جريدة الوطن:
2025-03-10@13:01:42 GMT

تصاعد الخطاب العنصري

تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT

هل ما زال هناك مَن يحذر من «الخطر الشيوعي» في العالَم؟ خصوصًا بعدما تماهى اليسار تقريبًا في اليمين وأصبح الجميع في «الوسط» وتصعد فقط تيارات متطرفة أقرب لليمينيَّة الأصوليَّة إلى جانب جماعات هامشيَّة في ساحات السِّياسة في أغلب الدوَل. الرئيس الأميركي السَّابق دونالد ترامب يكرِّر في الأيَّام الأخيرة شعارات التحذير من «الشيوعيِّين» في أميركا ضِمْن جولاته الانتخابيَّة للترويج لاختياره مرشحًا عن الحزب الجمهوري للرئاسة العام القادم.

لا يردُّ معسكر الرئيس الحالي جو بايدن الَّذي على الأغلب سيكُونُ مرشَّح الحزب الديموقراطي لفترة رئاسيَّة ثانية على تصريحات ترامب بشأن «الخطر الشيوعي». فردُّ الديموقراطيِّين قَدْ يُفهم مِنْه قَبولهم بوصف ترامب جناحًا في حزبهم يميل يسارًا، لكنَّهم بالطبع يتصيدون له أخطاءً أخرى في خِطابه الشَّعبوي.
لَمْ يخترع ترامب ذلك الشِّعار ولا تلك اللُّغة، ففي منتصف القرن الماضي وعلى مدى سنوات تزعَّم سيناتور جمهور هو جوزيف مكارثي حمْلة ادِّعاءات اتَّهم فيها سياسيِّين وموظَّفين حكوميِّين وكتَّابًا ومفكِّرين وصحفيِّين وغيرهم من الأميركيِّين بالانضمام لتنظيمات شيوعيَّة. كان ذلك في بداية الحرب الباردة بَيْنَ الولايات المُتَّحدة والاتِّحاد السوفييتي السَّابق، وكان العالَم وقتَها معسكرَيْنِ وذا قطبَيْنِ. ونتيجة الحمْلة الَّتي عُرفت فيما بعد بوصف «المكارثيَّة» شهدت أميركا قمعًا غير مسبوق لحُريَّة الرَّأي باستخدام سيف تهمة «الخطر الشيوعي». في ستينيَّات القرن الماضي قدَّم المخرج الأميركي ستانلي كوبريك واحدًا من الأفلام الكلاسيكيَّة لهوليوود هو «دكتور سنرينجلوف» بطولة بيتر سيللرز. ومع أنَّ الفيلم كان أساسًا عن القنبلة النوويَّة وخطر اندلاع نووي بَيْنَ موسكو وواشنطن يدمِّر العالَم، إلَّا أنَّه يقوم على تصرُّف جنرال قائد لقاعدة جوِّيَّة للطائرات «بي 52» المزوَّدة بالصواريخ النوويَّة في الجوِّ طوال الوقت للهجوم على العدوِّ في أيِّ لحظة. كان الجنرال مهووسًا بالخطر الشيوعي، حيث لَمْ تكُنْ أجواء المكارثيَّة في أميركا خفتت بعد. ومن العبارات الشهيرة في الفيلم أنَّ ذلك الجنرال يطلق حربًا نوويَّة استنادًا لتصوُّره أنَّ «الشيوعيِّين يسمِّمون سوائل أجسامنا الثمينة» بضخ الفلوريد في مياه الشرب! في النهاية يمنع خطر الحرب وطبعًا انتحر الجنرال المخبول.
المثير حقًّا أنَّ الرئيس السَّابق دونالد ترامب استخدم تعبير الجنرال في فيلم ستانلي كوبريك قَبل أيَّام في مهرجان انتخابي حين اتَّهم المهاجرين إلى أميركا بأنَّهم «يسمِّمون دماء بلادنا». صحيح أنَّه يلعب على مشاعر نَحْوَ نصف الأميركيِّين الَّذين يعتنقون أفكارًا عنصريَّة بتفوق الجنس الأبيض ويعادون المهاجرين، لكنَّه في النهاية يغذِّي تلك التوجُّهات بشعاراته الَّتي تماثل فترة المكارثيَّة فعلًا. وسبق له أن اتَّهم المهاجرين بأنَّهم «حشرات»، ما جعل إدارة بايدن تصف خِطابه بأنَّه خِطاب كراهية ويستخدم «لُغة لَمْ تسمع إلَّا في ألمانيا زمن هتلر». ليست المُشْكلة في الهجرة والمهاجرين، فأغلب البلاد الغربيَّة وفي مقدِّمتها أميركا بحاجة للمهاجرين وإلَّا أصاب اقتصادها الركود. ومع أنَّ هناك فئات من المهاجرين تنتهك فعلًا نُظم الرعاية والدَّعم في تلك البلدان إلَّا أنَّ الأغلبيَّة تعمل وتفيد الاقتصاد؛ لأنَّها تتولى الوظائف الَّتي لا يعمل بها أبناء البلد الأصليون. إنَّما هو الاستغلال السِّياسي لقضيَّة الهجرة لكسب التأييد والأصوات في الانتخابات. ولا يختلف في ذلك يمين عن يسار في كُلِّ ما تسمَّى «الديموقراطيَّات الغربيَّة»، بل أحيانًا تجد اليسار أكثر عنصريَّة في قضيَّة الهجرة والمهاجرين من يمين الوسط. إنَّما النتيجة أنَّ ذلك الخِطاب السِّياسي الشَّعبوي والعنصري أحيانًا يرسِّخ لتوجُّهٍ في غاية الخطورة. والأدهى والأمَرُّ أن تسنَّ القوانين على ضوء ذلك التوجُّه بما يزيد من قمع حُريَّة الرأي والفكر الَّتي طالما تغنَّى بها الغرب واستخدمها في الضغط على الآخرين حَوْلَ العالَم.
لا يقتصر صعود الخِطاب العنصري على الولايات المُتَّحدة، وإن كان أكثر بروزًا فيها ككُلٍّ شيء من أميركا ـ كبير وفاقع الأثر. لكنَّ أوروبا، الَّتي تقليديًّا تميَّزت بمزيدٍ من «النظام» والقواعد والقوانين الَّتي طوَّرتها ما بعد حروبها الَّتي ضحَّت فيها بمئات الملايين عَبْرَ القرون الأخيرة أصبحت على خُطى الأميركيِّين. وتزيد بقوَّة وبوتيرة سريعة توجُّهات الفاشيَّة والنازيَّة الجديدة في دوَل أوروبيَّة كان النَّاس فيها يخشون القانون فيكبتون تلك المشاعر. أمَّا الآن، ومع تولِّي السِّياسيِّين نهج الشَّعبويَّة وممالأة المتطرفين فالقوانين تتغيَّر وحُريَّة الرأي تقمع وتصير الغلبة لأمثال جنرال فيلم ستانلي كوبريك المخبول والرئيس الأميركي السَّابق وأمثاله الصاعدون في أوروبا. المُشْكلة الأعمق أنَّ تصاعد الخِطاب العنصري يتزامن مع مرحلة تدهور اقتصادي واضح في الغرب ودوَله الكبرى. ومن شأن ذلك أن يؤدِّيَ إلى تصدُّع سياسي ـ اجتماعي تصعب السيطرة على تطوُّراته. ويخشى بحقٍّ من أن يؤدِّيَ ذلك إلى ما هو أخطر من تصوُّرات «صراع الحضارات» واحتمالات «الحروب الدينيَّة» وما شابَه من أفكار برزت ما بعد نهاية الحرب الباردة في أواخر القرن الماضي. إذ إنَّ استمرار هذا النهج سيفتح أبواب صراعات متعدِّدة الأوْجُه، ما بَيْنَ الغرب والشرق من ناحية وداخل الغرب من ناحية أخرى وأيضًا داخل الشرق أيضًا. ولَنْ تكُونَ هناك كتلة بَشَريَّة في مكان ما بالعالَم تلتزم بالنظام والتجانس تُعدُّ مرجعيَّة لاحتمالات السَّلام والوئام مهما طال الصراع. أي أنَّ البَشَريَّة يُمكِن أن تدخلَ فيما يسمَّى «تفاعل تسلسلي» من العنصريَّة والعنصريَّة المضادَّة.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: العال م

إقرأ أيضاً:

ترامب: أميركا لن تبيع أي من عملات بتكوين بحوزتها اعتباراً من اليوم

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه اعتباراً من اليوم فإن الولايات المتحدة لن تبيع أي من بتكوين لديها، مؤكداً أن الحكومة الفيدرالية لديها 200 ألف عملة بتكوين في حوزتها.

