رغم تضييق الحكومات.. كيف كسبت القضية الفلسطينية تعاطف العالم؟
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
ما زال جيش الاحتلال الإسرائيلي يُعلن عن رغبته في مواصلة حربه على قطاع غزة حتى النهاية، رغم أن هذه الحرب أفضت -حتى الآن- إلى سقوط أكثر من 19 ألف شهيد فلسطيني أغلبهم من الأطفال والنساء (1). ولكن رغم كل الدعم السياسي الذي امتلكه جيش الاحتلال، فإن القضية الفلسطينية تكتسب مع مرور كل يوم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 داعمين وأنصارا جددا في مختلف بقاع العالم، وهو ما نحاول رصده في هذا التقرير، الذي يُسلط الضوء على حركة التضامن العالمي لمناصرة غزة والقضية الفلسطينية، وتحدِّيها كل المعوقات والتهديدات، وبالأخص في الدول الغربية.
منذ بداية الحرب على غزة التي استهدفت النساء والأطفال انتقاما من عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، انتفضت المظاهرات لتعمّ جميع أرجاء العالم تعبيرا عن التضامن مع الشعب الفلسطيني. في العاصمة النيوزلندية "ويلينغتون" خرجت المظاهرات بالآلاف إلى مبنى البرلمان تهتف "فلسطين حرة" حاملة أعلام فلسطين (2) (3)، وفي النرويج رقد المتظاهرون في محطة القطارات المركزية بالعاصمة مُرتدين أكفانا مُلطخة بالدماء للتنديد بالاحتلال. أما في أيرلندا فلم يتوقف نشاط الناس في التعبير عن تضامنهم الكامل مع القضية الفلسطينية منذ الأيام الأولى للحرب، بل امتد التضامن هناك لملاعب كرة القدم، إذ أنشدت الجماهير في المدرجات هتافات التضامن مع غزة وفلسطين، وتبرعت الأندية الرياضية لصالح أهالي غزة (4).
في اليابان، رغم صمت الحكومة عما يحدث في غزة خوفا على مصالحها الاقتصادية مع دولة الاحتلال، خرجت المظاهرات في طوكيو بالآلاف للتنديد بسلوكيات دولة الاحتلال (5)، بينما شهدت شوارع لندن مظاهرات غير مسبوقة للتضامن مع فلسطين شارك فيها مئات الآلاف وفق تقديرات الشرطة نفسها (6)، رغم التهديدات والاعتقالات التي شهدتها صفوف المناصرين لفلسطين. وكذلك في النمسا لم يَحُل تساقط الثلوج والحظر الذي فرضته السلطات على المظاهرات المناصرة للقضية من تجمُّع المتظاهرين الذين هتفوا من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار (7).
وفي يوم "حقوق الإنسان" في 10 ديسمبر/كانون الأول عمَّت الاحتجاجات أوروبا، إذ خرجت المظاهرات في بلجيكا بالأعلام الفلسطينية داعية إلى وقف الحرب الانتقامية لجيش الاحتلال رافعين شعار "أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة"، و"القدس عاصمة فلسطين"، بينما في ألمانيا كانت الهتافات أكثر انتقادا للحكومة بسبب دورها في الحرب، حيث صدحت قائلة: "ألمانيا تُموِّل وإسرائيل تقصف"، ولوَّح بعض سكان برلين للمظاهرة بالتحيات والأعلام الفلسطينية (8).
وفي اليوم نفسه سارت مظاهرة في العاصمة السويدية ستوكهولم في اتجاه السفارة الإسرائيلية مطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار والسماح بإدخال المساعدات لأهالي غزة دون شروط، بل دعت المظاهرة صراحة لمقاطعة إسرائيل. أما في هولندا في ذلك اليوم فقد كانت الهتافات أكثر جرأة "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر"، والسبب أن هناك حكما قضائيا يقضي بأن هذا الهتاف ليس عنصريا أو معاديا للسامية، وهاجمت الهتافات الحكومة الهولندية مباشرة قائلة إن يديْها ملطخة بالدماء (9).
