لجريدة عمان:
2024-12-18@18:50:50 GMT

مواقف النخب الغربية من حرب الإبادة في غزة

تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT

من المنزلقات المعرفية غير الحصيفة التعميم الفج بوضع النخب الغربية من مفكرين وأكاديميين ومثقفين وعموم أوساط «الإنتلجنسيا» الغربية كلها ضمن إطار فكري أو أخلاقي واختزالهم تحت «يافطة» محددة ومعينة إزاء أزمة ما. ولكن، يصعب أيضا تقبل فكرة المبادئ المنتقاة والأخلاقيات المجزأة، عندما تتعلق القضية باتخاذ موقف أخلاقي أو مبدئي من صراع تجمع على فداحة راهنيته وبشاعة تفاصيله بالصورة التي تتعرض لها غزة الآن من إبادة إسرائيلية وحشية وممنهجة خرجت عن كل دين وعُرف وأخلاق، وهي ليست ببعيد عن تلك المسافة الشنيعة من الهولوكوست ضد اليهود أنفسهم خلال الحقبة النازية في التاريخ الألماني، بل هي أشنع وأصعب، عندما يرتكبها ذات الأشخاص والضحايا وأجيال الذين اكتووا بنار النازية ومعسكرات الاعتقال وكل ذلك التاريخ من الإقصاء والتنكيل بحقهم في تلك الحقبة المظلمة من التاريخ البشري التي خرج منها ما يُسمى الآن بالنظام العالمي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بكل تجلياته العسكرية والسياسية والفكرية والعلمية.

على السياق ذاته، ليس من المستغرب أن تتخذ حكومات الغرب والولايات المتحدة مواقف سياسية وعسكرية عدائية ضد العالم العربي، سواء لضمان أمن إسرائيل أولا وتأمين منابع النفط، والحصول عليه بسعر رخيص، وصد منافسيهم عن ذلك بكل الوسائل السياسية حميدها وقبيحها، فهي مسألة تنبع من رؤية هذه الكتل لمصالحها في الجغرافيا العربية، ولا يعنيها غير ذلك وليذهب ما سواه إلى الجحيم! كما تقتضي البراجماتية السياسية الغربية وهي الثابت الوحيد إن جاز التعبير.

ورغم جذور النهوض والحداثة الغربية والجهود التاريخية لرواد التنوير، أمثال جون لوك وديفيد هيوم وجان جاك روسو وتوماس جيفرسون وإيمانويل كانْت وغيرهم، في مساعيهم للدفع بالمجتمعات الغربية وغيرها إلى سفوح العقلانية والفكر العلمي وحقوق الإنسان، ومساهمتهم في إشعال الثورة الفرنسية والأمريكية، التي سعت لبناء مجتمعات أقرب لقيم العدالة والمساواة وحكم القانون وفصل تدخل الدين المسيحي عن مؤسسات الدولة في الغرب، إلا أن الفجوة بين تلك القيم والممارسة السياسية للغرب لم تستطع أن تقاوم وهج السلطة والقوة الباطشة ونداءات الهيمنة وإقصاء القوى الأضعف.

