إعداد: رنا الدياب | رومان بروني إعلان اقرأ المزيد

اعتمد البرلمان الفرنسي نص قانون الهجرة بعد جدال طويل استمر 18 شهرا، ما يمثل انتصارا برلمانيا لحقبة إيمانويل ماكرون الرئاسية، لكن في الوقت نفسه يتسبب بشرخ عميق داخل الأغلبية البرلمانية والحكومة، حيث أن 59 نائبا امتنعوا عن التصويت أو صوتوا ضد المشروع.

وقد شُكلت لجنة برلمانية مشتركة بعد رفض تمرير المشروع في مجلس الشيوخ قبل بضعة أيام إثر ما اعتُبر تغيرا في النص بين صياغته الأولى وتلك التي تم التصويت عليها.

وخاضت هذه اللجنة جدالات ومفاوضات مضنية من أجل اعتماد صيغة نهائية قبل أن تصوت الجمعية العامة على اعتماد قانون الهجرة منهية بذلك هذه المرحلة الطويلة من الخلاف بشأنه.

وكان وزير الداخلية جيرالد دارمانان قد دافع في البرلمان عن نص صيغ "من أجل حماية الفرنسيين" و"تسوية أوضاع العاملين عديمي الأوراق"، و"من أجل تبسيط حقنا". وكتب دارمانان على منصة إكس مهنئا تبني نص "قوي ومحكم" وفاخر أمام الصحافيين بعد اعتماده أن ذلك تم بدون الحاجة إلى أصوات نواب اليمين المتطرف من حزب "التجمع الوطني" الذي تقوده مارين لوبان.

دارمانان بشأن تبني قانون الهجرة

Le texte immigration est voté définitivement. Un long combat pour mieux intégrer les étrangers et expulser ceux qui commettent des actes de délinquance. Un texte fort et ferme. Sans les voix des députés RN.

— Gérald DARMANIN (@GDarmanin) December 19, 2023

كما اعتبرت رئيسة الحكومة إليزابيت بورن أن "الأغلبية كانت متماسكة" لدعم النص وأن "مناورات التجمع الوطني فشلت"، متجاهلة معارضة 59 نائبا من هذه الأغلبية، وذلك قبل أن تدلي باعتراف هام في معرض حديثها مع راديو "فرانس أنتر" صباح الأربعاء بأن هناك إجراءات في النص تنافي الدستور.

"نصر إيديولوجي"

هنأ إيريك سيوتي رئيس حزب "الجمهوريون" بإنجاز "نصر تاريخي لليمين". في حين أن نائبة من حزب "النهضة" الذي ينتمي إليه الرئيس إيمانويل ماكرون اعتبرت أن حزب مارين لوبان اليميني المتطرف "ربح كل شيء بالمطلق". وقالت لوبان إن التصويت لصالح المشروع يعد "انتصارا إيديولوجيا" لحزبها.

وأشار نواب المعارضة مرارا إلى أهمية قدرة أصوات اليمين المتطرف على الحسم، وخصوصا أوليفييه فور الأمين العام للحزب الاشتراكي. فبشأن ما قاله وزير الداخلية دارمانان حول الفوز بدون الحاجة لأصوات اليمين المتطرف، يشير حساب الأصوات إلى غير ذلك، فقد حصل النص على تأييد 349 نائبا مقابل معارضة 186 آخرين من إجمالي 573. وفي تفاصيل هذه الأصوات، 189 نائبا من مجمل 251 من الأغلبية الموالية للحكومة صوتوا بالموافقة وكذلك ثمانية من أصل 21 من مجموعة "ليوت" البرلمانية المسجلة كمعارضة، و62 نائبا من "الجمهوريون"، ونائبان اثنان غير مسجلين، إضافة إلى 88 صوتا من "التجمع الوطني" اليميني المتطرف.

