هل ما زال هناك مَن يحذر من «الخطر الشيوعي» في العالَم؟ خصوصًا بعدما تماهى اليسار تقريبًا في اليمين وأصبح الجميع في «الوسط» وتصعد فقط تيارات متطرفة أقرب لليمينيَّة الأصوليَّة إلى جانب جماعات هامشيَّة في ساحات السِّياسة في أغلب الدوَل. الرئيس الأميركي السَّابق دونالد ترامب يكرِّر في الأيَّام الأخيرة شعارات التحذير من «الشيوعيِّين» في أميركا ضِمْن جولاته الانتخابيَّة للترويج لاختياره مرشحًا عن الحزب الجمهوري للرئاسة العام القادم.
لَمْ يخترع ترامب ذلك الشِّعار ولا تلك اللُّغة، ففي منتصف القرن الماضي وعلى مدى سنوات تزعَّم سيناتور جمهور هو جوزيف مكارثي حمْلة ادِّعاءات اتَّهم فيها سياسيِّين وموظَّفين حكوميِّين وكتَّابًا ومفكِّرين وصحفيِّين وغيرهم من الأميركيِّين بالانضمام لتنظيمات شيوعيَّة. كان ذلك في بداية الحرب الباردة بَيْنَ الولايات المُتَّحدة والاتِّحاد السوفييتي السَّابق، وكان العالَم وقتَها معسكرَيْنِ وذا قطبَيْنِ. ونتيجة الحمْلة الَّتي عُرفت فيما بعد بوصف «المكارثيَّة» شهدت أميركا قمعًا غير مسبوق لحُريَّة الرَّأي باستخدام سيف تهمة «الخطر الشيوعي». في ستينيَّات القرن الماضي قدَّم المخرج الأميركي ستانلي كوبريك واحدًا من الأفلام الكلاسيكيَّة لهوليوود هو «دكتور سنرينجلوف» بطولة بيتر سيللرز. ومع أنَّ الفيلم كان أساسًا عن القنبلة النوويَّة وخطر اندلاع نووي بَيْنَ موسكو وواشنطن يدمِّر العالَم، إلَّا أنَّه يقوم على تصرُّف جنرال قائد لقاعدة جوِّيَّة للطائرات «بي 52» المزوَّدة بالصواريخ النوويَّة في الجوِّ طوال الوقت للهجوم على العدوِّ في أيِّ لحظة. كان الجنرال مهووسًا بالخطر الشيوعي، حيث لَمْ تكُنْ أجواء المكارثيَّة في أميركا خفتت بعد. ومن العبارات الشهيرة في الفيلم أنَّ ذلك الجنرال يطلق حربًا نوويَّة استنادًا لتصوُّره أنَّ «الشيوعيِّين يسمِّمون سوائل أجسامنا الثمينة» بضخ الفلوريد في مياه الشرب! في النهاية يمنع خطر الحرب وطبعًا انتحر الجنرال المخبول.
المثير حقًّا أنَّ الرئيس السَّابق دونالد ترامب استخدم تعبير الجنرال في فيلم ستانلي كوبريك قَبل أيَّام في مهرجان انتخابي حين اتَّهم المهاجرين إلى أميركا بأنَّهم «يسمِّمون دماء بلادنا». صحيح أنَّه يلعب على مشاعر نَحْوَ نصف الأميركيِّين الَّذين يعتنقون أفكارًا عنصريَّة بتفوق الجنس الأبيض ويعادون المهاجرين، لكنَّه في النهاية يغذِّي تلك التوجُّهات بشعاراته الَّتي تماثل فترة المكارثيَّة فعلًا. وسبق له أن اتَّهم المهاجرين بأنَّهم «حشرات»، ما جعل إدارة بايدن تصف خِطابه بأنَّه خِطاب كراهية ويستخدم «لُغة لَمْ تسمع إلَّا في ألمانيا زمن هتلر». ليست المُشْكلة في الهجرة والمهاجرين، فأغلب البلاد الغربيَّة وفي مقدِّمتها أميركا بحاجة للمهاجرين وإلَّا أصاب اقتصادها الركود. ومع أنَّ هناك فئات من المهاجرين تنتهك فعلًا نُظم الرعاية والدَّعم في تلك البلدان إلَّا أنَّ الأغلبيَّة تعمل وتفيد الاقتصاد؛ لأنَّها تتولى الوظائف الَّتي لا يعمل بها أبناء البلد الأصليون. إنَّما هو الاستغلال السِّياسي لقضيَّة الهجرة لكسب التأييد والأصوات في الانتخابات. ولا يختلف في ذلك يمين عن يسار في كُلِّ ما تسمَّى «الديموقراطيَّات الغربيَّة»، بل أحيانًا تجد اليسار أكثر عنصريَّة في قضيَّة الهجرة والمهاجرين من يمين الوسط. إنَّما النتيجة أنَّ ذلك الخِطاب السِّياسي الشَّعبوي والعنصري أحيانًا يرسِّخ لتوجُّهٍ في غاية الخطورة. والأدهى والأمَرُّ أن تسنَّ القوانين على ضوء ذلك التوجُّه بما يزيد من قمع حُريَّة الرأي والفكر الَّتي طالما تغنَّى بها الغرب واستخدمها في الضغط على الآخرين حَوْلَ العالَم.
