وقف العدوان على غزة وتبييض السجون.. كيف ومتى؟!
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
جمال بن ماجد الكندي
ما زالت آلة الحرب الصهيونية الهمجية تقصف في قطاع غزة، وجحافل دباباتها تتوغل في القطاع قبل وبعد هدنة السبعة أيام، وما بعد الهدنة توسعت وشملت وسط وجنوب القطاع، بعد أن كانت تركز حملتها البربرية في شمال غزة، وتدعي أنها حققت نتائجها في القطاع الشمالي من غزة عن طريق تدمير المستشفيات والبنية التحتية فيها وقتل الأطفال والشيوخ والنساء، والسؤال الجوهري هنا هل المُعطيات التي أجبرتها على قبول الهدنة الأولى ما زالت باقية وقوية وتجبر هذا العدو الصهيوني على قبول هدنة أخرى طويلة نسبيًا عن الهدنة السابقة وبشروط المقاومة الفلسطينية.
طبعًا كانت المُعطيات السابقة داخلية وخارجية، منها أعداد القتلى من الجنود الصهاينة، وضغط أهالي الأسرى والمحتجزين لدى قوى المقاومة الفلسطينية خاصة حركة حماس.
اليوم وبعد دخولنا في الأيام العشرة التي تفصلنا عن اليوم الثمانين على انطلاق معركة "طوفان الأقصى" زادت وقويت معطيات المقاومة الفلسطينية والجبهات المساندة لها، هذه المعطيات سوف نوضحها في العامل الداخلي، والخارجي، وكيف أنها أصبحت ضاغطة على المحتل الإسرائيلي لقبول هدنة جديدة، ولكن بشروط فلسطينية.
أولا العامل الداخلي: كما كانت الهدنة السابقة يؤثر فيها هذا العامل المهم في قبولها، تطور إلى ما بعد الهدنة الأولى ليكون من أهم أدوات المقاومة الفلسطينية في وجه العدو الصهيوني، وسوف نقسمه إلى سلبي وإيجابي، السلبي منه يخص العدو الصهيوني، والإيجابي يخص المقاومة الفلسطينية.
العامل الداخلي السلبي الأول: وهو ذاته الذي أدى إلى قبول الهدنة الأولى، ولكنه هذه المرة تطور أكثر بفعل المقاومة الفلسطينية والتكتيكات التي قامت بها للتصدي لهذا العدوان، فالعدو الصهيوني فتح جبهة جديدة في وسط وجنوب قطاع غزة بعد أن قال بأنه سيطر ناريًا على الجزء الشمالي من القطاع، والمعطيات الميدانية تكذب ذلك وباعتراف وسائل إعلام العدو، حيث إنها تقول بأنه لم يُحقق شيئاً في الشمال من أهدافه المُعلنة، وهي تحرير الأسرى والقضاء على المقاومة الفلسطينية في الشمال، عوضًا عنها في الوسط والجنوب، ونستطيع أن نستنتج ذلك بأمرين وهما أعداد القتلى جراء العمليات التي يصورها رجال المقاومة الفلسطينية في الشمال ومن أهمها ما حصل قبل أيام بسيطة في منطقة "جحر الديك" من عملية بطولية احتار فيها المحللون العرب قبل الصهاينة، فهي تشتبك في منطقة يقول العدو بأنه يسيطر عليها والسؤال من أين جاء هؤلاء الأبطال وكيف خرجوا سالمين؟!
الأمر الثاني وهو استمرار خروج الصواريخ الفلسطينية من شمال غزة وبوتيرة مدروسة تصيب غلاف غزة وأهمها التي استهدفت قبل أيام معدودة القدس المحتلة وتل أبيب. لذلك فإن العدو الصهيوني مهما قال بأنه سيطر على الأوضاع المعطيات الميدانية تكذب الروية الإسرائيلية.
العامل الداخلي السلبي الثاني هو إخفاقه حتى هذه الساعة بتحرير أسير واحد لدى قوى المقاومة الفلسطينية، وكل الذين تم تحريرهم عن طريق الهدنة فقط، وما قام به العدو الصهيوني من قتل ثلاثة أسرى لقي استنكارا كبيرا في الداخل الصهيوني، وكان عامل ضغط كبير للمطالبة بوقف الحرب وبدء مفاوضات جديدة، والمظاهرة الكبيرة التي قامت بعد فضيحة قتل الأسرى دليل تضعضع الجبهة الداخلية والاختلاف الكبير في استمرارية الحرب ضد حماس، خاصةً بعد فشل تحقيق أهداف هذه الحرب التي كان من أهمها تحرير الأسرى والمحتجزين.
المعطى السلبي الداخلي الثاني، وهو اختلاف الجبهة الداخلية الإسرائيلية على استمرارية هذه الحرب، وبأنها لم تحقق أهدافها الرئيسية نأتي للعامل الداخلي الإيجابي الذي كان سلبيا على العدو الصهيوني وإيجابيًا للمقاومة في غزة، وهو في تماسك الجبهة الداخلية وتأييد البيئة الغزاوية التي تحتضن المقاومة لما تقوم به قتال الإسرائيلي رغم الخسائر الكبيرة في الأرواح والمتلكات، فمن أهداف العدو الصهيوني من القصف الممنهج والقتل الهمجي لآلة الحرب الصهيونية قلب هذه البيئة ضد حماس، وقوى المقاومة الأخرى والتي لم تنجح في ذلك.
فقد ذكر الأستاذ ناصر قنديل عبر ظهوره في سلسلة الحرب والهدنة التي يقدمها عبر "واتساب" أنَّ المراكز الفلسطينية للدراسات السياسية والمسيحية بعد الهدنة قام باستطلاع عينة قوامها 1400 فلسطيني، شملت 1000 في قطاع غزة، و400 في الضفة الغربية، وخلصت الدارسة إلى أنَّ نسبة تحميل معركة طوفان الأقصى من مجازر وتدمير على المقاومة الفلسطينية في غزة أقل من 20%، وهذا يعني أنَّ الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية في غزة ما زالت قوية ومتماسكة وتقف مع المقاومة، وهذا ما لا نجده في الجبهة الداخلية للعدو الصهيوني.
العامل الخارجي: وكما في العامل الداخلي سوف نقسم هذا العامل إلى جزءين وهما مؤثر سلبي على الكيان الصهيوني، ومؤثر إيجابي على المقاومة الفلسطينية. العامل الخارجي ذو التأثير السلبي هو امتداد لما كان من أسباب الهدنة الأولى، وهو الشارع العالمي بتحركه ضد ممارسات الجيش الإسرائيلي في غزة، فوتيرة المظاهرات زادت وأدت إلى تحرك المنظمات السياسية التابعة للأمم المتحدة ومنها منظمة الصحة العالمية، وإدانة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي انتقد ما ترتكبه إسرائيل في غزة من مجازر واستهداف المستشفيات، وقد قال قبل انتقاده الأخير "إن هجمات حماس لم تأت من فراغ في ظل معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 5 عقود" مما أثار غضب مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة وطالب باستقالته.
العامل الخارجي كان كذلك في عدم استطاعة إسرائيل تسويق روايتها الكاذبة لما يحصل في غزة، فما رأيناه مؤخرا في تصويت 13 عضوًا في مجلس الأمن لقرار وقف إطلاق النار، وامتناع بريطانيا عن التصويت وليس استخدامها حق الفيتو ضد القرار، وبقاء أمريكا وحيدة في رفض القرار بالفيتو يدل على أن الدائرة السياسية المؤيدة للكيان الصهيوني بدأت فعلًا تضيق، والأمريكي في أي قرار آخر لن يستطيع الاعتراض، خاصةً بعد المُعطيات الأمريكية الجديدة، والتي تمثلت بانتقاد الرئيس الأمريكي " بايدن " الأخير لإسرائيل بسبب هجماتها على غزة، والتي كانت رسالة للإسرائيلي بأنَّ المدة التي يستطيع تغطيتها الأمريكي لهذه الجرائم بدأت تنفد ولم يحقق الصهيوني شيئاً يذكر من الأهداف التي أعلنها قبل الحرب غير التدمير وقتل المدنيين في غزة.
العامل الخارجي الثاني؛ وهو الذي سميناه المؤثر الإيجابي للمقاومة الفلسطينية وضاغط على الكيان الصهيوني وداعميه يكمن في الجبهات المساندة وهي في لبنان واليمن وسوريا والعراق. ففي جبهة لبنان التي يتسارع فيها العمل العسكري ضد الكيان الصهيوني، وبسبب هذا التسارع تم تهجير صهاينة منطقة الجليل (كريات شمونه) إلى مناطق في الداخل، بعيدة عن الحدود اللبنانية وهذا الأمر يؤثر اقتصاديًا وسياسيًا على حكومة الكيان الصهيوني، فضربات المقاومة اللبنانية تسير على وتيرة متسارعة ومدروسة والعين على الميادين، كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير والمعادلة التي رسمها حزب الله تطبق في الميدان، وهذا يسبب رعباً للكيان الصهيوني ويحاول إرسال الرسائل عبر الوسطاء لتحييد حزب الله في هذه المعركة.
أما في الجانب السوري والعراقي؛ فهجمات المقاومة باتت واضحة وتؤلم الجانب الأمريكي؛ حيث تتعرض قواعده في العراق وسوريا لهجمات لم نكن نعهدها قبل معركة طوفان الأقصى، وهذا عامل يجبر الأمريكي للضغط على الإسرائيلي لوقف النار وقبول الهدنة، وأخيرًا الجبهة المساندة الأقوى وهي جبهة اليمن فما تقوم به حكومة صنعاء بمنع أي سفينة مواد غذائية أو محروقات متجهة إلى الكيان الصهيوني هي ضربة قوية لهذا الكيان، وقد ترجمت على الأرض بخسائر اقتصادية يذكرها الصهيوني قبل غيره، لذلك قام بدعوى مع الأمريكي لتشكيل تحالف بحري يحميه من ضربات "أنصار الله " وهذا الأمر لو حصل سوف تشتعل المنطقة وسوف يتأثر الجميع، فمعادلة صنعاء هي مادام هنالك حصار على غزة فممنوع مرور مواد غذائية ومحروقات عبر الخليج العربي، ومفتاح الحل هو رفع الحصار عن غزة فقط.
جميع هذه المعطيات الداخلية والخارجية تعطينا إشارات مهمة بأنَّ الحسم العسكري الصهيوني في غزة بعيد المنال، وهو ما يدركه العسكريون والساسة الصهاينة والأمريكان، وسوف يترجم في القريب العاجل عبر تصويت قريب لمجلس الأمن بوقف القتال في غزة وبدء مرحلة جديدة ربما تكون أشبه بما كانت عليه لبنان بعد حرب 2006 وظهور قرار شبيه بـ1701 الذي أوجد قوات دولية فاصلة بين العدو الصهيوني والمقاومة اللبنانية، مع العلم بأنَّ أهداف إسرائيل كانت في تلك الفترة نفسها التي هي اليوم.
السيناريوهات التي تُعد لغزة عبر الأدوات السياسية، والتي من بينها رجوع سلطة محمود عباس لحكم غزة، هذه العملية يسميها الإسرائيلي والأمريكي في اليوم التالي بعد إنهاء المعارك، فهذه السيناريوهات لا وجود لها على الأرض بفضل صمود المقاومة الفلسطينية التي ما زالت قوية مع حاضنتها الشعبية، والنصر بإذن الله تعالى حليفها؛ ببركة دماء شهدائها الأبرار.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
100 عام من محاولات نزع سلاح المقاومة الفلسطينية
على مدى ما يزيد عن 100 عام، سعى الاستعمار البريطاني ثم الاحتلال الإسرائيلي والكثير من الدول إلى تجريد الفلسطينيين من سلاحهم، مقابل تسليح وتنظيم العصابات اليهودية، التي شكلت لاحقا الجيش الإسرائيلي واستمرت في تلقي الدعم الدولي في مساعيها لتكريس الاحتلال ومنع الفلسطينيين ومناصريهم من مقاومته.
الانتداب البريطانيفرض الانتداب البريطاني على فلسطين قوانين تضع عقوبات مشددة على تسلح العرب مقابل تعزيز تسليح اليهود، واعتمدت سياسات بالغة القسوة لتطبيقها.
وتلقي دراسة للباحث ماثيو هيوز منشورة عام 2010 في مجلة دراسات فلسطين، الضوء على ممارسات الانتداب البريطاني لملاحقة ونزع سلاح الفلسطينيين إبان الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، والتي تضمنت:
عمليات التفتيش: حيث كانت القوات البريطانية تقوم بتفتيش مكثف في القرى الفلسطينية، فتحاصر القرية وتفصل الرجال عن النساء والأطفال، مع استخدام الكلاب البوليسية لتتبع المشتبه فيهم والأسلحة المخبأة. العقوبات الجماعية: إذا تم العثور على أسلحة أو اشتبه بوجودها، كانت القوات البريطانية تفرض عقوبات جماعية على القرى وسيلة لردع القرويين عن دعم الثوار أو إخفاء الأسلحة، بما في ذلك تدمير المنازل وفرض غرامات مالية كبيرة، وحرق المحاصيل وصب الزيت على المؤن الغذائية. التعذيب والضغط لاستخراج المعلومات: حيث تم تعذيب المشتبه فيهم لاستخراج معلومات عن أماكن إخفاء الأسلحة، وشمل التعذيب أساليب مثل "الغمر بالماء" والضرب المبرح، وربط المشتبه فيهم بسيارات عسكرية وإجبارهم على السير فوق ألغام.كما أشارت دراسة عن تاريخ الأحكام العرفية في فلسطين للباحثين نهات دانغ ومايكل بروفانس، نشرت عام 2016، إلى أساليب أخرى لجأ إليها الانتداب البريطاني في تلك الفترة، منها:
إعلان فرض غرامات جماعية كبيرة على القرى التي كانت تعد غير متعاونة، مما أدى إلى إفقار السكان وإجبارهم على دفع الغرامات نقدا أو عينا (مثل الحيوانات والحبوب). إنشاء محاكم عسكرية لمحاكمة الفلسطينيين المشتبه في حيازتهم الأسلحة أو مشاركتهم في أعمال مقاومة، وكانت هذه المحاكم تفتقر إلى الاستقلالية والنزاهة، وكانت الأحكام صارمة بما في ذلك عقوبات الإعدام في بعض الحالات.ورغم الرقابة الشديدة، نجح الفلسطينيون في تهريب الأسلحة من الدول المجاورة، مثل الأردن وسوريا ولبنان ومصر، وتم تهريب البنادق عبر الحدود الوعرة.
كما لجأ المقاومون إلى تصنيع الأسلحة يدويًا، مثل: القنابل اليدوية المصنعة من مواد بسيطة. إضافة إلى استخدام بنادق معدلة محليًا خلال المواجهات مع البريطانيين والمستوطنين.
واستخدم الفلسطينيون أساليب لإخفاء الأسلحة مثل: دفن الأسلحة في المزارع وتحت الأشجار، وإخفاؤها داخل آبار المياه أو الكهوف في المناطق الجبلية، وتهريب قطع منفصلة من البنادق ثم تجميعها لاحقًا عند الحاجة.
يشير المؤرخ إيلان بابيه، في كتابه "التطهير العرقي في فلسطين"، إلى أن عمليات نزع سلاح الفلسطينيين خلال النكبة كانت جزءا من إستراتيجية التطهير العرقي التي هدفت إلى إضعاف مقاومة الفلسطينيين، ومنعهم من الدفاع عن أنفسهم، وضمان تفوق القوات الصهيونية وسيطرتها على الأرض.
ويذكر بابيه أن العصابات الصهيونية، بقيادة الهاغاناه والإرغون وشتيرن، كانت قد جمعت معلومات استخباراتية دقيقة عن القرى والمدن الفلسطينية من خلال ملفات القرى التي أُعدت مسبقًا.
وهدفت هذه المعلومات إلى تحديد قدرة الفلسطينيين على المقاومة، وأماكن تخزين الأسلحة، وهوية القادة المحليين الذين يمكن أن يقودوا عمليات مقاومة مسلحة.
إعلانوعند اندلاع الحرب وسيطرة هذه العصابات على المدن الفلسطينية الكبرى (حيفا ويافا والقدس واللد والرملة) عام 1948، فرضت عمليات تفتيش صارمة على الفلسطينيين وأجبرتهم على تسليم أي أسلحة يمتلكونها.
وبعد انتهاء الحرب، فرضت إسرائيل إجراءات قمعية صارمة لمنع أي محاولة فلسطينية لإعادة التسلح، وشملت:
فرض الأحكام العرفية داخل الأراضي المحتلة عام 1948. اعتقال أي فلسطيني يُشتبه في حيازته سلاحا. تنفيذ إعدامات ميدانية ضد المقاومين السابقين الذين كانوا يحملون أسلحة خلال الحرب. فرض نقاط تفتيش عسكرية دائمة للسيطرة على أي تحركات مسلحة محتملة.تناول المؤرخ الإسرائيلي "آفي شلايم" جهود نزع السلاح بعد النكبة في كتابه "الجدار الحديدي"، مشيرا إلى اشتمالها على الاعتقالات الجماعية، وتدمير المنازل التي يشتبه في أنها تخزن أسلحة، وتنفيذ العمليات العسكرية الوقائية كالغارات الليلية على القرى التي يشتبه في أنها تدعم المقاومة.
كما واجهت قوات الاحتلال أعمال المقاومة الفلسطينية بردود فعل قاسية، بما في ذلك الهجمات الانتقامية وتدمير البنية التحتية الفلسطينية.
وفي بعض الحالات، حاولت إسرائيل التعاون مع زعماء محليين فلسطينيين لنزع السلاح بشكل سلمي، ومع ذلك كانت هذه الجهود محدودة النجاح بسبب العداء المستمر وعدم الثقة بين الطرفين.
يقدمه نتنياهو على أنه ملهمه ومرشده الروحي، وأنه يحتفظ بسيفه ويقرأ أعماله بشكل دائم.. تعرف على جابوتنسكي مؤسس الليكود وصاحب نظرية "الجدار الحديدي"
للمزيد: https://t.co/qKMPk1vrnc pic.twitter.com/Rdjp8IVX9W
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) August 18, 2024
وكانت سياسات إسرائيل تعكس رؤية أمنية قائمة على فكرة "الجدار الحديدي"، التي طرحها زئيف جابوتنسكي والتي تدعو إلى استخدام القوة العسكرية المفرطة لكسر إرادة الفلسطينيين وإجبارهم على الخضوع للاحتلال.
إعلانوساهم نزع السلاح في ضمان التفوق العسكري الإسرائيلي، حيث أصبح الفلسطينيون في الداخل غير قادرين على تنظيم مقاومة مسلحة لسنوات طويلة.
وأدى ذلك إلى تحول المقاومة الفلسطينية من الداخل إلى الخارج، حيث بدأت منظمة التحرير الفلسطينية (1964) والفصائل الأخرى بالعمل من الأردن ولبنان لاحقًا.
ضغوط عربية ودوليةرصد المؤرخ الفلسطيني رشيد الخالدي استمرار مساعي نزع السلاح الفلسطيني وتوسعها في كتابه "مئة عام من الحرب في فلسطين"، حيث أشار إلى فرض بعض الأنظمة العربية قيودًا على النشاط المسلح الفلسطيني.
ففي الخمسينيات، قامت مصر -التي كانت تدير قطاع غزة آنذاك- بقمع الفدائيين ومنع محاولاتهم للتسلح، كما حدث مع ياسر عرفات ورفاقه في غزة، كما قيدت الحكومات الأردنية واللبنانية العمل المسلح الفلسطيني من أراضيها.
وخلال السبعينيات والثمانينيات، واجهت منظمة التحرير الفلسطينية ضغوطا مستمرة لنزع سلاحها، سواء عبر العمليات العسكرية الإسرائيلية مثل اجتياح لبنان عام 1982 أو عبر ضغوط دولية لإجبارها على نبذ الكفاح المسلح.
كما استندت اتفاقيات لاحقة مثل أوسلو (1993) إلى مبدأ "نزع سلاح الفلسطينيين" كشرط أساسي لإقامة السلطة الفلسطينية، مما جعل الضفة الغربية خاضعة لرقابة أمنية مشددة.
وبعد فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، ازدادت الضغوط الدولية والإسرائيلية لنزع سلاح الحركة.
وشهد قطاع غزة محاولة انقلاب بقيادة الأجهزة الأمنية المدعومة من الولايات المتحدة لإضعاف حماس، لكن الحركة تمكنت من إحكام سيطرتها على القطاع.
في المقابل، استمرت الضفة الغربية تحت سيطرة السلطة الفلسطينية التي تنسق أمنيًا مع إسرائيل لمنع أي نشاط مسلح لمقاومة الاحتلال.
إعلان ذريعة الحصارشدد الاحتلال الإسرائيلي حصاره على الأراضي الفلسطينية عموما، وعلى قطاع غزة خصوصا منذ العام 2006، بذريعة منع الفلسطينيين من استخدامها لتصنيع الأسلحة.
ويوثق تقرير لمؤسسة حقوق الإنسان الإسرائيلية "غيشاة-مسلك"، صادر في يناير/كانون الثاني 2022، تقييد إسرائيل دخول آلاف المواد إلى الضفة الغربية وقطاع غزة باستخدام "قانون مراقبة التصدير الأمني (2007)"، وأمر مراقبة التصدير الأمني.
ويتضمن هذا الأمر قائمتين؛ واحدة مشتركة للضفة الغربية وقطاع غزة، وأخرى تتضمن تصنيفات إضافية لبضائع ومواد "ثنائية الاستخدام" ويقيد دخولها إلى قطاع غزة فقط.
وتتعدى هذه القائمة بكثير ما تحدده اتفاقية "فاسينار" التي تنظم التجارة الدولية بالمواد الثنائية الاستخدام وتضم 42 دولة، منها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي.
وفي القائمة الإسرائيلية للمواد الثنائية الاستخدام، تلك الخاصة بقطاع غزة، تظهر مواد ضرورية للبناء مثل الأنابيب الحديدية التي تزيد عن قطر معين وخلاطات الباطون ومضخات ومعدات ميكانيكية ثقيلة مختلفة.
وإضافة لمواد البناء، فإن القائمة الإسرائيلية تتضمن آلاف المواد المطلوبة لحاجات مدنية يومية، مثل الأسمدة الزراعية أو مركبات لمستحضرات التجميل.
حرب الظلالنشطت المقاومة الفلسطينية في العقود الثلاثة الأخيرة في مجالي تهريب وتصنيع الأسلحة، وهو ما واجهه الاحتلال وحلفاؤه بالعمل الأمني والاستخباري وأحيانا العسكري. وشكلت إيران مصدرا أساسيا لتهريب الأسلحة، إضافة إلى ليبيا والصين وغيرها من الدول.
ونشطت طرق التهريب عبر البحر الأحمر والسودان ومصر وسوريا والعراق والأردن، وصولا إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
وإبان انتفاضة الأقصى سيطرت قوات الاحتلال على السفينة "كارين إيه" المحملة بالسلاح، التي كانت حمولتها متجهة إلى قطاع غزة، واتهمت إسرائيل حينها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بالوقوف خلفها.
إعلانولاحقت إسرائيل خطوط الإمداد حيث قصفت الطائرات الحربية الإسرائيلية السودان عدة مرات، زاعمة أنها استهدفت شحنات سلاح متجهة إلى قطاع غزة.
واغتالت إسرائيل محمود المبحوح القيادي في كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في دبي عام 2010، والذي اتهمه الإعلام الإسرائيلي بالمسؤولية عن تهريب الصواريخ من إيران إلى قطاع غزة.
كما لاحق جهاز الموساد شبكات التطوير العسكري والتصنيع للمقاومة الفلسطينية داخل وخارج فلسطين، فاختطف المهندس والخبير بالصواريخ ضرار أبو سيسي من أوكرانيا عام 2011.
واغتال مهندس الطائرات المسيرة التونسي محمد الزواري في تونس عام 2016، واغتال دكتور الهندسة الفلسطيني فادي البطش في ماليزيا عام 2018 والذي وصفه الإعلام الإسرائيلي بأنه خبير في الطائرات المسيرة.
ولاحق العالم العراقي طه الجبوري بتهمة دعم حركة حماس، وصولا إلى اعتقاله في الفلبين وتسليمه للسلطات العراقية عام 2018.
واغتالت إسرائيل في حربها على القطاع عام 2021 عالم الصواريخ الفلسطيني العائد من وكالة "ناسا" جمال الزبدة.
إعادة التسليحوفي المقابل كانت المقاومة الفلسطينية تقتنص كل فرصة لإعادة التسلح، إذ وفر سقوط أنظمة عربية خلال الربيع العربي فرصة ذهبية لتهريب الأسلحة بوفرة من ليبيا إلى قطاع غزة عبر الأراضي المصرية، وفق تصريحات لعدد من قادة حركة حماس نقلتها مواقع إخبارية إسرائيلية وعربية ودولية، وبحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز في يناير/كانون الثاني 2024 تحت عنوان "من أين تحصل حماس على أسلحتها؟".
وكشف تحقيق لبرنامج "ما خفي أعظم" الذي تبثه الجزيرة، عن استخدام المقاومة خطوط المياه المهجورة في مناطق المستوطنات المخلاة في قطاع غزة كمواد خام لتصنيع الصواريخ.
كما استخرجت المقاومة من قعر البحر المتوسط أسلحة من سفن بريطانية غارقة، وأعادت تدوير القذائف والصواريخ الإسرائيلية التي لم تنفجر بعد قصف القطاع بها، وهو ما ظهر بكثرة إبان حرب طوفان الأقصى في الأعوام 2023-2025.
إعلان نزع السلاح من جديدوخلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، يطرح الاحتلال وحلفاؤه خططا لنزع سلاح المقاومة في غزة، كما تكرر في تصريحات قادة الاحتلال.
وسبق أن أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن استئناف مفاوضات المرحلة الثانية لوقف إطلاق النار في غزة، والتي تشمل إبعاد قيادة الحركة من غزة، وتفكيك ذراعها العسكرية كتائب القسام، ونزع سلاحها، وإطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين.
كما توالت تصريحات وزير خارجية الاحتلال غدعون ساعر بأن إسرائيل تطالب بـ"نزع كامل للسلاح" من قطاع غزة، وبتنحي حركة حماس كشرط للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.
يأتي هذا في وقت ترفض فيه الإدارة الأميركية الاعتراف بحق الفلسطينيين في التحرر وتقرير مصيرهم، في تكرار لمساع عمرها مئة عام، رفضها وأحبطها إصرار الفلسطينيين ومناصري قضيتهم من العرب والمسلمين على استمرار النضال حتى تحرير أرضهم.