جريدة الوطن:
2024-11-23@22:51:58 GMT

تصاعد الخطاب العنصري

تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT

هل ما زال هناك مَن يحذر من «الخطر الشيوعي» في العالَم؟ خصوصًا بعدما تماهى اليسار تقريبًا في اليمين وأصبح الجميع في «الوسط» وتصعد فقط تيارات متطرفة أقرب لليمينيَّة الأصوليَّة إلى جانب جماعات هامشيَّة في ساحات السِّياسة في أغلب الدوَل. الرئيس الأميركي السَّابق دونالد ترامب يكرِّر في الأيَّام الأخيرة شعارات التحذير من «الشيوعيِّين» في أميركا ضِمْن جولاته الانتخابيَّة للترويج لاختياره مرشحًا عن الحزب الجمهوري للرئاسة العام القادم.

لا يردُّ معسكر الرئيس الحالي جو بايدن الَّذي على الأغلب سيكُونُ مرشَّح الحزب الديموقراطي لفترة رئاسيَّة ثانية على تصريحات ترامب بشأن «الخطر الشيوعي». فردُّ الديموقراطيِّين قَدْ يُفهم مِنْه قَبولهم بوصف ترامب جناحًا في حزبهم يميل يسارًا، لكنَّهم بالطبع يتصيدون له أخطاءً أخرى في خِطابه الشَّعبوي.
لَمْ يخترع ترامب ذلك الشِّعار ولا تلك اللُّغة، ففي منتصف القرن الماضي وعلى مدى سنوات تزعَّم سيناتور جمهور هو جوزيف مكارثي حمْلة ادِّعاءات اتَّهم فيها سياسيِّين وموظَّفين حكوميِّين وكتَّابًا ومفكِّرين وصحفيِّين وغيرهم من الأميركيِّين بالانضمام لتنظيمات شيوعيَّة. كان ذلك في بداية الحرب الباردة بَيْنَ الولايات المُتَّحدة والاتِّحاد السوفييتي السَّابق، وكان العالَم وقتَها معسكرَيْنِ وذا قطبَيْنِ. ونتيجة الحمْلة الَّتي عُرفت فيما بعد بوصف «المكارثيَّة» شهدت أميركا قمعًا غير مسبوق لحُريَّة الرَّأي باستخدام سيف تهمة «الخطر الشيوعي». في ستينيَّات القرن الماضي قدَّم المخرج الأميركي ستانلي كوبريك واحدًا من الأفلام الكلاسيكيَّة لهوليوود هو «دكتور سنرينجلوف» بطولة بيتر سيللرز. ومع أنَّ الفيلم كان أساسًا عن القنبلة النوويَّة وخطر اندلاع نووي بَيْنَ موسكو وواشنطن يدمِّر العالَم، إلَّا أنَّه يقوم على تصرُّف جنرال قائد لقاعدة جوِّيَّة للطائرات «بي 52» المزوَّدة بالصواريخ النوويَّة في الجوِّ طوال الوقت للهجوم على العدوِّ في أيِّ لحظة. كان الجنرال مهووسًا بالخطر الشيوعي، حيث لَمْ تكُنْ أجواء المكارثيَّة في أميركا خفتت بعد. ومن العبارات الشهيرة في الفيلم أنَّ ذلك الجنرال يطلق حربًا نوويَّة استنادًا لتصوُّره أنَّ «الشيوعيِّين يسمِّمون سوائل أجسامنا الثمينة» بضخ الفلوريد في مياه الشرب! في النهاية يمنع خطر الحرب وطبعًا انتحر الجنرال المخبول.
المثير حقًّا أنَّ الرئيس السَّابق دونالد ترامب استخدم تعبير الجنرال في فيلم ستانلي كوبريك قَبل أيَّام في مهرجان انتخابي حين اتَّهم المهاجرين إلى أميركا بأنَّهم «يسمِّمون دماء بلادنا». صحيح أنَّه يلعب على مشاعر نَحْوَ نصف الأميركيِّين الَّذين يعتنقون أفكارًا عنصريَّة بتفوق الجنس الأبيض ويعادون المهاجرين، لكنَّه في النهاية يغذِّي تلك التوجُّهات بشعاراته الَّتي تماثل فترة