الأردن تجاهد لتبقى صامدة في وجه «عاصفة غزة»
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
وضعت الحرب الإسرائيلية على غزة المملكة الأردنية الهاشمية في موقف صعب بشكل كبير، بينما تحاول أن تتحرك من أجل السيطرة على هذا الصراع.
وتسعى المملكة الأردنية الهاشمية بكل جد إلى أن تبقي الأوضاع مستقرة في غزة، لكي لا يعاد شريط السيناريو المرعب، وهو تهجير الفلسطينيين عبر الحدود الأردنية، وفي الوقت ذاته تسعى حكومة الأردن إلى السيطرة على غضب شعبها الذي يغلي بشكل متزايد جراء العدوان الإسرائيلي على غزة.
هي عملية موازنة صعبة بالنسبة للأردن، فكلما طالت الحرب بين إسرائيل وحماس، توترت الأوضاع في المملكة الهاشمية، يرجع ذلك إلى سبب منطقي، فلقد تم تهجير حوالي 1.8 مليون فلسطيني من منازلهم منذ السابع من أكتوبر، وهذا الرقم يفوق بكثير عدد المهجّرين الفلسطينيين في نكبة عام 1948 التي تأسست منها «إسرائيل» كدولة، كما جاء عن تصريحات شخصيات إسرائيلية بارزة، وحسب الخطط الإسرائيلية المسرّبة، فإن إسرائيل تنوي تهجير الفلسطينيين إلى مصر، وهذا ما يزيد من ألم وجراح الفلسطينيين.
تُعد فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء مصر مقدمة للسيناريو الذي تخشى الأردن حدوثه، وهو ما قد تفعله إسرائيل فعلا بالفلسطينيين الذين يقطنون الضفة الغربية المحتلة.
وقد حذَّر الملك عبدالله الثاني ملك الأردن بشكل متكرر من تداعيات الحرب على غزة، المتمثلة في تهجير الفلسطينيين، ويرفض الملك عبدالله هذه الفكرة مطلقا، معتبرا أن التهجير خطّ أحمر، وقال: «لا لاجئون في الأردن، ولا لاجئون في مصر»، وقال أيضًا قبل أيام: «لن يكون هناك حلٌ للقضية الفلسطينية على حساب المملكة الأردنية الهاشمية».
إن تهجير الفلسطينيين إلى الأردن بشكل جماعي قد يؤدي إلى حدوث خلل في التوازن الديموغرافي، اليوم أكثر من نصف سكان الأردن هم من أصول فلسطينية، وزيادة على ذلك هناك 2.2 مليون لاجئ فلسطيني في الأردن، وفق معلومات الأمم المتحدة، وإن تدفق المزيد من اللاجئين تهديدٌ وجوديٌ للبلاد.
تولت الحكومة الإسرائيلية تيارات أكثر يمينية وأكثر تشددا دينيا منذ العام الماضي، وقد انعكس ذلك على زيادة احتمالية طرد الفلسطينيين من بلادهم، من خلال تهيئة الظروف الصعبة للعيش في الضفة الغربية لزيادة مساحة الاحتلال.
في الأثناء التي يركّز فيها العالم على عدد القتلى في غزة، الذين تجاوزوا 19 ألف شهيد فلسطيني خلال ثلاثة أشهر، استشهد في الضفة الغربية 270 فلسطينيا على يد القوات الإسرائيلية وحتى على يد المستوطنين خلال الفترة نفسها.
وأدت زيادة عنف المستوطنين على أهالي الضفة الغربية منذ السابع من أكتوبر -هجوم حماس على إسرائيل- إلى زيادة مخاوف الأردن من توسُّع مساحة الصراع وبالتالي يحدث النزوح.
حتى إن منظمة «بتسيلم» -وهي منظمة إسرائيلية تعنى بحقوق الإنسان- قالت: إن إسرائيل كثّفت قواتها في الضفة الغربية بهدف تهجير الفلسطينيين منها والاستيلاء على أراضيهم، وقالت: إن الصراع مجرد حجة لهذا الهدف.
وقالت المنظمة: «لقد تصاعد عنف المستوطنين المدعوم من إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث يساهم الجنود الإسرائيليون والشرطة بمساعي المستوطنين في اعتدائهم على الفلسطينيين».
وأخبرني «عريب الرنتاوي» -وهو مؤسس ومدير مركز القدس للدراسات السياسية والكائن في العاصمة عمَّان- أن المملكة الأردنية الهاشمية تعمل جاهدة لمنع موجة النزوح من الضفة الغربية إليها.
وقال في رده على تلك الفكرة: «يمكن أن تغلق الأردن حدودها وتنشر قواتها وتعلن حالة طوارئ في البلاد»... «في الحالة التي تقوم بها دولة بتهجير البشر من دولة إلى دولة أخرى فذلك بمثابة إعلان حرب»، بالرجوع إلى عام 1994 فإن الأردن أصبحت حينها ثاني أكبر دولة عربية بعد مصر توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، وهذه الاتفاقية تضمنت بندًا مهمًّا يتمثل في حظر التهجير القسري للأشخاص بما يشكّل إضرارًا بأمن أحد الطرفين، ويرى «الرنتاوي» أن تجاوز هذا البند غير وارد في الوقت الحالي، ولكنه قال: يجب على الأردن تجنُّب وقوع ذلك.
وما حدث بالفعل أن الأردن قامت بإرسال الدبابات إلى حدودها خلال الشهر الماضي، ويحمل هذا التصرف رسالة واضحة إلى إسرائيل تقول إن المملكة الهاشمية لن تقبل بتهجير الفلسطينيين إليها.
