بعد انتهاء المسار التفاوضي.. ما سيناريوهات أزمة سد النهضة؟
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
أثار البيان المصري بانتهاء "مسار التفاوض" بشأن سد النهضة واحتفاظ مصر الدفاع عن أمنها المائي والقومي في حاله تعرضه للضرر، والذي قابله بيان إثيوبي يتهم القاهرة بـ"التحريف"، التساؤلات حول السيناريوهات المتوقعة بشأن الأزمة، وهو ما يوضحه مختصون لموقع "الحرة".
لماذا انتهت "مسارات التفاوض"؟والثلاثاء، أعلنت وزارة الموارد المائية والري المصرية، انتهاء الاجتماع الرابع، الأخير، من مسار مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا في أديس أبابا، الذي سبق إطلاقه في إطار توافق الدول الثلاث على الإسراع بإعداد الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد في ظرف 4 أشهر.
وتحدث البيان عن "تعنت الجانب الإثيوبي ضد مطالب دولتي المصب، مصر والسودان"، حيث أكدت القاهرة أنها سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، مع احتفاظها بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حاله تعرضه للضرر.
ومن جانبها، قالت الخارجية الإثيوبية، إن القاهرة "حرفت" مواقف أديس أبابا في المحادثات، مضيفة أن مصر لا تزال لديها "عقلية العصر الاستعماري ووضعت حواجز أمام جهود التقارب".
بيان صحفي حول الجولة الرابعة من المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة الإثيوبي pic.twitter.com/2PbJSJBQcy
— وزارة الخارجية الإثيوبية (@MFAEthiopiaAR) December 20, 2023وأفاد بيان وزارة الخارجية الإثيوبية بأن "إثيوبيا تظل ملتزمة بالتوصل إلى تسوية ودية عن طريق التفاوض تلبي مصالح الدول الثلاث، وتتطلع إلى استئناف المفاوضات".
ولطالما عارضت مصر مشروع سد النهضة بسبب المخاوف المتعلقة بإمداداتها المستقبلية من المياه من نهر النيل الذي تعتمد عليه اعتمادا كبيرا، وقد عبر السودان أيضا عن قلقه إزاء تنظيم وسلامة إمدادات المياه والسدود الخاصة به.
ومن جانبها ذكرت إثيوبيا، التي تقول إنها تمارس حقها في التنمية الاقتصادية، في سبتمبر أنها أكملت المرحلة النهائية لملء خزان لمحطة ضخمة للطاقة الكهرومائية عند السد المقام على النيل الأزرق.
ويرى وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، أن "أثيوبيا تريد استغلال وجود السد لإعادة توزيع حصص مياه النيل كما كانت تخطط في اتفاقية عنتيبي التي رفضتها مصر والسودان".
وتكمن المشكلة في أن "مصر لا تملك رفاهية نقص ولو نقطة مياه واحدة، لأن نصيب الفرد في مصر 500 متر مكعب من المياه سنويا (50% من الحد الأدنى للفقر المائي)، وتعاني فجوة غذائية مقدارها 10 مليار دولار سنويا، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ويشير إلى أن مصر أنشأت وحدات تحلية للشرب بسعة تزيد عن نصف مليار متر مكعب سنويا حتى الآن، كما تعالج القاهرة مياه الصرف الصحي والزراعي لاستخدامها في الري للتغلب على "شح المياه".
وتحدث الوزير السابق عن مخالفة إثيوبيا للقوانين الدولية فيما يتعلق ببناء هذا السد، قائلا إن "عند بناء أي دولة لمشروع على نهر دولي مشترك فعليها القيام بعدة خطوات".
وتتمثل تلك الخطوات في "الإخطار المسبق لدول الجوار عن المشروع وأهدافه، وإعداد دراسات بيئية عن تأثير المشروع على دول الجوار لضمان عدم الإضرار الملموس بهم، وضرورة موافقة دول الجوار على المشروع بعد أي تعديلات مؤثرة"، وفق الوزير المصري الأسبق.
