جريدة الوطن:
2025-04-26@02:01:47 GMT

تصاعد الخطاب العنصري

تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT

هل ما زال هناك مَن يحذر من «الخطر الشيوعي» في العالَم؟ خصوصًا بعدما تماهى اليسار تقريبًا في اليمين وأصبح الجميع في «الوسط» وتصعد فقط تيارات متطرفة أقرب لليمينيَّة الأصوليَّة إلى جانب جماعات هامشيَّة في ساحات السِّياسة في أغلب الدوَل. الرئيس الأميركي السَّابق دونالد ترامب يكرِّر في الأيَّام الأخيرة شعارات التحذير من «الشيوعيِّين» في أميركا ضِمْن جولاته الانتخابيَّة للترويج لاختياره مرشحًا عن الحزب الجمهوري للرئاسة العام القادم.

لا يردُّ معسكر الرئيس الحالي جو بايدن الَّذي على الأغلب سيكُونُ مرشَّح الحزب الديموقراطي لفترة رئاسيَّة ثانية على تصريحات ترامب بشأن «الخطر الشيوعي». فردُّ الديموقراطيِّين قَدْ يُفهم مِنْه قَبولهم بوصف ترامب جناحًا في حزبهم يميل يسارًا، لكنَّهم بالطبع يتصيدون له أخطاءً أخرى في خِطابه الشَّعبوي.
لَمْ يخترع ترامب ذلك الشِّعار ولا تلك اللُّغة، ففي منتصف القرن الماضي وعلى مدى سنوات تزعَّم سيناتور جمهور هو جوزيف مكارثي حمْلة ادِّعاءات اتَّهم فيها سياسيِّين وموظَّفين حكوميِّين وكتَّابًا ومفكِّرين وصحفيِّين وغيرهم من الأميركيِّين بالانضمام لتنظيمات شيوعيَّة. كان ذلك في بداية الحرب الباردة بَيْنَ الولايات المُتَّحدة والاتِّحاد السوفييتي السَّابق، وكان العالَم وقتَها معسكرَيْنِ وذا قطبَيْنِ. ونتيجة الحمْلة الَّتي عُرفت فيما بعد بوصف «المكارثيَّة» شهدت أميركا قمعًا غير مسبوق لحُريَّة الرَّأي باستخدام سيف تهمة «الخطر الشيوعي». في ستينيَّات القرن الماضي قدَّم المخرج الأميركي ستانلي كوبريك واحدًا من الأفلام الكلاسيكيَّة لهوليوود هو «دكتور سنرينجلوف» بطولة بيتر سيللرز. ومع أنَّ الفيلم كان أساسًا عن القنبلة النوويَّة وخطر اندلاع نووي بَيْنَ موسكو وواشنطن يدمِّر العالَم، إلَّا أنَّه يقوم على تصرُّف جنرال قائد لقاعدة جوِّيَّة للطائرات «بي 52» المزوَّدة بالصواريخ النوويَّة في الجوِّ طوال الوقت للهجوم على العدوِّ في أيِّ لحظة. كان الجنرال مهووسًا بالخطر الشيوعي، حيث لَمْ تكُنْ أجواء المكارثيَّة في أميركا خفتت بعد. ومن العبارات الشهيرة في الفيلم أنَّ ذلك الجنرال يطلق حربًا نوويَّة استنادًا لتصوُّره أنَّ «الشيوعيِّين يسمِّمون سوائل أجسامنا الثمينة» بضخ الفلوريد في مياه الشرب! في النهاية يمنع خطر الحرب وطبعًا انتحر الجنرال المخبول.
المثير حقًّا أنَّ الرئيس السَّابق دونالد ترامب استخدم تعبير الجنرال في فيلم ستانلي كوبريك قَبل أيَّام في مهرجان انتخابي حين اتَّهم المهاجرين إلى أميركا بأنَّهم «يسمِّمون دماء بلادنا». صحيح أنَّه يلعب على مشاعر نَحْوَ نصف الأميركيِّين الَّذين يعتنقون أفكارًا عنصريَّة بتفوق الجنس الأبيض ويعادون المهاجرين، لكنَّه في النهاية يغذِّي تلك التوجُّهات بشعاراته الَّتي تماثل فترة المكارثيَّة فعلًا. وسبق له أن اتَّهم المهاجرين بأنَّهم «حشرات»، ما جعل إدارة بايدن تصف خِطابه بأنَّه خِطاب كراهية ويستخدم «لُغة لَمْ تسمع إلَّا في ألمانيا زمن هتلر». ليست المُشْكلة في الهجرة والمهاجرين، فأغلب البلاد الغربيَّة وفي مقدِّمتها أميركا بحاجة للمهاجرين وإلَّا أصاب اقتصادها الركود. ومع أنَّ هناك فئات من المهاجرين تنتهك فعلًا نُظم الرعاية والدَّعم في تلك البلدان إلَّا أنَّ الأغلبيَّة تعمل وتفيد الاقتصاد؛ لأنَّها تتولى الوظائف الَّتي لا يعمل بها أبناء البلد الأصليون. إنَّما هو الاستغلال السِّياسي لقضيَّة الهجرة لكسب التأييد والأصوات في الانتخابات. ولا يختلف في ذلك يمين عن يسار في كُلِّ ما تسمَّى «الديموقراطيَّات الغربيَّة»، بل أحيانًا تجد اليسار أكثر عنصريَّة في قضيَّة الهجرة والمهاجرين من يمين الوسط. إنَّما النتيجة أنَّ ذلك الخِطاب السِّياسي الشَّعبوي والعنصري أحيانًا يرسِّخ لتوجُّهٍ في غاية الخطورة. والأدهى والأمَرُّ أن تسنَّ القوانين على ضوء ذلك التوجُّه بما يزيد من قمع حُريَّة الرأي والفكر الَّتي طالما تغنَّى بها الغرب واستخدمها في الضغط على الآخرين حَوْلَ العالَم.
لا يقتصر صعود الخِطاب العنصري على الولايات المُتَّحدة، وإن كان أكثر بروزًا فيها ككُلٍّ شيء من أميركا ـ كبير وفاقع الأثر. لكنَّ أوروبا، الَّتي تقليديًّا تميَّزت بمزيدٍ من «النظام» والقواعد والقوانين الَّتي طوَّرتها ما بعد حروبها الَّتي ضحَّت فيها بمئات الملايين عَبْرَ القرون الأخيرة أصبحت على خُطى الأميركيِّين. وتزيد بقوَّة وبوتيرة سريعة توجُّهات الفاشيَّة والنازيَّة الجديدة في دوَل أوروبيَّة كان النَّاس فيها يخشون القانون فيكبتون تلك المشاعر. أمَّا الآن، ومع تولِّي السِّياسيِّين نهج الشَّعبويَّة وممالأة المتطرفين فالقوانين تتغيَّر وحُريَّة الرأي تقمع وتصير الغلبة لأمثال جنرال فيلم ستانلي كوبريك المخبول والرئيس الأميركي السَّابق وأمثاله الصاعدون في أوروبا. المُشْكلة الأعمق أنَّ تصاعد الخِطاب العنصري يتزامن مع مرحلة تدهور اقتصادي واضح في الغرب ودوَله الكبرى. ومن شأن ذلك أن يؤدِّيَ إلى تصدُّع سياسي ـ اجتماعي تصعب السيطرة على تطوُّراته. ويخشى بحقٍّ من أن يؤدِّيَ ذلك إلى ما هو أخطر من تصوُّرات «صراع الحضارات» واحتمالات «الحروب الدينيَّة» وما شابَه من أفكار برزت ما بعد نهاية الحرب الباردة في أواخر القرن الماضي. إذ إنَّ استمرار هذا النهج سيفتح أبواب صراعات متعدِّدة الأوْجُه، ما بَيْنَ الغرب والشرق من ناحية وداخل الغرب من ناحية أخرى وأيضًا داخل الشرق أيضًا. ولَنْ تكُونَ هناك كتلة بَشَريَّة في مكان ما بالعالَم تلتزم بالنظام والتجانس تُعدُّ مرجعيَّة لاحتمالات السَّلام والوئام مهما طال الصراع. أي أنَّ البَشَريَّة يُمكِن أن تدخلَ فيما يسمَّى «تفاعل تسلسلي» من العنصريَّة والعنصريَّة المضادَّة.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: العال م