صحيح أن النص كان قد يمر في حال امتناع حزب مارين لوبان عن التصويت لكن ليس في حال التصويت ضده، خصوصا وأن الحزب تراجع عن التزامه التصويت الثلاثاء. وفي الحسبة الأساسية بدون "التجمع الوطني"، أصوات الأغلبية عددها 268 من أصل 535 المعلنة، وهذا يقابله 274 صوتا معارضا.

"نصر مقزز"

واستنكر جان لوك ميلنشون زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي على الفور "نصرا مقززا" حققته أصوات اليمين المتطرف على حد قوله. وكتب في منصة إكس أن "محورا سياسيا جديدا شق طريقه" في البلاد. ودعا حزبه وائتلاف اليسار المكون من اليساريين التقليديين وأنصار البيئة "NUPES" إلى اجتماع طارئ في مواجهة "محور ماكرون-لوبان".

"فرنسا الأبية" يدعو لاجتماع طارئ

Bompard au nom de LFI propose à la gauche parlementaire de se réunir pour faire face à l'axe Macron Le Pen. pic.twitter.com/jn2QCQkW3v

— Jean-Luc Mélenchon (@JLMelenchon) December 19, 2023

وفي مؤشر على الشرخ حتى ضمن الأغلبية، فقد صوت رئيس لجنة القوانين ساشا هويله ضد مشروع القانون، كما امتنع جان بول ماتي رئيس مجموعة "MoDem" البرلمانية الممثلة للحزب الديمقراطي الوسطي عن التصويت.

واحتجاجا على مصادقة القانون الجديد، قدم وزير الصحة أوريليان روسو الأربعاء استقالته. كما لوح وزراء آخرون معارضون للنص كوزير النقل كليمان بون ووزير السكن باتريس فيرغريت ووزيرة التعليم العالي سيلفي ريتايو بالاستقالة. وعلى وقع هذا الجو المشحون، دعي أعضاء الحكومة لمجلس الوزراء في الإليزيه صباح الأربعاء.

"أول أزمة حقيقية" داخل "الماكرونية"

ويرى برونو كوتريس الباحث في مركز دراسات الحياة السياسية الفرنسية "Cevipof" بمعرض تصريحه لـ "فرانس أنتر" في خطوة تمرير مشروع قانون الهجرة أنها تمثل "أول أزمة حقيقية داخل هذه الحركة السياسية" بالإشارة إلى ماكرون وحزبه وما يطلق عليه اسم "الماكرونية". ويضيف "لأنه حتى اللحظة لم يحدث شيئا مشابها، ففي السابق، كان مناصروها موحدين حول دعم رئيس الدولة".

ومن الناحية العملية لتأثيرات تبني هذا القانون، أعربت منظمات حقوقية وإنسانية عن قلقها بشأنه لأنها ترى فيه تقويضا لحق اللجوء ولإجراءات الحياة الأسرية وحقوق أخرى للأجانب مرتبطة بالقضاء والحريات.

ويعرض علاء قويدر المساعد الاجتماعي العامل في مركز استقبال طارئ لطالبي اللجوء في إقليم دو-سيفر (وسط غرب فرنسا) لفرانس24 التعقيدات التي يتسبب بها القانون الجديد، متحدثا عن نقاط رئيسية تمس صلب عمله: الأولى مرتبطة بالمحكمة الوطنية لحق اللجوء "CNDA"، حيث يقوض القانون أحد إجراءاتها الرئيسية وهو اعتماد قاض وحيد في حسم الحصول على حق اللجوء وكان في السابق يتم الاعتماد على ثلاثة قضاة باختصاصات مختلفة، و"هذا يزيد احتمال رفض طلبات اللجوء ويحدث تفردا بالقرار لدى القاضي الوحيد". النقطة الثانية هي "الرعب من حذف المساعدة الطبية لكل من ليس لديه إقامة أو من يرفض طلب لجوئه. وسابقا كان يحق له العلاج فيما يخص المشاكل الصحية الرئيسية".

وبشأن مساعدة السكن يضيف قويدر أن "هذا القرار مرتبط بمن لديه أوراق وليس عديميها، ومن المجحف الانتظار خمس سنوات بالنسبة لطالب أو شخص مقيم بناء على إجراء لم الشمل أو غير هذه الحالات لاستيفاء شرط الحصول عليها". 