"وهذا ما لم تفعله أديس أبابا، لكنها قامت بتصميم السد بدون الرجوع للقاهرة والخرطوم، رغم أنه في بداية التفاوض بين إثيوبيا ومصر والسودان تم التوصل لإعلان مبادئ تم الاتفاق فيه على ضرورة توافق الدول الثلاث على قواعد الملء والتشغيل التي لا تسبب ضررا لدولتي المصب"، حسبما يضيف.
لكن على جانب آخر، يرى النائب البرلماني الإثيوبي، محمد العروسي، أن "البيان المصري استباقي ويعبر عن يأس غير مبرر".
وتحاول مصر "استجداء التدخل الدولي بطريقة غير مباشرة"، وهو ما لا تقلبه إثيوبيا، والقاهرة "متمسكة ومصرة على اتفاقيات من الحقبة الاستعمارية وتحاول فرضها على لجان التفاوض"، وفق حديثه لموقع "الحرة".
وفي سياق متصل، يؤكد المحلل السياسي الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد حسن، أن سد النهضة تحول من " مسار يتفاوض فيه الأطراف الثلاثة لتحقيق رؤية وبرنامج إثيوبيا التنموي" إلى "مشروع سياسي".
ومصر قامت بـ"تسيس مشروع سد النهضة" برفضها لبناء السد منذ البداية، ومحاولة استخدام المشروع لـ"تشويه صورة إثيوبيا إعلاميا وفي المحافل الدولية، ما أضطر أديس أبابا للتعامل بالمثل وحشد الرأي العام لصالحها"، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ويشدد على أن إثيوبيا حشدت الرأي العام لـ"تمويل المشروع الذي تحول إلى ايقونة تنموية عليها إجماع وطني"، واصفا الموقف المصري بـ"المتعنت".
وتعتبر مصر والسودان السد الذي كلف 4,2 مليارات دولار، تهديدا لإمداداتهما من المياه، وقد طلبتا مرارا من أديس أبابا التوقف عن ملئه إلى حين التوصل لاتفاق بشأن سبل تشغيله.
واستؤنفت المفاوضات بين الدول الثلاث في 27 أغسطس بعدما توقفت منذ أبريل 2021.
ما الموقف السوداني؟تعتبر القاهرة سد النهضة "تهديدا وجوديا" لأنه يعتمد على نهر النيل في 97 في المئة من احتياجاته المائية، أما الخرطوم، فقد تباين موقفها في السنوات الأخيرة، ولم تصدر الجهات السودانية المختصة تعليقا على " انتهاء المفاوضات".
لكن الخبير العسكري والاستراتيجي السوداني، اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، يشير إلى أن "الخلاف بين السودان ومصر وإثيوبيا" حول سد النهضة قد خرج من "العباءة الفنية إلى السياسية".
ومنذ جولات التفاوض الأولى كان موقف السودان "قريب من الموقف المصري"، ويطالب بـ"اتفاق ملزم وتبادل المعلومات بشأن سد النهضة"، وفق حديثه لموقع "الحرة".
ويشير إلى أن "الموقف السوداني الرسمي الحالي يقف بجانب مصر، تنفيذا لمبدأ (لا ضرر ولا ضرار) لكن إثيوبيا (لا تلتفت لذلك)".
ما الخيارات المطروحة؟سد النهضة في قلب خطط التنمية في إثيوبيا، وفي فبراير 2022 أعلنت أديس أبابا أنها بدأت توليد الكهرباء للمرة الأولى، وقد بلغت تكلفته أكثر من 3,7 مليارات دولار، ويدخل في صلب صراع إقليمي منذ أن بدأت إثيوبيا العمل فيه في العام 2011.
ومن خلال هذا السد الكبير، الذي يبلغ طوله 1,8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترا، تعتزم إثيوبيا مضاعفة إنتاجها من الكهرباء، التي لا يصل إليها سوى نصف سكّانها البالغ عددهم حوالي 120 مليون نسمة.
