فرنسا: الجمعيات والسلطات العامة في كاليه أمام معضلة عبور المهاجرين إلى بريطانيا
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
إعداد: فارس بوشية | لويس شاهونو إعلان اقرأ المزيد
في هذا الصباح البارد من شهر ديسمبر/كانون الأول، وصل عشرات المهاجرين غير النظاميين إلى محطة القطارات في كاليه (شمال فرنسا) قادمين من بولوني سور مير وضواحيها. بعضهم ملفوف في بطانيات النجاة والبعض الآخر يرتدي ملابس مبللة، ما ينبئ بأن محاولتهم للعبور إلى بريطانيا قد فشلت.
لقد وصل نحو 300 مهاجر، الجمعة والسبت، إلى شواطئ سانغات وويسان وفيمرو، بين مدينتي كاليه وبولوني سور مير، في محاولة متجددة للعبور إلى بريطانيا، وجهتهم المحفوفة بالمخاطر.
فهل نجح بعضهم في العبور؟ التساؤل يبقى من دون جواب، لكن من المؤكد أن خطورة بحر المانش لم تتغير، وفق محافظة الشمال، لقي مهاجران مصرعهما بعد غرق سفينتين، وهما الضحيتان التاسعة والعاشرة في 2023.
كشف أكسيل غودينا (23 عاما)، وهو منسق فرع كاليه في جمعية "يوتوبيا 56" لإغاثة المهاجرين: "تلقينا 12 نداء استغاثة خلال 24 ساعة، بما في ذلك ثمانية في غراند-سانت وخمسة في كاليه".
حاولا الوصول إلى أحد القوارب، لكن السائق انطلق بدونهمافي ساحة المحطة، يتحدث اثنان من زملائه مع المهاجرين العائدين من الكثبان الرملية القريبة من البحر، مستخدمين هواتفهم للترجمة إلى العربية أو الباشتو أو الفارسية. واقترب قاصران لتبادل الحديث معنا. وائل (16 عاما) وأيهم (17 عاما) سوريان من دمشق. عند حلول الليل، حاولا الوصول إلى أحد القوارب المطاطية المتوجهة نحو بريطانيا، لكن السائق انطلق بدونهما.
وكباقي الأيام، ليس أمام الشابين لقضاء الليلة سوى دار سانت أومير للقاصرين، على بعد 40 كيلومترا، وهو مبنى صغير الحجم يضم 50 مكانا لاستقبال عدة مئات القُصَر المعزولين. في العام 2021، تم توجيه 3300 قاصر إلى هذا المكان.
مهاجرون ينتظرون في محطة قطار كاليه بعد فشلهم في عبور بحر المانش، 16 كانون الأول/ ديسمبر 2023. © لويس شاهونو، فرانس24 "الشرطة مقتنعة بأننا على اتصال بالمهربين"في شاطئ فيمرو، لا أثر للمهاجرين في هذا اليوم (السبت) نظرا لسوء أحوال الطقس. لكن أثناء جولاتنا على الكثبان الرملية التي تمتد على طول الشاطئ، عثرنا على سترات النجاة البرتقالية ما يدل على أن بعضهم حاولوا العبور ليلا. وعثرنا أيضا على معطف شتوي أخضر اللون مدفون في الرمل وعلى صندوق من الورق المقوى كان ربما يحوي قاربا مطاطيا.
للإفلات من قبضة رجال الأمن، يستخدم المهربون في معظم الأحيان تقنية "قارب تاكسي"، إذ يضعون القوارب على ضفاف الأنهار ثم يتوجهون إلى الساحل ليباشروا عملية "الركوب". لكن العملية الأكثر شيوعا تتمثل في دفن القارب المطاطي في الرمل ثم إخراجه في اللحظة الأخيرة. كل ما يجب فعله بعدها هو نفخ القارب وإضافة محرك، غالبا ما يكون صغير الحجم، قبل الإبحار.
وحسب أكسيل غودينا، "ينتظر المهاجرون أحيانا ما يصل إلى 48 ساعة وهم مختبئون في الكثبان الرملية قبل تلقي الضوء الأخضر من المهربين".
الجمعة، تم استدعاء 56 متطوعا في جمعية "يوتوبيا" للتكفل بمجموعة من نحو خمسين مهاجرا كانوا يسعون للإبحار، وكان بينهم رضع تقل أعمارهم عن ثلاثة أشهر. وقال أكسيل غودينا: "الشرطة مقتنعة بأننا على اتصال بالمهربين، لكن في الواقع، من النادر أن نجد أنفسنا أمام محاولة عبور. غالبا ما يكون ذلك عن طريق الصدفة".
وبحسب بيانات وزارة الداخلية البريطانية، تم اكتشاف 292 مهاجرا على متن سبعة قوارب الجمعة، و55 في اليوم التالي على قارب واحد.
ومنذ بداية 2023، وصل نحو 29 ألف شخص إلى بريطانيا مقابل 45 ألفا في 2022.
وفي الأشهر الأخيرة، أصبحت عمليات العبور تنطلق أكثر فأكثر من جنوب كاليه، في محاولة لخداع يقظة الشرطة. ففي مدينة دان، الواقعة على بعد 40 كيلومترا من كاليه، يفتح العمدة أوليفييه كارتون قاعة الحفلات من وقت لآخر عندما تبوء محاولة عبور مجموعة من المهاجرين بالفشل، ولا توجد حافلات تقلهم إلى الشمال مجددا.
قبل ثلاثة أسابيع، استقبل العمدة 35 مهاجرا بينهم امرأتان، لليلة واحدة: "أحدهم بدت علامة إصابة بسكين على رقبته..."
أكسيل غودينات، منسق يوتوبيا 56 في كاليه، يعبر الكثبان الرملية في ويميرو، بحثا عن علامات لمحاولات عبور بحر المانش، 16 كانون الأول/ديسمبر 2023. © لويس شاهونو، فرانس24 مدينة محصنةوللحد من ظاهرة "القوارب الصغيرة"، قام وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان بتعزيز فرق الأمن بشكل كبير. وأعلن أثناء زيارته كاليه بناء مركز شرطة جديد بالإضافة إلى معسكر "قوات خاص بقوات الأمن الجمهورية - شرطة مكافحة للشغب – مساحته 7700 متر مربع، وسيتيح بحلول العام 2026 إيواء 220 شرطيا.
نظرا لموقعه التجاري، كان من المفترض أن يكون "هوتيل باد أند بريكفست" فندقا سياحيا بامتياز، لكنه أخذ شكل مركز للشرطة. وعلى بعد أمتار فقط، يوجد مركز اعتقال إداري محاط بسياج شائك، وبجواره قاعة ألعاب.
مهاجرون يعبرون بحر المانش على متن قارب مطاطي، أبريل/نيسان 2023. © أ ف بفي هذا المكان، تتناوب قوات شرطة مكافحة الشغب كل أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، لتجنب الإرهاق. وفي السياق يقول فريديريك، في الأربعينيات من عمره، وهو يدخن سيجارة أمام الفندق: "أعتقد أن الوضع أكثر توترا في الوقت الراهن".
كان هذا الشرطي في مدينة سانغات عندما نشبت مشاجرات بين مهاجرين حاولوا الإبحار وقوات الأمن. وبحسب متطوعي جمعية "يوتوبيا 56"، استخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لردع المهاجرين، وهي أسلحة مخصصة عادة للحفاظ على الأمن في المناطق الحضرية. كما أفادت عدة جمعيات أن الشرطة لم تعد تتردد في ثقب القوارب المطاطية بالبحر، رغم أنها مطالبة بعدم التدخل بمجرد وجود القوارب على الماء.
وأحيانا، يقوم بعض المهاجرين المحبطين بالاعتداء على رجال الشرطة، إذ سجلت وزارة الداخلية في 2023 نحو 166 اشتباكا وإصابة 31 من أفراد الشرطة.
فندق "هوتيل تيرمنال باد أند بريكفست سيتي دو لوروب" بمدينة كوكيل، يضم حوالي 220 من عناصر شرطة مكافحة الشغب لمكافحة الهجرة غير الشرعية على مدار العام. © لويس شاهونو، فرانس24"كان الأمر أفضل في السابق..."
لكن الحقيقة أن محاولات العبور هذه، تبقى مُكلِفة للغاية للمهاجرين، قد تصل لآلاف اليوروهات بالنسبة للعائلات. وعلى الرغم من عسكرة ميناء كاليه، يفضل المهاجرون محاولة الصعود على متن الشاحنات التي تستعد لعبور النفق تحت المانش أو العبّارات.
يقول صالح، وهو سوداني يبلغ 33 عاما وصل لكاليه منذ تسعة أشهر، إنه قام بـ 50 محاولة للعبور على متن شاحنة، لكن دون جدوى.
وهذه الطريقة لا تخلو من المخاطر. ففي 17 تشرين الثاني /نوفمبر، لقي مهاجران حتفهما بعد أن صدمتهما شاحنة أثناء سيرهما على شريط الطريق المخصص للتوقف الطارئ على الطريق السريع بالقرب من كاليه.
منذ تفكيك ما كان يعرف بـ "أدغال" كاليه في العام 2016، انتشرت حوالي عشرة مخيمات غير رسمية، مقسمة حسب الجنسيات (الإريتريين والسودانيين والأفغان وغيرهم...)، في جميع أنحاء المدينة.
وتشير التقديرات إلى أن عدد المهاجرين المتواجدين في كاليه والمناطق المحيطة بها يتراوح ما بين 1500 و2000 مهاجر. وتقوم الشرطة بتفكيك الخيم كل 48 ساعة.
اقرأ أيضاالنيجر: لماذا يثير إلغاء قانون تجريم مهربي المهاجرين قلق الاتحاد الأوروبي؟
يعيش المهاجرون يوميا على إيقاع عمليات الطرد، إذ تتم مصادرة الخيام أو تمزيقها، ورمي مقتنياتهم الشخصية في القمامة. وحتى الماء أصبح من الأمور النادرة، ما يزيد من التوترات اليومية.
في بداية أيلول/ سبتمبر مثلا، أدى شجار بين 100 مهاجر إلى إصابة شخصين". لم تكن الظروف معقدة إلى هذا الحد في كاليه من قبل، لقد كانت تقريبا أفضل في السابق..." على حد قول أكسيل غودينا.
وعلى الرغم من توفر ملاجئ موقتة وضعتها السلطات تحت تصرفهم، إلا أن معظم المهاجرين يفضلون البقاء بالقرب من الساحل. ولا يستطيع أغلبهم طلب اللجوء في فرنسا بسبب لائحة دبلن التي تشترط تنفيذ هذا الإجراء في أول دولة يصلون إليها داخل الاتحاد الأوروبي (مثل قبرص، مالطا، أو إيطاليا).
فقد وصل صالح إلى أوروبا من مالطا، لكن يصعب منعه من عبور الأربعين كيلومترا الأخيرة التي تفصله عن هدفه النهائي، وذلك رغم تشديد سياسة الهجرة البريطانية.
عشر سنوات خلت منذ أن غادر صالح السودان. أما شقيقه، فهو في بريطانيا.
النص الفرنسي: لويس شاهونو / النص العربي: فارس بوشية
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: الحرب بين حماس وإسرائيل قمة المناخ 28 الحرب في أوكرانيا ريبورتاج فرنسا الهجرة غير الشرعية بحر المانش لاجئون بريطانيا كاليه هجرة جيرالد دارمانان قانون للمزيد الحرب بين حماس وإسرائيل غزة إسرائيل فرنسا النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا الکثبان الرملیة إلى بریطانیا بحر المانش فی کالیه على متن
إقرأ أيضاً:
ركام الحرب معضلة تربك لبنان
خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، كان أحمد مهدي يعيش في نصف منزل، فقد أدت غارة جوية إسرائيلية على المبنى المجاور لمنزله في أحد أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت في أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، إلى تدمير المطبخ وغرفة المعيشة في شقته الواقعة بالطابق الخامس.
الحل الوحيد هو التخلص من الأنقاض من منطقة بيروت المجاورة لكوستا برافا
وعندما ينظر مهدي إلى ما تبقى من المبنى المجاور، يذهله حجم الدمار. ويقول لأرين بيكر من صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أنه : "لقد انهار 11 طابقاً، كل ما ترينه هو الصخور والأوساخ والفولاذ وقطع الحديد".
ومثل الكثير من اللبنانيين، الذين تعرضت منازلهم وأعمالهم لأضرار خلال أكثر من عام من الحرب بين إسرائيل وحزب الله، فإن مهدي (20 عاماً)، وعائلته حريصون على بدء الإصلاحات، لكنهم لا يستطيعون فعل الكثير قبل إزالة الأنقاض. وقال: "هذه هي مشكلتنا الكبرى: أين نضع الأنقاض؟"
وبينما يبدأ لبنان عملية إعادة البناء البطيئة بعد وقف هش للنار بين حزب الله وإسرائيل، فإنه يكافح من أجل معرفة كيفية تنظيف الكميات الهائلة من الأنقاض المنتشرة حول العاصمة بيروت.
وقال تقرير للمجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان، إن التقدير الأولي للأضرار، أظهر أن نحو 3000 مبنى في منطقة الضاحية جنوب المدينة، قد دمرت أو لحقت بها أضرار جسيمة أو تضررت بشكل كبير.