وعند النظر لمواقف النخب و«الإنتلجنسيا» الغربية ضد الحرب في غزة، نجدها متباينة ومتناقضة جدا في كثير من الأحيان، حيث ترى على سبيل المثال أحد أبرز الفلاسفة وعلماء الاجتماع الألمان الأحياء يورجان هابيرماس (Juergen Habermas) الذي ارتبط بمدرسة فرانكفورت والنظرية النقدية إلى جانب ثيودور أدورنو وماركس هوركهايمر، يلاحظ أنه يتخذ موقفا مؤيدا لإسرائيل حيث نشر رسالة مشتركة بتوقيعه ونيكول دايتلهوف (Nicole Deitelhoff) البروفيسور في العلاقات الدولية ونظريات النظام العولمي بجامعة جوته ورئيسة معهد بحوث السلام في فرانكفورت وراينر فورست (Rainer Forst) - بروفيسور في النظرية السياسية والفلسفة بجامعة جوته يؤكدون فيها تضامنهم مع إسرائيل وأن ردة الفعل الإسرائيلية «مبررة من حيث المبدأ». وشدد يورجان على أنه لا ينبغي الافتراض أبدا أن إسرائيل تتقصد ارتكاب الإبادة بحق المدنيين الفلسطينيين! ومن المفارقات أن حشدا من مختلف الأطياف العلمية والفكرية، رد على يورجان هابيرماس والأكاديميين الألمان المصطفين معه، ووجّهوا خطابا جماعيا نشرته صحيفة الجارديان بتاريخ 22 نوفمبر الماضي أقتبس منه: «إننا نشعر بقلق بالغ حيال حدود التضامن الذي عبّرت عنه الأسماء المذكورة («بيان المبادئ» المنشور على موقع Normative Orders research centre at Goethe-Universität) بتاريخ 13 نوفمبر 2023، إذ أن بيانهم حول الكرامة الإنسانية لا يشمل كفاية المدنيين الفلسطينيين في غزة الذين يواجهون الموت والتدمير بل ولا يشمل كذلك المسلمين في ألمانيا الذين يعانون من المد المتصاعد لظاهرة «الإسلاموفوبيا»، إن هذا الأمر يستوجب منا الاعتراف والاستجابة لمعاناة كل الأطراف المتضررة من الصراع المسلح». وقد وقّع العريضة نخبة من الأكاديميين المنتمين لجامعات أوروبية وغربية عريقة، منهم على سبيل المثال لا الحصر آدم تووز (Adam Tooze) بروفيسور في علم التاريخ بجامعة كولومبيا وسامويل موين (Samuel Moyn) بروفيسور في علم القانون والتاريخ بجامعة ييل الأمريكية والبروفيسورة آميا سيرنيفاسان (Amia Srinivasan) أستاذة النظرية الاجتماعية والسياسية بجامعة أكسفورد وبييت روزلر (Beate Roessler) بروفيسور في علم الفلسفة بجامعة أمستردام.

ولا يمكن إغفال معارضة المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي ومواقفه المبدئية الراسخة تجاه البطش الإسرائيلي والغربي ويعد من أشد منتقدي خطاب الهيمنة الأمريكي في مقابل مثقفين مؤيدين حتى النخاع للحرب الإسرائيلية أمثال عالم النفس الكندي الشهير «جوردان بيترسون» الذي غرّد بتاريخ 7 أكتوبر 2023 في منصة إكس مخاطبا «نتانياهو» يحثه أن يلقي على (الفلسطينيين) الجحيم فقد بلغ السيل الزُّبى!

ومع انتقال السجال حول غزة إلى «الثغور الثقافية» في الغرب، والجدل حول خروج آلة القتل الإسرائيلية من مرحلة الدفاع عن النفس، وتحولها إلى حرب إبادة متوحشة، فقد تسللت حملة الإقصاء السياسي الأمريكي، لتطال الجامعات الأمريكية وقام الكونجرس الأمريكي باستدعاء رئيسة جامعة هارفارد ورئيسة جامعة بنسلفانيا ورئيسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بشأن تهم تتعلق بمعادة السامية في حرم تلك الجامعات خلال المظاهرات ضد الحرب في غزة، بل إن أكثر من سبعين مشرعا أمريكيا طالبوا بإقالة رؤساء تلك الجامعات، وفق تغطية رويترز بتاريخ 8 ديسمبر الجاري حول «التهمة» ذاتها وهو أمر يذكر «بالمكارثية» الأمريكية التي استهدفت المشتبه بانتمائهم إلى الحزب أو الفكر الشيوعي في الولايات المتحدة قبل نحو سبعين عاما.

لقد فجرت حرب الإبادة ضد الفلسطينيين جدلا واسعا على الساحة الدولية وأعادت القضية من عنجهية السياسة والبطش والمساومات إلى أروقة المبادئ والأخلاق والمشتركات الإنسانية التي حركت مشاعر ملايين البشر عبر العالم رغم منطق القوة ورغم اصطفاف الحكومات الغربية وراء الحكومة الإسرائيلية (بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين نحو ١٩ ألف شخص وأكثر من ٥٢ ألف مصاب وفق قناة الجزيرة نقلا عن المكتب الصحي بغزة حتى كتابة هذا المقال فيما تشكك المصادر الغربية في الأرقام وطريقة احتسابها من جانب حماس).

