بشفافية :آفة المخدرات.. والتكاتف المجتمعي
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذلها سلطنة عمان عبر مختلف مؤسساتها وفي مقدمتها شرطة عمان السلطانية، ممثلة في الإدارة العامة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، إلا أن معضلة تهريب المخدرات وتعاطيها تحتاج إلى مزيد من اليقظة المؤسسية والمجتمعية، نظرا لما لها من آثار سلبية على حياة الفرد ومستقبله وخطورتها على المجتمع وتماسكه.
وتكمن مشكلة تهريب المخدرات في أنها ظاهرة عالمية، عابرة للحدود لا تقتصر على دولة أو مجتمع بعينه، لذلك فإن التصدي لها ومكافحتها والقضاء عليها، وحماية الأفراد والمجتمع منها، يتطلب تكاتف جميع المؤسسات الرسمية والمجتمعية بما فيها التعليمية والأمنية والإعلامية وحتى المساجد والجوامع، بحيث تكون رسالة التوعية من خطورة هذه الآفة شاملة تصل للجميع، بما فيهم فئة الشباب وأولياء أمورهم والأمهات على وجه الخصوص، لأن هذه الظاهرة تجاوزت حدود المنطق بحيث إنها أصبحت لا تفرق في استهداف الأشخاص بين طالب وطفل ومراهق أو بالغ ولا تفرق بين شاب أو فتاة.
لقد تنبهت دول مجلس التعاون كلها إلى الخطر الذي تسببه المخدرات والمؤثرات العقلية، ففي اجتماع وزراء داخلية دول المجلس الذي عقد في مسقط تم تبني مشروع التوجيه بإعداد استراتيجية خليجية شاملة لمكافحة المخدرات، هذه الاستراتيجية وتبنيها تؤكد أن مشكلة المخدرات وتهريبها وتعاطيها أصبحت بحاجة إلى وقفة شاملة للتصدي لها ومكافحتها ووقف فتكها بالبشر.
إن الأرقام التي تنشر باستمرار حول جهود شرطة عمان السلطانية، بعمليات القبض على مهربين وإحباط عمليات تهريب، وعشرات الكيلوجرامات وملايين الحبوب وكميات من المخدرات، تشي بحجم الخطر المحدق بالمجتمع من هذه الآفة والمجرمين الذين يهربونها ويروجون لها، بين أوساط الشباب والطلبة، لذلك فإن مشكلة المخدرات لابد أن تكون ضمن أولويات كافة الجهات لمكافحتها والتوعية بخطورتها وآثارها السلبية الكبيرة على المجتمعات.
هناك أعداد كبيرة من الأشخاص يئنون الآن بين أروقة المستشفيات والمصحات للعلاج من هذه الآفة والإدمان عليها، وهناك أُسر يقع أبناؤها ضحية للمخدرات وهم يكافحون بكل السبل من أجل إنقاذهم، للتخلص من براثن آفة المخدرات.
إن المغريات في واقع الحياة المعاصرة كثيرة، وأوجه الترويج للمخدرات عديدة، فقد تصل إلى البيوت الآمنة أو المؤسسات التعليمية مستغلة فجوة عاطفية أو مشكلة أسرية قد يتعرض لها شخص ما هنا أو هناك، ولكن يبقى التماسك الأسري والتكاتف المؤسسي والمجتمع من أجل التوعية والمتابعة وضخ مزيد من الاهتمام بالشباب والمراهقين ووضعهم تحت الرقابة الأسرية أمرا ضروريا لتجنب الوقوع في ظلمات المخدرات وعواقبها الوخيمة وتأثيراتها على الفرد والمجتمع.
وإضافة إلى الأدوار المطلوبة من الجهات الرسمية فإن مؤسسات المجتمع المدني، يعول عليها بأن تمارس دورها للتنبيه من خطر المخدرات، وتوعية الأسرة والشباب وكافة فئات المجتمع من مخاطرها وطرق تجنبها وكيفية الإبلاغ عن أية ممارسات للترويج لها بين أوساط المجتمع.
ونظرا للأهمية التي تؤديها المجالس في التأثير على المجتمع، فإنه من الضروري أن تكون المخدرات ومخاطرها حديث المجالس، إلى أن يصل المجتمع إلى المستوى المطلوب من الوعي بحيث يتمكن من تفادي تأثيرات آفة المخدرات.
وفي الختام، فإن الجميع مطالب بأن يكون مُسهما بالتصدي لآفة المخدرات، وممارسة دور للحد من انتشارها والتكاتف من أجل مجتمع سليم خالٍ من المخدرات والمؤثرات العقلية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المجتمع من
إقرأ أيضاً:
بين أن تكون قائداً أو بائع آيس كريم !!
