لماذا لا تلتزم إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني في حربها على غزة؟
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
بعد العدوان الواسع النطاق على سكان قطاع غزة وانتهاك إسرائيل بشكل منهجي للقانون الدولي وقواعد القانون الدولي الإنساني، ثارت تساؤلات حول جدوى هذه القوانين وما قيمتها إن لم تجد طريقا للتطبيق لا سيما على النموذج الفلسطيني، ومن يوقف إسرائيل عند حدها؟ وهل لا تزال هناك فرصة لإنقاذ هذه القوانين من التلاشي؟ وهل العالم مقبل على فوضى عالمية قد تؤسس لنسق دولي جديد؟
للإجابة عن هذه التساؤلات نحاول أن نبحث بشكل مختصر عن الآليات القانونية المباشرة وغير المباشرة لتطبيق القانون الدولي الإنسان، مع تقييم لكل آلية ممكنة.
هناك نوعان من الآليات يمكن أن تكون ذات علاقة بدعم وتطبيق القوانين الدولية وقوانين حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن بينها ما يجري في قطاع غزة. إن هذه الآليات يمكن أن تُستنتج من القانون الدولي العام.
أولا: الآليات المباشرة:
يضع ميثاق الأمم المتحدة الآلية لمواجهة أي انتهاك للأمن والسلام الدوليين، حيث تلجأ الأمم المتحدة بعد محاولة اللجوء إلى أنواع العقوبات الأخرى إلى استعمال القوات المسلحة التي تقدمها الدول الأعضاء تحت قيادة لجان الأركان طبقا للمادة 43 من الميثاق. وفي أية حالة مثالية يتخذ مجلس الأمن قرارا ملزما ضد دولة معينة إذا كان الوضع يشكل تهديدا للسلام والأمن الدوليين وفقا لمعنى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذا القرار قد يفترض الوصاية الاقتصادية أو العقوبات العسكرية ضد الدولة المعنية.
مع أن الأمم المتحدة أصدرت أيضا قرارات عديدة بخصوص غزو العراق للكويت، ومن بينها قرارات بموجب الفصل السابع، إلا أنّه من الواضح تماما في حالة إسرائيل هناك احتمال ضئيل للقيام بهذا العمل، وذلك ببساطة في ضوء العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وهذا الاستنتاج يمكن اشتقاقه من تجربة جنوب أفريقيا
ومنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر لم ينجح مجلس الأمن بهذه المهمة، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض وأفشلت مشاريع قرارات أقل من ذلك بكثير (وقف إطلاق النار، وإدخال مساعدات إنسانية).
أما الجمعية العامة للأمم المتحدة فقد أصدرت، وخلال فترات سابقة الكثير من القرارات والتوصيات، من بينها توصية رقم (2253)، أعلنت فيها بطلان كافة الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل بهدف تحويل المركز القانوني لمدينة القدس. وقد جرى تبني مشروع التوصية الذي قدمته كل من باكستان وإيران ومالي والنيجر وتركية بأغلبية 99 صوتا وامتناع 20 عن التصويت، وهو موقف أكده مجلس الأمن سنة 1971 بموجب قراره رقم (298) الذي جاء فيه: "إنّ الإجراءات باطلة تماما ولا ترتب أي أثر".
ومع أن الأمم المتحدة أصدرت أيضا قرارات عديدة بخصوص غزو العراق للكويت، ومن بينها قرارات بموجب الفصل السابع، إلا أنّه من الواضح تماما في حالة إسرائيل هناك احتمال ضئيل للقيام بهذا العمل، وذلك ببساطة في ضوء العلاقات الخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة، وهذا الاستنتاج يمكن اشتقاقه من تجربة جنوب أفريقيا.
والإمكانية النظرية الأخرى في سياق الأمم المتحدة، أن تتخذ الجمعية العمومية عملا ضد إسرائيل طبقا لقرار التوحد من أجل السلام الصادر في عام 1950.
هذه الآلية التي استعملت في المراحل الأولى لتدخل الأمم المتحدة في الأزمة الكورية، وهي المرة الأولى والأخيرة، ويمكن أن تُعَدّ نموذجا مقبولا لتطبيق الأمن الشامل.
على أية حال، إن تلك التجربة لم تتكرر بسبب العوامل الخاصة التي أحاطت بها، وعلى رأسها غياب الاتحاد السوفياتي من مجلس الأمن. لذا، إن هذه الآلية غير محتملة جدا في حالة إسرائيل، حيث إنها غير واقعية من الناحية السياسية.
لقد أثار الصراع في البلقان نقاشا عميقا بشأن عدم كفاءة ميثاق الأمم المتحدة في التعامل مع الأوضاع المعقدة التي قد تشكل تهديدا للسلام والأمن، ومن المرجح أن الدول الكبرى كانت إلى حدٍّ ما تواجه ضغوطا من جانب الرأي العام أوجدته بنفسها بعد ما اعتبر تدخلها في شمال وجنوب العراق تدخلا إنسانيا. وبالإضافة إلى ذلك، يعتقد البعض أن القوى العظمى أوحت بتحقيق المُثل التي تدعي حمايتها في حالات انتهاك حقوق الإنسان.
ثانيا: الآليات غير المباشرة:
1- طلب الرأي القانوني من محكمة العدل الدولية:
إن أهمية النتائج التي تخلص إليها المحكمة، باعتبارها الحكم الأعلى للمشروعية الدولية والضمان ضد الأفعال غير المشروعة(1)، وهي نتائج تمثل أحكاما تتخطى نطاق القضية محل النظر؛ فالواقع أن المحكمة تنطق بالقانون في مجال لا يزال الكثيرون يرفضون تطبيق أحكامه رغم وجود اتفاقيات قانونية معترف بها عالميا(2). وبالرغم من أن المحكمة لا يمكن أن تسنّ قوانين جديدة كما هو الشأن بالنسبة إلى المشرّع الدولي، لكنها يمكن أن توضّح قواعد القانون الدولي الإنساني وفقا لظروف العصر، ويمكنها أيضا أن تلفت الانتباه إلى النقائص التي تعيب هذا القانون، وأن تحيط بالاتجاهات الجديدة الناشئة فيه. ولأن لقرارات المحكمة فقهها القانوني أو سوابقها القضائية قوة الإلزام، حتى ولو كانت لأطراف النزاع، وأنها تشكل تفسيرات ذات حجة للقانون الدولي الإنساني، فإن على الدول والمنظمات الدولية أن تأخذها في الاعتبار؛ فهي بمثابة مبادئ توجيهية لسلوك الدول، وهي بهذا المعنى تُعَدّ آلية غير مباشرة من الآليات الدولية.
نقطة البداية الأكثر أهمية في تحقيق حماية حقوق الإنسان هي تحديد الأسلوب القانوني الدولي الملزم في ما يخص تطبيق القانون الدولي العام والقانون الإنساني وقوانين حقوق الإنسان، الذي لا تستطيع إسرائيل تجنّبه، وبإمكان أن ننشد الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية
إن نقطة البداية الأكثر أهمية في تحقيق حماية حقوق الإنسان هي تحديد الأسلوب القانوني الدولي الملزم في ما يخص تطبيق القانون الدولي العام والقانون الإنساني وقوانين حقوق الإنسان، الذي لا تستطيع إسرائيل تجنّبه، وبإمكان أن ننشد الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية.
يعتقد البعض أنّ بإمكان الجمعية العمومية أن تنشد الرأي القانوني من محكمة العدل الدولية لكي تقرر الوضع القانون للأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي النظام القانوني الدولي الذي يمكن تطبيقه فيها. إن هذا القرار يمكن أن يخدم كدليل للجمعية العمومية للأمم المتحدة، ولكن ليس كأداة لحل الصراع.
ويُعتقد بشكل واسع أن محكمة العدل الدولية ستقرر، بخصوص الطلب المحال إليها من الجمعية العامة في كانون الثاني/ يناير 2023، بشأن معاهدة لاهاي ومعاهدة جنيف باعتبارهما مجموعة قوانين ذات صلة بالأراضي الفلسطينية المحتلة، ويقال إن محكمة العدل الدولية ستجد أن إسرائيل هي الطرف المنتهك لمعاهدة جنيف، بل لجميع المبادئ العامة للقانون الإنساني الدولي وأنها دولة احتلال بالمعنى الحرفي للكلمة.
2- الآليات غير المباشرة في الأمم المتحدة
لقد أوجدت الأمم المتحدة عددا من الأساليب لتعزيز حقوق الإنسان أثناء الحروب. بعض هذه الأساليب هي عدم التسليم، والإكراه الاقتصادي، والطرد من المنظمات الدولية، ولجان التحقيق (لم يتم اتخاذ أي أسلوب تجاه إسرائيل).
تمييع الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة يضعف الجهود باتجاه بذل أية جهود تطبيق حقيقية، وخصوصا بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل اتفاقيات أوسلو. وفي الحقيقة، يمكن القول إن غياب التقرير الحقيقي للوضع القانوني والسياسي قد يؤثر على النشاطات الداعمة لحقوق الإنسان. ولكن من العدل في المقابل القول بأن انتهاكات حقوق الإنسان الواضحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة هائلة، ويجب أن تكون دافعا كافيا لإجبار إسرائيل على الإذعان لموازين حقوق الإنسان
ويقال إن تمييع الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة يضعف الجهود باتجاه بذل أية جهود تطبيق حقيقية، وخصوصا بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل اتفاقيات أوسلو. وفي الحقيقة، يمكن القول إن غياب التقرير الحقيقي للوضع القانوني والسياسي قد يؤثر على النشاطات الداعمة لحقوق الإنسان. ولكن من العدل في المقابل القول بأن انتهاكات حقوق الإنسان الواضحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة هائلة، ويجب أن تكون دافعا كافيا لإجبار إسرائيل على الإذعان لموازين حقوق الإنسان الدولية.
مفهوم الدولة الحامية ولجنة تقصّي الحقائق
اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول نصت على عددٍ من الآليات التي من شأنها تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني وتنفيذها. من هذه الآليات إيجاد نظام الدولة الحامية أو بدائلها التي يعهد إليها بحماية مصالح أحد الأطراف المتنازعة ورعاياه لدى الطرف الآخر. كذلك نصّت المـادة 90 من البروتوكول الإضافي الأول على إنشاء آلية جديدة، هي التحقيق في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني (لجنة تقصي الحقائق).
أ- بخصوص خيار الدولة الحامية فليس هناك من إمكانية عملية لوجود دولة حامية، فإما أنه لا يوجد أو لا تقبل أية دولة بذلك أو أن إسرائيل نفسها ترفض هذه الفكرة من الأساس.
وتسهم الدولة الحامية، فيما لو وجدت، من خلال مندوبيها في التطبيق المباشر للقانون الدولي الإنساني أو القيام بأعمال المراقبة على تنفيذ القانون الدولي الإنساني، وبالتالي يجب أن يرخص لمندوبيها بالذهاب إلى أي مكان يوجد فيه أسرى حرب مثل أماكن الحجز والتشغيل، وبإمكانهم أن يقابلوا الأسرى أو ممثليهم دون رقيب، ولهم الحرية المطلقة في اختيار الأماكن التي يرغبون في زيارتها، ولا يجوز للدولة الحاجزة منع زيارات كهذه إلا لأسباب تقتضيها الضرورة العسكرية القاهرة. صحيح أن القانون الدولي الإنساني جاء بهذه الآلية، لكنها نظرية جدا وقلما طبق هذا النظام.
ب- أما بخصوص لجنة تقصي الحقائق فتنص اتفاقيات جنيف الأربع(3) على أنه يمكن لكلّ طرف من أطراف النزاع أن يطلب إجراء تحقيق بشأن ما يدعيه من انتهاك لنصوص الاتفاقيات، إلا أن الأطراف يجب أن يتوصلوا إلى اتفاق بشأن إجراءات هذا التحقيق. وفي غياب مثل هذا الاتفاق، يتفق الأطراف على انتخاب حكم يقرر الإجراءات التي يتعين اتباعها. وبما أنه لا يوجد التزام قانوني بإجراء مثل هذا التحقيق، فإنه يمكن لأيّ طرف أن يلغي التحقيق إذا رغب في ذلك(4).
إن أهم خصائص اللجنة أنها لا تستطيع أن تشرع بالتحقيق إلا في حالة موافقة الأطراف المعنية؛ فالدولة لا تعترف تلقائيا باختصاص اللجنة من خلال توقيع البروتوكول الأول أو التصديق عليه، ولكن فقط بشكل مستقل يؤكد هذا الاعتراف؛ فالدولة يمكن أن تصدر إعلانا شاملا لاعترافها باختصاص اللجنة، أو أنها يمكن أن توافق على التحقيق في نزاعٍ معين.