لا يقتصر صعود الخِطاب العنصري على الولايات المُتَّحدة، وإن كان أكثر بروزًا فيها ككُلٍّ شيء من أميركا ـ كبير وفاقع الأثر. لكنَّ أوروبا، الَّتي تقليديًّا تميَّزت بمزيدٍ من «النظام» والقواعد والقوانين الَّتي طوَّرتها ما بعد حروبها الَّتي ضحَّت فيها بمئات الملايين عَبْرَ القرون الأخيرة أصبحت على خُطى الأميركيِّين. وتزيد بقوَّة وبوتيرة سريعة توجُّهات الفاشيَّة والنازيَّة الجديدة في دوَل أوروبيَّة كان النَّاس فيها يخشون القانون فيكبتون تلك المشاعر. أمَّا الآن، ومع تولِّي السِّياسيِّين نهج الشَّعبويَّة وممالأة المتطرفين فالقوانين تتغيَّر وحُريَّة الرأي تقمع وتصير الغلبة لأمثال جنرال فيلم ستانلي كوبريك المخبول والرئيس الأميركي السَّابق وأمثاله الصاعدون في أوروبا. المُشْكلة الأعمق أنَّ تصاعد الخِطاب العنصري يتزامن مع مرحلة تدهور اقتصادي واضح في الغرب ودوَله الكبرى. ومن شأن ذلك أن يؤدِّيَ إلى تصدُّع سياسي ـ اجتماعي تصعب السيطرة على تطوُّراته. ويخشى بحقٍّ من أن يؤدِّيَ ذلك إلى ما هو أخطر من تصوُّرات «صراع الحضارات» واحتمالات «الحروب الدينيَّة» وما شابَه من أفكار برزت ما بعد نهاية الحرب الباردة في أواخر القرن الماضي. إذ إنَّ استمرار هذا النهج سيفتح أبواب صراعات متعدِّدة الأوْجُه، ما بَيْنَ الغرب والشرق من ناحية وداخل الغرب من ناحية أخرى وأيضًا داخل الشرق أيضًا. ولَنْ تكُونَ هناك كتلة بَشَريَّة في مكان ما بالعالَم تلتزم بالنظام والتجانس تُعدُّ مرجعيَّة لاحتمالات السَّلام والوئام مهما طال الصراع. أي أنَّ البَشَريَّة يُمكِن أن تدخلَ فيما يسمَّى «تفاعل تسلسلي» من العنصريَّة والعنصريَّة المضادَّة.
د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: العال م
إقرأ أيضاً:
هكذا أوهم الجنرال المزيف بلحساني يعقوب برلمانيون وقضاة بمناصب هامة
يكشف ملف قضائي تعرضه محكمة الجنايات الإبتدائية بدارالبيضاء في نهاية الشهر الجاري، عن تفاصيل مثيرة. ارتبطت بوقائع خطيرة ارتكبها المتهم الوقوف ” بلحساني يعقوب. راح ضحيتها هذه المرة شخصيات ثقيلة، منهم برلمانيون. وقضاة أعضاء بالمجلس الأعلى للقضاء وبالمحكمة الدستورية،بالإضافة إلى إطارات سامين وموظفين بهيئات رسمية في مقدمتهم وزارة التضامن.
حيث كان المتهم يمتهن النصب، من دولة اليونان منتحلا تارة صفة مدير التشريفات برئاسة الجمهورية تارة وتارة أخرى منتحلا صفة عقيد في بالأمن الخارجي، حيث يراسل ضحاياه عبر تطبيقة ” واتساب” ورسائل ألكترونية، موهما إياهم بتقلدهم وظائف حساسة وهامة بالدولة، ثم يطالبهم بإرسال له، مبالغ مالية بقيم متفاوتة، بالعملتين الوطنية والصعبة ، قبللا أن ينكشف أمره وتلاعباته التي جنى منها ثروة بطريقة احتالية تمكن رجال الأمن من فك لغزها في الوقت المناسب.
