لجريدة عمان:
2024-11-17@07:31:44 GMT

مواقف النخب الغربية من حرب الإبادة في غزة

تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT

من المنزلقات المعرفية غير الحصيفة التعميم الفج بوضع النخب الغربية من مفكرين وأكاديميين ومثقفين وعموم أوساط «الإنتلجنسيا» الغربية كلها ضمن إطار فكري أو أخلاقي واختزالهم تحت «يافطة» محددة ومعينة إزاء أزمة ما. ولكن، يصعب أيضا تقبل فكرة المبادئ المنتقاة والأخلاقيات المجزأة، عندما تتعلق القضية باتخاذ موقف أخلاقي أو مبدئي من صراع تجمع على فداحة راهنيته وبشاعة تفاصيله بالصورة التي تتعرض لها غزة الآن من إبادة إسرائيلية وحشية وممنهجة خرجت عن كل دين وعُرف وأخلاق، وهي ليست ببعيد عن تلك المسافة الشنيعة من الهولوكوست ضد اليهود أنفسهم خلال الحقبة النازية في التاريخ الألماني، بل هي أشنع وأصعب، عندما يرتكبها ذات الأشخاص والضحايا وأجيال الذين اكتووا بنار النازية ومعسكرات الاعتقال وكل ذلك التاريخ من الإقصاء والتنكيل بحقهم في تلك الحقبة المظلمة من التاريخ البشري التي خرج منها ما يُسمى الآن بالنظام العالمي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بكل تجلياته العسكرية والسياسية والفكرية والعلمية.

على السياق ذاته، ليس من المستغرب أن تتخذ حكومات الغرب والولايات المتحدة مواقف سياسية وعسكرية عدائية ضد العالم العربي، سواء لضمان أمن إسرائيل أولا وتأمين منابع النفط، والحصول عليه بسعر رخيص، وصد منافسيهم عن ذلك بكل الوسائل السياسية حميدها وقبيحها، فهي مسألة تنبع من رؤية هذه الكتل لمصالحها في الجغرافيا العربية، ولا يعنيها غير ذلك وليذهب ما سواه إلى الجحيم! كما تقتضي البراجماتية السياسية الغربية وهي الثابت الوحيد إن جاز التعبير.

ورغم جذور النهوض والحداثة الغربية والجهود التاريخية لرواد التنوير، أمثال جون لوك وديفيد هيوم وجان جاك روسو وتوماس جيفرسون وإيمانويل كانْت وغيرهم، في مساعيهم للدفع بالمجتمعات الغربية وغيرها إلى سفوح العقلانية والفكر العلمي وحقوق الإنسان، ومساهمتهم في إشعال الثورة الفرنسية والأمريكية، التي سعت لبناء مجتمعات أقرب لقيم العدالة والمساواة وحكم القانون وفصل تدخل الدين المسيحي عن مؤسسات الدولة في الغرب، إلا أن الفجوة بين تلك القيم والممارسة السياسية للغرب لم تستطع أن تقاوم وهج السلطة والقوة الباطشة ونداءات الهيمنة وإقصاء القوى الأضعف.

وعند النظر لمواقف النخب و«الإنتلجنسيا» الغربية ضد الحرب في غزة، نجدها متباينة ومتناقضة جدا في كثير من الأحيان، حيث ترى على سبيل المثال أحد أبرز الفلاسفة وعلماء الاجتماع الألمان الأحياء يورجان هابيرماس (Juergen Habermas) الذي ارتبط بمدرسة فرانكفورت والنظرية النقدية إلى جانب ثيودور أدورنو وماركس هوركهايمر، يلاحظ أنه يتخذ موقفا مؤيدا لإسرائيل حيث نشر رسالة مشتركة بتوقيعه ونيكول دايتلهوف (Nicole Deitelhoff) البروفيسور في العلاقات الدولية ونظريات النظام العولمي بجامعة جوته ورئيسة معهد بحوث السلام في فرانكفورت وراينر فورست (Rainer Forst) - بروفيسور في النظرية السياسية والفلسفة بجامعة جوته يؤكدون فيها تضامنهم مع إسرائيل وأن ردة الفعل الإسرائيلية «مبررة من حيث المبدأ». وشدد يورجان على أنه لا ينبغي الافتراض أبدا أن إسرائيل تتقصد ارتكاب الإبادة بحق المدنيين الفلسطينيين! ومن المفارقات أن حشدا من مختلف الأطياف العلمية والفكرية، رد على يورجان هابيرماس والأكاديميين الألمان المصطفين معه، ووجّهوا خطابا جماعيا نشرته صحيفة الجارديان بتاريخ 22 نوفمبر الماضي أقتبس منه: «إننا نشعر بقلق بالغ حيال حدود التضامن الذي عبّرت عنه الأسماء المذكورة («بيان المبادئ» المنشور على موقع Normative Orders research centre at Goethe-Universität) بتاريخ 13 نوفمبر 2023، إذ أن بيانهم حول الكرامة الإنسانية لا يشمل كفاية المدنيين الفلسطينيين في غزة الذين يواجهون الموت والتدمير بل ولا يشمل كذلك المسلمين في ألمانيا الذين يعانون من المد المتصاعد لظاهرة «الإسلاموفوبيا»، إن هذا الأمر يستوجب منا الاعتراف والاستجابة لمعاناة كل الأطراف المتضررة من الصراع المسلح». وقد وقّع العريضة نخبة من الأكاديميين المنتمين لجامعات أوروبية وغربية عريقة، منهم على سبيل المثال لا الحصر آدم تووز (Adam Tooze) بروفيسور في علم التاريخ بجامعة كولومبيا وسامويل موين (Samuel Moyn) بروفيسور في علم القانون والتاريخ بجامعة ييل الأمريكية والبروفيسورة آميا سيرنيفاسان (Amia Srinivasan) أستاذة النظرية الاجتماعية والسياسية بجامعة أكسفورد وبييت روزلر (Beate Roessler) بروفيسور في علم الفلسفة بجامعة أمستردام.

ولا يمكن إغفال معارضة المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي ومواقفه المبدئية الراسخة تجاه البطش الإسرائيلي والغربي ويعد من أشد منتقدي خطاب الهيمنة الأمريكي في مقابل مثقفين مؤيدين حتى النخاع للحرب الإسرائيلية أمثال عالم النفس الكندي الشهير «جوردان بيترسون» الذي غرّد بتاريخ 7 أكتوبر 2023 في منصة إكس مخاطبا «نتانياهو» يحثه أن يلقي على (الفلسطينيين) الجحيم فقد بلغ السيل الزُّبى!

ومع انتقال السجال حول غزة إلى «الثغور الثقافية» في الغرب، والجدل حول خروج آلة القتل الإسرائيلية من مرحلة الدفاع عن النفس، وتحولها إلى حرب إبادة متوحشة، فقد تسللت حملة الإقصاء السياسي الأمريكي، لتطال الجامعات الأمريكية وقام الكونجرس الأمريكي باستدعاء رئيسة جامعة هارفارد ورئيسة جامعة بنسلفانيا ورئيسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بشأن تهم تتعلق بمعادة السامية في حرم تلك الجامعات خلال المظاهرات ضد الحرب في غزة، بل إن أكثر من سبعين مشرعا أمريكيا طالبوا بإقالة رؤساء تلك الجامعات، وفق تغطية رويترز بتاريخ 8 ديسمبر الجاري حول «التهمة» ذاتها وهو أمر يذكر «بالمكارثية» الأمريكية التي استهدفت المشتبه بانتمائهم إلى الحزب أو الفكر الشيوعي في الولايات المتحدة قبل نحو سبعين عاما.

لقد فجرت حرب الإبادة ضد الفلسطينيين جدلا واسعا على الساحة الدولية وأعادت القضية من عنجهية السياسة والبطش والمساومات إلى أروقة المبادئ والأخلاق والمشتركات الإنسانية التي حركت مشاعر ملايين البشر عبر العالم رغم منطق القوة ورغم اصطفاف الحكومات الغربية وراء الحكومة الإسرائيلية (بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين نحو ١٩ ألف شخص وأكثر من ٥٢ ألف مصاب وفق قناة الجزيرة نقلا عن المكتب الصحي بغزة حتى كتابة هذا المقال فيما تشكك المصادر الغربية في الأرقام وطريقة احتسابها من جانب حماس).

رغم ذلك كله، ورغم أطروحات رموز التنوير ودعاة الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان في الغرب، من ديفيد هيوم وإيمانويل كانْت، وصولا إلى نعوم تشومسكي، فإن ذلك يضرب به عرض الحائط، ولا يهز شعرة في مفرق السياسة الغربية ومواقفها، حينما يأتي الأمر على إسرائيل والعلاقة الوجودية والعروة المصيرية الوثقى بين تلك الحكومات وتأثير اللوبي اليهودي على مفاصل قوتها، الأمر الذي يجعلنا نتساءل لماذا فشلنا كعرب حتى في الاستفادة من هذه التجربة الفريدة تاريخيا إن صح التعبير؟ حيث نجحت جهود اللوبي الصهيوني في اختراق القرار السياسي والثقافي في الجزء الغربي من الكوكب إلى حد بعيد من بعد الحرب العالمية الثانية، في مقابل الجهود العربية الغرائبية التي شرعت في عمل لوبيات مصالح وتمويل جماعات ضغط في واشنطن ولندن، جرى استغلالها لاحقا «ويا أسفاه» من أجل تشويه وضرب مصالح دول عربية منافسة في خضم المراهقات السياسية العربية، ومن المضحك المبكي أن تكون تل أبيب أقرب إلى قلوب ووجدان بعض الأنظمة العربية ورموزها من جيرانها العرب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بروفیسور فی فی غزة

إقرأ أيضاً:

من اللقاحات إلى الحليب الخام.. مواقف مثيرة للجدل لمرشح ترامب لوزارة الصحة

لم يتوقف الجدل مع إعلان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، اختياره الناشط البيئي روبرت كينيدي جونيور، ليكون مرشحه لتولي منصب وزير الصحة في إدارته الجديدة.

كشف ترامب عبر حسابه بمنصة "إكس"، نيته ترشيح الرجل صاحب المواقف المثيرة للجدل، خاصة المتعلقة بانتقاداته المستمرة للقاحات بشكل عام.

وكتب الرئيس المنتخب أن شركات الأغذية والأدوية انخرطت في "الخداع والتضليل" بشأن الصحة العامة، مضيفا أن كينيدي جونيور سيعيد الزخم إلى تقاليد البحث العملي بشفافية، لإنهاء "وباء الأمراض المزمنة وجعل أميركا عظيمة وصحية مرة أخرى".

وأكد ترامب أن وزارة الصحة ستعلب دورا كبيرا في المساعدة على "ضمان حماية الجميع من المواد الكيميائية والضارة والملوثات والمبيدات الحشرية، والمنتجات الصيدلانية والمواد المضافة على الأغذية، التي ساهمت في أزمات صحية كبيرة" في الولايات المتحدة.

وفيما يلي، أبرز المواقف الجدلية لكينيدي جونيور:

اللقاحات

أسس كينيدي مجموعة مناهضة للقاحات، وطالما شكك في سلامة وفعالية التطعيمات الروتينية ضد أمراض مثل التهاب الكبدي الوبائي (ب) والإنفلونزا، بجانب الإشارة مرارا إلى نظرية تم دحضها، تزعم أن لقاحات الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية تسبب التوحد.

كما وصف كينيدي لقاح كوفيد بأنه "الأكثر فتكا".

وشرح في تصريحات، الأربعاء، لشبكة "إن بي سي نيوز"، أنه "لا يهدف إلى التخلص من اللقاحات تماما"، لكنه أوضح أنه "سيتأكد من وجود دراسات علمية تؤكد السلامة والفعالية، ويمكن للناس إجراء تقييمات فردية".

واستطرد مؤكدا: "لن أحرم أي شخص من اللقاحات".

الحليب الخام

روّج كينيدي جونيور لفكرة أنه لا يشرب إلا الحليب الخام، وهو الأمر الذي يعرض الناس لخطر الإصابة بعدد من الأمراض عن طريق الغذاء، لأن عملية البسترة تقتل مسببات الأمراض.

وتقول منظمة الصحة العالمية إن الحليب الخام (غير المبستر) يتسبب في الغالب بأمراض، من بينها الإشريكية القولونية المنزفة للأمعاء.

ترشيحات ترامب.. كينيدي وزيراً للصحة وحاكم نورث داكوتا وزيراً للداخلية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب يرشح عدداً من الجمهوريين لمناصب في إدارته الجديدة.

وحذرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها من أنه قد يكون من الممكن الإصابة بإنفلونزا الطيور من شرب الحليب الخام.

وتسمح 30 ولاية أميركية ببيع الحليب الخام، لكن إدارة الغذاء والدواء تنظم بيعه عبر حدود الولايات.

الفلورايد ومياه الشرب

أكد كينيدي جونيور أنه يرغب في إزالة مادة الفورايد من مياه الشرب. وصرح في حديثه لشبكة "إن بي سي نيوز"، أنه "كلما تمت إزالته بشكل أسرع، كان أفضل".

وكتب عبر حسابه على منصة "إكس"، مؤخرا، أن "الفلورايد مرتبط بالتهاب المفاصل وسرطان العظام وفقدان معدل الذكاء واضطرابات النمو العصبي وأمراض الغدة الدرقية".