رغم ذلك كله، ورغم أطروحات رموز التنوير ودعاة الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان في الغرب، من ديفيد هيوم وإيمانويل كانْت، وصولا إلى نعوم تشومسكي، فإن ذلك يضرب به عرض الحائط، ولا يهز شعرة في مفرق السياسة الغربية ومواقفها، حينما يأتي الأمر على إسرائيل والعلاقة الوجودية والعروة المصيرية الوثقى بين تلك الحكومات وتأثير اللوبي اليهودي على مفاصل قوتها، الأمر الذي يجعلنا نتساءل لماذا فشلنا كعرب حتى في الاستفادة من هذه التجربة الفريدة تاريخيا إن صح التعبير؟ حيث نجحت جهود اللوبي الصهيوني في اختراق القرار السياسي والثقافي في الجزء الغربي من الكوكب إلى حد بعيد من بعد الحرب العالمية الثانية، في مقابل الجهود العربية الغرائبية التي شرعت في عمل لوبيات مصالح وتمويل جماعات ضغط في واشنطن ولندن، جرى استغلالها لاحقا «ويا أسفاه» من أجل تشويه وضرب مصالح دول عربية منافسة في خضم المراهقات السياسية العربية، ومن المضحك المبكي أن تكون تل أبيب أقرب إلى قلوب ووجدان بعض الأنظمة العربية ورموزها من جيرانها العرب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بروفیسور فی فی غزة

إقرأ أيضاً:

سكرتير عام مساعد بني سويف يتفقد سير العمل بمجمع مواقف السيارات أسفل محور عدلي منصور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تفقد اللواء سامي علام، السكرتير العام المساعد لمحافظة بني سويف، سير العمل بمشروع مجمع مواقف السيارات أسفل محور عدلي منصور بمدينة بني سويف، والذي يتم تنفيذه بالتعاون بين المحافظة والهيئة العامة للطرق والكباري بوزارة النقل ، وذلك في حضور علي يوسف، رئيس المدينة  وبعض المختصين من هيئة الطرق والكباري والمكتب الفني بديوان عام المحافظة

“علام”يتفقد سير العمل بمشروع مجمع مواقف السيارات 

 وتابع السكرتير العام المساعد سير أعمال إنشاء النفق الذي يربط بين موقف المحافظات على طريق "بني سويف/دمو" وموقف المراكز على طريق "بني سويف/الواسطى"، مؤكدًا على تكليفات المحافظ  بأهمية الالتزام بالجداول الزمنية المحددة لإنهاء المشروع وفق المعايير الهندسية المطلوبة، مشيرًا إلى الدور المهم لهذا المشروع في تحسين الحركة المرورية،كما استمع إلى شرح من المهندسين المختصين حول مراحل العمل الحالية ، موجهًا بضرورة تذليل أي عقبات قد تعيق إنجاز المشروع.

 تجدر الإشارة إلى مشروع مجمع المواقف يضم موقفين للسيارات (محافظات ومراكز) مكونة من 5 ساحات انتظار على مساحة 25000 متر مربع طاقة استعابية 600 مركبة، و3 مناطق خدمية وادارية متفرقة باجمالي مساحة 4200 متر مربع (مسجد رجال + مسجد سيدات + نقطة أمنية + مكتب بريد + عيادة صحية + غرفة صراف آلي + محلات تجارية + أكشاك)، بجانب نفق مشاه اسفل مطلع محور عدلي منصور لحركة المشاه بين الموقفين ، وخزان مياه ارضي للتغذية والحريق بسعة 60م ، وسور خارجي للموقف بطول 1200 متر وبوابات دخول وخروج الأفراد والمركبات، خطوط مياه وصرف صحي "خط الطرد" حتى محطات قرية رياض باشا.

مقالات مشابهة

  • مسيرة طلابية حاشدة بجامعة صنعاء تنديداً بحرب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني
  • وقفة حاشدة بجامعة إب تنديداً بالجرائم التي يرتكبها العدو الصهيوني بقطاع غزة
  • مواقف دولية متحفظة: سوريا القديمة اختفت والجديدة لم تولد بعد
  • سكرتير بني سويف يتفقد سير العمل بمشروع مجمع مواقف السيارات
  • بني سويف تستعد لافتتاح مجمع مواقف متكامل يخدم المواطنين
  • انشقاق بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسبب تصريحات رئيسها عن الصحراء المغربية
  • سكرتير عام مساعد بني سويف يتفقد سير العمل بمجمع مواقف السيارات أسفل محور عدلي منصور
  • مواقف ومؤشرات تدل على الحب في العلاقة الزوجية
  • المنتدى الإسلامي الوطني يثني على مواقف المفتي دريان وهذا ما طالب به
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته