قضت محكمة فرنسية بسجن طبيب رواندي سابق لمدة 24 عاما لتورطه في الإبادة الجماعية عام 1994.

وأدين سوستين مونيمانا، يوم الأربعاء، بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية والمشاركة في مؤامرة للتحضير لهذه الجرائم.

واتهم طبيب أمراض النساء السابق البالغ من العمر 68 عاما بالمساعدة في صياغة رسالة للحكومة المؤقتة التي أشرفت على قتل التوتسي.

كما اتُهم بالمشاركة في اجتماعات نظمت حملات اعتقال للمدنيين التوتسي في مقاطعة بوتاري بجنوب رواندا، حيث كان يعيش في ذلك الوقت.

ونفى مونيمانا، الذي انتقل إلى فرنسا بعد أشهر من الإبادة الجماعية، ارتكاب أي مخالفات وقال محاموه إنهم يعتزمون استئناف الحكم.

وكان المدعي العام قد طلب الحكم عليه بالسجن 30 عاما خلال المحاكمة التي استمرت ستة أسابيع في محكمة الجنايات في باريس.

وفي مكان آخر، أدانت محكمة في بروكسل يوم الثلاثاء أيضًا روانديين اثنين بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب في بلدهما الأصلي.

تبين أن سيرافين تواهيروا وبيير باسابوسي ارتكبا عدة جرائم قتل ومحاولات قتل للتوتسي والهوتو المعتدلين في كيغالي بين أبريل ويوليو 1994.

ومن المقرر أن يصدر الحكم عليهم يوم الأربعاء

في دولة صغيرة أنهكتها الحرب والمذابح تسمى رواندا، تقودك البوصلة إلى قصة نجاح ونموذج معجزة اقتصادية تصل بك إلى مرحلة الانبهار وتتوق النفس إلى محاكاتها والحديث عنها، الدولة التي غرقت لسنوات في مستنقع الحرب التي أتت على كل شيء، لم تلبث أن نفضت غبارها ونهضت من تحت ركامها، واستلهمت طريق الكبار لتحقق الإنجاز في غضون سنوات. 

 


أصول الحرب الأهلية في رواندا

يعود النزاع في رواندا إلى الستينيات من القرن الماضي، إذ تركت سياسات وممارسات الاستعمار الأجنبي تأثيرًا كبيرًا على المجتمع والسلم الأهلي الرواندي.  حيث أدت السياسات الاستعمارية إلى انقسامات عميقة منذ ذلك الحين بين أقلية (التوتسي) الذين يمثلون حوالي 10 %، وأغلبية (الهوتو) الذين يمثلون حوالي 85 % من مجمل سكان البلاد إذ عمد الاستعمار البلجيكي إلى تفضيل ومحاباة الأقلية، على حساب الأغلبية، في كل مناحي الحياة تقريبًا؛ فكانت أغلب مجالات التعليم والمناصب السياسية والرسمية والحكومية والمناصب الإدارية، وما إلى ذلك، حكرًا على أقلية التوتسي؛ وقد زاد هذا الأمر من شعور الهوتو بالظلم والتعسف، وأدى في الوقت نفسه إلى حدوث تعطش للسلطة، بين أغلبية الهوتو الذين اغتنموا الفرصة عند جلاء الاستعمار  لتحويل واقع فظ سِمَتُهُ ممارسات الإقصاء والتمييز ضدهم، إلى ممارسات انتقام وعنف تجاه أقلية التوتسي، عند أول فرصة لاحت لهم في الأفق.

وبين عامي 1993 و1995 وقعت رواندا فريسة لحرب أهلية بين الأغلبية من عرقية الهوتو التي تشكل أكثر من 80% من السكان وقبائل التوتسي التي تشكل النسبة الباقية وكانت الغلبة بداية الحرب للأغلبية، لكن بول كاغامي الاسم الذي سيحفظه التاريخ  نظم صفوف الجبهة الوطنية خارج البلاد، ونفذ حربا انتقامية واستطاع أن يحتل العاصمة كيغالي عام 1995.

واقترب عدد ضحايا مذابح الإبادة من مليون قتيل من عدد السكان البالغ آنذاك نحو 11 مليونا، واضطر أكثر من مليونين من الهوتو إلى الهرب من شبح الانتقام إلى الكونغو المجاورة، وفي الداخل ازدحمت السجون بأكثر من 120 ألفا من المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة وبعد تلك الحرب تمكنت الجبهة الوطنية من السيطرة على البلاد، وعُين كاغامي نائبا للرئيس بيزي مونجو، لكن البلاد غرقت في الفوضى في السنوات الخمس التي تلت الحرب، وفشلت الحكومة في إيجاد حل وعاشت البلاد أسوأ فتراتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وبدا الأفق ضيقا أمام مونجو وحكومته، فتنازل عن منصبه إلى نائبه كاغامي عام 2000.

توحيد الشعب 

وبعد تولي كاغامي السلطة، حدد هدفين واضحين: أولهما توحيد الشعب، والثاني انتزاع البلاد من الفقر. وشرع الرئيس في خطة من عدة محاور، في مقدمتها تحقيق المصالحة المجتمعية، وإنجاز دستور جديد حظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وجرم استخدام أي خطاب عرقي ، ونجحت خطط الحكومة المتنوعة في تحقيق المصالحة بين أفراد المجتمع، وعاد اللاجئون إلى بلادهم، ونظمت محاكم محلية لإعادة الحقوق وإزالة المظالم.

ومع التقدم في الملفات الاجتماعية، وجهت الحكومة طاقتها للتنمية وتطوير الاقتصاد، وقدم الخبراء والمختصون دراسات تحولت للرؤية الاقتصادية، وتشمل 44 هدفا في مجالات مختلفة ، وتمكنت هذه الأهداف من تحقيق المعجزة، وارتفع متوسط دخل الفرد عام 2015 إلى ثلاثين ضعفا عما كان عليه قبل عشرين عاما.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: محكمة فرنسية جرائم إبادة جماعية جرائم ضد الانسانية رواندا كيغالي

إقرأ أيضاً:

ثنائي الابادة

abdullahaliabdullah1424@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

حفل وسطنا الغنائي بثنائيات نشرت الطرب والبهجة منذ ميرغني جمعة وود المامون مرورا بثنائي العاصمة ووصولا للاخوات خيري. ومعلوم ان اداء الغناء بشكل ثنائي وجماعي هو اكثر صعوبة من الغناء الفردي، لاحتياجه لانسجام (هارموني) عالٍ بما يشبه توحيد المشاعر والاحاسيس، وإلا حدث نشاز يفسد البهجة والطرب. واذا ما فارقنا الغناء وعرجنا علي الرياضة، فهي بدورها حفلت بثنائيات او تفاهم وانسجام خاص بين لاعبين (حمد والديبة حاجة عجيبة) او اكثر، انعكس بصورة ايجابية علي مستوي المتعة والنتائج. اما من الناحية الدرامية فمن بمقدوره نسيان ابداعات فرقة الاصدقاء المسرحية.
ويبدو ان حالة الانسجام والتوافق العابرة للانشطة الفنية والرياضية والاجتماعية، كانت سمة لحياة لم تختبر ضنك العيش والتحول لسلسلة من الفواجع المتعاقبة كقطع الليلة المظلمة. وهو انحطاط في مستوي الحياة وانحدار في منسوب القيم، ارتبط بالصعود والسيطرة المطلقة لنظام الانقاذ الطالح. الذي لم يفسد الحياة السياسية فحسب، وانما كامل الحياة بعد افراغها من مضمونها بحجة تطهيرها واسلمتها. ليؤسس هذا الغلو في التعاطي مع السلطة والاستحقار للمواطنين والاستخفاف بمؤسسة الدولة كمنظومة محكمة وتقنية فنية، لما نعانيه الآن من حرب قذرة دمرت البلاد وافنت اهلها واظلمت المستقبل.
ومبرر (الرمية النوستالوجية) السابقة، انها عبرت عن مرحلة تاريخية لم تشهد انقطاعات فجائية عن ماضي البلاد وتراث وثقافتها وخبرات ومنجزات ومكتسبات اهلها. ولتعكس من باب المقارنة ما بلغناه في شأن الثنائيات من تفاهة وعمالة رخيصة واجرام دموي في حق الشعب وتدمير طاول بلاده، وذلك ممثل بثنائي الابادة حميدتي/البرهان. لتعبر هذه الثنائية الاجرامية بدورها خير تعبير عن مرحلة الانقاذ وما آلت اليه البلاد واحوال اهلها بعد حكمهم العضوض. والحال انه ومنذ صعود هذا الثنائي المتآمر الي صدارة المشهد السياسي والسلطوي عقب الثورة، وهو مزود بسجل حافل من الجرائم والارتزاق في دارفور واليمن والارتهان لمحور الشر والكيزان. تم اغراق الثورة في الدماء وبيعها بثمن بخس لاعداءها، الشئ الذي عجل بخراب ليس الثورة كمشروع خلاص وانما الدولة نفسها.
فمعلوم وبسبب تكوين الرجلين الاجرامي ومن يقف خلفهما، بالاضافة الي طموحات مالية وسلطوية مجنونة، انتقل السودان من الحرب الاهلية كما عاشها الجنوب، الي نمط حروب الابادة المستهدفة للاعراق كما حدث في دارفور. ومن يومها اصبح السودان دولة منبوذة وضيف دائم داخل اروقة مجلس الامن ومجالس حقوق الانسان، تتساقط عليها الادانات والعقوبات كدولة تهدد حياة مواطنيها. بل اصبح التدخل في شئونها كدولة قاصرة (عدو لنفسها والآخرين) هو المحرك لفعلها وردة فعلها، لدرجة اصبح وصف دولة نفسها لا ينطبق عليها إلا تجاوزا!
وكما اعتدنا علي هروب اهل الانقاذ وقادة الجيش من تحمل تبعات اعمالهم، مرة بالانكار والمغالطات والاكاذيب، ومرة بالتلاعب بالالفاظ وتوظيف المصطلحات والقوانين عكس غاياتها. تم تغيير اسم مليشيا الجنجويد الي قوات الدعم السريع ومنحها صفة شرعية داخل منظومة شرعة الانقاذ الاحتيالية، للابقاء عليها وتلافي اثر سمعتها السيئة. والشاهد في الموضوع ان الاستهتار وحب البقاء في السلطة باي ثمن، دفع قادة الانقاذ كعساكر ومدنيين التغاضي عن حرمة الامن القومي، ليفقدوا السلطة ونفقد بلادنا مع كم هائل من الانتهاكات المريعة والدمار غير المسبوق.
واكثر ما تمظهر خواء الانقاذ كمنظومة حكم شمولي، هو صراع السلطة الطفولي بين العسكر والمدنيين. والذي حسم بسهولة لصالح العسكر، مما يعكس ان المصلحة المحمية بالقوة هي الموجه لجل الاسلاميين وليس الله! وعليه، منذ سيطرة البشير علي الحكم اصبح الكل في الكل، وما يستتبعه من الكيزان وقادة الجيش مجرد كورس يبحث عن مصالحه، والاصح الحفاظ علي ما اغتنمه من ممتلكات الدولة، مع توفير الغطاء السياسي للبشير (من كان يقوي علي مواجهته ولا يطمح في شراء وده وعلي راسهم علي عثمان ونافع، فما بالك بناس قريعتي راحت!). والبشير كشأن غالبية قادة الجيش السوداني الذين ابتلينا بهم، فهو محدود الذكاء مفرط الشك والتوجس والنرجسية. حاول ان يتذاكي بغباء عبر الاستعانة بمليشيا الجنجويد كقوات همجية لا تعرف الرحمة، لتحجيم طموح السلطة لدي المنافسين سواء من داخل الجيش او جهاز الامن او الغرف السرية للاسلاميين.
وما لم يكن يتوقعه احد، ان هنالك اسوأ من البشير واكثر غباء وضعف وخواء ونفاق وتلاعب بمصير البلاد وشعبها إلا بعد الظهور المشؤوم للبرهان، الذي تجسدت فيه كل عبر الزمان. والمفارقة انه اتته فرصة تاريخية ليتحول لاسطورة تتحدث عنها الاجيال اذا ما اخلص للثورة وتخلص من اعداءها، ليعيد للدولة مسارها الصحيح والسياسة فضاء حرياتها والجيش هيبته. ولكن عوضا عن ذلك نسج تحالف وثيق مع الد اعداء الثورة، بل وارتضي لنفسه ان يكون مجرد محلل لمجمل نشاطات حميدتي المخربة للدولة والمهددة لحياة المواطنين! ومن هنا مصدر غموض وغرابة العلاقة التي ربطت بين الرجلين، ليصبحا وجهان لعملة واحدة عنونها المكر والغدر، والعمل من اجل السلطة بكافة الوسائل دون الاكتراث للنتائج. وبما ان كلا الرجلين لا يمثلان اكثر من ادوات لتمرير مشروع يتجاوز قدراتهم المتواضعة، بقدر ما يتلاءم مع طموحاتهم وميكافليتهم واجرامهم. فهذا ما جعل مصيرهما يتخذ ذات المسار سلما وحربا، غض النظر عن حقيقة المشاعر المتبادلة والخطابات المعلنة والاحاديث المرسلة. واذا صح اعلاه او لم يصح، فالمؤكد ان طبيعة الصلة الغامضة بين الرجلين، وكيفية تصدرهما المشهد دون استحقاق واهلية، هي ما حكم غموض هذه الحرب وجعلها كقصص اجاثا كريستي التي لا تُحل عقدت جرائمها الشائكة إلا في النهاية وبطريقة غير متوقعة؟! بدليل حرب تدخل عامها الثالث وما زال التخمين هو ما يحكم جل التحليلات والقراءات، او هي محكومة بالمواقف المسبقة او مصالح المتعاطين معها غض النظر عن الخبرات والمؤهلات.
المهم، منذ تكوين المليشيا باطورها المتعددة بتعدد اغراضها وارتباط البرهان بها، والي قيام الثورة وانتصار تحالف الرجلين في توجيه السلطة في مسار محدد، يخدم طموحاتهما السلطوية المتوافقة مع المشروع الاماراتي/الاسرائيلي، الضارب بجذوره منذ وصول جحافل حميدتي العاصمة واحاطتها بطريقة مدروسة، ووصولا للانقلاب علي الثورة. كانت العلاقة سمنا علي عسل، او وقوع البلاد تحت السيطرة المطلقة لحميدتي/الامارات/اسرائيل. وهو ما بدأ يتغير مع دخول الاسلامويين وزيادة نفوذ المصريين علي الخط بعد الانقلاب، الشئ الذي هدد طموحات حميدتي واكسب البرهان مساحة للمناورة للضغط علي الرعاة الخارجيين (الامارات مجرد مخلب قط).
وبعد فشل الاتفاق الاطاري واندلاع الحرب بدأ الغموض سيد الموقف، او في الحقيقة توضحت بعض الحقائق، وعلي راسها ان المليشيا ليست اكثر من اداة قذرة في يد الخارج، والمطلوب منها ارهاب واهانة ونهب المواطنين وتدمير مؤسسات البلاد لتهيئتها لما هو مخطط له دون اعتراض. ولكن السؤال اين موقع البرهان من هذه الحرب التي خلطت الاوراق؟ وما علاقته بالمشروع السالف ذكره؟ ما دوره في هذا الغموض الذي يكتنف الحرب، ويحكم علي كامل المشهد بالضبابية؟ وقبل ذلك يتجسد لب الغموض في التساؤل حول المكاسب التي يجنيها شخص يطمح في السلطة، من تقديم كل العون لاكبر منافس له؟!! وما يثير البلبلة ولا يبعث علي الاطمئنان، ليس ان حديث الرجل يخالف فعله، وكاننا امام اخطبوط متعدد الرؤوس او ممثل يلعب ادوار متعددة وجميعها مخادعة، ولكن لان بيئة المؤامرات والاجرام والفساد هي التي تناسب امثاله، بما ينذر بالشر المستطير لمجرد وجوده في المشهد باي شكل كان.
وما اثار الشجون والاصح الاسي والمواجع هو الحديث المنسوب اليه عن القاء مسؤولية تكوين وتضخم المليشيا علي نظام البشير! مع ان القاصي والداني وصولا للاجنة في بطون امهاتها، يعلمون يقينا ان ما قدمه البرهان للمليشيا يزيد عشرات الاضعاف عن ما قدمه ليس البشير وانما حميدتي نفسه للمليشيا؟! لانه ببساطة سلمه الجمل بما حمل، وتولي بصورة غريبة (محامي الشيطان)، عبء الدفاع عن هذه الخدمة المريبة؟! وهذا غير الاموال التي اغدقها عليها مجانا حتي شك البعض انه شريك فيها! اما عن تمتين علاقاته الخارجية فحدث ولا حرج، لدرجة امتلاك حميدتي لطائرة خاصة طاف بها ارجاء الكون لتمكين مخطط استيلاءه علي السلطة بقوة السلاح! فهل بعد كل ذلك ياتي ليتنصل من المسؤولية بكل سهولة، وكأن جرمه مجرد خدش في حادث حركة، وليس تدمير البلاد عن بكرة ابيها وقتل ونهب وتشريد اهلها؟! بل لو امتلك ذرة شجاعة واقل حظ من الاستقامة الاخلاقية والسوية الانسانية، لاعترف بالجرم الشنيع واعتذر عنه وبرره باي سبب، او اقل درجة من الذكاء تدعوه للتظاهر بعمل ذلك ولو بطريقة بهلوانية. ولكن واحدة من مصائب هذه البلاد اجتماع التفاهة والبلادة والتبلد، في كل من يتصدي لحكمها بالقوة المسلحة.
والحال كذلك، طالما البرهان يتهرب من مسؤولية تحمل تبعات اقواله وافعاله، فهذا مؤشر للاصرار علي المضي في ذات الطريق الذي اوردنا المهالك، مما يجعله غير مؤهل البتة للبقاء في منصبه، ناهيك ان يتحكم في مستقبل البلاد ومصير العباد. لكل ذلك تصبح هذه الحرب في احد جوانبها هي حرب البرهان للسيطرة علي البلاد، وكل ما ترتب عليها من دمار للبلاد واذلال للعباد يتحمل مسؤوليته كاملة دون ان ينتقص ذلك من جرم حميدتي شيئا. ومن هذه الزاوية هي ليست حرب كرامة ولا يحزنون، لانه لا كرامة لمن لا كرامة له، او من ظل عصا في يد اعداء الثورة يهشون بها علي الثوار ويجهضون بها احلام الثورة، وكذلك لمن ظل يتعرض لاهانات حميدتي واخيه دون ردة فعل رجولية (يكرب قاشه). ولكنها تظل حرب كرامة وبطولة ورجولة لكل مقاتل صادق يتصدي عن وطنية حقة، لهمجية واعتداءات المليشيا القذرة علي الممتلكات والاعراض واستقلال البلاد.
لكل ذلك يصبح الرهان علي البرهان للانتصار في هذه الحرب ودحر المليشيا هو امر مشكوك فيه، لما سلف ذكره من تناقضات تكتنف الاقوال والافعال وغموض يحيط بمجريات الحرب نفسها! وقبل كل شئ ما هي مصلحته في دحر مليشيا علمها الرماية وشد ساعدها علي الجيش. والذي للغرابة ما زال يتولي قيادته! إلا اذا كانت المليشيا مجرد اداة قذرة وتلعب دورها القذر وتنتهي بانتهاءه! خاصة ان راعي الضان في الخلاء يعلم ان عائلة دقلو المالك الحصري للمليشيا غير مؤهلة لا اخلاقيا ولا سياسيا ولا وطنيا للدور الذي تدعي انها نذرت مليشياتها له.