وفي ملف الحال يتابع “بلحساني يعقوب ” 25 سنة، المنحدر من منطقة الغزوات لولاية تلمسان ، “بن هني محمد”، عسكري ينحدر من ولاية تيارت “بوعنيفة نضال” القاطنة بولاية سكيكدة، بجناية عرقلة سير المؤسسات العمومية أو الاعتداء على أعوانها وممتلكاتهم أو عرقلة تطبيق القوانين والتنظيمات، النصب استعمال لقب متصل بمهنة منظمة قانونا حددت السلطة العمومية شروط منحها وجنحة التهديد.
كما يتأسّس في القضيّة ما لا يقلّ عن 7 أشخاص كأطراف مدنية ، من بينهم برلمانيون بالمجلس الشعبي الوطني ويتعلق الأمر بالبرلماني المدعو “خ. توفبق” و” النائب ” ع.مارية”، و” ب.محفوظ، ، إلى جانب قضاة وأعضاء بالمحكمة الدستورية والمجلس الأعلى للقضاء كل من “ع. فتيحة”، وبالإضافة إلى موظفين وإطارات بوزارات بهيئات رسمية.
“وقائع وتفاصيل نصب واحتيال”
تعود وقائع إلى غضون شهري جويلية وأوت من سنة 2022، حيث قام المدعو ” بلحساني يعقوب” بإرسال رسائل إلكترونية لمختلف الإطارات منتحلا صفة مدير التشريفات برئاسة الجمهورية تارة وتارة أخرى منتحلا صفة عقيد في بالأمن الخارجي.
حيث كان المتهم يوهم ضحاياه بتوليهم مناصب هامة وحساسة، وبالمقابل يلحّ عليهم إرسال ملفاتهم الإدارية له عبر تطبيقة “واتساب”، وبطريقة مستعجلة من أجل تعيينهم في تلك المناصب،مع طلبه إرسال مبالغ مالية بقيم مختلفة عبر حسابات بريدية تابعة لمؤسسة بريد الجزائر وأخرى بالعملة الصعبة.
وباشرت المصالح الأمنية فتح تحقيق قضائي ضد ” بلحساني يعقوب”، انطلاقا من سماع الضحية النائب البرلماني مكلف بالجالية الوطنية في الخارج ” خ.توفيق”، مصرحا المعني أنه بتاريخ 4 سبتمبر 2022، وخلال حضوره فعاليات افتتاح جلسة أشغال المجلس الشعبي الوطني في دورته العادية، تلقى مكالمة هاتفية من الخارج عبر تطبيقة ” واتساب” من ضخص قدم نفسه على أساس أنه اللواء ” ك.جمال الدين” المدير العام للأمن الداخلي وأنه اتصل به من مكتب رئيس المجلس ” بوغالي” مبلغا إياه أن المخابرات الخارجية أخبرته با،ه سوف يتغيب عن الإففتاح لتواجده بالخارج ثم أقفل الخط، ليعاود الإتصال به مجددا طالبا منه إسداء خدمة للوطن، من خلال دفع مبلغ مالي يقدر ب 500 أورو،بصفة مستعجلة لجهة معينة باليونان قصد تحرير أعوان يشتغلون لصالح المخابرات الجزائرية بالخارج، على أساس أن المخابرات المغربية هي من ألقت القبض عليهم، كما يحتاج هذا المبلغ دون دون المرور على القنوات الرسمية.
مضيفا أنه طلب منه مقابلة هذا الشخص لكنه تحجّج بأنه غير متواجد في الجزائر وأنه يمكنه مقابلته بعد أسبوع ، وبعد مضي 3 ايام أعاد الإتصال به من رقم دول خاص بدولة اليونان لكنه لم يتكلم مع المتصل.
حيث وبتاريخ 24 أكتوبر 2022، تقرر ضم ملف اخر للضحية ” ليلى .ع” عضو بالمحكمة الدستورية عبر مراسلة من نيابة الجمهورية على إثر تلقيها مكالمات من طرف المتهم.
