منذ أيام تلقَّى مدير مدرسة شكوى من أحد أولياء الأمور يبلغه فيها بأنَّ ابنه الذي يدرس بالمدرسة تعرض لاعتداء جسدي تمَّ تصويره ونشره عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وانتشر الفيديو حتى سجَّل آلاف المشاهدات داخل وخارج سلطنة عُمان.
المثير في الأمر أنَّ الطالبين معروفان في المدرسة بسلوكهما السوي وأخلاقهما الطيبة، وليس لأيِّ منهما سوابق في التنمر، وعندما استدعتهما الأخصائية الاجتماعية للتحقيق في الأمر والتعامل مع الموضوع تربويًّا بما يعيدهما إلى الصواب، واعتذار المعتدي لزميله، كانا في قمَّة الأخلاق والذَّوق، ولكن اتضح أنَّهما تلاسنا ثم تحوَّل الموقف إلى تشابك بالأيدي، وكانت فرصة لبعض زملائهما لالتقاط الصور ونشرها مدفوعين بالإثارة وزيادة المعجبين على صفحات التواصل الاجتماعي، غير مكترثين بما قد يحدثه النشر من ضرر أو تجريح للمعتدى عليه.


وهذه ليست واقعة واحدة فقط، بل هناك العديد من المواقع وصفحات شبكات التواصل الاجتماعي التي تعرض مشاهد مرئية أو نصوصًا مكتوبة تؤذي مشاعر الآخرين وتنتهك خصوصيتهم الشخصية وتزعزع هُوِيَّتهم الثقافية وتظهرهم في موقع الضحية، وشاع مصطلح التنمر الإلكتروني في المدارس والكلِّيات والجامعات، وانتشر مصطلح الإدمان الإلكتروني لِيصفَ من يهجرون الواقع ويحلقون في الفضاء الإلكتروني متسترين بأسماء وهمية يقذفون خصومهم بالانتقادات ويكيلون على مَن لا يعجبهم الشتائم والسخرية والسباب.
ويحتلُّ ذلك المحتوى مساحة شاسعة في انتباه وتفكير متابعيها مدفوعين بنهم فضولي يلتهم عقولهم وطاقاتهم وأوقاتهم بحثًا عن المزيد من الإثارة الرقمية؛ فبالرغم من فوائد الثقافة الرقمية الإيجابية التي يصعب حصرها، فإنَّها تضع المربِّين والباحثين والمعالجين النفسيين والآباء والأمَّهات أمام واجبات ومسؤوليات خطيرة، إزاء حالات غير مسبوقة من التوحش الإلكتروني، فأنت تجد نفسك أمام إنسان تحسبه سويًّا وطبيعيًّا في كلامه وفي تصرفاته، قد تراه معك يؤدي الصلاة في المسجد ويحضر معك المناسبات الاجتماعية من أفراح وأحزان ويتسابق إلى فعل الواجبات، ولكنَّه عندما يخلو بنفسه مع جهاز هاتفه أو اللوح الرَّقمي أو الحاسوب (الكمبيوتر) المحمول فإنَّه يُمسخ إلى مارد رقمي يشتُم الناس وينشر المحتوي الرخيص ويسخر من الآخرين وينشر الأعاجيب التي لا تنسجم مطلقًا مع شخصيته الاجتماعية، ومن وراء قناعه الافتراضي يكيل الشر والسّم ويشتُم غير مكترث بما يلحق بالآخرين من أذى.
ينشر المحتوى الرخيص الذي يهتك القِيَم والأخلاق، ويتحرر من كلِّ الاعتبارات الأخلاقية والقبلية والوطنية والإنسانية، قد يكونُ الأمر محيِّرًا للإنسان العادي الذي يعرف وجهًا واحدًا فقط لشخصيته، لكنَّه قد لا يكون مستغربًا لدى مَن قرأ رواية (الدكتور جيكل والسيد هايد) أو سمع بأحداثها التي تظهر أنَّ كلَّ فردٍ منَّا يحمل في داخله بذور الخير والشر في آنٍ معًا، فقد كان بطل الرواية شخصًا دمث الأخلاق واسع الاطلاع، عميق الفكر، لكنَّه أُدين في قضية قتل زوجته وفي قضايا أخرى، ليظهرَ لصديقه الذي كان يبجله بأنَّه ثنائي الشخصية، فهو يتصرف في النهار بشخصية وبالليل يتحوَّل إلى مُجرِم مارد. هذه الثنائية نفسها تتجسَّد في شخصية الإنسان ببُعدَيْها العادي والرقمي، وللأسف لا يوجد علاج دائم وناجع لهذا الانفصام. لكنَّ الناشط الاجتماعي الشَّاب مُثنَّى الشنفري يرى أنَّه لا يوجد علاج يخلص الإنسان من تفاهة المحتوى لإلكتروني وبذاءة ما ينشر عبر صفحات التواصل الاجتماعي إلَّا بتوعية الناس وتجسيد المبادرات الإيجابية وتكريم القائمين عليها، وإبراز القدوات في مجالات الإبداع المختلفة، وإظهار الأعمال البطولية للأفراد والمؤسَّسات، وإتاحة الفرصة للأشخاص المُجيدين بأن يكونوا في الواجهات مع توجيه انتباه الناس إليهم باعتبارهم روَّادًا للعمل الاجتماعي النافع، ودعم إنجازاتهم وإسهاماتهم ليكونوا محلًّا لاحترام المُجتمع وتقديره.

د. أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: التواصل الاجتماعی

إقرأ أيضاً:

فيديو.. أول ظهور للفنانة المغربية دنيا بطمة بعد السجن

أثار الظهور الأول للفنانة المغربية دنيا بطمة بعد خروجها من السجن، تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب.

وظهرت بطمة في فيديو نشرته شقيقتها إيمان بطمة على منصة "اليوتيوب" وهي تلتقي بابنتيها وأفراد عائلتها بعد مغادرتها سجن الوداية في مدينة مراكش.

وفي مشهد وصف بـ"المؤثر" قامت بطمة في الفيديو وهي تفاجأ ابنتيه غزل وليلي روز وعدد من أفراد العائلة وأصدقائها.

وقد تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب وجمهور دنيا بطمة مع الفيديو الذي نشرته شقيقتها بعنوان "أول لقاء لدنيا مع غزل وليلي بعد غيابها".

مقالات مشابهة

  • فيديو.. أول ظهور للفنانة المغربية دنيا بطمة بعد السجن
  • مسلسل لام شمسية يطرح حلولا للحد من استخدام طفلك لمواقع التواصل الاجتماعي
  • حلقة التواصل الاجتماعي.. شراكة تؤسس إطارًا وطنيًا لبيئة رقمية آمنة
  • شاب يهاجم المصلين داخل مسجد بساطور .. فيديو
  • تغريدة الدويش الغامضة تشعل مواقع التواصل الاجتماعي
  • إخلاء سبيل الراقصة «دوسة» بكفالة 10 آلاف جنيه
  • "الطلاق بسبب تايلور سويفت؟".. حادثة غريبة تشعل مواقع التواصل
  • شاهد ماذا قالت المذيعة الشهيرة تسابيح خاطر عقب الهجوم الذي تعرضت له مع زوجها من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بعد مشاركتهما في تشكيل الحكومة الموازية
  • عودة طفل بعد شهر من اختفائه تثير تساؤلات على مواقع التواصل باليمن
  • ضبط شخص يدير حسابات وهمية لبيع معدات غش في التوجيهي