لكن تقديرات الأمم المتحدة تفيد بأن "المياه قد تنفد في مصر بحلول عام 2025" وبأن مناطق في السودان حيث كان النزاع في دارفور مرتبطا بشكل أساسي بإمدادات المياه، معرضة بشكل متزايد للجفاف بسبب تغير المناخ".
في حديثه لموقع "الحرة"، يؤكد وزير الري الأسبق، محمود أبو زيد، أن لدى مصر عدة خيارات متاحة وعلى رأيها "إشراك مجلس الأمن الدولي بشكل رسمي في نتائج المباحثات، وإيضاح مدى الضرر الذي يقع على مصر والذي يمس أمنها القومي".
ويجب أن تعمل مصر بشكل دولي لإيقاف الملء الخامس من خلال إعداد دراسة وافية معترف بها من قبل الخبراء المختصين الدوليين بمدى الضرر الذي سيقع على السودان ومصر والذي قد يصل إلى مرحلة الجفاف وتقديمها إلى مجلس الأمن، وفق حديثه.
ويشير إلى أنه يمكن للقاهرة الحديث مع الولايات المتحدة وعدد من دول الخليج لإقناعهم أن أمان مصر في ظل الحروب الحالية في الشرق الأوسط، وعلى رأسها ما يحدث في غزة والسودان، يتحتم الدفاع عن الأمن القومي للقاهرة بالضغط على الجانب الإثيوبي للوصول إلى اتفاق مرضي لجميع الأطراف".
ويمكن لمصر أن تستغل الرفض الإثيوبي لتقديم أي تنازلات وبالتالي إعلان إمكانية لجوئها إلى المادة 51 وتحديدا الفصل السابع والخاص بحق الدفاع الشرعي من القانون الدولي، حسبما يذكر وزير الري السابق.
ويتعلق الفصل السابع من "ميثاق الأمم المتحدة"، بما يتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان.
وتنص المادة 51 على أنه "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء (الأمم المتحدة)".
وحسب نص المادة "يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس - بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمرة من أحكام هذا الميثاق - من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه".
لكن على جانب آخر، يتحدث العروسي عن عدة خيارات إثيوبية تتعلق بـ"توضيح الحقائق دبلوماسيا"، ويقول "لقد نجحنا تماما في كافة المراحل التي تبنينا فيها هذا النهج".
وهناك خيارات أخرى كثيرة "ولدى إثيوبيا بنك من الخيارات في حال مواجهة أي ضغوطات مصرية"، وسوف تحافظ أديس أبابا على "السيادة الإثيوبية"، وفق النائب البرلماني الإثيوبي.
ويقول العروسي إن " أي كانت الضغوطات المصرية فلن تكون كما كانت بالسابق ولن تنجح الضغوطات مهما كان قدرها".
والضغوطات المصرية المتوقعة سوء كانت دبلوماسية أو إعلامية "لن تصبح ذات أي تأثير"، حسبما يشير النائب البرلماني الإثيوبي.
وفي سياق متصل، يشدد حسن على أن مصر استخدمت بالفعل "أذرعها الدولية وعلاقتها للضغط على إثيوبيا"، لكن أديس أبابا تفهم "الهدف المصري"، وتستطيع التعاطي مع تلك الضغوطات.
ويشير إلى أن مصر ذهبت لمجلس الأمن عدة مرات وطلبت وساطة من عدة دول حول العالم، لكن "الكل يطالب مصر بالعودة إلى الحوار الثلاثي أو الاتحاد الأفريقي الذي تنطوي تحت مظلته عضوية القاهرة والخرطوم وأديس أبابا".
وأثيوبيا "متمسكة بالشرعية الدولية والمعاهدات التي تحفظ حقوق الجميع وتضمن الاستفادة من الأنهار الدولية العابرة للحدود"، وسوف تستمر أديس أبابا في هذا الإطار وهي "مطمئنة قانونيا"، حسبما يؤكد المحلل السياسي الإثيوبي.
ويقول إن "ما تفعله إثيوبيا يتماشى مع اتفاقية المبادئ الموقعة بالخرطوم عام 2015، وجيب أن تنحصر مفاوضات سد النهضة على تعبئة وتشغيل سد النهضة".
