.. وقوله:(فيه) أي: في أحداثه، ومراحله، ومجرياته، فكأن كلَّ البشر يذوبون فيه، وينغمسون، وينظرفون، ويبتعدون إلى أبعدِ مكانٍ، كأنهم ظُرِفُوا في أزمنته، فلا يراهم الرائي، أو يغوصون في أحداثه، ويتوهون في مراحله، ويدخلون في درجاته، حتى كأنهم ينظرفون فيها بكلياتهم، فلا يراهم الرائي؛ تحقيقا لمعنى الظرفية في حرف الجر:(في) من قوله سبحانه: (تشخص فيه الأبصار).


و(يوم) كناية عن موصوف هو يوم القيامة، وهو اليوم الآخر، والهاء في (فيه) تعود على اليوم الآخر؛ لتؤكد خطورته، وتبيِّن مهابتَه، وتكشف عما ينطوي عليه الخلقُ فيه من تعب شديد، وهلع أكيد، وانشغال كلِّ إنسان بنفسه، وفراره من أقرب الناس إليه:(يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه..).
والأبصار صحيح أنه جمع قلة، لكنْ ليس للكلمة جمع كثرة، فوزن (أفعال) من أوزان القلة، لكنَّ جمع القلة يقوم مقامَ جمع الكثرة عند فقدان اللفظ لجمع الكثرة، فالأبصار هنا تعني أبصار مليارات الخلق، وملايين الناس الذين خلقهم الله من يوم أن خلق إلى يوم البعث، والنشور، والحساب، والجزاء، وشخوص الأبصار كناية عن خطورة اليوم، وتكاليفه، وشدة منازله، وصعوبة تبعاته، وسؤالاته. وفي الآية الكريمة ـ كما نرى ـ أسلوب نهي، وأسلوب توكيد للفعل المضارع بالنون، وأسلوبٌ إنشائي (نهي)، وأسلوبٌ خبري:(يعمل الظالمون)، وأسلوب حذف:(يعمل الظالمون)، وأسلوب قصر بـ(إنما)، وأسلوب وصف، وأسلوب كِنَائي، وكلمات بها تنكير، أدى عمله، ودوره في سياقه:(غافلًا ـ يوم)، وحروف جر تناوبتْ دلالة حروف أخرى كاللام التي قامت مقام (إلى)، واستعمال الأفعال المتعدية واللازمة التي تآزرتْ في رسم الدلالة القرآنية، والكشف عن مآل الظالمين يوم القيامة، وعاقبة ظلمهم، وتجبرهم على خلق الله، وسوء مصيرهم المحتوم.
وفي قوله تعالى في الآية الثانية ما يكشف عن عاقبة المتجبرين، وتتواصل معه صورة الظالمين في أحداث يوم القيامة، وخطورة ما فيه، يقول الله تعالى:(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ)، و(مهطعين): هي اسم فاعل من الفعل الرباعي:(أهط)، وهو فعل ثلاثي، مزيد بالهمزة، ومعناه النظر في ذل، وخشوع، وسرعة، فالمُهطِع من الناس هو من ينظر أمامه مسرعًا، وهو في ذل، وخشوع، وإذلال، وخضوع، ينطلق إلى مَنْ دعاه في ذل، وخوف، وهلعن ورجفة: كما في قوله تعالى:(مهطعين إلى الداع)، وأصل (الهطع) هو إقبال الإنسان مسرعًا في خوف، ومدٍّ للعنق، وتصويبٍ للرأس، والإقبال على الشيء ببصره، لم يرفعه عنه من الخوف، والخزي، والذل، وهو هنا كناية عن الهلع، والإسراع دون تفكير نحو الداعي، بعنق ممتدٍّ، ورقبة مشرئِبَّة إلى الأعلى، ناظرة أمامَها لا تلوي على شيء؛ من هول ما تراه، كما قال تعالى:(وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)، تظنهم سكارى يتخبطون، ولكنهم يفعلون ذلك من هول ما رأوه، وشاهدوه.

د.جمال عبدالعزيز أحمد
كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة – جمهورية مصر العربية
Drgamal2020@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: یوم القیامة

إقرأ أيضاً:

الإقلاع عن التدخين بمناسبة الشهر الفضيل

من يتّق الله يجد له مخرجا، هو أوّل ما يمكن أن نبدأ به هذه الكلمة، حتى نخاطب العقول قبل القلوب ونكون سببا لأن نمدّ قراءنا الأعزّاء بقوة يتخذونها سلاحا للفوز وإعلان الإنتصارعن أفة التدخين، هذا السم القاتل الذي يفتك بالمرء ويقوده إلى منا لا يحمد عقباه على جميع الأصعدة: صحيا، نفسيا، ماديا.

وما فرصة الشهرالكريم إلا مفتاح من ذهب يمكننا أن ننجو به وبحياة كل من هم حولنا، لذا فلتعقد عزيزي القارئ العزم على أن تكون من الماضين في سبيل لا تشوبه شائبة بإذن الله.

لذا ما عليك إلا بالأتي:

قرر بشكل قاطع أنك تريد الإقلاع عن التدخين، فإن ذلك كما يقول الله تعالى: “من عزم الأمور”.

تذكر أنك في شهر الصوم، وأن ذلك يقتضي ترك الخبائث والمنكرات، والتدخين من الخبائث والمضار التي يجب تركها قال تعالى : ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث”.

استعن بالله وادعه مخلصًا أن يمنحك القوة والتوفيق لتحقيق ذلك، حيث قال النبي (صلى الله عليه وسلم): “وإذا استعنت فاستعن بالله”.

ضع أمام عينيك دائمًا أخطار التدخين وعواقبه الوخيمة، وتذكر أن الله سيسألك عن الصحة، والعمر، والمال.

حاول أن تجد رفيق لك من المدخنين (قريب - صديق – زميل)، لتتعاهدا معا على ترك التدخين. فهذا أدعى للخير، ويزيدك إصرارا على ترك التدخين، والمرء بإخوانه لا بنفسه فقط.

أبلغ زوجك وأهلك ومن تثق بهم بقرارك، فإنهم سيكونون مصدر دعم مهم لك إن شاء الله.

قرر أن تقتطع مبلغ المال الذي كنت تصرفه على التدخين للتبرع به للفقراء واليتامى بشكل يومي. لأن الله تعالى يقول: “وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا”.

سيتولد لديك صراع داخلى للعودة إلى التدخين، فتذكر قول الله تعالى: “إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون”. ولا تنس قول الله تعالى: “وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم”.

تذكر أن قوة الإرادة والعزيمة التي تتجلى في الصيام والامتناع عن المفطرات والشهوات. هي عون كبير جدا على الإقلاع عن التدخين والتخفيف من آثاره الجانبية إلى حد كبير. فاستعن بالصبر والصلاة، ولا تدع الفرصة تفوتك في رمضان.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

مقالات مشابهة

  • دار الإفتاء المصرية: التشدد في منع التوسل بالنبي والأولياء تضييق على الناس
  • سُنَن الفطرة
  • للصائم دعوة لا ترد
  • هل يُقبل صيام المرأة غير المحجبة؟.. دار الإفتاء تجيب
  • ميثاق غليظ
  • الإيمان والإستقامة
  • الإقلاع عن التدخين بمناسبة الشهر الفضيل
  • شيخ الأزهر: حفظ الله يشمل كل الناس.. سواء المطيعون أو العصاة
  • الإمام الطيب : حفظ الله يشمل كل الناس المطيعين والعصاة
  • شيخ الأزهر: حفظ الله يشمل كل الناس المطيعون منهم والعصاة