من جهة أخرى، ومنذ الأيام الأولى للحرب، كتب 800 موظف في الاتحاد الأوروبي عريضة لرئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين" يحتجون فيها على تحيز الاتحاد لدولة الاحتلال، مؤكدين أن طلبهم هو أن يسعى الاتحاد في طريق وقف المذبحة ضد الفلسطينيين، وأن تلك الحرب لم تشهد تفعيلا لأي قيمة من القيم التي بُني عليها الاتحاد الأوروبي (10). جدير بالذكر أن التضامن العالمي تجلَّى حتى في قطاع الأزياء، إذ ارتفعت مبيعات "الكوفية" الفلسطينية على نحو كبير في الولايات المتحدة منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول وحتى الآن، رغم ما يتعرض له مُرتَدوها من اعتداءات لفظية وجسدية في بعض الأحيان (11). إن التضامن مع القضية الفلسطينية ليس محمود العواقب في الدول الغربية، وخاصة في هذه المرة التي تبدو فيها الحكومات الغربية متحدة لحماية إسرائيل، فقد شهد العديد من المتضامنين مع القضية الفلسطينية في الدول الغربية أزمات عدة في الأسابيع الماضية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الثمن الباهظ للتضامن ضباط الشرطة يتدخلون في احتجاج طلاب جامعة برلين الحرة بينما ينظم الطلاب احتجاجًا لدعم الفلسطينيين (الأناضول)بحسب "إستر ميجور"، نائبة مديرة البحوث في منظمة العفو الدولية بأوروبا، فإن العديد من الدول الأوروبية قامت بتقييد حق الاحتجاج من أجل فلسطين على نحو غير قانوني، إذ استهدفت إجراءات هذه الدول -بحسبها- حتى الأعلام الفلسطينية والهتافات من أجل فلسطين، فضلا عن وحشية الشرطة -كما وصفتها- في التعامل مع الاحتجاجات، وحظر الاحتجاجات المتضامنة مع فلسطين تماما في بعض الأحيان (12). وبحسب "أنس مصطفى"، الناشط في منظمة "سي إيه جي إي" الحقوقية في بريطانيا، فإن التضامن مع فلسطين أصبح جريمة على نحو متزايد في أوروبا، وهناك حملة قمع غير مسبوقة في القارة ضد النشاط الفلسطيني (13). وقد أعلنت الشرطة البريطانية أنها لن تتسامح مع أي شخص يُظهر تعاطفا مع المقاومة الفلسطينية المسلحة (14)، إلى درجة أن السلطات البريطانية اعتقلت حتى بدايات شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم نحو 100 شخص بتُهم التعاطف مع حماس أو إطلاق هتافات تراها لندن معادية للسامية، رغم الاعتراف بأن تلك المظاهرات في بريطانيا كانت سِلمية (15).
بشكل مماثل في ألمانيا اعتدت قوات الشرطة على ناشطين عرب وألمان مناصرين للقضية بسبب هتافاتهم لحرية فلسطين، وحظرت البلاد شبكة "صامدون" المتضامنة مع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، هذا فضلا عن شكاوى النشطاء الفلسطينيين من انتهاكات حكومة "أولاف شولتز"، التي وصلت إلى حد ابتزازهم بأوراق إقامتهم، بالإضافة إلى وقف الوسائل الإعلامية التعامل مع الصحافيين المتضامنين مع القضية الفلسطينية، مثلما حدث مع "مالكولم أوهانوي"، الذي أوقفت الإذاعة البافارية التعامل معه بسبب تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيها في بداية الأحداث: "حين تُقطع ألسنة الفلسطينيين بشكل مُمنهج، كيف يمكنهم الاعتماد على الكلمات للدفاع عن أنفسهم؟".