ومن يريد "تغيير فحوى الاتفاقية" باتفاقية "تلزم إثيوبيا بحصص من المياه"، فليس هذا "محل التفاوض حسب اتفاقية المبادئ"، وفق المحلل السياسي الإثيوبي.
أوراق مجهولة؟تتحدث خبيرة الشئون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، أماني الطويل، عما وراء البيان المصري الذي يلمح أن "جميع الخيارات مفتوحة أمام مصر".
وتمتلك القاهرة "أوراق محدودة للضغط على إثيوبيا"، بسبب "الانتباه الدولي الموجهة ناحية الحرب في غزة، والحرب بأوكرانيا، وعدم قدرة مجلس الأمن على تفعيل قدراته بشأن أزمة سد النهضة"، وفق حديثها لموقع "الحرة".
وترى أن "لا توجد آلية أفريقية مناسبة للتفاعل مع الأزمة في الحرب بالسودان"، ويمثل ذلك "فرص مناسبة لإثيوبيا لمواصلة منهج التعنت".
وتشير الطويل إلى أن القاهرة وأديس أبابا "تمارسان سياسات التعتيم الكامل على مسار المفاوضات"، ما يعطي فرص وإمكانية لـ"أوراق قد تكون مجهولة"، على حد تعبيرها.
وعن تلك الأوراق المجهولة، يتحدث مجذوب الذي يقول إن" السيناريو الأقرب هو رفع الأمر لمجلس الأمن بما يحفظ مصالح مصر والسودان".
وإذا لم يتخذ مجلس الأمن موقفا واضحا، فالقاهرة والخرطوم حاليا "في صف واحد"، بعدما اتخذت أديس أبابا موقفا "غير مقبول" فيما يتعلق بالحرب في السودان، حسبما يوضح المحلل الاستراتيجي السوداني.
وحسب حديثه فإن "الخرطوم قد رتبت أمورها ومصالحها لكي تكون مع القاهرة في جانب واحد، وإذا اتخذت مصر (أي عمل فالسودان سوف يقف مع مصر قلبا وقالبا)"، على حد تعبيره.
لكن العروسي يقول "نحن نأخذ في الاعتبار الموقف السوداني ونرفض محاولات الضغط على الخرطوم"، وهناك إجماع إثيوبي على أن "السودان إلى جانبا قولا ومضمونا".
ويتحدث النائب البرلماني الإثيوبي عما يسميه "ضغوطات على السودان"، لكنه يعتقد أن يكون الموقف السوداني " مجمع على فوائد سد النهضة"، رغم بعض التصريحات التي تقول "عكس ذلك".
ويرفض استغلال "الوضع السوداني للضغط على إثيوبيا"، وتتصدى أديس أبابا لتلك المحاولات، على حد تعبيره.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الموقف السودانی مصر والسودان الدول الثلاث أن سد النهضة مجلس الأمن أدیس أبابا الدفاع عن من المیاه أن مصر على أن
إقرأ أيضاً:
المشروع القرآني.. خارطة طريق لتحقيق النهضة والاستقلال
يمانيون/ تقارير تواجه شعوب الأمة الإسلامية تحديات على المستويات السياسية والفكرية والاجتماعية، وسط محاولات القوى الاستعمارية لإعادة تشكيل هوية الأمة وفق أجندتها الخاصة، وفي ظل هذه التحولات، تبرز الحاجة الملحة إلى مشروع حضاري يعيد للأمة مكانتها، ويرسم لها مساراً مستقلاً يحفظ هويتها الدينية والثقافية.
وفي ظل هكذا وضع، جاء المشروع القرآني في اليمن كحركة تجديدية تستند إلى القرآن الكريم كمصدر أساسي للنهضة والاستقلال الحقيقي، متجاوزاً الأبعاد العسكرية إلى بناء وعي حضاري شامل، هذا المشروع ليس رد فعل على التحديات القائمة، بل رؤية استراتيجية تهدف إلى إحياء الأمة واستعادة دورها في الساحة الدولية.