المكارثيَّة فعلًا. وسبق له أن اتَّهم المهاجرين بأنَّهم «حشرات»، ما جعل إدارة بايدن تصف خِطابه بأنَّه خِطاب كراهية ويستخدم «لُغة لَمْ تسمع إلَّا في ألمانيا زمن هتلر». ليست المُشْكلة في الهجرة والمهاجرين، فأغلب البلاد الغربيَّة وفي مقدِّمتها أميركا بحاجة للمهاجرين وإلَّا أصاب اقتصادها الركود. ومع أنَّ هناك فئات من المهاجرين تنتهك فعلًا نُظم الرعاية والدَّعم في تلك البلدان إلَّا أنَّ الأغلبيَّة تعمل وتفيد الاقتصاد؛ لأنَّها تتولى الوظائف الَّتي لا يعمل بها أبناء البلد الأصليون. إنَّما هو الاستغلال السِّياسي لقضيَّة الهجرة لكسب التأييد والأصوات في الانتخابات. ولا يختلف في ذلك يمين عن يسار في كُلِّ ما تسمَّى «الديموقراطيَّات الغربيَّة»، بل أحيانًا تجد اليسار أكثر عنصريَّة في قضيَّة الهجرة والمهاجرين من يمين الوسط. إنَّما النتيجة أنَّ ذلك الخِطاب السِّياسي الشَّعبوي والعنصري أحيانًا يرسِّخ لتوجُّهٍ في غاية الخطورة. والأدهى والأمَرُّ أن تسنَّ القوانين على ضوء ذلك التوجُّه بما يزيد من قمع حُريَّة الرأي والفكر الَّتي طالما تغنَّى بها الغرب واستخدمها في الضغط على الآخرين حَوْلَ العالَم.
لا يقتصر صعود الخِطاب العنصري على الولايات المُتَّحدة، وإن كان أكثر بروزًا فيها ككُلٍّ شيء من أميركا ـ كبير وفاقع الأثر. لكنَّ أوروبا، الَّتي تقليديًّا تميَّزت بمزيدٍ من «النظام» والقواعد والقوانين الَّتي طوَّرتها ما بعد حروبها الَّتي ضحَّت فيها بمئات الملايين عَبْرَ القرون الأخيرة أصبحت على خُطى الأميركيِّين. وتزيد بقوَّة وبوتيرة سريعة توجُّهات الفاشيَّة والنازيَّة الجديدة في دوَل أوروبيَّة كان النَّاس فيها يخشون القانون فيكبتون تلك المشاعر. أمَّا الآن، ومع تولِّي السِّياسيِّين نهج الشَّعبويَّة وممالأة المتطرفين فالقوانين تتغيَّر وحُريَّة الرأي تقمع وتصير الغلبة لأمثال جنرال فيلم ستانلي كوبريك المخبول والرئيس الأميركي السَّابق وأمثاله الصاعدون في أوروبا. المُشْكلة الأعمق أنَّ تصاعد الخِطاب العنصري يتزامن مع مرحلة تدهور اقتصادي واضح في الغرب ودوَله الكبرى. ومن شأن ذلك أن يؤدِّيَ إلى تصدُّع سياسي ـ اجتماعي تصعب السيطرة على تطوُّراته. ويخشى بحقٍّ من أن يؤدِّيَ ذلك إلى ما هو أخطر من تصوُّرات «صراع الحضارات» واحتمالات «الحروب الدينيَّة» وما شابَه من أفكار برزت ما بعد نهاية الحرب الباردة في أواخر القرن الماضي. إذ إنَّ استمرار هذا النهج سيفتح أبواب صراعات متعدِّدة الأوْجُه، ما بَيْنَ الغرب والشرق من ناحية وداخل الغرب من ناحية أخرى وأيضًا داخل الشرق أيضًا. ولَنْ تكُونَ هناك كتلة بَشَريَّة في مكان ما بالعالَم تلتزم بالنظام والتجانس تُعدُّ مرجعيَّة لاحتمالات السَّلام والوئام مهما طال الصراع. أي أنَّ البَشَريَّة يُمكِن أن تدخلَ فيما يسمَّى «تفاعل تسلسلي» من العنصريَّة والعنصريَّة المضادَّة.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: العال م