وعليه يصبح كل من يدعم البرهان او يتبني خطاباته المراوغة ووعوده العرقوبية، هو شريك له و يتحمل قسط من جرائمه. مع العلم ان الموقف من البرهان لا يعني ذات الموقف من الجيش باي حال من الاحوال، وهو يخوض هذه الحرب المفروضة عليه ضد المليشيا الهمجية. ولو ان الجيش كمؤسسة يتحمل بدوره وزر السماح بتكوين وتضخم هذه المليشبيا ووصولها لهذه المرحلة، سواء بصمته علي قيادته الانقلابية وهي تتآمر عليه، او بالتورط في العملية السياسية باسقاط النظم الديمقراطية، ومن ثمَّ ادخال البلاد في نفق مظلم يزداد ظلاما مع مرور الايام، خاصة مع زيادة توغل الجيش في السلطة، والتوسع في الانشطة الاقتصادية المدنية.
اما المجرم الآخر حميدتي شريك البرهان وشبيهه، فهو من النماذج التي تظهر كل عدة قرون وتقودها طموحاتها الطائشة وعقدها العرقية وتشوهاتها النفسية، الي ابادة الآلاف وهي علي استعداد للخوض في دماء الملايين دون ان يطرف لها جفن. فهو من صنف هتلر وموسوليني وهولاكو ونتنياهو إلا انه يفوقهم جهلا وتفاهة وتحللا من كل الاعراف والقيم وما يمت للحضارة بصلة. فهذا الاهطل الموهوم الذي صدق انه فريق بحق، بل ومؤهل للقيادة والحكم، وليس مجرد اداة تخريب، تصور ان اقرب طريق للقصر هو هدم القصر نفسه، وان الاسلوب الامثل لحكم البلاد هي نهبها وتحطيمها وقتل شعبها وتشريدهم، وان الاستعانة بسرديات الديمقراطية والدولة المدنية وقضايا الهامش والتحريض علي الجلابة بطريقة متخلفة ومقززة، هي الغطاء القادر علي اخفاء مشروعه الخاص/عمالته ومبرر لانتهاكات قواته.
ولذلك طبيعي ان لا نتوقع منه اعتذار جاد عن جرائمه ونهبه وانتهاكاته بحق الابرياء وتخريبه المنشآت الحيوية، لانه ببساطة لا يملك غيرها، بل هي نفسها سبب وصوله الي ما هو فيه. اي كاحد الادوات القذرة لحماية المافيا الاسلام/عسكرية، قبل ان يتحول الي خدمة اسياده الجدد في الخليج. لان الولاء لمن يدفع اكثر ويقدم المغريات ويرفع سقف الوعود بالاستفراد بحكم البلاد (وكانه لم يكن الحاكم الفعلي في ظل جبن وخوار نفس الزول، ولكنها حماقة الجُهال)!
ولكن ان يتجرأ حميدتي بالقاء كامل المسؤولية علي عاتق البرهان، ليخرج كالشعرة من العجين من تبعات ما احدثاه من تدمير للدولة لم يٌشهد له مثيل ( إلا حريق روما/نيرون وخراب سوبا/عجوبة) فهذا استهبال يفوق حدود الاحتمال. اما ظهور تسجيلات تحمل خطابات (مشروع سياسي) للمجرم حميدتي كل حين، وهي مدبجة بمداد ما يسمي مستتشارون وحلفاء، مع العلم ان حميدتي لا يفقه عنها شيئا سوي جهد القراءة المتعثرة! فهي المهانة عينها للسياسة والثقافة والفكر والقضايا الجادة والمسؤولية الوطنية، وهذا غير الاستهانة بعذابات الضحايا! وكأن كل ما شهدناه من فظائع حرب قذرة قضت علي الاخضر واليابس من جانب المليشيا علي وجه الخصوص، هي ثمن للتباري في منافسة انشائية لمن يكتب موضوع سياسي اجود جلبا للاعجاب والتصفيق! او كأنه من قلة البرامج والمشاريع المطروحة منذ استقلال الدولة الخاطئ. ولكن يبدو ان الاستثمار في هذه الخطب/الخطابات الحماسية علي قول محجوب شريف، هو مورد رزق للبعض