الجزيرة:
2024-07-03@18:49:26 GMT

الحكَّاء (49) | تنتهي الحرب حولنا وتستمر داخلنا

تاريخ النشر: 14th, July 2023 GMT

الحكَّاء (49) | تنتهي الحرب حولنا وتستمر داخلنا

(1)

تبدو الأمور سيئة للغاية، تعتقد أنك انتهيت، وأن حياتك قُضي عليها، ولا مستقبل لك، ثم فجأة تصبح حديث العالم.

عفوا.. ليس فجأة.

ولكن بعد أن تُصر على المقاومة.

(2)

بعد عقود من الاحتلال الأوروبي، ومنذ منتصف القرن الماضي، والقارة الأفريقية تتعرف على استقلالها شيئا فشيئا عبر ثورات شعبية، لكن عام 1959 تحديدا كان محملا بالبشرى لبقعة أفريقية بالأخدود الأفريقي المتصدع، وهي رواندا السمراء المتحررة من سوط المحتل البلجيكي.

ومن هذا العام وحتى عام 1962 كانت الثورة الرواندية تؤتي ثمارها، لتستبدل النظام الملكي الموالي للاستعمار بنظام جمهوري وطني جديد، إلا أن الأمر لم يكن مقتصرا على فئة موالية وفئة متمردة، ولأن الفئة الموالية للاستعمار هي من قبائل التوتسي، ولأن الجمهورية الجديدة نشأت على سواعد المتمردين من قبائل الهوتو، فإن عداء تاريخيا نشأ بين الفئتين.

وعلى خلفية هذا الشقاق أنشأ التوتسي المنبوذون الجبهة المتمردة الرواندية بأوغندا، ليعيدوا من خلالها الهيمنة التوتسية على رواندا، لتندلع الحرب الأهلية في بلادهم بين عامي 1990 و1994، التي أودت بحياة ما يقرب من مليون إنسان، جلهم من التوتسي الذين تعرضوا لواحدة من أفظع أشكال الإبادة في العصر الحديث.

 

تمر 5 سنوات من البحث حتى تسمع بقصتهما الإعلامية الأميركية الأشهر أوبرا وينفري، فتقرر استضافتهما لتسمع منهما قصة الحرب والهروب واللجوء قبل الاستقرار، وتحكي الفتاتان خبرتهما المريرة

(3)

في خِضم هذه الأحداث كانت هناك عائلة "واماريا"، التي خاف الأب على ابنتيه "كليمانتين" و"كلير"، فأودعهما بيت جدهما، حتى تسلما من المذابح الجارية، لكن ما كان بيت الجد ببعيد عن أيدي الهوتو، فطالته نيران الإبادة حتى قُتِل الجدُ ومن في بيته، إلا الفتاتين.

هربت الفتاتان واختبأتا داخل جذع شجرة موز لعدة أيام، ثم قررتا مواصلة الهرب، فظلتا في ترحال بعيدا عن عيون أعدائهما لنحو 3 أشهر، حتى انضمتا إلى قوافل اللاجئين الهاربين من المذابح، إلى خارج رواندا.

تمر الأيام، تتزوج الكبيرة "كلير" وتضطر -برفقة زوجها- لتطوف بـ7 بلاد حتى وصلوا الولايات المتحدة وقرروا الاستقرار بها، ومعها أختها الصغرى"كليمانتين"، بعد 6 أعوام من الترحال.

في أميركا وجدت العائلة اللاجئة نفسها في بيئة لا تعرف عنها شيئا، ولا حتى لسان أهلها، لكن مدرسة الصغيرة كليمانتين الداخلية ساعدتها على التأقلم، في حين شقت كلير وعائلتها الجديدة طريقها نحو الثقافة الأميركية.

تحكي كليمانتين فتقول: إنها كانت طفلة لا تصدِق ما كانت تمرُ به، وإنها كانت تغمض عينيها كثيرا، أملا في أن تستيقظ ذات يوم لتكتشف أنها كانت في حلم، صحيح هو حلم بشع، ولكنه حلم على أية حال، وهو ما سيهوِن الأمر.

