير العلاج لأشقائنا الفلسطينيين من المرضى والمصابين، عبر إنشاء مستشفى ميداني في رفحْ بغزةْ، ومستشفى عائم في العريش، مع استمرارنا في إجلاء الجرحى والمرضى وذويهم من قطاع غزة لتلقي العلاج في مستشفيات دولة الإمارات، وأغلبهم من الأطفال ومرضى السّرطان.
كما واصلنا دعمنا لوكالة الأونروا، في ضوء الدّور الحيوي الذي تقوم به في غزة، ونرحب بإطلاقها مؤخراً لبرامج تمهيدية لاستئناف خدماتها التّعليمية في القطاع، محيّين كافة الجهود التي يبذلها العاملين في المجال الإنساني، والتي تمثل الشّعاع المضيء وسط نفق الحرب المظلم.
وإن أردنا انتشال القضية الفلسطينية من هذه الحلقة المفرغة التي تدور فيها منذ سبعة عقود، فلا بد من اتخاذ خطوات ملموسة لإنشاء دولة فلسطينيّة مستقلّة، عاصمتها القدس الشّرقيّة، استناداً إلى حل الدّولتين، والنّظر في تشكيل بعثة دوليّة مؤقّتة في القطاع بدعوة رسمية من الحكومة الفلسْطينيّة، لمعالجة الكارثة الإنسانية، وإرساء دعائم الأمن وسيادة القانون، وإعادة توحيد غزة والضّفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها، لتكون قادرة على المضي بخطىً ثابتة نحو إيجاد حل سياسيّ شامل وعادل للقضيّة الفلسطينية.
وتؤمن بلادي بأن دولة فلسطين، التي تبوأت منذ أيام مقعدها الجديد في هذه القاعة أسوةً بسائر الأمم، قد استوفت متطلّبات العضوية الكاملة في هذه المنظّمة، تماماً كما استحقّت الاعتراف بها من قبل الجميع كدولة كاملة الأهليّة تحت الاحتلال.
السيد الرئيس.. بالتّوازي مع جهودنا في هذه الملفات، تستمر بلادي في مطالباتها لإيران بإنهاء احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، والتي تعد جزءاً لا يتجزأ من أراضي دولة الإمارات، ونستمر بحثها على الاستجابة لدعواتنا المتكررة لحل القضية عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
وفي سائر القضايا، ترى دولة الإمارات بأن الدبلوماسية هي خيارنا الأمثل، فلا يمكن أن نطفئ النار بالنار. وحين لا تجدي المناهج التقليدية نفْعاً من واجبنا تجديدها، لنتمكن من التّحرك في أحلك لحظات التّاريخ.
السيد الرئيس.. إن بناء مستقبل آمن ومزدهر يتطلب تحديث آليات العمل متعدد الأطراف، لتمكينها من مواكبة التحديات الجسيمة التي تحيط بنا، والاضطلاع بأدوار مهمة في حل النزاعات والأزمات، خاصةً بعدما عجزت المنظومة الدولية بشكلها الحالي عن منع أخطر الجرائم، أو المساءلة عنها.
ويستدعي ذلك في المقام الأول إصلاح مجلس الأمن، عبر جهد شامل يضم كافة أعضاء الأمم المتحدة، بما يعيد للمجلس مصداقيته، ويعينه على الوفاء بولايته في حفظ السلم والأمن الدوليين، ويمكّنه من مكافحة الإفلات من العقاب، حتى في الحالات التي يعجز فيها المجلس عن التحرّك، بفعل الاستقطاب والاعتبارات السياسية.
كما يجب إشراك الدول النامية والفقيرة في صلب الجهود الدولية، مع ضمان اضطلاع النساء والشباب بأدوارهم الطبيعية والهادفة في سائر أروقة العمل المشترك.
وفي فورة انشغالنا بالتعامل مع الواقع السائد، دعونا لا نغفل عن أهمية جهود الوقاية من الأزمات، حيث إن أخطر الحروب التي شهدها التاريخ لم تنشأ في عشية وضحاها، بل كانت امتداداً لأعوام أو عقود من التطرف وخطاب الكراهية والتعصب.