ويقدر عدد عديمي الأوراق في فرنسا بين 600 إلى 700 ألف، حسب تصريحات سابقة لوزارة الداخلية. ويرى قويدر أن القانون الجديد "قد يزيد أعدادهم لأن رفض طلبات اللجوء سيكون أسرع وبالتالي سيزيد عدد الطلبات العالقة، ويتعقد أكثر عمل المنظمات المعنية"، ويشير إلى أن الكثير من هذه المنظمات "تعتزم الإضراب" اعتراضا على تبني القرار.

يجدر بالذكر أن ملف الهجرة هذا هو الثاني من حيث الأهمية في البلاد بعد ملف تعديل قانون التقاعد الذي مررته الحكومة بالقوة عبر استخدام المادة 49.3 من الدستور. والأمر المؤكد هو أن تمرير هذا النص بشأن الهجرة أحدث شرخا في السياسة الداخلية، لكن من غير الواضح بعد تأثيره على المدى الأبعد.

النص الفرنسي: رومان بروني | النص العربي: رنا الدياب

المصدر: فرانس24

كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل الحرب في أوكرانيا ريبورتاج الهجرة فرنسا البرلمان الفرنسي قانون الهجرة الهجرة غير الشرعية للمزيد إليزابيت بورن جيرالد دارمانان إيمانويل ماكرون مارين لوبان الحرب بين حماس وإسرائيل غزة إسرائيل فرنسا النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا الیمین المتطرف التجمع الوطنی قانون الهجرة

إقرأ أيضاً:

مسلسل معاوية بن أبي سفيان وتقديس الشّخوص والتّأريخ

مسلسل معاوية بن أبي سفيان الذي يعرض في رمضان هذا العام، والذي من إنتاج «إم بي سي»؛ أحدث جدلا في الأوساط المعرفية والدينية والمذهبية، وتعددت القراءات حوله، بين مؤيد ومعارض، ومحرم ومشجع، ولكل وجهته ونظرته، فمعاوية بن أبي سفيان (ت 60هـ) من أكثر الشخصيات الجدلية في تأريخنا الإسلامي، فكونه عاش في الشام، وكان واليا عليها؛ استطاع تكوين مملكة أكثر انفتاحا على الثقافات الأخرى، واتساعا جغرافيا، ولكون غالب تأريخنا كتب بعد العهد الأموي، ولأن التأريخ يكتبه المنتصر عادة، فطبيعي أن تختزل هذه الفترة من الحكم الأموي في صراعات سلبية، لتصبح العديد من الروايات التأريخية أشبه بالمسلمات القطعية، والتي يتصارع حولها العقل المسلم حتى اليوم، فتشكلت في آراء لاهوتية كلامية مدارها التعصب للشخوص والتأريخ.

لا أريد الحديث عن الجدل الفقهي حول تصوير بعض الشخصيات التأريخية كالصحابة أو حتى الأنبياء، فهو جدل متكرر منذ فلم الرسالة (1976م) وحتى اليوم، وسبق أن كتبت عنه أثناء الضجيج حول مسلسل عمر بن الخطاب (2012م)، بيد أن الدراما أقوى بكثير، فلم تعد تنتظر فتوى تبيح لها أو تمنع، ولم يعد المشاهد يعتني بها كثيرا، وكثيرا ما يتجاوزها الواقع بعد ضجيجها، وقد تتغير رؤيتها هي ذاتها بعد عرض المسلسل، ما أريده هنا التركيز حول هذه المسلسلات أو الأفلام التأريخية وقضية تقديس الشخوص والتأريخ.