إن اللجنة ليست سلطة قضائية، ولكنها جهاز دائم محايد وغير سياسي، وبالتالي لا تُصدر أحكاما. وفي حال تقديم ادعاء يتعلق بوقوع أي عمل يعتقد أنه مخالف لأيٍّ من المواثيق الإنسانية، يحق لها أن تقوِّم مدى جسامة هذا العمل، وإذا ما توصلت إلى نتيجة إيجابية بشأن ذلك، فلها الحق دون غيرها في القيام بالتحقيق حتى لو لم يكن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بوقوع جريمة حرب واحدة أو أكثر. ولا تملك اللجنة صلاحية إصدار حكم رسمي يقرر أن هذه الوقائع، إن ثبت حدوثها، تشكل انتهاكا جسيما أو مخالفة جسيمة.
إن اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، فيما لو أنشئت، تمثّل آلية هامة في إطار تشجيع احترام القانون الدولي الإنساني وتنفيذه، ومن الأهمية بمكان للدول التي لم تقبل بعد باختصاص اللجنة أن تقوم بذلك؛ لأن اتخاذ خطوة كهذه ينقل الدول للانتفاع من اللجنة الدولية لتقصي الحقائق في ما يخص التحقيق في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الانتهاكات المرتكبة في النزاعات المسلحة غير الدولية.
عدم تدخل المنظومة الدولية، بما فيها من دول وهيئات أممية وغير أممية، لوقف آلة القتل الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وعدم اتخاذ إجراءات فاعلة ومفيدة لإنقاذ القانون الدولي من الاستباحة، يعني أن الحرب المقبلة سوف تبدأ من حيت سوف تنتهي حرب إسرائيل على غزة: تدمير مروع لكل أسباب الحياة وانتهاك ممنهج لكل القواعد والأعراف الدولية
وكنموذج عملي لهذه اللجنة وبعد الأيام الأولى لانتفاضة الأقصى (28 أيلول/ سبتمبر 2000)، عقد لقاء في شرم الشيخ جمع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي إيهود باراك، بحضور الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون الذي تلا بيان نتائج اللقاء. من حيث المبدأ، رفضت إسرائيل فكرة إرسال لجنة تقصي حقائق دولية لمعرفة مجريات الأمور هناك. وقد جرى الاحتيال على القانون الدولي الإنساني عندما شكلت الولايات المتحدة لجنة تحقيق عقب سقوط عدد كبير من المدنيين خلال الأيام الأولى لانتفاضة الأقصى، واعتبرت هذه اللجنة سياسية وليست قانونية وليست إعمالا لقواعد اتفاقية جنيف الرابعة، حيث إن نشر تقريرها لا يكون إلا بموافقة الأطراف وبرعاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون شخصيا(5).
إن عدم تدخل المنظومة الدولية، بما فيها من دول وهيئات أممية وغير أممية، لوقف آلة القتل الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، وعدم اتخاذ إجراءات فاعلة ومفيدة لإنقاذ القانون الدولي من الاستباحة، يعني أن الحرب المقبلة سوف تبدأ من حيت سوف تنتهي حرب إسرائيل على غزة: تدمير مروع لكل أسباب الحياة وانتهاك ممنهج لكل القواعد والأعراف الدولية.
إن الدول الغربية على وجه الخصوص مسؤولة بشكل كبير عن هذا العبث في المنظومة الدولية، وهي التي سوف تدفع ثمن هذا الاستهتار بالقانون الدولي.
كما أن الدول الأطراف المتعاقدة على اتفاقيات جنيف لعام 1949 مدعوة لعقد اجتماع عاجل لتقييم آليات القانون الدولي الإنساني قبل فوات الأوان.
__________
الهوامش:
(1) انظر: الرأي المستقل للقاضي كوروما، الفقرة 10 من فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة الصادر في 9 تموز 2004، ص 81، على موقع محكمة العدل الدولية.
(2) روز ماري أبي صعب، الآثار القانونية لإقامة جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ملاحظات أولية، المجلة الدولية للصليب الأحمر، مختارات من أعداد، 2004، ص 111.
(3) اتفاقيات جنيف لعام 1949م: المادة 52 من الاتفاقية الأولى، والمادة 53 من الاتفاقية الثانية، والمادة 132 من الاتفاقية الثالثة، والمادة 149 من الاتفاقية الرابعة.
(4) د. عبد الغني محمود، المطالبة الدولية لإصلاح الضرر، الطبعة الأولى، 1986، ص 185.
(5) راجع موقف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة تحت عنوان: التضحية بحقوق الإنسان والقانون الدولي: ورقة موقف حول نتائج قمة شرم الشيخ، ويمكن زيارة موقع المركز على شبكة الإنترنت (17/10/2000).
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة إسرائيل الفلسطيني القانون الدولي الأمم المتحدة إسرائيل الأمم المتحدة فلسطين غزة القانون الدولي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الأراضی الفلسطینیة المحتلة للقانون الدولی الإنسانی القانون الدولی الإنسانی القانون الدولی الإنسان من محکمة العدل الدولیة اتفاقیات جنیف الأمم المتحدة من الاتفاقیة حقوق الإنسان إسرائیل على مجلس الأمن یمکن أن ت من بینها فی حالة
إقرأ أيضاً:
الكيان يستهدف الـ”أونروا” والمجتمع الدولي بين الادانة والقلق
يمانيون – متابعات
في سياق العدوان الإسرائيلي على غزة، أصدر العدو الإسرائيلي ما يسميه بـ(قانون)، الحظر لمنظمة الأونروا وأنشطتها الإنسانية، التي تقدِّمها للشعب الفلسطيني، مع أنها فرعٌ من فروع الأمم المتحدة، وأنشطتها أنشطة إنسانية، تقدم خدمات في التغذية، و التعليم، في مختلف الجوانب الإنسانية بشكلٍ واضح، ومعروف لدى العالم أجمع، ولكن العدو الإسرائيلي يسمي حتى تقديم تلك الخدمات الإنسانية، بأنشطة إرهابية، ويوصِّف تقديم الغذاء للأطفال والنساء من أبناء الشعب الفلسطيني، بأنه نشاط إرهابي؛ فعندما يقدَّم الحليب للأطفال الرُّضَّع، يوصِّف العدو الإسرائيلي ذلك بأنه نشاط إرهابي! وعندما تقدَّم أي خدمة إنسانية في الجانب الطبي، أو في التعليم، أو في غيره للشعب الفلسطيني، يوصِّف العدو الإسرائيلي ذلك بأنه نشاط إرهابي!.
الأسبوع الماضي حظي القانون الشيطاني بالأغلبية المريحة التي تجعل منه ساري المفعول، في حظر نشاط وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
السيد القائد عبد الملك بدرالدين الحوثي استهجن واستنكر في كلمته الخميس هذا التحرك الصهيوني، مستنكرا مثل هذه النظرة التي تعتبر تقديم المعونات الغذائية والدواء والمأوى ومداواة الجرحى اعمال ارهابية، فيما اعمال الاجرام الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني من قتل وتجويع وحصار وابادة جماعية عمل عادل ودفاع عن النفس!!!
يعكس الكيان الصهيوني بتوجهه لقتل الفلسطينيين بالقانون، تماديه في تجاوزه كل شيء وعدم اكتراثه بأحد، خصوصا وقد تعالت أصوات العالم رافضة لهذا التوجه غير الإنساني، وقبل أشهر حظر العدو عمل ذات الوكالة الإنسانية، داخل الأراضي المحتلة بذريعة أن عددا من موظفي الأونروا شاركوا في معركة طوفان الأقصى أو لهم علاقة بالمقاومة وما شابه، وتفاعلت عدد من الدول الداعمة له مع روايته وسرعان ما علقت دعمها قبل أن يتبين زيف الادعاء.
اليوم، يتم تجديد نفس الادعاءات المفتعلة، من أجل تنفيذ هدف حرمان الفلسطينيين من المواد الأساسية عن طريق حظر نشاط المنظمة، فيزعم مقدم مشروع القانون عضو الكنيست “بوعاز بيسموت” أن الـ“أونروا اليد الطويلة لحركة حماس”، ويُراد من التصويت عليه، أن يأخذ شرعية قانونية ما يجعله مُلزما تنفيذه، لتتبين من ذلك الكثير من الاستخلاصات، أولها جمود المجتمع عند حدود التعبير عن حالة الاستنكار وعدم الرضى ولا أكثر من ذلك، وثانيها توجه كيان الاحتلال بعلم المجتمع الدولي إلى إبادة الشعب الفلسطيني، الذي لا يزال يعاني الجوع والحرمان من أبسط مقومات الحياة بسبب الحصار الخانق الذي يفرضه العدو على المساعدات الإنسانية، أما ثالثها فهي محاولة خلق مهدئ نفسي، يهدئ من روع المستوطنين الصهاينة الرافضين لطول عُمر المواجهة مع المقاومة الذي يقترب من اتمام الشهر الأول من العام الثاني.
جزء من الحرب
في كل الأحوال، ترفض كل القوانين والأعراف والمواثيق استخدام التجويع كسلاح ضد الخصم، ما يجعل مثل هذا القرار باطل، ولا يستند إلى أية شرعية تعطيه الحق باستهداف الأطفال والنساء والشيوخ بالتجويع.
وتؤكد حركة المقاومة الإسلامية حماس أن القرار جزء من الحرب “الإسرائيلية” على الشعب الفلسطيني لتصفية قضيته الوطنية، وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي هُجِّروا منها قسرا على يد العصابات الصهيونية.
وتطالب حركة حماس المجتمع الدولي والأمم المتحدة باتخاذ مواقف حازمة ضد العدو الذي يتحدى الإرادة الدولية والهيئات الأممية، داعية إلى تقديم الدعم لـ”أونروا” بما يضمن استمرار عملها الإغاثي، خصوصا في ظل الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة.
في مؤتمر صحفي سابق عن إعلان العدو قال متحدث الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، إن مشروع القانون المقرر مناقشته في كنيست الاحتلال بشأن منع أنشطة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة والتزامات “إسرائيل” بموجب القانون الدولي..
بل وإلى ذلك حسب دوجاريكأن، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بعث برسالة إلى رئيس “حكومة” الكيان بنيامين نتنياهو بشأن مشروع القانون.. مع ذلك، الكيان لم يأبه لتنبيهات المنظمة الدولية ومضى لاعتماد القانون.
بدورها منظمة العفو الدولية التي تصف الأونروا بمثابة شريان الحياة للاجئين الفلسطينيين، تؤكد “أن القانون الإسرائيليّ لحظر الأونروا يرقى لجرائم ضدّ الإنسانيّة وسيُفاقِم الأزمة الإنسانيّة الكارثيّة المتفاقمة أصلًا ويتعارض مع قرارات محكمة لاهاي.. الدول عادت لتمويل المنظمة ما عدا الولايات المُتحدّة”.
وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة “إن هذا القانون غير المعقول يشكل اعتداءً صريحًا على حقوق اللاجئين الفلسطينيين”.
لتدخل أمريكا في الخضمّ فتقدم نفسها بشكل مفضوح كـ ‘حمامة السلام’، فتدعي “قلقها العميق إزاء قانون حظر عمل “الأونروا”، حسب المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر، وقد علق ناشطون على هذا القلق الأمريكي بأنه لم يكن هناك من ينتظر تعليق منها في هذا الشأن وهي من تقف خلف جرائم العدو الصهيوني
قانون الإبادة الناعمة
بموجب القانون، سيتم إلغاء اتفاقية عام 1967 التي سمحت لـ”أونروا”، بالعمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي ستتوقف أنشطة الوكالة فيها.
وحذّرت منظمة الصحة العالمية من أن يؤدي هذا الحظر إلى عواقب مدمرة.
وكتب رئيس المنظمة تيدروس غيبريسوس عبر منصة “إكس” يقول: “تم إنشاء “الأونروا” من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وسيؤدي قرار البرلمان “الإسرائيلي” الذي يحظر الأونروا تنفيذ مهامهم لإنقاذ حياة وصحة ملايين الفلسطينيين إلى عواقب مدمرة. إنه أمر غير مقبول، يتناقض مع التزامات وواجبات “إسرائيل” ويهدّد الأشخاص الذين تعتمد حياتهم وصحتهم على “الأونروا”.
وقالت حكومات أيرلندا والنرويج وسلوفينيا وإسبانيا وفي بيان مشترك إن عمل “أونروا” لا يمكن الاستغناء عنه لملايين اللاجئين، وشددت على أن تشريع الكنيست سابقة خطيرة لعمل الأمم المتحدة.
وعلى نفس الخط اعتبر رئيس الوزراء الأيرلندي أن تصويت الكيان الإسرائيلي على حظر “أونروا” “كارثي ومخز.”، فيما دعت أستراليا الكيان الإسرائيلي للامتثال لأوامر محكمة العدل الدولية الخاصة بتقديم مساعدات إنسانية لغزة.
وقال متحدث مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” ينس لايركه، إن تنفيذ قرار الكنيست الإسرائيلي الأخير بشأن الأونروا سيكون بمثابة عقاب جماعي جديد بحق الفلسطينيين بقطاع غزة.
أما متحدث منظمة الأمم المتحدة للطفولة جيمس إلدر، فحذر من أن القرار الإسرائيلي قد يؤدي إلى فقدان المزيد من الأطفال في غزة. وقال إلدر: “مثل هذا القرار يعني اكتشاف طريقة جديدة لقتل الأطفال فجأة”.
وفي رسالة إلى رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة فيليمون يانغ قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” فيليب لازاريني: “إن الهجمات على الوكالة ستؤدي إلى تغييرات أحادية الجانب في معايير أي حل سياسي مستقبلي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتضر بحق الفلسطينيين في تقرير المصير وتطلعاتهم إلى حل سياسي”.
وبيّن لازاريني في رسالته بأن: الوضع في غزة يتجاوز المفردات الدبلوماسية للجمعية العامة، فقد دمرت حياة الفلسطينيين بعد أكثر من عام من القصف الأكثر كثافة للسكان المدنيين منذ الحرب العالمية الثانية، وتم تقييد المساعدات الإنسانية إلى ما دون الحد الأدنى من الاحتياجات، ودُمرت المدارس والجامعات والمستشفيات وأماكن العبادة والمخابز وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء والطرق والأراضي الزراعية، ويعيش الناجون في أشد أشكال الإهانة محاصرين ينتظرون الموت بالضربات الجوية أو الجوع.
المؤسف أن مثل هذه التصريحات والبيانات التي لا تتجاوز وسائل التواصل الاجتماعي، تكشف عن حجم الخلل الذي يعيشه العالم بعد سيطرة الكيان الصهيوني ومن خلفه أمريكا على “الفعل” وحصر الرفض تجاه ممارساته عند مستوى الكلام والتصريحات، التي لو تم تجميعها في مجلدات لغطّت مساحة كيلومترات، فيما لا “فعل” واحد يترجم صدقية هذه التصريحات.
تقول الكاتبة الفلسطينية سماح خليفة: “وجود الأونروا يعني وجود لاجئين، ووجود اللاجئين يعني وجود محتل غاصب، ووجود المحتل يعني بالفطرة وجود مقاومة. القضاء على الأونروا يعني، على المدى البعيد، القضاء على فكرة اللاجئين تمامًا، وبالتالي محو فكرة وجود احتلال على أرض مغتصبة من أهلها المهجّرين؛ لتصبح تلك الدولة المحتلة تلقائيًّا مع الوقت دولة مقيمة صاحبة أرض ووطن، وبالتالي يستكمل مشروع القضاء على المقاومة بمسمى آخر، هو القضاء على الإرهاب الخارج عن الدولة”.
ثقافة تبريرية
قبل سنوات تداولت أصوات حرة، حديثا لا يزال صداه مستمرا حتى اليوم، وهو حديث يستنكر عدم تحرك الدول العربية والإسلامية لتشكيل منظمة مشابهة للأنروا والضغط على أمريكا والكيان لتمكينهما من العمل داخل الأراضي المحتلة دون أي حواجز أو موانع، إنما ومنذ سنوات أيضا لا يزال حديث الأنظمة المُعينة من قبل أمريكا، بأن ذلك يُعقد المشكلة مع العدو.
ومثل هذه الثقافة التبريرية إنما تعكس حالة الضعف والهوان التي عليها الأنظمة العربية، ويرى ناشطون أن مثل هذا التحرك الايجابي، لا يمكن توقعه من هذه الأنظمة، التي يشارك بعضها في حصار الفلسطينيين، وبعضها يمُد العدو بالمواد الغذائية والمال والسلاح، لذلك لا تجرؤ هذه الأنظمة حتى على الادانة والرفض لمثل هذا الاستهداف غير الأخلاقي وغير الإنساني.
—————————————-
موقع أنصار الله