أيام بيت الزبير للسرد تناقش تجارب حية في الرواية العربية
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
اختتمت مساء اليوم أعمال «أيام بيت الزبير للسرد» بفندق شنغريلا بر الجصة بجلسات حوارية، تناولت أدوار الناشر والقارئ والمترجم والمجتمع والمكان وتأثيرها على هوية الرواية العربية، بمشاركة نخبة من الأدباء والباحثين العرب.
وحملت الجلسة الأولى لليوم الختامي عنوان «سلطة الناشر أم سلطة القارئ.. من يصنع الآخر؟» التي أدارتها الكاتبة أمل السعيدي تحدث فيها حمود الشكيلي عن القبول الذي يحدده الكتاب بعد نشره موضحا أن عدد القراء في العادة يكون محدودا في الطبعة الأولى حتى يتأكد الناشر من مدى قبول القارئ، ثم يزيد عدد النسخ في الطبعات اللاحقة.
أما شوقي العنيزي فأشار إلى أننا لا يمكننا تحديد سلطة الناشر أو سلطة القارئ لنرى من يصنع الآخر، فالناشر مستثمر في حقل ثقافي، وهي ليست صناعة مادية فحسب، لأن الصناعة المادية هي مهنة الطابع وليس الناشر. مبينا أن المؤسسة الأدبية تتكون من الأعراف والمعايير الأدبية التي تكرسها مجموعة ما في فترة زمنية محددة. أما كيف يمكن للناشر أن يتنبأ بنجاح كتابه، فلا يمكن لأن ما يفسر نجاحه هو مدى تقبل ذلك الجيل، الذي يعد مؤشرا على تغير المؤسسة الأدبية والحاجات الراهنة، منوها على ضرورة أن يكون الناشر مثقفا، فمن واجب الناشر أن يراعي شروط الحقل الذي يعمل فيه، ويتكون من أدوات إنتاج المعنى للكاتب والناشر ثم يعيد إنتاجه القارئ بتقبله لينتهي من الحاجة البشرية إلى السوق. وعن تسطيح المعنى بكتب وعناوين ما يسمى بفساد المعنى، فيوضح أهمية أن ينظر الناشر للقارئ، ليعرف هل هو وعاء مستهلك، أم شريك في الإنتاج الثقافي، وكيف يلبي حاجة القارئ، لأنه بحاجة بشرية للمعنى. أما الكتب الأكثر مبيعا فيجب أن نتفاعل معها بأن نصنع القارئ أو أن يصنعنا القارئ.
وتشير رنا إدريس إلى أن لدور النشر أهدافا سامية، فالكتاب منتج ثقافي وهو سلعة تجارية في الوقت نفسه، ولدار النشر أهداف ثقافية وتجارية. مبينة أننا ربما ننشر الكتب الأكثر مبيعا، ولكن الهدف الأسمى هو نشر الكتاب الذي ينهض بالحضارة، ولا يجب أن نخضع لأهواء السوق. وانتقلت بعدها للحديث عن الكتاب المقرصن الذي يحصد أصداء واسعة، ولكن دار النشر لم تنشره.
وقالت في دولنا العربية لا يوجد خطة حكومية لإدارة القرصنة، وقد قامت الدولة الفرنسية في عام 2003 برفع دعوى قضائية حول الكتب المقرصنة وحمت المؤلف والناشر وحقوقهما في الملكية الفكرية، ولكن لا يوجد معنا في الدول العربية الإجراء نفسه وهذا ما نعاني منه.
وعن مراحل النشر توضح بأن لكل مؤسسة نشر لجنة تتكون من ناقد أكاديمي يكون ناقدا للمحتوى، ومن روائي أو أديب، وقارئ يتبدل دائما وعادة ما نختاره من معارض الكتب، لتمر مراحل النشر عبر هؤلاء، فإن أجازوا النص، يصل إلينا لنتأكد من مدى صلاحيته، وتتجلى سلطة الناشر مع الكتاب الأول لأننا كدار نشر سنصنع كاتبا واسما في سماء الثقافة.
أما محمد الرحبي فيبين أن القارئ لم يعد ذلك القارئ النخبوي قبل اختراع الأيباد وغيره من الوسائل الحالية، وهناك تباين في دور النشر في تقبل الكتاب النخبوي أو أن تنشر كلما يتاح. كما أن دار النشر محليا في متاهة، فحين يسحب الكاتب كتابه لينشره خارجا، لأن الرقيب متنوع سواء أكان رسميا أو دينيا أو اجتماعيا أو حتى سياسيا، ويحاول الناشر أن يستجيب لهم جميعا، ولكن الكاتب يتوجه إلى الناشر الخارجي ليستريح من هذه الدوامة.