وفي نفس الملف تعرضت الضحية المسماة “ع.مارية” نائبة برلمانية، والعضو في لجنة المالية، حيث أفادت أنها بتاريخ 16 أكتوبر 2022، من رقم ثابت من أمانة ولاية الجلفة، وطلب منها أن ترد عليه فورا عبر تطبيقة ” واتساب”، وتضمنت الرسالة تويقيع باسم ” عبد العزيز خالف” مدير الديوان برئاسة الجمهورية، حيث وبمجرد قرائتها الرسالة رن هاتفها وبدى أن الشحص المتصل محترم،وأخبرها أنه مكلف من طرف رئيس الجمهورية لأختيارها للذهاب برفقة عائلتها في مهمة رسمية إلى ألمانيا، وهذا بعد بموافقة جهاز المخابرات، ولما سألته عن سبب هذا الإختيار أجاباها أنه بسبب سمعتها الجيدة ومداخلاتها الرائعة في البرلمان، كما أطلعها بأنه على معرفة تامة بتفاصيل عائلتها، وطلب منها أن ترسل له نسخ من جواز سفرها وجواز سفر زوجها وأولادها أيضا، مع جواز سفر أي شخص مؤهلا لكي ينوب عنها في هذه المهمة.
مضيفة أنها أرسلت له جواز سفر زميلها بالجامعة،وكل الوثائق المطلوبة، كما طلب منها أن تزوده بالشهادات المتحصل عليها، منها محضر تنصيبها بالبرلمان، وقالت أنها لما وصلت إلى مقر المجلس توجهت إلى مديرية الموظفين وطلبت منهم استرجاع جواز سفرها فأخبروها بأنه لا يمكن ذلك لانه محجوز لسفرية رسمية، فقامت بربط هذا الرد ببنفس الشخص طنا منها أن الأمر يتعلق بنفس المهمة.
وأضافت الضحية أنه بنفس اليوم تلقت اتصالا أخر طالبا منها أرسال الوثائق المطلوبة لتكون ممثلة للجزائر في القمة العربية، فأرسلت له كل الوثائق، بما فيه مضحر تنصيبها بالبرلمان، وفي أمسية نفس اليوم طلب منها إرسال له رسوم اإلإعتماد المقدرة ب 3 ألاف أورو عنها وعن النائب عنها في المهمة، ولدى استفسارها منه باعبار ان الدولة هي تتكفل بهذه المصاريف أجابها أن السبب يكمن في صعوبة تحويل الأموال الخاصة بالمهمات للخارج، وأجابته بأنها سوف تتصل بوزارة الخارجية للاستفسار حول هذا الأمر إلا أنه رفض على أساس أن المخابرات لا تتعامل مع وزارة الخارجية.
وقالت الضحية النائب أنها أخبرته بأنها بصدد االسفر إلى تركيا في مهمة رسمية، فوردت إليها مكالمة هاتفية في ليلة نفس اليوم منن دولة تركيا عب واتساب تحمل صورة السفير الجزائري هناك ” م.سفيان” رفقة رئيس دولة تركيا مع رسالة محررة باللغة الفرنسية مضمونها ” عزيزي المستشار الديبلوماسي السيدة “ماريا.ع” بناء على تعليمات السلطة العليا للبلاد في انتظار حضوركم لتركيا، وأطلب منكم اعلامي بتاريخ وصولكم وتاريخ مغادرتكم، وبعد هذه الرسالة اتصل بها نفس الشخص وأعلمها أن سفير الجزائر بتركيا أرسل لها رسالة ترحيب وأعلمته بذلك، وهنا بدأ المتههم بإقناعها بقبول مهمة السفر إلى ألمانيا مقابل امتيازالت كبيرة، فطلبت منه أن مقابلته رسميا، كما أعربت عن شكوكها في شخصه، فطلب منها مقابلته غذعلى الساعة 9 صباحا برئاسة الجمهورية في اليوم الموالي على أساس أنه مدير ديوان رئيس الجمهورية، ثم بعدها أرسل لها رسالة أخرى يطلب منها تأجيل الموعد إلى غاية الساعة الثالثة زوالا، ولدى اتصالها بمصالح ولاية الجلفة للاستفسار عن هوية المتصل فأخبروها أنهم هم من قاموا بتسليم رقمها له، فقامت بالإتصال مباشرة بسفير الجزائر بتركيا وأعلمته بأمر الرسالة التي تلقتها منه، فأجابها بأنه لم يقم بإرسال أي رسالة،وعليه قمت تقرير مفصل لدى رئيس المجلس الشعبي الوطني.
وفي نفس القضية تم تبليغ أودعت القاضية والعضو بالمجلس الأعلى للقضاء للسماع أليها خذحول التقرير المرفوع للنائب العام لدى المحكمة العليا ، وبخصوص شكوى أخرى قدمها المدعو ” ر.جمال” رئيس الديوان بوزارة التضامن المودعة ضد نفس الشخص.
والجدير بالذكر فإن المتهم ” بلحساني يعقوب” معاقب ب 10 سنوات حبسا نافذا في قضية مشابهة تم عرضها بالقطب الجزائي المتخصص بالجرائم الإلكترونية بمحكمة دار البيضاء قبل أسابيع من الأن.