وأشار ترامب خلال أول قمة للعملات المشفرة في البيت الأبيض إلى أن الحكومة الأميركية "تهورت" وباعت عشرات الآلاف من عملات بتكوين، ومعظمها بيعت أثناء إدارة بايدن التي لم تنتظر حتى وصول سعر العملة إلى مستويات مرتفعة. وأضاف: "سيتم الاحتفاظ بالأصول من العملات الرقمية غير بتكوين في مخزون رقمي جديد".

ترمب:"الذهب الرقمي إلى الخزينة الأميركية"

وأضاف ترامب أنه بتوقيع الأمر التنفيذي أمس "سيكون الذهب الرقمي في الخزانة الأميركية"، مضيفاً أن العملات التي حصلت عليها الحكومة ستكون أساس الاحتياطي الاستراتيجي.

"سننظر في مسارات جديدة للحصول على عملات "بتكوين" جديدة لإضافتها للاحتياطي الاستراتيجي، طالما أنها لن تتسبب في أي كلفة على دافعي الضرائب"، وفق تصريحات ترمب.

إنهاء "الحرب على بتكوين"

طمأن الرئيس الأميركي جمهور العملات المشفرة، مؤكداً أن إدارته ستعمل على إنهاء "الحرب الفيدرالية ضد بتكوين" التي أُطلقت تحت إدارة بايدن، حيث كان هناك إجبار للمصارف على إغلاق حسابات رواد أعمال بتكوين ومنع تحويل الأموال، وقال "الآن، الجميع فهم ما كان يحدث".

قال ديفيد ساكس "قيصر" العملات المشفرة في البيت الأبيض في تصريحات للصحفيين إن الهدف من القمة هو السماع من قادة العملات المشفرة، وهو الأول من نوعه لبدء حوار مباشر مع قطاع العملات المشفرة عموماً في الولايات المتحدة ومحاولة لفهم أولوياته.

احتياطي "بتكوين" الاستراتيجي

جاء ذلك بعد أن وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم الخميس، على أمر تنفيذي طال انتظاره لإنشاء احتياطي استراتيجي من "بتكوين".

ديفيد ساكس، أوضح في منشور على "إكس" أن تمويل الصندوق سيكون من العملات التي صادرتها الحكومة كجزء من "إجراءات مصادرة الأصول الجنائية أو المدنية"، ما يعني أنه "لن يكلف دافعي الضرائب سنتاً واحداً".

وضغطت تصريحات مسؤول العملات المشفرة في البيت الأبيض على أسعار الرموز المميزة، لتتراجع أكبر عملة مشفرة بنسبة 5.7% خلال التداولات قبل أن تقلص خسائرها إلى 2.1% عند 87,927 دولاراً بحلول الساعة 10:19 صباحاً بتوقيت سنغافورة. كما تراجعت إيثريوم (Ether) وXRP وكاردانو (Cardano) وسولانا (Solana) بأكثر من 2%.

تعهدات ترمب لمجتمع العملات المشفرة

خلال حملته الانتخابية، تعهد ترمب بإنشاء احتياطي استراتيجي من بتكوين، ضمن مجموعة من الوعود التي استهدفت استقطاب قطاع الأصول الرقمية، الذي أصبح مصدراً رئيسياً للتبرعات السياسية.

مقالات مشابهة

  • ما مآلات السياسات الاقتصادية والتجارية لترامب على أميركا والعالم؟
  • بعد رفض رسالة ترامب.. التوتر الإيراني الأميركي إلى أين؟
  • هل سيتأثر مونديال 2026 بالتوترات بين أميركا وكندا والمكسيك؟
  • أمريكا وإيران.. تصاعد حدّة التوترات والتهديدات!
  • كييف: «ملتزمون تماماً» بالحوار البناء مع أميركا
  • الاحتياطي الفدرالي الأميركي: التعريفات الجمركية قد تغذي التضخم
  • ترامب خلال أول قمة للعملات المشفرة: أميركا لن تبيع أي بتكوين في حيازتها
  • ترامب: أميركا لن تبيع أي من عملات بتكوين بحوزتها اعتباراً من اليوم
  • غضب عارم يجتاح أميركا.. باحثون وطلاب يتظاهرون ضد ترامب
  • السعودية تستضيف لقاءً بين أميركا وأوكرانيا الأسبوع القادم