رواية المهجر
بعدها قدم كل من إنعام كجه جي، ونجوى بن شتوان، والحبيب السالمي أوراق عمل لجلسة «سلطة المكان في رواية المهجر.. الرؤية من الخارج»، وأدار الجلسة هلال البادي. تضمنت أوراق العمل نصوصا من أعمال الأدباء مع شرح لحيثيات كل نص.
وبعد تلاوة النصوص، أشارت نجوى بن شتوان إلى أن هناك سلطة للمكان تتكون من سلطة دينية وسلطة اجتماعية وسلطة سياسية، وإذا حاولنا أن نخرج من سلطة ندخل في الأخرى، وفي المهجر نجد أنفسنا أحرارا من هذه السلطات، وإنما أمارس سلطة نفسي، لذلك أنا أعد نفسي مهاجرة اختياريا مع عائلتي أمارس سلطتي على نفسي.
أما إنعام كجه جي فأوضحت أنها لو لم تهاجر لما كتبت، وإنما بقيت صحفية كما كانت، وتضيف: تأخرت في الكتابة بسبب خوف التخلص من السلطات، ففي بلدي هناك سلطة العائلة، وأنا متصالحة مع ديني وأستطيع التعامل مع القضايا الدينية، ويبقى الرقيب السياسي، ومن ممارستي عرفت ما هو المرفوض والمسموح، ورواياتي نشرت في بيروت وتم تقبل ما جاء في رواياتي، والكاتب في الخارج يعكس ما يعيشه في كتابته.
من جانبه أشار الحبيب السالمي أننا كمغتربين مقيمين في باريس نكتب باللغة العربية، وإذا ماحاولنا الكتابة باللغة الفرنسية كل شيء يتغير لأن استراتيجية الحياة تتغير، ومجال المعرفة مختلف تماما عن الكتابة باللغة العربية. مضيفا لقد انتقلت إلى باريس بمحض إرادتي، والمساحات الجغرافية تقلصت، ومع انتشار وسائل التواصل لا تشعر بأنك مغترب.
وحملت جلسة «سلطة المترجم» التي قدمها كل من أحمد المعيني وزوينة آل توية، وماري طوق، وأدارها أحمد الكلباني، مفاهيم الترجمة وتحدياتها، وكيف يمكن للمترجم الوقوف على إتمام العمل من صيغته الأساسية ونقله إلى اللغة العربية، ومدى تقبل الجمهور للعمل وقدرة المترجم على نقل فكرة النص بصورتها الأصلية.
وتم تقديم حوار عن المنجز قدمته الدكتورة جوخة الحارثي، برفقة جيتانجالي شري وأدارت الحوار أزهار أحمد، وجلسة «سلطة المجتمع في الرواية الخليجية» بمشاركة حسين المحروس، وصالحة عبيد، وطاهر الزهراني، وليلى عبدالله والدكتور محمد اليحيائي، وأدار الجلسة محمد الشحري. وتخلل الجلسات حفل توقيع إصدارات المتحدثين ومديري الجلسات.
أمسية احتفائية
وتمت إقامة أمسية احتفائية باللغة العربية أمس تزامنا مع يوم اللغة العربية العالمي، بجلسة قدمها كل من الأستاذ الدكتور إحسان صادق، والأستاذ الدكتور أحمد درويش، والأستاذ الدكتور رضوان السيد، والأستاذ الدكتور محمد المعشني.
وبين الأستاذ الدكتور أحمد درويش فضل اللغة العربية، وكيفية حفاظها على مفرداتها برغم مرور القرون، وفي المقابل لو حاول أي شخص من دول العالم قراءة بعض كتبهم في القرون السابقة وليست بالبعيدة، فلن يتمكنوا من فك لغزها، مؤكدا على تشريف اللغة العربية بنزولها لغة للقرآن الكريم. كما عرج على أبرز محطات الحفاظ على اللغة في المراجع، أهمها دور عبدالملك بن مروان في تعريب الدواوين، ثم انتشار اللغة العربية في الأمة الإسلامية وافتخار الأعاجم بتعلم اللغة العربية معددا أسماء علماء أعاجم كابن المقفع، وعبدالقاهر الجرجاني، والبخاري، وسيبويه.
ونوه بسبب تراجع اللغة العربية وأهمها ربط اللغة بالدين، ومهاجمة من يتكلم باللهجة المحلية.