في الولايات المتحدة، وصل عدد المستهدفين بسبب التضامن مع فلسطين إلى 260 حالة بحسب "منظمة فلسطين القانونية"، وشملت تلك الحالات الطرد من الوظائف وإلغاء عقود العمل بسبب منشورات مدافعة عن فلسطين على وسائل التواصل الاجتماعي، علاوة على تصريح مجموعة من المسؤولين التنفيذيين في "وول ستريت" بأنهم لن يوظفوا أي طالب وقَّع على بيانات داعمة لفلسطين (16). وربما من آخر تلك الأمثلة للتضييق على المتضامنين مع فلسطين ما حدث مع رئيسة جامعة بنسلفانيا الأميركية "ليز ماغيل"، التي أُجبرت على الاستقالة بعد شهادتها في جلسة الاستماع بالكونغرس، حيث دافعت عن حرية التعبير المكفولة للطلاب كي يتضامنوا مع القضية الفلسطينية أمام الاتهامات بتزايد "معاداة السامية" في الحرم الجامعي. وبعد شهادة ليز هدَّد المانحون الجامعة بسحب تبرعاتهم من أجل إقصائها (17).
إن عواقب التضامن مع فلسطين وخيمة، كما نرى في الدول الغربية، وبالأخص على الأشخاص المؤثرين في مواقع عمل معينة، ومع ذلك لم تتوقف حملة الدعم الشعبي، بل ازدهرت في الأسابيع الأخيرة، إذ إن الحرب ساهمت بشكل كبير في تعميق المعرفة العالمية بالقضية الفلسطينية وقضية الاستيطان، رغم محاولات الإعلام الغربي لسنوات طويلة إظهارها على أنها قضية جدلية معقدة يصعب اتخاذ موقف حاسم وصريح فيها.
التضامن مع غزة.. مشاهير ودولعلى مستوى الدول، أعلنت بعض الحكومات حول العالم تضامنها بدرجات متفاوتة مع الشعب الفلسطيني، فقد أدان رئيس الوزراء الأيرلندي انتهاكات دولة الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين، فيما أخذت النرويج منذ وقت مبكر موقفا مخالفا للنغمة الأوروبية السائدة، إذ انتقدت حصار غزة وانتهاكات دولة الاحتلال في المقام الأول، وأكدت أن إسرائيل تجاوزت بوضوح حدود القانون الدولي (18). وتبنَّى حزب "بوديموس" اليساري الإسباني المشارك في التحالف الحاكم لهجة قوية ضد دولة الاحتلال، ودعا إلى قطع العلاقات الأوروبية بالكامل مع تل أبيب (19). فيما أكد الحزب الشيوعي الإسباني، مثله مثل الكثير من الشيوعيين الأوروبيين، حق الشعب الفلسطيني في المقاومة، ورفض وصف حركة المقاومة الإسلامية حماس بالحركة الإرهابية (20).
بعيدا عن أوروبا، اتخذ رئيس كولومبيا "غوستافو بِترو" لهجة تصعيدية مع دولة الاحتلال تنديدا بجرائمها ضد الفلسطينيين، وأعرب رئيس جنوب أفريقيا "سيريل رامافوسا" عن دعم بلاده التاريخي للكفاح العادل للشعب الفلسطيني وهو يلبس الكوفية الفلسطينية محاطا بأعلام فلسطين، ومُذكِّرا بأن نظام دولة الاحتلال أشبه بنظام الفصل العنصري الذي عاشته جنوب أفريقيا أثناء الحرب الباردة (21). أما بوليفيا فوصلت إلى حد قطع العلاقات مع إسرائيل، فيما استدعت تشيلي سفيرها من إسرائيل (22) احتجاجا على الإبادة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني.
من جهة أخرى، ورغم الموقف الأميركي المتحالف مع إسرائيل في حربها على الفلسطينيين، فإن المرشح الرئاسي الأميركي المستقل والمفكر "كورنيل وِست" وصف ما تقوم به دولة الاحتلال بالإبادة الجماعية، ويصف كورنيل الفلسطينيين بأنهم إخوانه، وهو ناقد شرس يشارك في المظاهرات ضد سياسات الولايات المتحدة المشاركة مباشرة في الحرب ضد فلسطين (23). ورغم كل نصائح شركات التسويق بأنه ينبغي للنجوم والفنانين في العالم الغربي ألا يأخذوا موقفا من الأحداث، فإن هناك قائمة من الفنانين الذين أعلنوا تضامنهم مع فلسطين رغم كل المخاطر التي ربما تصيب مستقبلهم المهني بسبب ذلك.