إن المتأمل في العديد من صراعاتنا اليوم تدور حول تقديس الشخوص والتأريخ، ومثل هذه المسلسلات والأفلام اتفقنا ابتداء في أحداثها ووقت عرضها، أم اختلفنا معها، تكشف لنا هذين الأمرين، وقد شكلا لنا الدين التأريخي، والذي أخذ قداسة تأريخية أكثر منه جانبا نصيا أوليا، على أن ثقافتنا في الدين التأريخي اليوم هي ثقافة عباسية، وقد تشكلت فيها العقلية اللاهوتية عند أغلب المذاهب الكلامية الإسلامية، وظهرت فيها النزعة العلوية، والتي ترى لها خصوصيتها في البيت القرشي، لتتحول مع وضع النص الثاني إلى قضية نصية لاهوتية مغلقة، لتدخل هذا التأريخ في دائرة المقدس، أو الدين التأريخي.

عندما ينزع المرء هذا الدين التأريخي من عقليته، ويبدأ قليلا ينزوي مع النص الأول أي القرآن، يجد القرآن ذاته ينزع القداسة عن الشخوص والتأريخ، ويجعل مدار الدين يدور حول الإله ذاته، بعيدا عن إشراك أي مخلوق معه ولو كان ملكا أو رسولا، فنجد القرآن يتطرق مثلا إلى الأنبياء، بيد أنك لا تجد تلك القداسة كما في العقل الجمعي اللاهوتي }وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَسُولِ يَأْكُلُ الطَعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا، أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَالِمُونَ إِنْ تَتَبِعُونَ إِلَا رَجُلًا مَسْحُورًا{ الفرقان: 7 ــ 8 ــ، •وقال حكاية عن نبيه محمد عليه السلام مع قومه: }•وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا، أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا، أَوْ تُسْقِطَ السَمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِكَ حَتَى تُنَزِلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ، قُلْ سُبْحَانَ رَبِي هَلْ كُنْتُ إِلَا بَشَرًا رَسُولًا{ الإسراء: 90 ــ 93ــ، وعاتب نبيه في مواضع منها }عَفَا اللَهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَى يَتَبَيَنَ لَكَ الَذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ{ التوبة: 43، }يَا أَيُهَا النَبِيُ لِمَ تُحَرِمُ مَا أَحَلَ اللَهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { التحريم: 1ــ.

وفي السياق التأريخي أسهب القرآن مثلا في ذكر تأريخ بني إسرائيل في مصر، وصراعهم مع فرعون، وما أحدثوه مع نبيهم موسى « عليه السلام » من بعد الخروج، وحتى مرحلة التيه، كما في بدايات سورة البقرة، ومع هذا ختم تلك الآيات التأريخية بقوله: }تِلْكَ أُمَةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ «البقرة: 134»، وعلق الهداية بما تحويه قصصهم وسيرهم من مثل وعبر، ولم يعلق ذلك على شخوصهم، }لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ{ يوسف: 111، }أُولَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ{ الأنعام: 90، ومع ذكر القرآن للعديد من الأنبياء بيد أنه لم يتطرق إلى ذواتهم وأشكالهم ولباسهم وطعامهم وحركات نومهم ويقظتهم إلا في مدار العبرة، ولم يجعلهم شركاء معه لتضفى إليهم قداسة لاهوتية مغلقة أوصلها بعض الغلاة من الأخباريين نتيجة روايات النص الثاني إلى الشراك التكويني في التصرف بالكون ذاته.

والمتأمل في غالب المذاهب الكلامية الإسلامية اليوم يجد عكس النهج القرآني تماما، فتشكلها بدأ منذ حادثة السقيفة وحتى مقتل عثمان، فالجمل والنهروان وصفين وكربلاء لاحقا، جميع هذه الأحداث السياسية قطعا حدثت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد إنزال النص الأول، فهي حالة تأريخية تشكلت لاحقا لا يمكن جعلها في زاوية النص المقدس، وإلا كان النص الأول ناقصا ليس كاملا، ولا معنى لآية إكمال الدين؛ لأنه لم يكتمل بإنزال النص، ولم يصبح المدار هنا هو الله المطلق، بل أصبح المدار هم ما دونه من الشخوص والمخلوقات.