تتذكر ما جرى في إحدى المحاكمات التي حدثت لمجرمي الهوتو بعد الحرب، حين قال أحد الجناة: إنهم لم يكونوا يرون التوتسي بشرا، وإنما محض حشرات، ولهذا هان عليهم قتل جيرانهم وأصدقائهم بدم بارد، وبأبشع دروب القتل.

تمر الأيام وتندمج الفتاتان في المجتمع الأميركي، ولكن الحرب والإبادة لا تزولان من الذاكرة، تواجه كليمانتين في إحدى دروسها نشاطا عن الإبادة الجماعية فيرتجف جسدها وتتذكر 100 يوم من الرعب خاضتها قبل سنين الهرب.

(4)

وفي عام 2001 تقع المفاجأة المدوية:

يصل إلى أسماع كليمانتين وكلير أن والديهما على قيد الحياة، وقد أصبح لديهما أخوان صغيران وُلِدا في زمن اللجوء، لكن لا أحد يعلم أين هم.

تضطرب الفتاتان وتخفق القلوب، ولكن ما من سبيل للقاء، تبحثان في سجلات الصليب الأحمر، في كشوف اللاجئين لدى الأمم المتحدة، في كل مكان يمكن أن توجد فيه الأسرة المفقودة، والنتيجة… لا شيء.

تمر 5 سنوات من البحث حتى تسمع بقصتهما الإعلامية الأميركية الأشهر أوبرا وينفري، فتقرر استضافتهما لتسمع منهما قصة الحرب والهروب واللجوء قبل الاستقرار، وتحكي الفتاتان خبرتهما المريرة، حتى تقرر أوبرا مفاجأتهما: "معي رسالة من والديكما"، ليصبح الحلم على شفا الحقيقة لأول مرة منذ الافتراق.

تمر الصدمة خفيفة سعيدة على قلب الأختين، فترى أوبرا أنها اللحظة المناسبة للقنبلة الثانية: يا فتاتان، خلف هذا الباب يقبع حلمكما الكبير الذي سيبدِد كابوس السنين، فينفتح الباب ليخرج من ورائه رجل وامرأة وصبي وفتاة، إنها عائلة واماريا التي فرقتها الإبادة قبل 12 عاما.

وفي لحظة قلما يجود الزمان بمثلها ذابت الأجساد في الأجساد وانهمرت الدموع تسقي الضحكات، لقد التقت الأسرة المنشقة على ركام الحرب البائدة، واتصل ما قطعته سكاكين الإبادة قبل سنوات.

(5)

تمضي الأعوام، وتقف كليمانتين الشابة على منصة تيدكس تروي لنا قصتها، وتخبرنا أنها وأختها وأهلها لا يتكلمون أبدا عن الماضي، وكأنه شبح مخيف أبيد مع الإبادة، ولا يرغبون في اجتلاب روحه المفزعة، ولتخبر الحضور أن فوضى العنف لا تزال مستمرة في نفسها حتى لو انتهت صيحاتها من أرض الواقع.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

حرب التجويع

دخلت حرب الإبادة البشرية من خلال القتل الجماعي المستمر طوال تسعة أشهر حتى الآن، في مرحلة جديدة، وهي مرحلة التجويع العام الدائر دفعة واحدة، لكل أهالي القطاع. وبهذا لم يكفِ القتل الجماعي بالقصف، وهدم البيوت الآمنة على سكانها، فضلا عن الحرمان من النوم والدواء والطعام والماء.

وكان العالم كله قد ضجّ من مرأى أجساد الشيوخ والنساء والأطفال ممزقة تحت الردم وركام الأبنية، وصولا إلى المستشفيات، ومن فيها من جرحى ومرضى وأطباء وممرضين وعاملين.

فلم يكتف أعضاء مجلس الحرب الصهيوني بالإبادة المهولة التي أفزعت العالم كله، ليرتفعوا بخطر الموت الجماعي، من خلال التجويع، إلى المساس بكل الشعب.