على سبيل المثال، رفض الممثل الحائز على جائزة إيمي "ديفيد كلينون" مؤخرا خوض تجارب أداء لسلسلة جديدة تنتجها شبكة "نتفليكس" من صنع إسرائيليين تضامنا مع فلسطين، قائلا: "إن هذا الولاء الهوليودي لإسرائيل قد بدأ جيل جديد من المبدعين في تحديه رغم كل محاولات أصحاب النفوذ في الصناعة أن يكتموا هذا الصوت ويرهبوه" (24). ومن أبرز النجوم الذين أعربوا عن تضامنهم مع فلسطين تأتي "سوزان ساراندون"، التي عوقبت بإلغاء تعاقد وكالة المواهب "يو تي إيه" تعاقدها معها بسبب دعمها للقضية الفلسطينية وتوقيعها على عريضة تطالب بايدن بوقف حربه على غزة. وهناك أيضا "سينثيا نيكسون"، التي دخلت في إضراب عن الطعام أمام البيت الأبيض من أجل غزة، بينما تعرضت "ميليسا باريرا" للطرد من فيلم جديد بسبب تحدثها عن الإبادة الجماعية في غزة. يُضاف إلى ذلك أن "برادلي كوبر" و"سيلينا جوميز" و"جانيل موناي" و"جينا أورتيجا" و"خواكين فينيكس" قد وقَّعوا على عريضة تطالب الكونغرس وجو بايدن بوقف الحرب على غزة (25). وفي بريطانيا كتب 3 آلاف فنان عريضة طالبوا فيها بوقف القصف الإسرائيلي فورا، مؤكدين فيها أن ما يحدث جريمة متكاملة، وكان من هؤلاء الفنانين "تيلدا سوينتون" و"بيتر مولان" و"ستف كوجان" و"ماكسين بيك" والكوميديان "فرانكي بويل" والفنان التشكيلي "تاي شاني" وغيرهم (26).
_______________________________________________
المصادر
ارتفاع حصيلة القتلى الفلسطينيين جراء الهجمات الإسرائيلية إلى 18787 حسب وزارة الصحة بغزة. Hundreds of thousands rally across cities to support Palestinians. Two Million People March in Jakarta in Solidarity with Gaza. تضامن أيرلندي واسع مع غزة يمتد لملاعب كرة القدم. ميديا بارت: هكذا تتزايد المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين في اليابان. 300 ألف متظاهر على الأقل بشوارع لندن تضامنا مع الفلسطينيين والشرطة تشتبك مع مظاهرة يمينية متطرفة مضادة. Tens of Thousands March in Europe, Call for Permanent Cease-Fire in Gaza. Solidarity demonstrations for Palestine held in Europe on Human Rights Day. المرجع السابق. Europe’s chaotic response to the Israel-Hamas war reveals how weak it is Symbol of solidarity: People around the world don the Palestinian keffiyeh. Europe: Right to protest must be protected during latest escalations in Israel/OPT. In Europe, Free Speech Is Under Threat for Pro-Palestine Protesters. Tens of Thousands March in Europe, Call for Permanent Cease-Fire in Gaza. 300 ألف متظاهر على الأقل بشوارع لندن Pro-Palestine supporters ‘losing jobs’ over Gaza solidarity: NGO. جماعات ضغط إسرائيلية وراء إجبار رئيسة جامعة بنسلفانيا على الاستقالة. Which countries have criticised Israeli attacks on Gaza? إسبانيا تلوح بقرار خاص للاعتراف بدولة فلسطين. How the Gaza conflict is dividing Europe’s left. Which countries have criticised Israeli attacks on Gaza? ما الدول التي تدعم إسرائيل في حربها على غزة وتلك التي تدينها؟ سياسيون أميركيون يطالبون بوقف الحرب على غزة ومظاهرات منددة. ‘People are being penalised’: Hollywood divided over Israel-Hamas conflict. People are being penalised. European artists, activists, politicians show their solidarity for Palestiالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مع القضیة الفلسطینیة فی الدول الغربیة دولة الاحتلال التضامن مع مع فلسطین على غزة من أجل رغم کل
إقرأ أيضاً:
الحكومات العربية تنهي مشكلة تجنيد الحريديم!