ويستدعي ذلك اتخاذ خطوات ملموسة لإعلاء قيم التسامح والتعايش السلمي، وتضافر الجهود الإقليمية والدولية لإخماد شرارة النزاعات قبل اشتعالها.
وبالإضافة لذلك، فإن العمل المشترك هو السبيل الوحيد لمواجهة المخاطر التي تهدد مستقبل البشرية والكوكب، بما في ذلك التغير المناخي، حيث أبرزت مخرجات الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي التي استضافتها دولة الإمارات، ما يمكن تحقيقه إن عملنا معاً، خاصةً بعد اعتماد مئة وثمانية وتسعين دولةً ل«اتفاق الإمارات» التاريخي، الذي جسّد توافقاً دولياً لوضع مجموعة من التدابير، لتفادي ارتفاع حرارة كوكب الأرض فوق مستوى درجة ونصف مئوية وتفعيل صندوق «الخسائر والأضرار» لتعويض الدول الأكثر تضرّراً من تغيّر المناخ.
سنواصل التعاون مع الجميع لدعم العمل المناخي والطاقة المتجدّدة والنظيفة، بما في ذلك من خلال مبادرة «ترويكا رئاسات مؤتمرات الأطراف» مع أذرْبيجان والبرازيل، لتقديم استجابة ملموسة لتحقيق أهداف اتفاقات المناخ الدولية.
كما سنواصل مساعينا للحدّ من أزمة ندرة المياه وتوفير المياه النظيفة والمستدامة للجميع، وذلك عبر «مؤتمر المياه» الذي نعتزم استضافته عام 2026 بالشراكة مع السنغال، ومبادراتنا المتعدّدة في هذا المجال وأولها «مبادرة محمد بن زايدْ للْماء» التي أطْلقت هذا العام.
وبهذه الروح التّي تتطلّع دوماً إلى الأمام، تسعى بلادي لاستكشاف الفرص الكامنة في وسائل التّكنولوجيا المتقدّمة، لتكون التّكنولوجيا النّاشئة، ومنها تقنيّات الذكاء الاصطناعي، أدوات أساسيةْ لابتكار الحلول في أعمالنا وحياتنا وخدماتنا الحكوميةْ.
ونؤمن بضرورة توجيه الاهتمام الدوليّ نحو هذه الوسائلْ، والاستثمار فيها، بما يسرّع من وتيرة التنمية المستدامة، ويحْدث تحوّلات جذرية في التعامل مع التّحديات في مختلف الميادين، على نحْو يسدّ فجوات التّنمية ويدعم تقدّم الجميعْ.
السّيد الرئيس.. دعونا نغتنم هذه الفرصة لتصحيح مسار العمل الدولي المشترك، ملاذنا الجامع في الشدائد، وأن نعمل يداً بيد لصنْع مستقبل باهر تفخر به الأجيال القادمةْ.

مقالات مشابهة

  • فيديو | محمد بن زايد يؤكد أهمية تعزيز قيم التكافل التي تميز مجتمع الإمارات
  • محمد بن زايد يؤكد أهمية تعزيز قيم التكافل التي تميز مجتمع الإمارات
  • الإمارات: سنظل شريكاً راسخاً في السعي نحو عالم سلمي وعادل
  • عبدالله بن زايد: حريصون على تعزيز التعاون الدولي في ملف المياه
  • تقرير جديد من “آرثر دي ليتل”: الإمارات العربية المتحدة تقود التغيير في احتضان عمليات شراء السيارات رقمياَ وتوجه قوي نحو المركبات ذات الطاقة البديلة
  • عبدالله بن زايد: الإمارات حريصة على تعزيز التعاون الدولي في ملف المياه
  • الإمارات وقطر.. علاقات أخوية ومستدامة
  • “du Pay” تتعاون مع بنك الإمارات دبي الوطني لتعزيز حلول الدفع الرقمية في الإمارات العربية المتحدة
  • الإمارات: الدبلوماسية الخيار الأمثل.. ولا تطفئُ النار بالنار
  • الأمين العام لمجلس التعاون يدين ويستنكر الاعتداء على مقر سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في السودان