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة حلوان: تجديد الخطاب الديني ضرورة مجتمعية لمواجهة الأفكار المتطرفة

انطلقت فعاليات ندوة «الخطاب الديني وبناء الوعي لدى الشباب»، والتي نظمتها الإدارة العامة لرعاية الشباب بجامعة حلوان، بالتعاون مع أسرة من أجل مصر المركزية بحضور الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، برعاية الدكتور السيد قنديل رئيس الجامعة، وبحضور الدكتور حسام رفاعي، نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب.

 

بناء شخصية واعية

وأكد رئيس جامعة حلوان، أن تنظيم مثل هذه الفعاليات يُعد من أولويات الجامعة لتعزيز وعي الطلاب وتعريفهم بأمور دينهم من خلال جهات موثوقة، واعتبر وجود الدكتور نظير عياد فرصة استثنائية للطلاب للاستفادة من علمه الغزير ورؤيته المستنيرة في قضية تجديد الخطاب الديني.

شدد قنديل على أن دور جامعة حلوان التنويري والتثقيفي يتجاوز تقديم المعرفة الأكاديمية ليشمل بناء شخصية الطالب الواعية والمتوازنة، المدركة لتحديات عصرها.

مواجهة الأفكار المتطرفة

وأضاف أن تجديد الخطاب الديني ليس مجرد قضية نظرية، بل ضرورة مجتمعية لمواجهة الأفكار المتطرفة، التي تهدد استقرار الأوطان والقيم الإنسانية. 

وقال المفتي الدكتور نظير عياد، مفتي الديار المصرية أن  التحاور والمناقشة ضرورة حياتية وفريضة في هذه الآونة لدفع الافتراءات الملصقة بصحيح الدين، وتجديد الخطاب الديني يمثل دفعة قوية لبناء الإنسان، وارجو ان يكون لبنة لبناء الإنسان والعودة لصحيح الدين تاخذ بصلاح أبنائنا وبناتنا.

وأضاف أن هذا اللقاء يعد أحد اللقاءات المهمة التي تطرقت لموضوع مهم وهو قضية تجديد الخطاب الديني والتطرف من الالتزام أو الانفلات ، وقد جاء الدين الإسلامي بهدف تحقيق الصلاح في الحياة الاولى والفلاح في الآخرة.

توعية الطلاب بأهمية الفكر المستنير

ورحب الدكتور حسام رفاعي، نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب بالمفتي، مؤكدا أننا ندرك تمامًا أن شباب الجامعات هم عماد المستقبل وقادة الغد، ومن هنا تأتي أهمية هذه اللقاءات التي تهدف إلى توعية الطلاب بأهمية الفكر المستنير، ومساعدتهم على فهم صحيح الدين بعيدًا عن التشدد والغلو.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • من سيقود أميركا في ولاية ترامب الثانية؟.. أبرز التعيينات المعلنة
  • الجنرال.. شورى التجّار ووحدة المقاتلين !!
  • مسؤولة أوروبية: سنرد على أميركا حال حدوث توترات تجارية
  • المتحدث باسم الجيش الشعبي: الوضع تحت السيطرة
  • توتر وهدوء حذر بعد إطلاق نار في جوبا
  • درة: أفلام مي المصري كانت تلمسني.. وأنا ضد الخطاب المباشر في السينما
  • الدكتور نظير عياد: التجديد في الخطاب الديني أصبح ضرورة ملحة
  • مئات المهاجرين ينطلقون من المكسيك سيرا على الأقدام لدخول أميركا قبل تنصيب ترامب
  • رئيس جامعة حلوان: تجديد الخطاب الديني ضرورة مجتمعية لمواجهة الأفكار المتطرفة
  • "الخطاب الديني وبناء الوعي لدى الشباب".. مفتي الجمهورية في ضيافة جامعة حلوان