على مدى العقود التي وُجد فيها كيان الاحتلال البغيض، كان من يُطلق عليهم "اليهود المتدينون" لا يُستدعى طلاب المدارس منهم إلى جيش الاحتلال. ووفقا لمعهد الديمقراطية الإسرائيلي، يمثل المتشددون نحو 14 في المئة من السكان اليهود في إسرائيل، ويصل عدد المعفيين منهم من التجنيد إلى نحو 66 ألفا، ويتمكنون من تجنب التجنيد عبر الحصول على تأجيلات متكررة لمدة عام واحد بحجة الدراسة بالمعاهد الدينية، حتى وصولهم إلى سن الإعفاء من التجنيد (26 عاما).
في تموز/ يوليو الماضي قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، إنها حصلت على تسجيل صوتي للحاخام الأكبر السابق لإسرائيل يتسحاق يوسيف يقول فيه: "كل عالم توراة معفى من التجنيد، حتى الشخص العاطل الذي لا يدرس". وأضاف: "مَن ينضمون إلى الجيش يفسدون. هناك مجندات وضابطات وألفاظ نابية، هناك أشياء فظيعة وغير لائقة. لا تذهبوا إلى هناك". وتابع يوسيف: "أي شخص يتلقى إشعارات يجب أن يمزقها ولا يذهب. إنه مع التوراة، وإذا أخذوه إلى السجن، فسيذهب معه رئيس مدرسته الدينية".
صدرت هذه التصريحات بعد حكم المحكمة العليا في كيان الاحتلال أواخر حزيران/ يونيو الماضي، القاضي بإلزام طلاب المدارس الدينية من "الحريديم" بالتجنيد في الجيش، وطلبت المحكمة من الحكومة قطع الدعم المالي عن المدارس الدينية. ويصل مبلغ الدعم للأسر المعفية من الخدمة العسكرية إلى 1.4 أو 1.5 مليار شيكل في السنة، بحسب مقال لـسيفان هيلاي في صحيفة "يديعوت أحرونوت".
في ظل هذه الأزمة، وهي واحدة من جملة أزمات داخل الكيان، تمد الدول العربية يدها إلى الاحتلال بعدة أشكال؛ إما بطريق بري ينطلق من الإمارات لتجاوز الحصار البحري اليمني، أو عبر إمدادات من البحر الأبيض المتوسط واستخدام موانئ مصرية محطة لسفن العدو الصهيوني، بما في ذلك النقل العسكري، أو فتح قناة السويس لعبور سفن حربية صهيونية، ليتغير الوضع من دعم سلبي بمشاهدة الإبادة الجماعية في فلسطين، إلى دعم العدو بصورة إيجابية
وللالتفاف على هذا القانون، طرح عضو الكنيست يسرائيل إيشلر وأعضاء آخرون، مشروع القانون المعروف بـ"قانون المهاجع"، ويعطي المشروع حقوقا إضافية للحريديم، عبر تغيير معايير قبول الأطفال في مراكز الرعاية النهارية ودور الحضانة الخاضعة للإشراف. وسيكون معيار الدعم، وفقا للقانون، معتمدا على الوضع الوظيفي للمرأة فقط، بغض النظر عن مهنة الرجل، وهذا سيسمح باستمرار الإعانة للأطفال حتى في الأُسَر التي يتهرب فيها الأب من الخدمة العسكرية، وبالتالي سيحصلون على التمويل رغم أنهم لن يخدموا بجيش الاحتلال.