باللجوء إلى هذا المستوى في حرب الإبادة، تكون قد وصلت هذه الحرب مستوى تسميم المياه، وبث الغازات السامة في الهواء، والتجويع الشامل، أي أعلى مستوى من المحرمات الدولية في الحرب، وأعلى مستوى في القتل الجماعي، الأمر الذي يفرض أن تعلو أخطار الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة إلى أعلى مستوى
وباللجوء إلى هذا المستوى في حرب الإبادة، تكون قد وصلت هذه الحرب مستوى تسميم المياه، وبث الغازات السامة في الهواء، والتجويع الشامل، أي أعلى مستوى من المحرمات الدولية في الحرب، وأعلى مستوى في القتل الجماعي، الأمر الذي يفرض أن تعلو أخطار الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة إلى أعلى مستوى، لتصمّ أذان الرؤساء العرب أولا، والرؤساء المسلمين ثانيا، وضمائر سكان المعمورة جميعا، كما الهيئات الدولية، ابتداء من هيئة الأمم المتحدة، ونزولا إلى المنظمات الإنسانية، إلى الجامعة العربية. فقد وصلت هذه الجريمة حدا لا يجوز لأحد السكوت عليه أو تجاهله، بل ضرورة الردّ على هذه الجريمة بمختلف أشكال الردود.

صحيح أن المقاومة والشعب في قطاع غزة ما زالا في المواجهة، ولن يَفتّ من عضُدهما استمرار التصعيد بالقصف والقتل الجماعي، ولن يضعفهما تحدّي المجاعة، بالصبر والإيمان، وبتصعيد المقاومة، تصعيدا راح يذهل العدو، فالعمليات العسكرية التي عرفتها بضعة الأسابيع الماضية، توحي كأن المقاومة بدأت من جديد، كما بعد انتهاء تشرين الأول/ أكتوبر 2023..

مجموعة العوامل الفاعلة محليا غزاويا، وفلسطينيا، وإقليميا، وعالميا، كما ملاحظة تفاقم التناقضات التي أخذت تلف حبلا حول عنق نتنياهو، إلا أن الارتفاع بالإبادة إلى مستوى التجويع الجماعي للشعب كله، يتطلب مضاعفة تلك العوامل لإحباط حرب الإبادة
وصحيح أن الاتجاه العام للحرب البريّة ككل، والتعاطف العالمي مع شعب غزة البطل في صموده أمام الإبادة البشرية، والتدمير شبه الشامل، ما زالا على أشدّهما.. وصحيح أن عمليات نصرة محور المقاومة تصعدت بدورها، إلى حدّ أصبح فيه الوضع مهددّا باندلاع حرب إقليمية، كما عبّرت عن ذلك تصريحات من حكومة نتنياهو بشنّ حرب شاملة على لبنان..

ولكن مع كل هذا الصحيح، فإن مجموعة العوامل الفاعلة محليا غزاويا، وفلسطينيا، وإقليميا، وعالميا، كما ملاحظة تفاقم التناقضات التي أخذت تلف حبلا حول عنق نتنياهو، إلا أن الارتفاع بالإبادة إلى مستوى التجويع الجماعي للشعب كله، يتطلب مضاعفة تلك العوامل لإحباط حرب الإبادة، وحرب العدوان، وذلك للإسراع بانتصار غزة المحتوم بإذن الله.

مقالات مشابهة

  • مقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخر في عملية طعن بالجليل.. واستشهاد المنفذ
  • الاحتلال الإسرائيلي يدمر أبراج الاتصالات لحجب مأساة غزة عن العالم
  • وزير الدفاع الإسرائيلي: مستعدون لاتخاذ أي إجراء ضد حزب الله لكننا نفضل التفاوض
  • سرايا القدس تعلن استهداف قوة صهيونية في حي الشجاعية بقذيفة TBG
  • نتنياهو: لن تنتهي الحرب إلا بالقضاء على حماس وتحرير كل المختطفين
  • دبلوماسي روسي ردا على ترامب: حرب أوكرانيا لا تنتهي في يوم
  • صرخات ومعاناة لا تنتهي: العدوان الصهيوني يترك 58 ألف معوق في غزة بلا مأوى
  • حرب التجويع
  • جانتس: نتنياهو لا يمكنه مواصلة الحرب على غزة.. وحان الوقت لتحديد موعد الانتخابات
  • «الرئاسة الفلسطينية» تعلق على فكرة إدخال قوات أجنبية في غزة: نتنياهو موهوم