لقد أسس الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي هذا المشروع على قيم قرآنية متينة، مُستلهماً من تعاليم القرآن مبادئ العدل والاستقلال والكرامة، ومنذ انطلاقه، أكد قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي أن التمسك بالقرآن يمثل السبيل الوحيد للخروج من التبعية، وإعادة الأمة إلى مسارها الطبيعي كقوة فاعلة في المشهد الدولي.
يرتكز المشروع القرآني على العدالة والشفافية في إدارة شؤون الدولة، باعتبارهما أساساً للحكم الرشيد، ويرى السيد عبد الملك الحوثي أن القرآن الكريم يقدم منهجاً واضحاً لمحاربة الفساد، وبناء نظام إداري قائم على العدل والكفاءة، مما يحقق الاستقرار والتنمية المستدامة.
إن الالتزام بالقيم القرآنية يخلق إدارة نزيهة تعتمد على العدل وتنبذ الفساد والمحسوبية، وهو ما يسهم في تعزيز ثقة المجتمع في مؤسسات الدولة، من خلال هذا النهج يصبح الإصلاح الإداري ضرورة ملحة لضمان تحقيق نهضة شاملة تخدم مصلحة الشعب، بعيدا عن النفوذ الخارجي.
في هذا الإطار، يشدد المشروع القرآني على أن الإدارة العادلة لا تقتصر على محاربة الفساد فحسب، بل تشمل تحقيق الكفاءة، وتعزيز المساءلة، وضمان أن تكون مؤسسات الدولة في خدمة المواطنين، لا أداة للهيمنة والاستغلال.
إلى جانب الإصلاح الإداري، يولي المشروع القرآني اهتماماً خاصاً بالفقراء والمستضعفين، باعتبارهم الفئة الأكثر تضرراً من الأنظمة الجائرة، إذ يدعو المشروع إلى توزيع عادل للثروة، ورعاية الفئات المحرومة، وتحقيق اقتصاد وطني مستقل بعيداً عن التبعية للقوى الاستعمارية.
وأكد الشهيد القائد أن “الاقتصاد العادل هو الذي يضمن حق الفقراء قبل الأغنياء، ويمنع الاستغلال والاحتكار”، هذه الرؤية تنطلق من مفهوم قرآني واضح، يهدف إلى حماية المجتمع من الفجوة الطبقية، وإرساء مبدأ التكافل الاجتماعي.
وبناء على ذلك، يسعى المشروع إلى إقامة منظومة اقتصادية عادلة، تعزز الإنتاج المحلي، وتحمي الثروات الوطنية من النهب والاستغلال، فبدون اقتصاد مستقل، لن يكون هناك استقلال سياسي حقيقي، وهو ما يجعل التحرر الاقتصادي أحد أهم ركائز المشروع القرآني.
لا يتوقف المشروع عند الجوانب الاقتصادية، بل يؤكد أهمية تحرر اليمن من النفوذ الأجنبي والهيمنة الخارجية، باعتبار ذلك شرطاً أساسيا ًلتحقيق السيادة الوطنية، إذ يدعو المشروع إلى استقلال القرار السياسي، ورفض أي محاولات لفرض الوصاية الخارجية على البلاد.
وقد شدد قائد الثورة على أن “اليمن الحر والمستقل هو اليمن الذي يعتمد على نفسه، ويواجه أي محاولة لفرض الوصاية عليه من الخارج”، هذه الرؤية تعكس وعياً عميقاً بأهمية الاستقلال، في ظل محاولات القوى الكبرى فرض أجنداتها على الدول والشعوب.
تجلّت هذه الرؤية في المواقف السياسية والعسكرية التي اتخذها اليمن خلال السنوات الأخيرة، حيث برز كقوة محورية في مواجهة الهيمنة الصهيونية، وأسهمت العمليات العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن في تغيير معادلة الصراع، ضمن استراتيجية قرآنية تهدف إلى التصدي للاستعمار بكافة أشكاله.
إلى جانب تحقيق الاستقلال السياسي، يسهم المشروع القرآني في الحفاظ على القيم الدينية والثقافية للمجتمع اليمني، باعتبارها صمام أمان ضد محاولات تغريب الهوية الإسلامية، حيث يعزز المشروع الترابط الاجتماعي، ويحمي النسيج المجتمعي من الانحلال الثقافي الذي تسعى بعض القوى لنشره.
يؤكد قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي أن “الوقوف في وجه الهيمنة والاستكبار ليس مجرد خيار، بل هو واجب ديني وأخلاقي للحفاظ على كرامة الأمة”، هذه الفكرة تجعل من المشروع القرآني أداة فعالة للصمود في وجه التحديات الإقليمية والدولية، عبر التمسك بالقيم الأصيلة للمجتمع.
إضافة إلى ذلك، يسعى المشروع إلى الحد من الانقسامات السياسية والصراعات الداخلية، عبر خلق بيئة مستقرة تسمح بالتنمية المستدامة، فالعدالة، ومكافحة الفساد، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، كلها عوامل تسهم في بناء يمن قوي ومتماسك، قادر على مواجهة التحديات.
في هذا السياق، يرى الباحث الجزائري الدكتور نور الدين أبو لحية أن المشروع القرآني يعيد تعريف مفهوم الجهاد ليشمل أبعادا فكرية واقتصادية وثقافية، وليس فقط عسكرية، مشيراً إلى أن “نجاح اليمن في الصمود أمام العدوان رغم سنوات الحرب والحصار يعكس عمق هذا المشروع وقوته في بناء مجتمع متماسك ومؤمن بقضيته”.
ويؤكد الدكتور أبو لحية أن المشروع يعيد تقديم الإسلام كدين مقاومة وعدالة، يتصدى للاستبداد والهيمنة، ويوفر بديلاً حضارياً مستقلاً عن النماذج المفروضة من الخارج، فبينما تحاول القوى الاستعمارية طمس الهوية الإسلامية، يأتي المشروع القرآني ليعيد الأمة إلى جذورها الحقيقية.
وفي ظل هذه التحديات، يزداد الوعي بأهمية العودة إلى القرآن الكريم كمرجعية أساسية، بعيداً عن التأثيرات الخارجية التي حاولت طمس الهوية الإسلامية لعقود. فالمشروع القرآني لا يسعى فقط إلى إصلاح اليمن، بل يطرح نموذجاً يمكن أن يلهم باقي الشعوب الإسلامية.
الجوانب الإيجابية التي يقدمها المشروع، مثل محاربة الفساد، تحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز السيادة الوطنية، تجعله نموذجاً يمكن أن يسهم في بناء يمن أكثر استقراراً وعدلاً، إضافة إلى ذلك، بات المشروع مصدر إلهام لحركات المقاومة في المنطقة، حيث أسهمت رؤيته في ترسيخ مفهوم الصمود والتحدي.
ويرى العديد من المفكرين والباحثين أن المشروع القرآني في اليمن لا يقتصر تأثيره على الداخل، بل يشكل فرصة تاريخية للأمة الإسلامية لاستعادة دورها الريادي، فمع استمرار المواجهات والصراعات، يبقى المشروع أحد أبرز العقبات أمام القوى الاستعمارية، كونه يطرح نموذجاً استقلالياً يرفض التبعية الفكرية والسياسية.
وقد أكد السيد عبد الملك الحوثي، أن المشروع القرآني لا يخص اليمن وحده، بل يمثل رسالة للأمة بأكملها، مفادها أن العودة إلى القرآن الكريم هي السبيل الوحيد لتحقيق النصر والنهضة الحقيقية، فهو ليس مجرد رؤية محلية، بل مشروع حضاري يعيد تشكيل الوعي الإسلامي في مواجهة التحديات الراهنة.
ومع تصاعد الأزمات العالمية، يظل المشروع القرآني نموذجاً يُحتذى به في تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي والفكري، والطريق الوحيد للنهوض بالأمة وإفشال مخططات الهيمنة والاستعمار، هذه الرؤية تجعل منه حجر الأساس في أي مشروع يسعى إلى بناء أمة قوية ومستقلة.