تأتي هذه الإشكالية وسط أزمة متصاعدة في جيش الاحتلال نتيجة أعداد الإصابات الهائلة في جبهات القتال الفلسطينية واللبنانية، فبحسب إدارة إعادة التأهيل التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، تلقَّى 12 ألف جندي العلاج في وحداتها منذ بداية العدوان على قطاع غزة، ثم على لبنان، ثلثاهم من قوات الاحتياط، وهو ما يفوق كثيرا، الأرقام الرسمية التي ينشرها الجيش الإسرائيلي، وتوقعت إدارة إعادة التأهيل أن يرتفع معاقو الجيش الإسرائيلي بحلول 2030 إلى 100 ألف.
وتُظهر الأرقام التي نشرتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن 500 جندي يسجلون أنفسهم شهريا لدى هذه الإدارة لتلقي العلاج، كما تظهر أيضا أن 43 في المئة من الجرحى تلقوا العلاج من صدمات نفسية تعرضوا لها بسبب الحرب، وأن نحو 1500 من الجرحى أصيبوا مرتين في المعارك.
وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت، أن واحدا من كل ثلاثة ذكور مجبرون على التجنيد (من غير العرب)، لم يصلوا إلى مراكز التجنيد، و15 في المئة تركوا الخدمة ولم يدخلوا مخزون قوات الاحتياط، كما قفز عدد المستفيدين من الإعفاء لأسباب طبية/عقلية من 4 في المئة إلى 8 في المئة قبيل التجنيد، أما خلال الخدمة العسكرية فهذا هو شرط التسريح الأكثر شيوعا.
طريق بري ينطلق من الإمارات لتجاوز الحصار البحري اليمني، أو عبر إمدادات من البحر الأبيض المتوسط واستخدام موانئ مصرية محطة لسفن العدو الصهيوني، بما في ذلك النقل العسكري، أو فتح قناة السويس لعبور سفن حربية صهيونية، ليتغير الوضع من دعم سلبي بمشاهدة الإبادة الجماعية في فلسطين، إلى دعم العدو بصورة إيجابية، وفتح طرق إمداد غذائية وتجارية وعسكرية
ووفقا للصحيفة أيضا، فإن جيش الاحتلال بحاجة ماسة إلى 7 آلاف مجند فورا، ويدعي الجيش أنه سيكون قادرا على تجنيد 3 آلاف من اليهود الحريديم، لكن في عام التجنيد السابق، تم تجنيد 1200 فقط من أصل نحو 13 ألفا مرشح للخدمة. أما أوامر الاستدعاء للخدمة البالغ عددها 3 آلاف بهذا الصيف، تقسمت كالتالي: نصفها لليهود الحريديم حتى سن 21 عاما، و40 في المئة حتى سن 23 عاما، والباقي حتى سن الإعفاء، لكن كم عدد الذين التزموا وحضروا؟ 240 شخصا فقط، بمعدل 8 في المئة.
هذه الأزمات التي يعاني منها الاحتلال تزداد في التفاقم مع إعفاء الحريديم، وعمق الأزمات الاقتصادية، وطول فترة غياب المستدعين إلى الخدمة عن ذويهم، وبالطبع أعمالهم، ومن تجليات هذا التفاقم انتحار الطيار المساعد الرائد عساف داغان، بعد استدعائه للخدمة في الاحتياط.
في ظل هذه الأزمة، وهي واحدة من جملة أزمات داخل الكيان، تمد الدول العربية يدها إلى الاحتلال بعدة أشكال؛ إما بطريق بري ينطلق من الإمارات لتجاوز الحصار البحري اليمني، أو عبر إمدادات من البحر الأبيض المتوسط واستخدام موانئ مصرية محطة لسفن العدو الصهيوني، بما في ذلك النقل العسكري، أو فتح قناة السويس لعبور سفن حربية صهيونية، ليتغير الوضع من دعم سلبي بمشاهدة الإبادة الجماعية في فلسطين، إلى دعم العدو بصورة إيجابية، وفتح طرق إمداد غذائية وتجارية وعسكرية.
يستمر الحكام العرب في هذا الزمان بإبهارنا بمدى عمالتهم وتواطئهم مع عدو الأمة الأخطر والأحقر في التاريخ المعاصر، وكان حال أسلافهم، قبل ثورات الربيع العربي، مرهونا بحدود في التعاطي مع العدو الصهيوني، ورغم الانتقادات التي لم تهدأ طول فترة حكمهم، فإنهم كانوا يسمحون بحركة الشوارع الداعمة لفلسطين، ويُدخلون مساعدات حقيقية إلى القطاع، ويضغطون دبلوماسيا لإيقاف العدوان.
بعد انتكاسة الربيع العربي، وتحديدا في مصر؛ الدولة الأكثر تأثيرا في المنطقة، انقلب حال الدولة المصرية إلى عمالة فجة، ووقاحة كاملة في دعم الصهاينة والتماهي معهم، بل إن البداية كانت في 9 آب/ أغسطس 2013، عندما سمح للطيران الصهيوني بمهاجمة من أسماهم "جهاديين" من الأجواء المصرية شمال سيناء. بعد انتكاسة الربيع العربي، وتحديدا في مصر؛ الدولة الأكثر تأثيرا في المنطقة، انقلب حال الدولة المصرية إلى عمالة فجة، ووقاحة كاملة في دعم الصهاينة والتماهي معهموقالت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي إن الجيش المصري هو الذي حوَّل المعلومات إلى الاحتلال، ما مكّنه من تنفيذ الهجوم على "جماعة جهادية" في سيناء. وأضافت القناة أن "سماح" وزير الدفاع المصري وقتها، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بالهجوم الإسرائيلي على سيناء جاء لإقناع المنظمات اليهودية الأمريكية بالوقوف إلى جانبه ضد خصومه السياسيين المناصرين للرئيس محمد مرسي.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2014، بدأت المرحلة الأولى من إخلاء الشريط الحدودي مع قطاع غزة، الممتد على طول 14 كلم وبعمق 5 كيلومترات، وما نتج عنه من تهجيرٍ لأهالي سيناء. وفي أيلول/ سبتمبر 2015، ذكرت "هيومان رايتس ووتش" أن مصر هجّرت 3200 أسرة على مدار عامين.
واتضح سبب تلك العمليات في شباط/ فبراير 2016 عندما أدلى وزير البنية التحتية والطاقة والمياه الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، بتصريح محرج للإدارة المصرية بشأن التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر فيما يتعلق بحدود مصر مع غزة، وأفاد بأن الرئيس عبد الفتاح السيسي عمل بشكل يخدم مصالح إسرائيل، عندما أمر بإغراق الأنفاق المحفورة تحت الحدود مع مصر بالمياه، وهي الأنفاق التي قال رئيس هيئة الاستعلامات ضياء رشوان إنها بلغت 1500 نفق.
ورغم أن هذه كانت بدايات سلوك السيسي السياسي، لكن لا أحد كان يتصور أنه سيصل إلى تلك المرحلة من الخيانة لقضايا الأمة أو قضايا مصر، وأنه سيسمح بتعريض مصر لهذه الانتهاكات التي تعصف بسيادتها، فضلا عن واجبات الجوار والعروبة والدين الذين يوجبون عليه وعلى سائر العرب أن يدعموا فلسطين بكل الوسائل دون أي استثناء.
اليوم يقف الفلسطينيون وشعوب جبهات القتال والإسناد ببسالة وقوة منقطعة النظير، ورؤوسنا محنية خجلة من عجزنا وضعفنا، وضعف التنظيمات السياسية التي لا تستطيع الدخول في مواجهة سياسية مع النظام المصري لدعم شعب شقيق، وهي الفاتورة التي كانت تدفعها التنظيمات السياسية الإسلامية، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين، بغض النظر عن الملاحظات التي يمكن أن توجه إلى أدائهم السياسي في مرحلة ما بعد الثورات، لكنهم كانوا يقفون في هذا المسار أمام نظام مبارك أيّا كانت التضحيات.
ولعل الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع، والكارثة الكبيرة التي نحياها بسبب عجزنا عن النُّصرة، يؤديان إلى تغييرات في المنطقة، وأولها في نظم الحكم المحتلة والمصادِرة لإرادتنا السياسية والاجتماعية.