“إذا كنت تريد إرضاء الجميع، فلا تكن قائدًا، بل بع الآيس كريم.”
“If you want to make everyone happy, don’t be a leader, sell ice cream.”
هكذا قال ستيف جوبز، مؤسس شركة أبل – آيفون – وصاحب البصمة الفريدة في عالم التكنولوجيا. وربما لا يوجد وصف أدق لطبيعة القيادة من هذه الجملة القصيرة التي تجمع بين الطرافة والعمق.
القيادة ليست مهمة سهلة، وليست وظيفة مَن يبحث عن التصفيق الدائم والوجوه الراضية من حوله. لأن الحقيقة البسيطة هي: لا أحد يستطيع أن يُرضي الجميع، حتى لو كان نبياً أو عبقرياً. كل من اختبر موقعًا قياديًا، في أي مجال، يعرف جيدًا أن اللحظة التي تحاول فيها أن تُرضي الكل هي اللحظة التي تبدأ فيها بخسارة نفسك، ومبادئك، ومسارك.
في واقعنا، كثيرون يدخلون عالم القيادة معتقدين أنها مجرد توزيع للمهام، أو لعب دور الحكم بين الفرقاء. لكن سرعان ما يصطدمون بالحقيقة: القيادة قرارات. والقرارات، لا سيما الصعبة منها، لا تُرضي الجميع. فأحيانًا يجب أن تختار بين السيئ والأسوأ، أو بين ما هو شعبوي وما هو صحيح.
ستيف جوبز نفسه لم يكن ذلك المدير “المحبوب” في أبل. بل كان حادًا، حاسمًا، يقرر ويواجه العواصف، لأن رؤيته كانت واضحة: بناء شيء مختلف، عبقري، لا يشبه أحدًا. لذلك لم يكن يسعى إلى كسب القلوب بقدر ما كان يسعى لتحقيق الحلم. واليوم، نعرف النتيجة.
رغم أن ستيف جوبز توفي في العام 2011، إلا أنه وحتى أبريل 2025، تُقدّر القيمة السوقية لشركة أبل بنحو 3 تريليونات دولار أمريكي، ما يجعلها الشركة الأعلى قيمة في العالم من حيث رأس المال السوقي.
وذلك بفضل القيادة الملهمة القوية لستيف جوبز الذي أرسى دعائم استقرار ونظام عمل لم يتأثر برحيله، وهذه واحدة من سمات القائد الاستثنائي: خلق جيل يحمل الراية بعده.
القيادة تتطلب جرأة. تحتاج لقلب يتحمّل العزلة حين يصبح الطريق ضبابيًا، ولعقل يرى أبعد مما يراه الآخرون. وفي بعض الأحيان، يتطلب الأمر أن تقول “لا”، حتى حين تكون تلك الكلمة غير محبوبة. في مؤسسات الدولة، في الشركات، في الإدارات، بل حتى داخل الأسرة، هذه الحقيقة لا تتغير.
وفي هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ أمتنا، نحن في أمسِّ الحاجة إلى وزراء ومسؤولين لا يبحثون عن الأضواء، بل يتحمّلون المسؤولية بشجاعة وصدق. نحتاج إلى من تتجسّد فيهم صفات القيادة الحقيقية: وضوح الرؤية، والقدرة على اتخاذ القرار في أحلك الظروف، والاستعداد لتحمّل النقد والضغوط دون أن يتراجعوا عن المبادئ. نريد قادة يصغون للناس لا ليجاملوا، بل ليفهموا ويستجيبوا، يعملون بصمت وإخلاص، ويضعون مصلحة الوطن فوق المصالح الشخصية أو الحزبية. لقد آن الأوان أن يُدار الوطن بعقلية رجال دولة لا موظفي سلطة، بقيادات تصنع المستقبل، لا تُدار بالأزمات.
القيادة ليست تعنتًا ولا قسوة، ولكنها ليست أيضًا طبطبة دائمة. هي توازن دقيق بين الاستماع للجميع، واتخاذ ما تراه صائبًا، ثم تحمّل النتائج. القائد الحقيقي لا يتهرب من المسؤولية، ولا يُغريه رضا الآخرين عن قراراته بقدر ما يشغله أن تكون قراراته عادلة وصحيحة.
إذا كنت تطمح لأن تكون قائدًا، فاستعد أن تُنتقد، أن يُساء فَهمك، أن تُرفض أفكارك أحيانًا. لكن في النهاية، ما سيُذكرك به الناس ليس كم شخصًا أحبك، بل كم أثرًا تركته. أما إن كان همّك أن تسعد الجميع وتسمع كلمات المديح باستمرار، فقد يكون بيع الآيس كريم خيارًا ألطف، وأهدأ، وأقرب للسلام النفسي!
عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان