شكل اتفاق مؤتمر المناخ "كوب-28" الذي يدعو إلى التخلي تدريجيا عن الوقود الأحفوري، بما في ذلك الفحم والنفط والغاز الطبيعي، والانتقال نحو الطاقة المتجددة والمستدامة، معضلة اقتصادية كبيرة في دول الخليج التي تعتمد على النفط موردا أساسيا لدخلها القومي.

ويتضمن اتفاق "كوب-28" الذي اختتم مؤخرا في الإمارات، التزام الدول الموقعة باتخاذ إجراءات للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بما في ذلك خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري، وينص الاتفاق على أن الدول الموقعة ستعمل على الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتعزيز كفاءة استخدام الطاقة، ودعم البحث والتطوير في مجال الطاقة النظيفة.

وعقب الإعلان عن هذا الاتفاق، ثارت تساؤلات عدة حول تأثير هذا الاتفاق على صادرات دول الخليج من النفط والتحديات الاقتصادية التي ستواجهها مستقبلا.

وتباينت الآراء بين الخبراء في مجال الطاقة والنفط حول تأثير هذا الاتفاق على صادرات الخليج، فالبعض يرى أن تنفيذ التوصيات التي تضمنها الاتفاق قد يؤدي إلى تراجع تدريجي في الطلب على النفط العالمي، مما قد يؤثر سلبا على صادرات الخليج. في حين يعتقد البعض الآخر أن الطلب على النفط سيظل قويا في المدى المتوسط، وبالتالي فإن صادرات الخليج لن تتأثر بشكل كبير.

في إطار الدورة الـ 28 من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ، التزمت دول العالم باتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب الآثار السلبية الكارثية لـ #أزمة_المناخ. إذ يظهر بوضوحٍ أنه لا يمكن لدولة واحدة تحقيق ذلك بمفردها. #العمل_المناخي #COP28 pic.twitter.com/YyGK7PU0Cs

— الخارجية الأمريكية (@USAbilAraby) December 16, 2023

مسألة شائكة

وفي هذا الصدد يقول الخبير النفطي الكويتي كامل الحرمي إن توصيات مؤتمر "كوب-28" بشأن التخلي عن الوقود الأحفوري لا يوجد نطاق زمني محدد لتطبيقها، بالإضافة إلى أن خفض الاستهلاك العالمي للوقود الأحفوري هي مسألة صعبة وشائكة، وبخاصة من جانب الدول المنتجة والمصدرة للنفط.

ويقول الحرمي، في حديث للجزيرة نت، إنه من المتوقع أن يؤدي انتقال الدول الصناعية الكبرى إلى تطبيق توصيات اتفاق "كوب-28" إلى انخفاض الطلب العالمي على النفط على المدى الطويل، وذلك لأن هذه الدول ستحتاج إلى وقت لتنفيذ سياسات التحول إلى الطاقة النظيفة، التي ستؤدي إلى انخفاض اعتمادها على الوقود الأحفوري، بما في ذلك النفط.

ويوضح أنه رغم أن هذا الانخفاض سيكون تدريجيا على مدى السنوات القادمة، فإنه من المتوقع أن يكون له تأثير كبير على صادرات الخليج من النفط.

ويضيف الحرمي "في الوقت الحالي، تواجه الدول الخليجية منافسة شديدة بسبب الكميات الكبيرة من النفط القادمة من أميركا وكندا والبرازيل، وتنتج هذه الدول كميات كبيرة من النفط الخام، مما يؤدي إلى انخفاض الأسعار العالمية للنفط، وذلك لأن هذه الكميات ستؤدي إلى زيادة المعروض العالمي من النفط، مما سيؤدي إلى انخفاض الأسعار".

وأشار إلى أن هذه الكميات تضغط على دول أوبك بلس لخفض إنتاجها، وذلك في ظل سعيها للحفاظ على أسعار النفط عند مستويات مناسبة لها، متوقعا أن ينخفض سعر النفط في قادم الأيام.

مواجهة التحديات

وتوقع الخبير النفطي أن يؤدي انخفاض سعر النفط إلى ضغط على ميزانيات الدول النفطية، بما في ذلك الدول الخليجية، وذلك لأن هذه الدول تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط لتمويل ميزانياتها، مشددا على أنه لمواجهة هذا التحدي، لا بد للدول النفطية من التخطيط للمستقبل واتخاذ إجراءات لتنويع اقتصاداتها وخفض اعتمادها على النفط.

ويرى الحرمي أنه لمواجهة هذه التحديات، تحتاج الدول الخليجية إلى اتخاذ إجراءات إستراتيجية، بما في ذلك:

تنويع اقتصاداتها خفض اعتمادها على النفط الاستثمار في الطاقة النظيفة تطوير الصناعات التحويلية تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر

من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي السعودي تركي فدعق أن تطبيق هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مؤتمر "كوب-28" سيستغرق ما بين 10 و20 عاما، وبالتالي لن تظهر أي تأثيرات لهذا الاتفاق خلال عقد كامل على الأقل.

ويشير فدعق، في حديث للجزيرة نت، إلى أن دول الخليج تدرك أن العالم يتجه تدريجيا نحو التخلي عن الوقود الأحفوري، وعليها أن تساير هذا الاتجاه، وأحد السبل لتحقيق ذلك هو التحول إلى الطاقة النظيفة والمتجددة والمنتجات البتروكيميائية.

ويضيف أنه مع توجه العالم نحو الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بدلا من الوقود الأحفوري، وبما أن الوقود الأحفوري يُستخدم بشكل رئيسي في السيارات، فإن انخفاض الطلب على الوقود الأحفوري سيؤثر سلبا على صادرات النفط في دول الخليج، لافتا إلى أنه بسبب ذلك، تسعى دول الخليج إلى التحول إلى المنتجات النفطية التي يمكن أن تستخدم في مجموعة متنوعة من الصناعات.

جانب من مؤتمر "كوب-28" بشأن المناخ الذي عقد في دبي في الفترة بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول (شترستوك)  تأثير على المدى البعيد

ويعتبر فدعق أن هذه الخطوة ضرورية لدول الخليج للاستعداد للمستقبل، حيث إن الطلب العالمي على الوقود الأحفوري سيستمر في الانخفاض في السنوات القادمة، مشيرا إلى أنه وفق آخر الدراسات فإن نسبة الوقود المستخدم في وسائل النقل المختلفة تمثل أكثر من 50% من إجمالي الوقود المنتج عالميا.

وعما إذا كان اتفاق "كوب-28" سيؤثر على حجم النفط الذي تنتجه دول الخليج، يشير الخبير الاقتصادي السعودي إلى أن التغير في مستويات الإنتاج يتماشى مع التغير في مستويات الطلب، موضحا أن مستويات الإنتاج يحددها حجم الطلب العالمي، ومستويات الطلب يحددها النمو الاقتصادي في العالم الذي سيتم تعويض جزء منه بالبدائل التي تحل محل الوقود مثل السيارات الكهربائية وغيرها من وسائل الطاقة المتجددة.

بدوره، يرى الخبير الاقتصادي أحمد عقل أن قرارات "كوب-28" وغيرها من التجمعات العالمية بشأن المناخ لها تأثير على المدى المتوسط والطويل في موضوع النفط، لافتا إلى أن فكرة التحول من الوقود الأحفوري والاستغناء عنه راودت الكثير منذ فترة طويلة، والعمل على تطبيقها على أرض الواقع ليس بالأمر السهل.

ويقول عقل، للجزيرة نت، إن إنتاج العالم حاليا من النفط يفوق أكثر من 100 مليون برميل يوميا، وهذه احتياجات العالم من الطاقة، والوسائل التقنية والتكنولوجية الموجودة للاستغناء عن هذه المصادر وتحويلها إلى مصادر متجددة وصديقة للبيئة ليست كافية حتى الآن، ولكن العمل عليها وإيجاد حلول لهذا الأمر عمل مستمر، ليس فقط بهدف الحفاظ عل البيئة ولكن بهدف اقتصادي أيضا يتمثل في تقليص الدول لنفقاتها على الوقود الأحفوري.

ويتوقع ألا تحدث تأثيرات تذكر على المدى القريب فيما يخص صادرات الخليج بسبب اتفاق "كوب-28″، لافتا إلى أنه "مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ومع بداية وقف إمدادات النفط الروسي رأينا كيف بحثت جميع الدول عن مصادر وممولين جدد للغاز وللنفط ولم تكن مصادر الطاقة المتجددة كافية لسد حاجات السوق الأوروبية وبعض الدول فيها".

ويتفق مع الآراء السابقة الخبير الاقتصادي القطري خالد الخاطر الذي يرى صعوبة نجاح هذا التحول، مشيرا إلى أنه حتى في حال نجاحه فسيحتاج فترة زمنية طويلة.

ويعرب الخاطر، في حديث للجزيرة نت، عن اعتقاده أن الهدف من هذا الاتجاه العالمي في نهاية المطاف هو تحميل الدول المنتجة والمصدرة للنفط ضريبة أو تكلفة التلوث الذي تعاني منه الكرة الأرضية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: على الوقود الأحفوری الخبیر الاقتصادی الطاقة المتجددة الطاقة النظیفة هذا الاتفاق على صادرات دول الخلیج التحول إلى للجزیرة نت إلى انخفاض بما فی ذلک على المدى على النفط من النفط إلى أنه أن هذه إلى أن

إقرأ أيضاً:

خطة الكهرباء لصيف 2025.. توفير الوقود والطاقة المتجددة لتحقيق الوفر المستهدف

 استعرض رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، موقف تخصيص الأراضي لمشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة وبخاصة الهيدروجين الأخضر، وموقف الطاقة في الصيف المقبل.

جاء ذلك خلال اجتماع عقده رئيس مجلس الوزراء، الأحد، بحضور وزراء الكهرباء والطاقة المتجددة المهندس محمود عصمت، والمالية أحمد كجوك، والبترول والثروة المعدنية المهندس كريم بدوي، ونائب وزير المالية للسياسات المالية ياسر صبحي، ونائب وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المهندسة صباح مشالي، ومدير المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة اللواء ناصر فوزي، والقائم بأعمال رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة المهندس إيهاب إسماعيل، ومساعد وزير المالية للشئون الاقتصادية شيرين الشرقاوي، ومساعد وزير المالية للسياسات والتطوير الضريبي رامي يوسف.

قدرات ومواقع مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر

وعرض المهندس محمود عصمت، خلال الاجتماع، بشكل تفصيلي قدرات ومواقع مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر، وأبرز المشروعات التي تم تسليم مواقعها لبدء الدراسات، والمشروعات التي سيتم تنفيذها بالتعاون مع وزارة النقل، وعرض أيضاً الوثائق المتعلقة بمشروعات الهيدروجين الأخضر، وخارطة تنفيذ كل اتفاق لمختلف مشاريع الطاقة المتجددة، وتشمل 8 مذكرات تفاهم و15 اتفاقية إطارية، مبرمة مع 23 شركة وتحالفا.

الحكومة تعلن خبرا سارا بشأن كهرباء صيف 2025الحكومة تعلن خطتها لمواجهة صيف 2025 وتأمين إمدادات الكهرباء

كما عرض وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، محددات خطة الوزارة للاستعداد لصيف 2025 بالتنسيق مع مختلف الجهات المعنية، حيث تناول موقف توفير كميات الوقود والغاز الطبيعي اللازمين لتشغيل محطات توليد الكهرباء، بالإضافة إلى موقف محطات الطاقة المتجددة المتوقع أن تدخل الخدمة خلال الصيف المقبل، وتأثير ذلك على تحقيق الوفر المستهدف في الوقود.

بدوره.. عرض اللواء ناصر فوزي، موقف تخصيص الأراضي لمشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة منذ عام 2016 وحتى الآن، في مختلف المناطق المستهدفة، بما في ذلك المساحات الصادر لها قرارات جمهورية، والجاري استصدار قرارات بشأنها، موضحاً أن إجمالي المساحات الصادر لها قرارات جمهورية في هذا الصدد تبلغ حوالي 41.3 ألف كم2، كما أنه جار حالياً استصدار قرارات لمساحات بإجمالي 4859.3 كم2، ليبلغ الإجمالي العام للمساحات المُخصصة لهذا الغرض قرابة 46.2 ألف كم2 تعادل نحو 10.9 مليون فدان.

كما عرض مدير المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة تفاصيل دراسة عددٍ من المواقع التي يتم النظر في تخصيصها لتنفيذ مشروعات للطاقة الجديدة والمتجددة وإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء، بعدة محافظات، كما تناول موقف الطلبات المُقدمة للهيئة العامة الاقتصادية لقناة السويس لتخصيص مواقع جديدة لإقامة مشروعات لتلك الأغراض، وتتضمن مشروع بمنطقة بورسعيد لإنتاج الأمونيا الخضراء وتغذيته باستخدام طاقة مُنتجة من الكهرباء الخضراء بطاقة تصل إلى 5.5 جيجاوات، ومشروعين آخرين بمنطقة شرق بورسعيد لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء، وكلوريد البوتاسيوم والصودا الكاوية، المستخلصين من مياه البحر؛ مع تغذية المشروعين باستخدام كهرباء مُنتجة من مصادر الطاقة المتجددة سواء من طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية بطاقة تصل إلى 13 جيجاوات.

مقالات مشابهة

  • «كهرباء دبي» تبحث فرص التعاون مع إندونيسيا بمجال الطاقة النظيفة
  • 2.2 مليار شخص يعانون نقص المياه النظيفة.. الأمم المتحدة تحذر: ذوبان الأنهار الجليدية يهدد الأمن المائي العالمي.. والبنك الدولي: 273 ألف حالة وفاة للأطفال سنويًا بسبب سوء الخدمات
  • ناقلات نفط إيرانية محتجزة في الخليج استخدمت وثائق عراقية مزورة
  • لهذا السبب.. أمريكا تحتجز ناقلات إيرانية في الخليج!
  • أبل تعتزم تأسيس صندوق جديد للطاقة النظيفة في الصين
  • أبل تعتزم تأسيس صندوق جديد للطاقة النظيفة في الصين بقيمة 99 مليون دولار
  • خطة الكهرباء لصيف 2025.. توفير الوقود والطاقة المتجددة لتحقيق الوفر المستهدف
  • محمد كركوتي يكتب: الطاقة النظيفة في الصين
  • دول الخليج والمشهد السني.. مصالح استراتيجية تتخطى الأجيال السياسية
  • دول الخليج والمشهد السني.. مصالح استراتيجية تتخطى الأجيال السياسية - عاجل