وتتواصل الاستفزازات الإسرائيلية من قبل المستوطنين، منها الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى -الواقع تحت الوصاية الأردنية- وذلك من قبل المستوطنين الذين يقومون باعتداءاتهم برفقة أفراد من الشرطة الإسرائيلية وتحت حمايتهم.
ولا تزال الاحتجاجات في الأردن متواصلة، وتعززها المشاهد المؤلمة من الدمار والقتل اليومي في غزة والامتعاض من الحكومة الأردنية، ويطالب بعض الأردنيين بإلغاء اتفاقية السلام بين البلدين، والمعاهدات مع إسرائيل.
وفي الطرف الآخر -الحكومة- صعَّدت الأردن من انتقاداتها لإسرائيل، وقد تحدث وزير الخارجية الأردني «أيمن الصفدي» ضد إسرائيل بشكل متكرر، ووصف العدوان على أهالي غزة بأنه «إبادة جماعية».
كما استدعت الحكومة الأردنية سفيرها من إسرائيل، وقامت بتوجيه رسالة إلى الخارجية الإسرائيلية بعدم عودة السفير الإسرائيلي إليها، وقال الصفدي إن الأردن لن يجدد اتفاقية التزويد بالطاقة مقابل المياه، وهي الاتفاقية التي كان من المفترض التصديق عليها في أكتوبر الماضي.
هذه الإجراءات والتصريحات هدَّأت بشكل جزئي من الغضب الشعبي في الأردن، وأظهرت نتائج استطلاع حديث أن 27% من الأردنيين راضون عن إجراءات حكومتهم للغاية، بينما كان 31% منهم راضين إلى حد ما على موقف الأردن من الحرب في غزة.
رغم هذا لا يبدو أن خيار قطع العلاقات الأردنية الإسرائيلية خيارا مدروسا من الأردن الآن، ففي الشهر الماضي كانت الأردن من بين الدول العربية التي امتنعت عن قطع جميع علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع إسرائيل.
وترى الأردن أنها يجب ألا تفقد علاقتها مع حليفة إسرائيل الأولى، الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمنح الأردن سنويا مبلغ 1.45 مليار دولار على هيئة مساعدات اقتصادية، وفق اتفاقية تستمر لسبع سنوات وقّعتها الأردن مع أمريكا هذا العام.
مع استمرارية الحرب تتزايد المطالب، واحتوت الشرطة الأردنية مظاهرات وأعمال عنف في عمَّان قرب السفارة الإسرائيلية، وسمحت للمواطنين بمساحة للتنفيس عن غضبهم، كما سمحت لهم بحمل أعلام حماس.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المملکة الأردنیة الهاشمیة تهجیر الفلسطینیین فی الضفة الغربیة فی الأردن الأردن من فی غزة
إقرأ أيضاً:
أستاذ علوم سياسية: مذكرة اعتقال نتنياهو تُشعل عاصفة داخل إسرائيل
قال الدكتور سهيل دياب، أستاذ العلوم السياسية، إن مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه الأسبق، يوآف جالانت، أحدثت عاصفة ثلاثية الأبعاد في إسرائيل، وبعيدًا عن التصريحات الأولية من السياسيين الإسرائيليين، فإن النخب الإسرائيلية ووسائل الإعلام تجري نقاشا عميقا حول أن هذا القرار يُشكِّل تعبيرا عن تَغيُّر الوضع العالمي ونقطة مفصلية إلى أمور ستأتي بعدها لاحقًا.
عاصفة كبرى في إسرائيلوأضاف «دياب» خلال مداخلة ببرنامج «ملف اليوم» الذي يقدمه الإعلامي كمال ماضي على شاشة قناة «القاهرة الإخبارية»، أنه في حال رُبطت المُذكرات، بـ الفيتو الأمريكي أمس بمجلس الأمن، سنجد أن 14 دولة كانت تريد وقف إطلاق النار ما عدا الولايات المتحدة، وهو ما يشكِّل تعبيرًا وتجليًا لـ«وضع عالمي جديد نحن ذاهبون إليها رويدًا رويدًا».
وأوضح أستاذ العلوم السياسية، أن العاصفة الكبرى التي ألمَّت بإسرائيل هي أنها لم تكن تتخيَّل أنها كدولة تعتبر نفسها «غربية» و«ديمقراطية» أن يطالها مثل هذا القرار، لا سيما وأنه لأول مرة يصدر من محكمة الجنايات الدولية أمر اعتقال لسياسي من دِول غربية «يسمون أنفسهم دول ديمقراطية» أو دولة حليفة لدولة غربية.
مذكرة الاعتقال تأتي بالتزامن مع وضع داخلي هشوزاد أن العاصفة الأخرى أن مذكرات الاعتقال تأتي ضمن وضع إسرائيل داخلي هش للغاية، إذ أنه هناك شاغلين أساسين في إسرائيل، أولها المباحثات مع مبعوث الرئيس الأمريكي للبنان، أموس هوكستاين فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في لبنان، وكيف ذلك سيؤثر ويثقل ظهر نتنياهو إلى جانب الثقل الداخلي، ثانيًا، النقاش الداخلي في المجتمع الإسرائيلي حول قضايا الفساد المتهم بها نتنياهو وملف التسريبات الأمنية من مكتبه، ما يعني أن في الوعي الجمعي الباطني للمجتمع الإسرائيلي، ستترسخ حقيقة أن رئيس حكومتهم فاسد وغير مستقيم ولا يسعى لمصلحة إسرائيل بل لمصلحته الشخصية.