لكن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، والأكاديمية الأميركية لطب الأطفال، ومنظمات صحية أخرى، قالت إن مستويات الفلورايد في مياه الشرب "آمنة وتساعد في تقليل تسوس الأسنان".

ووفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فإن المخاطر الموثقة الوحيدة هي مشاكل تجميلية مثل تلك المتعلقة بمينا الأسنان متغير اللون، أو الثقوب الصغيرة في الأسنان.

"بطل الكوكب".. من هو مرشح ترامب لوزارة الصحة؟ أعلن الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، اختياره روبرت كينيدي جونيور، لشغل منصب وزير الصحة في الولايات المتحدة. وأثار القرار جدلا باعتبار أنه سيضع أحد أبرز المتشككين في اللقاحات على رأس جهاز الصحة العامة في البلاد. مثبطات البلوغ

أكد كينيدي جونيور أيضًا أنه يعارض إتاحة مثبطات البلوغ للقاصرين، مما جعله يواجه حملة انتقادات قوية من مجتمع الميم في الولايات المتحدة.

وهذه الأدوية (مثبطات البلوغ) تمنع الجسم من إنتاج الهرمونات الجنسية مثل الإستروجين والتستوستيرون، ويتم وصفها عادة لمن يعانون من اضطراب الهوية الجنسية كعلاج مؤقت، إلى أن يقرر الشخص وطبيبه ما إذا كانت ستكون هناك خيارات أخرى في المستقبل.

وحسب صحيفة واشنطن بوست الأميركية، فإنه يمكن لهذه الأدوية إبطاء نمو شعر الوجه والجسم وتعميق الصوت، ومنع الدورة الشهرية أو الحد من نمو الثديين.

الخلايا الجذعية

انتقد كينيدي جونيور بشدة ما وصفه بأنه "قمع عدواني" تمارسه إدارة الغذاء والدواء الأميركية على العلاج بالخلايا الجذعية، وذلك في منشور على حسابه بمنصة "إكس" في مايو الماضي.

وأوضحت شبكة "إن بي سي نيوز" أن كينيدي لم يوضح بشكل عام المقصود بحديثه، لكنه ربما يكون إشارة إلى بعض العيادات الربحية التي تقم علاجات الخلايا الجذعية دون الموافقة عليها بشكل رسمي.

ترامب يرشح روبرت كينيدي جونيور لمنصب وزير الصحة أعلن الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، اختياره روبرت كينيدي جونيور، لشغل منصب وزير الصحة في الولايات المتحدة.

وقالت إدارة الغذاء والدواء إن العلاج بالخلايا الجذعية يعد مجالا واعدا في علاج أمراض مثل السرطان وباركنسون والسكري، لكنها انتقدت بعض العيادات بسبب تقديمها ادعاءات مضللة حول علاجات غير مثبت نجاحها، وفي بعض الحالات اتخذت إجراءات لمنع العيادات من تقديم هذه العلاجات.

كوفيد والعِرق

خلال فعالية العام الماضي، أشار كينيدي جونيور إلى أن جائحة كوفيد استهدفت عرقيا "أصحاب البشرة السوداء والبيضاء، وليس الصينيين أو اليهود الأشكناز"، في تصريح اعتبر عنصريا ومعاد للسامية.

ولم يتم إثبات تأثر إقليات بعينها بالجائحة حسب العرق، لكن ما وجده خبراء الصحة العامة هو أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية جعلت من الصعب على بعض الفئات الوصول إلى اللقاحات والرعاية الصحية.

مقالات مشابهة

  • تفاصيل الجزء الثاني من "أشغال شقة".. مواقف كوميدية وأحداث مشوقة
  • الاحتلال الإسرائيلي يعتقل أكثر من 11 ألفا و700 فلسطيني من الضّفة الغربية منذ 7 أكتوبر
  • من اللقاحات إلى الحليب الخام.. مواقف مثيرة للجدل لمرشح ترامب لوزارة الصحة
  • محافظ قنا يُتابع نسب تنفيذ إنشاءات مجمع مواقف الأجرة
  • عملية دوران النخب: ركيزة الديمقراطية وضمان استمرارية الدولة
  • تسجيل أكثر من 1270 هجوما على الفلسطينيين في الضفة الغربية
  • فوضي الميكروباص بالمحافظات
  • الخارجية الفلسطينية: الفشل الدولي في وقف حرب الإبادة شجع الاحتلال على الإعلان عن مخططاته بضم الضفة الغربية
  • وزير الخارجية: نثمن مواقف جنوب أفريقيا الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني
  • العلا تشترط تظليل 40% من مواقف السيارات بالأشجار أو المظلات