على أن هذه الحوليات غالبها دونت متأخرا، وركزت بشكل كبير على الصراعات السياسية، والتي نقلت حسب رؤية المدون المذهبية، أو السياسة التي ينتمي إليها، ليختصر ما يقارب نصف قرن في صراعات سياسية قبلية مدارها ابتداء بين الأنصار المتمثلين في الأوس والخزرج، والمهاجرين المتمثلين في قريش، ثم صراع المهاجرين في بطون قريش ذاتها، ثم من له قرابة بالنبي في مجاله الأوسع كعمه العباس، أو الأضيق في البطنين، ليهمل التأريخ - كطبيعة الحوليات - الجوانب الحضارية والثقافية، وبهذا يصورون لنا أن هذا الدين كان من أعظم نتائجه وبعد وفاة النبي ذاته هذه الدماء، وهذه الصراعات القبلية، وجميعهم يرجعون إلى ذات المنزع، وكانوا أقرب الناس إلى النبي عليه الصلاة السلام، لأن المنتصر لاحقا، بعقليته اللاهوتية والسياسية المغلقة، أراد أن يكون التأريخ هكذا، ومن زاوية مغلقة لأجل انتصارات مذهبية وسياسية، كما غيب تأريخ أمم أخرى لا علاقة لها بالحجاز ومنطقة الصراع، وكانت أكثر ثراء واستقرارا، لتضيق ثقافة هؤلاء جميعا لاحقا، ويعيشون رهين صراعات هذه الفترة في هذه المنطقة بالذات من عالمهم الجغرافي الأوسع حينها، وكأنه لا وجود لهم، واختفوا من لحظة التأريخ.

هذه الصراعات التأريخية «للأسف» شكلت الدين التأريخي الذي نرى نتائجه اليوم، ومداره لا يتجاوز تقديس الشخوص والتأريخ، ولأجلهما صيغت الروايات، وفسر النص الأول، واستخدم حتى المنطق والفلسفة لتغلق كلاميا لأجل صراعات تأريخية، شكلت هذا المقدس التأريخي لأكثر من ألف عام، والتي أصبحت أقوى من النص الأول، فخضع المطلق للنسبي، والقيم للتأريخ، لنعيش هذا التأريخ في أجوائه الكلامية والمذهبية المغلقة، وطبيعي ما نراه من جدل حول مسلسل معاوية بن أبي سفيان، فهو إما أن يرهن لغايات سياسية ومذهبية مسبقة، لتكون الدراما السينمائية اليوم مكان الروايات الحديثية والتأريخية بالأمس، أو أن يتجاوز العقل المعرفي والدرامي ويشكل مرحلة جديدة في قراءة التأريخ من خلال الدراما، لا علاقة لها بالمقدس أو تكريس قداسة التأريخ، وأن تكون غاياتها نهضة الإنسان المسلم اليوم.

بدر العبري كاتب مهتم بقضايا التقارب والتفاهم ومؤلف كتاب «فقه التطرف»

مقالات مشابهة

  • حدث وأنت نائم| شاب يقتل سيدة بعد رفضها زواجه من ابنتها.. وآخر يطعن نجله في أكتوبر
  • «الأعمال الخيرية العالمية» تبني مدينة سكنية متكاملة في موريتانيا
  • البرلمان يفتح ملف تضرر الموظفين من قانون فصل متعاطي المخدرات
  • مدراء التعليم “ضحايا برادة” يدرسون اللجوء إلى القضاء
  • عمال كردستان يصابون ويموتون جراء حوادث العمل ولا قانون يكفل حقوقهم
  • مسلسل معاوية بن أبي سفيان وتقديس الشّخوص والتّأريخ
  • أخبار سيئة للمهاجرين الأتراك غير الشرعيين في أوروبا
  • اليوم.. "اليميني المتطرف" يعود للحكومة الإسرائيلية
  • اعترافات خاطفي حارس عقار الهرم: افتكرناه غني وطلبنا فدية ربع مليون جنيه
  • 10 مآذن تصدع بالأذان بالمسجد النبوي الشريف