أما الأستاذ الدكتور رضوان السيد فتحدث عن الأمة العربية وما واجهته من تحديات معاصرة، ودور الأدباء في العصر الحديث في الترجمة والكتابة، وصناعة لغة ملائمة للعصر الحديث. وذكر أهم الإصلاحات التي توجه إليها العلماء سواء السياسية أو المدنية، والدينية وتأثرهم بعلم الفلك والتاريخ. كما تناول الثقافة الوطنية وبداية المسرح وتقديم الشخصيات الإسلامية، وعبقريات العقاد، وكتابات طه حسين. بعدها تطرق إلى إصلاح اللغة، وخلط العاميات باللغة العربية الفصيحة في الجرائد، ثم خروجها إلى معرفة الأصيل من الدخيل، والقطيعة مع الموروث. وأخيرا تحدث عن الانتكاسات التي واجهت اللغة العربية، التي بدأت بتراجع لغة التعريب، وصعود الأصوليات الدينية، وإعادة السيطرة على اللغة العربية، ولغة الحديث اليومي، وعدم وجود قدرات تعبيرية.
بعدها قدم كل من الأستاذ الدكتور إحسان صادق ورقته التي تطرق فيها إلى جماليات اللغة العربية، والأستاذ الدكتور محمد المعشني الذي تناول العالمية التي أحرزتها اللغة العربية، وعلمية اللغة العربية بتطوير نظام الكتابة العربية حتى صورتها الحالية والمؤلفات التي ظهرت بها بين النضج، والتراجع، والتجديد.
وتلا الجلسة التجول في معرض الخط العربي والمعارض المصاحبة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: والأستاذ الدکتور الأستاذ الدکتور باللغة العربیة اللغة العربیة
إقرأ أيضاً:
عضو «كبار العلماء»: اللغة العربية تهيأت على مدى قرون لتحمل أنوار القرآن
نظم جناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، اليوم الأربعاء، ندوة بعنوان «البلاغة القرآنية.. الإعجاز ورد الشبهات»، شارك فيها كل من الدكتور محمود توفيق سعد، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، والدكتور عبدالحميد مدكور، أمين عام مجمع اللغة العربية، وأدارها الإعلامي عاصم بكري، وسط حضور لافت من رواد المعرض.
وأكد الدكتور محمود توفيق سعد، أن معجزة القرآن الكريم تختلف جوهريًّا عن معجزات الرسل السابقين، التي اقتصرت على أحداث حسية مؤقتة، بينما جاء القرآن معجزةً علميةً معنويةً خالدةً، تُدرك بالبصيرة لا البصر، قائلاً: «من تشريف الله لهذه الأمة أن جعل معجزة نبيها كتابًا باقيًا إلى قيام الساعة، يُؤخذ علمه بالتفكر والتدبر، لا بمجرد المشاهدة».
وأوضح أن العرب – وهم أهل الفصاحة – كانوا الأقدر على إدراك بلاغة القرآن، الذي نزل بلغتهم في عصر ذروة بيانهم، مشيرًا إلى أن دراسة بلاغة القرآن تنقسم إلى نوعين: دراسة للاقتناع بأنه كلام الله، ودراسة بعد الإيمان به لاستشراف معانيه والترقي في مدارج الإيمان، التي تبدأ بــ«الذين آمنوا» وتصل إلى «المؤمنين» عبر الجهاد الروحي والعلمي.
ومن جانبه، سلّط الدكتور عبدالحميد مدكور الضوء على العلاقة الفريدة بين القرآن واللغة العربية، مؤكدًا أن الله أعدَّ العربية عبر عدة قرون لتكون قادرةً على حمل أعظم النصوص بلاغةً وعمقًا، قائلاً: «تهيأت اللغة بثرائها ومرونتها عبر العصور لتعبِّر بدقة عن مكنونات النفس الإنسانية وجمال الكون، وتحمل أنوار القرآن التي لا تُسعها لغة أخرى».
وأشار أمين مجمع اللغة العربية إلى أن العربية ظلت بفضل القرآن لغةً حيةً قادرةً على استيعاب كل جديد، مع الحفاظ على رصانتها، ما يجعلها جسرًا بين الأصالة والمعاصرة، ووعاءً لحضارة إسلامية امتدت لأكثر من ألف عام.
ويشارك الأزهر الشريف للعام التاسع على التوالي بجناح خاص في الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، ضمن قاعة التراث رقم 4، على مساحة ألف متر، تشمل أقسامًا متنوعة: قاعة ندوات، ركن للفتوى، ركن الخط العربي، وآخر للمخطوطات النادرة وورش عمل للأطفال، في إطار استراتيجيته لنشر الفكر الوسطي وتعزيز الحوار الحضاري.