ومداعبة طموح للبعض الآخر وتنفيس عن نفوس مكروبة لهؤلاء الحلفاء والمستشارين. لانه يستحيل علي شخص يحترم نفسه او مكانته او يتحلي باقل قدر من المسؤولية والكرامة والسوية البشرية، ان يقبل العمل او مجرد الاقتراب من مجرم محترف مثل حميدتي، ناهيك ان يتبني الاخير مشاريع وطنية او برامج خيرة وهو الغارق في العمالة والارتزاق حتي اذنيه، ويحفل سجله بجرائم ضد الانسانية، لا تضع له مكانا في المسقبل إلا امام المحكمة الجنائية الدولية (وهذا اذا صح انه عائش ولم يهلك كغيره من الطغاة رحمة بالعباد).
وعموما الاسوا من هذه الحرب القذرة المدمرة، ان لا يُعاقب من تسبب فيها وساهم في استفحالها وكساها بالغموض. اما الاكثر سوء من ذلك، ان يتحول الانقلابيان مجرما الحرب ومجهضا الثورة الي ابطال يقدم لها الدعم والمساندة للبقاء في سدة السلطة. اقلاه ان لم نستطع ازاحتهما بحكم اختلال توازن القوي مع الجهات الداعمة لكلا الرجلين، من اجل تمرير اجندتها الراعية لمصلحتها حصرا. فهذا لا يمنع ان لم يستوجب التصدي لطموحاتهما الخطرة وفضح مخططاتهما المشبوهة بكل الوسائل السلمية، مع السعي لفتح بلاغات ضدهما في كل المحاكم خارج البلاد، حتي ياتي اليوم الذي يتم فيه القصاص، لانصاف الضحايا ومنع تكرار مثل هذه الفظائع، وقطع الطريق علي نماذجهم من الوصول للسلطة.
اخيرا
هذه الحرب التي تدخل عامها الثالث تعادل ثلاثة حروب كل منها استمرت ثلاثة عقود من جهة الانتهاكات والتدمير. والسبب انها حرب تستهدف اولا المدنيين والبنية التحية وثانيا العسكر واحتمال عرضيا! وامر ذو دلالة كما اكد من لا اشك في قوله، ان الدمار الهائل الذي طال مصفاة الجيلي استثني مستودعات شركات البترول الخاصة! وعند ربط ذلك مع الحماية الي يوفرها الطرفان المتقاتلان لخط انابيب بترول الجنوب. يتضح ان هنالك تفاهمات واتفاقات بين الطرفين المتقاتلين علي تجنب الحاق الضرر بمصالح الراسمالية/الرؤوس من كلا الجانبين. والسؤال والحال كذلك، هل ارواح المدنيين او حماية البنية التحية لا تستحق مثل هذه التفاهمات؟ وهل ايقاف الحرب ومعالجة الخلافات ان وجدت تستعصي علي ذات التفاهمات؟ وهل نهب ثروات الشعوب اتخذت اسلوب جديد، كتدمير البلدان والرجوع مرة اخري لتعميرها بمبالغ طائلة، كما حدث في العراق، الذي تم فيه الشق الاول بنجاح (التدمير) ولم يحالف الحظ الشق الثاني (التعمير) بعد ان تم اهدار جل مخصصات التعمير/التنمية في الفساد؟
وخلاصة الامر يبدو حالنا كما قال حميد (لكن قدرك يا انسان بلدا هاص هيصة جبانة/ طال الناس التريانيين (الروبيضات) ضلو الله الما ضلانا). والله يصلح الحال ودمتم في رعايته.  

مقالات مشابهة

  • هل معادن أوكرانيا النادرة التي أشعلت الحرب ستوقفها؟
  • ثنائي الابادة
  • محكمة جنايات كرري تصدر حكما بالسجن (19) عاماً لمتعاون مع المليشيا
  • جامعة أمريكية خاصة تقرر إغلاق أبوابها لهذا السبب.. عمرها 180 عاما
  • أربعة أحكام بالسجن لعشرين عاما على متهمين في قضية مرتبطة بالإخوان المسلمين في الأردن
  • مدرب يخسر استئنافه ضد حكم بحبسه 20 عاماً
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • MEE: ما سر مهاجمة أنصار ترامب وحلفاءه الموساد ودعاة الحرب مع إيران؟
  • وزير أردني سابق: كيف سيؤثر حظر الإخوان المسلمين على مستقبل البلاد؟
  • عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا