التحرُّر العربي من الإمبريالية الغربية (1)
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
سمير الهنائي
أنا على يقين بأنَّ العدوان غير المسبوق وتكالب قوى الشر على غزة بعد إبادة الآلاف من الفلسطينيين وفي مذبحة جماعية فريدة من نوعها عبر تاريخ احتلال فلسطين والتي دعمتها القوى الإمبريالية هذه المرة بشكل علني وفوري هو بمثابة لحظة تاريخية فارقة، نعم لم ينتهِ العدوان على غزة ولكن المقاومة انتصرت كمعادلة هنا.
ومهما كانت الضريبة فهو الاستثناء بين دبابة محتل وبين بندقية ثائر، وبالإيمان وحده يقاوم الفلسطينيون من اغتصب أرضهم فانتصروا وسينتصرون أمام كل هذه التحالفات العظمى العملاقة رغم حجم البندقية وغصن زيتون الفلسطيني لكي يُجلي آخر صهيوني من على الأرض، وفي هذه الإبادة لم ينكشف وجه الغرب القبيح فحسب بل كُشفت وجوه "العربي المتخاذل" ووجه المتواطئ والمتصهين معًا، وما كان مؤلمًا هنا هو أن يكون الإنسان الغربي أكثر نخوة لنصرة أهل غزة تنديدًا وتظاهرًا ضد المحتل وداعميه، بينما اكتفينا نحن بمشاهدة برك الدماء والجثث من خلف الشاشات وتوارينا بعيدا عن الساحات والميادين إلا القليل ممن رحم الله في الأمة .
أيها القارئ العزيز؛ اسمح لي هنا أن أقدم وجهة النظر حول مسببات الصمت العربي وأنا أشعر بالخجل من هذا التخاذل المؤسف، فصمتنا نحن العرب نحو القضية تحصيل حاصل وهذا الضعف العربي والشعبوي تحديدا ما كان ليتحقق لولا ما صنعته قوى الاستعمار في تحويل الشعوب العربية لأفواه تأكل ولا تنتج، وعقول تسرح ولا تفكر وأجيال تتعلم ولكنها لا تبدع وعلماء ذوي مخرجات علمية ولكنها مكبوتة فكرياً، ومثقفين نسخ ولصق، وإعلام /صحافة للتجهيل وفنون منحطة، والثقافة باتت معلبة ولا تقوم سوى بنشر وطباعة الكتب التي لا تعنى بالمعرفة؛ بل وصل البعض منها للتفاهة والخواء في مختلف المجالات، فتمنح الشعوب الغذاء والماء مقابل حرية الفكر والتعبير فقامت الأنظمة الفاسدة بعسكرة الدولة وتعميق الفوبيا الأمنية ومن ثم تعزيز القمع، بدءًا من نشر التخلف وتوظيف الدين في خدمة السياسة ومن ثم إشغال الأجيال والأطفال بالتكنولوجيا السلبية والعمل على غرس المناهج التعليمية البسيطة والمحدودة التي يذهب من خلالها الطالب كل صباح ليلقنها له المعلم من الكتب حتى يبلغ الثانوية العامة ويجتهد ليقدم امتحانات من داخل صندوق المناهج ويمتحنها بعد إعادة تدويرها ليحصل على علامة جيدة أو ممتازة لتؤهله إلى كلية الطب أو الهندسة مثالا، ويستمر داخل نفس الحلقة تلقين من ثم تخزين للمعلومة ويسلمها للعقل دون تفاعل فقط "الحفظ"حتى موعد التخرج.
لقد ساعدت القوى الغربية والمهيمنة على صناعة وبرمجة الشعب العربي ثقافيا وعلميا وفكريا وما وصل إليه اليوم من انكسار وضعف.. كان ذلك كله بدعم الدبابة الغربية ولقد حكموا المنطقة بصورة مثالية ونجحوا.
وقبل أن أختم هذا المقال أقولها بصرخة عربي وبقلم عربي حالم لن نفلح في شيء نحن معشر العرب دون الثقافة وتعميق الوعي السياسي في مجتمعاتنا، وبهذا سيعود العرب للمجد والقوة حينها فقط يستطيع العالم العربي أن ينطق الحق ويقف ضد الظلم والطغيان ويواجه بقوة وإيمان لرفعة العدل والحق والكرامة، وحينها فقط سيكون قادرا على تحمل كلفة الدم والروح.
أما الآن ناموا وقبل النوم عليكم أن تنجبوا جيلًا لا أقول ثوريًا أو قساميًا؛ بل قارئًا، لكي يعرف من أين يبدأ الطريق إلى الحرية والكفاح.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
خيارات العرب في قمة القاهرة
ستنعقد القمة العربية في السادس من آذار/ مارس، إن لم يطرأ جديد، وكان من المفترض أن تنعقد يوم 27 شباط/ فبراير الجاري، لكن يبدو أن هناك ما استدعى التأجيل، وانطلقت مع عملية التأجيل لقاءات عربية مكثفة بين دول الخليج ومصر والأردن، ودخلت تركيا وإيران في لقاءات ثنائية أخرى مع دول الإقليم.
ومع الموقف المبدئي العربي برفض تهجير الفلسطينيين، فقد ارتفعت -بدرجة ما- آمال الشعوب العربية في تبني القمة موقفا صلبا أمام خطة ترامب، لكنها آمال مشوبة بحذر بالغ، بسبب أداء هذه الأنظمة طَوال حرب الإبادة التي شنها الاحتلال على قطاع غزة المناضل الصامد.
إذا تعاملنا وفق الآمال، فالمرجو من القمة العربية أن تعلن موقفا واضحا لا لبْس فيه يتبنى أربعة أمور:
استمرار وقف إطلاق النار وانتقاله إلى إنهاء العدوان، وبدء إعمار قطاع غزة، ورفض تهجير الفلسطينيين إلى أي مكان خارج وطنهم، ودعم قيام دولة فلسطينية على حدود القرار الأممي 181 لعام 1947، ورفض الاحتلال الصهيوني للأراضي السورية.
كان معيبا أن القمة الطارئة ستنعقد بسبب تصريحات ترامب الداعية إلى تهجير الفلسطينيين، فالدعوة إلى القمة ارتبطت بمخاطر محتملة على مصر والأردن، وكأن الشعب الفلسطيني وحده كان لا يستحق عقد قمة لوقف العدوان ولدعمه
كان معيبا أن القمة الطارئة ستنعقد بسبب تصريحات ترامب الداعية إلى تهجير الفلسطينيين، فالدعوة إلى القمة ارتبطت بمخاطر محتملة على مصر والأردن، وكأن الشعب الفلسطيني وحده كان لا يستحق عقد قمة لوقف العدوان ولدعمه، لكن على كل حال جاءت حاجة مصر والأردن في مصلحة الشعب الفلسطيني، ما يجعل السقف مرفوعا عن حدود عملية التهجير.
إذا الموقف الأول الداعم لوقف التهجير، يجب أن يكون تمديد وقف إطلاق النار بمراحله الثلاث التي تتضمن وقفا دائما لإطلاق النار، وإعادة إعمار قطاع غزة، ورفع الحصار عن الفلسطينيين فيه، وهذه العملية لا يبدو أنها ستحدث وفقا لتصريحات القادة الصهاينة في الكيان وأمريكا، ولعل الأصوات الداعمة لوقف إطلاق النار في الكيان تتحدث بوضوح عن استمرار الحرب بعد استعادة الأسرى، وآخرها لوزير الحرب السابق يوآف غالانت في مؤتمر بجامعة رايخمان، الذي قال أمس الثلاثاء: "لا يمكن تحقيق هدفيْ الحرب إلا بخطوة واحدة: أولا إعادة الأسرى، ثم القضاء على نظام حماس، لسبب بسيط وهو أنه إذا ذهبنا بالترتيب المعاكس: فلن يكون لدينا أي أسرى يمكن إعادتهم"، فضلا عن تصريحات نتنياهو والأمريكان عن وجوب القضاء على حماس، ومعلوم أنه لا سبيل للقضاء عليها سوى بالقتال.
لذا، إذا أراد المؤتمِرون من العرب منع التهجير الفلسطيني، فعليهم أن يعبِّروا عن رفضهم تجدد القتال بإجراءات عملية، مثل فتح المعابر دون الالتفات للقيود الصهيونية على شاحنات المساعدات، وتصعيد الضغط الدبلوماسي، في الهيئات الأممية، وسحب السفراء، أو قطع العلاقات، وما إلى ذلك من الأدوات الدبلوماسية، وكنا نرجو أن تكون هناك خيارات أكثر قسوة، لكن هذا السقف الذي لا يمكن لهؤلاء الحكام أن يجاوزوه.
أما الموقف الثاني، فيجب أن يرقى إلى اعتبار عملية تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة أو الضفة بمثابة إعلان حرب على مصر والأردن، وبالتالي لن تقف الدول العربية الأخرى متفرجة على تهديد أمن الدولتين.
والموقف الثالث، يتعلق بإعلان دعم المؤتمِرين في القاهرة قيام دولة فلسطينية مستقلة، كاملة السيادة على حدود عام 1947، وهي الحدود المنصوص عليها في قرار الأمم المتحدة رقم 181 (د-2) في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، المعروف باسم "قرار تقسيم فلسطين"، ورغم اعتراف كاتب السطور بإجحاف هذا القرار للفلسطينيين، لكنه يبقى الحد الأدنى الذي ينبغي على العرب أن يطالبوا به، وحينها يمكن للفلسطينيين أن يتجولوا وينتقلوا خارج حدود غزة، ولكن إلى عسقلان والمجدل ويافا والناصرة وبئر السبع وغيرها من مدن وبلدات فلسطين في حدود عام 1947، لا أن ينتقلوا إلى مصر والأردن والسعودية أو حتى أوروبا.
كذلك لا ينبغي فصل الدولة الفلسطينية المرتقبة عن كونها دولة غير كاملة السيادة، بمعنى أن من حقها أن تنشئ قوات نظامية لحفظ الأمن، وقوات عسكرية لحفظ حدودها من أي عدوان صهيوني مستقبلي، وهذا بالمناسبة سيمنع التهجير أيضا وبالتالي سينتفع المصريون والأردنيون من هذا الردع ولن يجدوا أنفسهم في حاجة إلى الخوض في قرارات تهجير.
تستلزم السيادة أن تتوقف دعوات الحكام العرب إلى إنشاء دولة منزوعة السلاح، فهذا غير مقبول من ناحية المبدأ، فضلا عن وجود عدو همجي ووحشي ومجرم يتربص بالفلسطينيين، كما عليهم تعديل مبادرة السلام العربية التي تنادي بسلام مقابل دولة فلسطينية على حدود عام 1967، فما سبب اختيار هذه الحدود رغم أن القرار الأممي لعام 1947 أعطى الفلسطينيين مساحة أكبر؟!
وكما أن حدود عام 1967 واقعة تحت الاحتلال، فحدود 1947 تقع تحت الاحتلال كذلك، وكما أن القرار 242 الصادر في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر لعام 1967 قرار أممي، فالقرار السابق له رقم 181 قرار أممي أيضا، لكنه يمتاز عنه بأنه من الجمعية العامة، لا كالقرار اللاحق الصادر عن مجلس الأمن وهو هيئة منبثقة من الأمم المتحدة، مع ما للمجلس من ثقل وأهمية، كما أن قرار مجلس الأمن لم يكن ناسخا أو ملغيا للقرار 181.
إن درجة من التصالح الداخلي، ستفتح الباب أمام تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان الطاغي، وهذا دور الأجهزة الوطنية التي تدفع الحكام إلى رفض التهجير ورفض تصفية القضية الفلسطينية، ربما على غير إرادتهم، فهؤلاء الوطنيون يدركون خطورة هذا المسار، ويقفون حجر عثرة أمام ترْك الساحة للقرارات المنفلتة، وسيكون مناسبا أن يُكملوا رسم الصورة لصناع القرار وإخبارهم أن الظرف لا يحتمل الانقسام السياسي
أما الموقف الرابع، فيتعلق بالدولة السورية الجديدة، فمن واجب العرب أن يدعموا تحرر أرضها، والبدء أولا بعودة الاحتلال إلى حدود اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، ثم استمرار المطالبة بانسحاب الاحتلال من الجولان السوري المحتل، والالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي دعا الاحتلال الإسرائيلي إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلها في عدوانه على الدول العربية صبيحة 5 حزيران/ يونيو 1967.
هذا السقف المطروح ليس خياليّا، وليس صداميّا للغاية مع محور الشر الأمريكي-الصهيوني، بل هو نابع من نقاشات قانونية ومطالب بديهية في القانون الدولي، ومتوافق مع مطالب الشعوب التي يمكنها أن تدعم مُطلقي هذه الدعوات بشتى الصور، وهذا يستدعي تكرار ما ذكره العبد الفقير كاتب السطور في مقاله السابق: "لم يعد اليوم أمام الحكام العرب مفر من أخذ موقف داعم للقضية الفلسطينية، ولو على غير إرادتهم، إنقاذا لحكمهم، أو تفاديا لانقسام أنظمتهم السياسية. وهذه الخطوة تستلزم درجة من التراجع عن مساحات القمع الداخلية، إذ إن المعارضين لأنظمتهم هم الأقدر على قيادة حركة الشارع من أجل تنظيم معارضة شعبية حقيقية، تساعدهم في موقفهم الرسمي أمام ترامب وحلفائه".
إن درجة من التصالح الداخلي، ستفتح الباب أمام تماسك الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان الطاغي، وهذا دور الأجهزة الوطنية التي تدفع الحكام إلى رفض التهجير ورفض تصفية القضية الفلسطينية، ربما على غير إرادتهم، فهؤلاء الوطنيون يدركون خطورة هذا المسار، ويقفون حجر عثرة أمام ترْك الساحة للقرارات المنفلتة، وسيكون مناسبا أن يُكملوا رسم الصورة لصناع القرار وإخبارهم أن الظرف لا يحتمل الانقسام السياسي. وما فعله السيد عمرو أديب في إحدى حلقاته، عندما طالب بإخراج المعتقلين دون استثناء، كان دعوة في محلها، لخطورة الظرف والوضع على المنطقة كلها، لا فلسطين فقط، فالصهاينة إذا ابتلعوا فلسطين، فلن يترددوا في قضم أي قطعة أخرى تكون متاحة لهم، كما فعلوا في سوريا ولبنان هذه الأيام.