Israel eliminated Hassan Khalil Yassin, who replaced Hassan Nasrallah hours ago.
This breaks the shortest tenure as 'caliph' in the tenure in the 1400 history of Islam.
The whole Hezbollah chain of command are now a bunch of people that a week ago were not important enough to… pic.twitter.com/blOMExc71Q
وقُتل أكثر من 3700 شخص في لبنان خلال الحرب، التي اندلعت عندما بدأ حزب الله إطلاق النار على المواقع الإسرائيلية بعد الهجمات التي قادتها حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وأدى الصراع إلى نزوح نحو 1.3 مليون شخص. وفي لبنان، ألحق أضراراً بمليارات الدولارات من الاقتصاد، ودمر أجزاءً كبيرة من جنوب لبنان قرب الحدود مع إسرائيل، فضلاً عن المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في جنوب بيروت حيث يسيطر حزب الله.
وقالت تمارا الزين، التي أعدت التقرير، إن التقارير الأولية أظهرت أن الهجمات الإسرائيلية على المباني والمنازل والمصانع والطرق وغيرها من البنية التحتية في أنحاء البلاد، قد أسفرت عن نحو 350 مليون قدم مكعب من الركام. ولا يمكن أن تبدأ عملية إعادة الإعمار بشكل كبير إلا بعد تنظيف كل ذلك.
وفي غزة، حيث تخوض إسرائيل حرباً للقضاء على نشطاء حماس، تعرض ما يقرب من 60% من المباني لأضرار أو دمرت في القطاع المحاصر. كما أدت هجمات حزب الله الصاروخية على إسرائيل، إلى تدمير أو إتلاف المنازل في المجتمعات الحدودية، وتسببت بحرائق في الأراضي الزراعية.
مكبات النفاياتوأفاد أستاذ الهندسة المدنية والبيئية في الجامعة الأمريكية في بيروت عصام سرور، إن مكبات النفايات في لبنان تكافح فعلاً للتعامل مع نفايات البناء الخطرة في كثير من الأحيان. وقال إن الكثير منها يتم التخلص منه في الطبيعة.
وفي عام 2006، بعد الحرب بين حزب الله وإسرائيل، تم إلقاء الحطام من المناطق التي تعرضت لقصف شديد جنوب بيروت، والتي تضمنت ذخائر غير منفجرة، والأسبستوس، والمفروشات الاصطناعية، والأجهزة الإلكترونية المحطمة والنفايات العضوية، على طول الشاطئ بالقرب من المطار، كما يقول خبراء البيئة.
Lebanon Faces a Colossal Disposal Task: Clearing War Debris https://t.co/YnrbqrQf9w
— Rachel Gemayel (@RachelGraciano) January 28, 2025ويضيفون إن ذلك تطور إلى مكب دائم للنفايات، من دون حواجز كافية لحماية البيئة البحرية من المواد الكيميائية السامة المتسربة من الحطام. وباتت المنطقة المعروفة باسم كوستا برافا، مرادفاً للكارثة البيئية في لبنان.
وقال سرور إن تأثير الصراع الأخير، يمكن أن يكون أكبر بكثير وأكثر ضرراً.
وعلى مدى العقد الماضي، شهد لبنان ارتفاعاً هائلاً في استخدام الألواح الشمسية وتخزين البطاريات، للتعويض عن الشبكة الكهربائية المتعثرة في البلاد. ويمكن أن يؤدي التخلص غير السليم من الألواح والبطاريات إلى تحلل الرصاص والزئبق والعناصر الخطرة الأخرى في البيئة.
وقال وزير البيئة ناصر ياسين، إن التعامل مع الأنقاض من المناطق المحيطة ببيروت، كان أكثر صعوبة بسبب حجمها الكبير، واحتمال وجود مواد خطرة، وعدم وجود مساحة على مسافة معقولة لنقلها بالشاحنات.
ورأى وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني علي حمية، إن الحل الوحيد هو التخلص من الأنقاض من منطقة بيروت المجاورة لكوستا برافا.
لكن رئيس إحدى نقابات صيد الأسماك إدريس عتريس، حذر من تهديد الحياة البرية المهددة أصلاً بالإنقراض قائلاً :"هنا تضع السلاحف بيوضها. ولن نقبل بذلك".
وقالت النائبة اللبنانية نجاة عون صليبا، العضو في لجنة البيئة البرلمانية: "نحن في حاجة إلى التفكير بشكل مختلف في شأن الأنقاض...إنها ليست نفايات. إنها مورد".