بلومبرغ: السعودية تتحول إلى صين جديدة
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
وصف تقرير لوكالة بلومبرغ، السعودية، بـ"الصين الجديدة" نظرا لاستقطابها الواسع لرجال الأعمال، والباحثين عن فرص استثمار جديدة، حيث وضع ولي العهد، محمد بن سلمان، خطة بعدة تريليونات من الدولارات، لتحرير اقتصاد البلاد من التبعية لقطاع النفط.
وقال التقرير إن "حشود المستشارين الماليين الذين يرتدون الزي الغربي، أصبح مألوفا في فنادق الرياض".
والمملكة، التي انضمت إلى مؤشر MSCI للأسواق الناشئة في عام 2019، لم تجتذب سوى القليل من مليارات الدولارات التي يخصصها مستثمرو الأسهم في أسواق الأسهم العالمية.
و"إم إس سي آي" هي شركة مختصة في توفير أدوات وخدمات دعم القرارات الموجهة لمجتمع الاستثمار العالمي، مع أكثر من 50 عاما من الخبرة في مجال الأبحاث.
ومع استبعاد روسيا من المؤشر وخسارة الصين لجاذبيتها بسبب التباطؤ الاقتصادي -يؤكد التقرير- بدأ بعض المستثمرين ينظرون إلى السعودية برؤية جديدة "يجذبهم تيار مستمر من إصلاحات تشجيع الاستثمار الأجنبي والمشاريع الضخمة".
وقال فيرغوس أرغيل، الذي ساعد في إطلاق صندوق جديد للأسواق الناشئة لشركة EFG New Capital قبل عامين، "تبدو السعودية الآن وكأنها الصين في العقد الأول من القرن العشرين".
وأضاف أن المملكة لا تزال "ممثلة بشكل ناقص للغاية" في محافظ المستثمرين حتى بعد أن اجتذب المؤشر سالف الذكر، صافي تدفقات أجنبية تزيد عن 3 مليارات دولار هذا العام.
"وهذا جزء بسيط من مبلغ 24 مليار دولار الذي تدفق عندما انضم المؤشر إلى مؤشر MSCI قبل أربع سنوات، لكن المحللين يقولون إن الحجم سينمو مع بدء الإصلاحات" حسبما تؤكد بلومبرغ.
والبورصة السعودية هي الأكبر والأكثر سيولة في الشرق الأوسط وموطن أكبر منتج للنفط في العالم – أرامكو – بعد أن جمعت ما يقرب من 30 مليار دولار في بيع أسهم عام 2019.
وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أضافت البورصة، التي تهيمن عليها البنوك وشركات البتروكيماويات تقليديا، شركات كبيرة للرعاية الصحية والتجزئة والطاقة.
وتدرس شركة "طيران ناس" (Flynas) منخفضة التكلفة، الإدراج في أقرب وقت من العام المقبل.
وارتفع وزن السعودية في مؤشر MSCI للأسواق الناشئة إلى ما يقرب من 4.1% من حوالي 1.5% عندما تم إدراجها في الأصل في المؤشر مع نمو الاهتمام الأجنبي وتشجيع الرياض لمزيد من الشركات على طرح أسهمها للاكتتاب العام.
وجمعت الشركات السعودية 11.5 مليار دولار من الإدراجات منذ بداية عام 2022.
ويعكس الاهتمام المتزايد بالسعودية تراجع المشاركة الأجنبية في السوق الصينية.
"وبرزت الهند باعتبارها أحد المستفيدين الرئيسيين من هذا التحول، كما أن غياب روسيا عن المؤشر يعني أن المستثمرين ليس لديهم العديد من البدائل الأخرى" تقول الوكالة.
وسيصبح الاختيار أكثر محدودية إذا تمت ترقية كوريا الجنوبية إلى مؤشرات الأسواق المتقدمة، وهو ما قد يحدث في وقت ما من العام المقبل، وفق ذات التقرير.
وقال هاريش رامان، رئيس نقابة أسواق رأس المال الآسيوية لدى سيتي غروب "نرى أن المستثمرين الآسيويين يبدون اهتماماً أكبر برؤية والالتقاء بالشركات من الشرق الأوسط لأنه كصندوق للأسواق الناشئة، عليك أن تنظر إلى تنويع استثماراتك".
مخاطر سياسيةليس من السهل تحقيق تقدم بشكل دائم، حيث لا يزال السوق السعودي، موجها نحو المستثمرين المحليين.
في الصدد، قال دومينيك بوكور إنغرام، مدير في شركة فييرا كابيتال "لم يتم بيع عدد من الأسهم التي تم طرحها للاكتتاب العام على الإطلاق للمستثمرين الأجانب".
وتابع "هناك ثلاثة أو أربعة طروحات عامة شاركنا فيها في السعودية حيث كنا المستثمر الأجنبي الوحيد".
إلى ذلك، يُشكل عدم اليقين الجيوسياسي تحديا محتملا آخر، إذ ألقى "القتل المروع للصحفي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018 بظلاله على ترقية مؤشر التداول إلى مؤشر للأسواق الناشئة".
كما أصبحت الحرب بين إسرائيل وحماس مصدرا لتوتر المؤشر الذي محا جميع مكاسبه التي حققها في عام 2023 في أكتوبر مع انتشار تكهنات بتداعيات ممكنة للحرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط، قبل أن ينتعش مجددا مع اعتقاد المستثمرين أن الصراع من المحتمل أن يظل تحت السيطرة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: للأسواق الناشئة إلى مؤشر
إقرأ أيضاً:
الثورة التكنولوجية: حتى لا تتحول مجتمعاتنا إلى متاحف تراثية منغلقة وجامدة
مرتضى بن حسن بن علي
الثورة التكنولوجية التي تكتسح العالم، هي بداية حقبة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ البشرية وسوف تؤدي إلى إحداث تغييرات واسعة في أنماط الحياة والعادات والتقاليد وفرص العمل والإنتاج. وفي مجال فرص العمل فإنَّ عشرات الألوف من الوظائف الحالية سوف تختفي ووظائف كثيرة سوف تظهر.
وعلى الصعيد الزراعي- مثلًا- فإنه نتيجة للتقدم الكبير في مجال التكنولوجيا الحيوية، تم إنتاج سلالات جديدة أكثر تطورًا، وإنتاج أنواع جديدة من الأرز المُهجَّن، الذي يتمتع بقدرة أعلى على مقاومة الأمراض والحشرات وزرعه في المياه المالحة أو الأراضي غير الصالحة للزراعة. ولم يرتق المحصول من حيث النوع فحسب؛ بل إنه زاد من حيث الكم أيضا بين ضعفين إلى أربعة أضعاف من مستوى الإنتاج السابق.
وتُشكِّل البحوث العلمية في مجال السلالات الجديدة التي هيأتها مراكز البحوث الزراعية الدولية المتقدمة، مجالا راقيا في مجال البحوث والعلوم الزراعية التطبيقية. وتستطيع الإنجازات الحيوية العلمية الكبرى أن تقدم المساعدة لحل المشاكل المرتبطة بالجفاف وقلة المياه وتدني جودة التربة، إضافة إلى عدم كفاية الأراضي الصالحة للزراعة.
من الصعب معالجة الفقر الزراعي أو تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء، عن طريق الإصلاحات الفنية أو بالقرارات الإدارية فقط، ما لم يتم معالجة الجوانب الهيكلية والثقافية والعلمية من المشكلة الزراعية. وبينما أخفقت الحلول الأكثر تقليدية في حل المُعضلة، تَركَّزَ الاهتمام في السنوات الأخيرة على التكنولوجيا الحيوية، إحدى ثمار الثورة التكنولوجية. ويُقصد بالتكنولوجيا الحيوية أية طريقة تستخدم أعضاء حيَّة وتعمل معالجات معينة لإيجاد أو تعديل المنتجات أو تحسين سلالات من الحيوانات والنباتات أو لتطوير أعضاء حيَّة دقيقة بغية استخدامها في أغراض محددة، وغدا بإمكان مهندس الوراثة حقن جين جديد داخل الحمض النووي المعروف باسم "دي. إن. إيه DNA" الموجود في كل خلية، بهدف تحسين قوة العضو الحي أو زيادة حجمه أو تعزيز مقاومته للأمراض وتحسين الإنتاج من ناحيتي الكم والنوع أو إيجاد نباتات مهجنة جديدة تتمتع بصفات أحسن.
الثورة التكنولوجية تعتمد على الإلكترونيات الدقيقة والهندسة الحيوية، والذكاء الصناعي، وتوليد المعلومات حول كل شؤون الأفراد والمجتمعات والطبيعة، واختزانها واستردادها وتوصيلها بسرعة مُتناهية؛ بل آنية، وعلى الاستخدام الأمثل للمعلومات المتدفقة بوتيرة سريعة. وهي تعتمد أساساً على العقل البشري.
ولأنَّ العقل البشري يُمثل طاقة متجددة لا تُنضب، فإنَّ هذه الثورة سوف لن تكون حكرا على المجتمعات الكبيرة المساحة والضخمة السكان أو الغنية بمواردها الأولية أو القوية بجيوشها التقليدية؛ بل إنِّها ثورة يُمكن لجميع شعوب العالم -بما في ذلك عُمان-أن تخوض غمارها -سواء أكانت كبيرة أم صغيرة- إذا ما أحسنت إعداد أبنائها تربويا وعلميا وتدريبيا واجتماعيا وفكريا لذلك. والدليل على ذلك ما حققته سنغافورة- مثلًا- وهي دولة صغيرة جدًا في المساحة وعديمة الموارد الطبيعية، لكنها استطاعت استثمار وتطويع مواردها البشرية المتاحة بشكل علمي صحيح، مما مكَّنها من أن تكون على قائمة الدول المتقدمة في العالم في ثورة المعلوماتية التكنولوجية مثلا.
وعكس ذلك، فإنَّ هذه الثورة سوف تنطوي على أذى كبير للدول النامية بما في ذلك عُمان، لأنها سوف تُحِيل مُعظم الأنشطة الاقتصادية والوظائف الحالية إلى مشروعات لا جدوى منها. وستكون التكنولوجيا الحديثة عِبئًا ثقيلًا على كواهلنا في حالة إخفاقنا باستيعابها، بينما في حالة استيعابها وتوطينها وتوظيفها، فإنَّها ستنطوي على منفعة كبيرة لنا. وكيفية إدارتنا لمواردنا البشرية والتكنولوجية سوف تلعب دورا كبيرا في تحديد قدراتنا على مواجهة التحولات العالمية الضخمة الحاصلة. والحكومة وأدواتها المختلفة يُمكن أن تؤدي دورًا محوريًا لإنجاحها، وعلى الجهات المسؤولة ضمان توفر مهارات التعلم والتدريب على الوظائف الجديدة، والانطلاق المعرفي المستمر، وضرورة قبول الأخطاء والاعتراف بها؛ وذلك لأنَّ المنهج التجريبي يقتضي الخطأ، والولوج من خلاله إلى النجاح بدلاً من حشو عقل الإنسان الصغير بمعلومات تجاوزها العلم والزمن.
وعلى المجتمع والأسرة أيضًا زرع قيم العمل والإنتاجية والصبر والمثابرة والأنَّاة في أبنائها؛ فالمستقبل لأولئك الذين عملوا ومنحوا لأنفسهم ولأبنائهم فرص الإبداع والابتكار والتجربة والصواب والخطأ.
لكن من جهة أخرى، يترتب على هذه الثورة التكنولوجية الكاسحة أو يصاحبها تداعيات كثيرة يكفي أن نذكر منها:
1- التغير الاجتماعي المُتسارع؛ إذ إنَّ القيم والمعايير والعادات والتقاليد والمؤسسات والعلاقات الاجتماعية ستكون عرضة للتغير والتحول والتبدل عدة مرات في حياة الفرد، لا بين جيل وجيل كما كان عهدنا في الماضي، ولكن في حياة نفس الجيل وبطريقة مستمرة. ولن يقتصر هذا التغير الاجتماعي المتسارع على من يشاركون أو يصنعون هذه الثورة، ولكنه سيشمل كل شعوب الأرض.
2- الانفتاح الإعلامي الثقافي الحضاري العالمي المتسارع؛ فوسائل الاتصال السريعة، بل والآنيّة تعبُر الحدود بلا حدود ولا شروط ولا قيود برسائلها ومضامينها وأفكارها من أي مجتمع لأي مجتمع آخر، وسوف تصبح وسائل الإعلام والرقابة التقليدية أدوات بدائية عديمة الكفاءة وقليلة الفاعلية في منع أو تحصين الفرد والمجتمع ضد استقبال محتويات الرسائل الإعلامية والثقافية والعادات الوافدة من مجتمعات وثقافات أخرى.
إنَّ التحصين الحقيقي في مواجهة هذا التدفق الإعلامي الثقافي الوافد، هو وعي الفرد والمجتمع وقدرتهما على الفرز النقدي، وفي قدرة وسائل الإعلام والتعليم والثقافة الوطنية والأنظمة الاجتماعية، على تقديم بدائل أكثر جدية ومصداقية وجاذبية. وهذه مهام تتجاوز قدرات أنظمة التعليم والإعلام والثقافة والاجتماع كما عرفناها في الماضي، أو كما نعرفها الآن في مجتمعاتنا، فهذه المهام تتطلب أجهزة خلَّاقة ومقتدرة إذا كان لها أن تحافظ على هويات مجتمعاتها الحضارية القومية الثقافية وتحفظها من المسخ والذوبان، وفي نفس الوقت الذي لا يتحول فيه المجتمع إلى متحف تاريخي تراثي منغلق وجامد.
رابط مختصر