إقرأ أيضاً:

الموضة البطيئة.. كيف تستفيد من الحرب التجارية بين أميركا والصين؟

في خضم الحرب التجارية التي يقودها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصين، برز قطاع غير متوقع ليكون مستفيدا محتملا، وهو "الموضة البطيئة".

ورغم تعليق ترامب التعريفات الجمركية الشاملة -التي فرضها في الثاني من أبريل/نيسان الجاري- لمدة 90 يوما بالنسبة إلى أغلب دول العالم، فإنه رفعها على الصين لتصل إلى 125%.

إجراء ترامب أدى إلى اهتزاز الأسواق وكبّد شركات "الأزياء السريعة" خسائر، خاصة مع اعتمادها بشكل كبير على البضائع القادمة من الصين. في المقابل، اتجهت الأنظار إلى نمط استهلاك أكثر استدامة وهو "الموضة البطيئة" الذي كان ينظر إليه طويلا على أنه بديل هامشي.

الموضة البطيئة أم السريعة؟

يعود مصطلح "الموضة البطيئة" إلى عام 2007 حين صاغته الباحثة البريطانية كيت فليتشر من "مركز الموضة المستدامة"، مستلهمة إياه من حركة "الطعام البطيء". وتدعو هذه الحركة إلى إبطاء وتيرة الإنتاج والاستهلاك في صناعة الأزياء، وتشجيع المستهلكين على اقتناء ملابس ذات جودة أعلى، حيث تركز هذه الحركة على التصميم والإبداع والاستهلاك المدروس، وتصمم الملابس وتصنعها باستخدام مواد عالية الجودة ومستدامة وطويلة الأمد، ويقتصر الإنتاج على تلبية الطلب، كما يعد التأثير البيئي والاجتماعي من أهم أولوياتها.

إعلان

وحسب تقرير على موقع "غود أون يو" تعارض الموضة البطيئة نموذج الموضة السريعة، الذي ظهر قبل 30 عاما، وانخفضت فيه أسعار الملابس وتسارعت دورات الموضة، حيث تقوم الموضة السريعة على دورات إنتاج مكثفة وتصاميم رخيصة تنتج بكميات ضخمة، غالبا في مصانع منخفضة التكلفة. إذ إن ملايين المستهلكين حول العالم، خصوصا من أبناء الجيل زد، يشترون من منافذ مثل "شي إن" (Shein) و"تيمو" (Temu) و"تيك توك شوب" (TikTok Shop) التي تقدم سلعا بأسعار منخفضة، لكن عمرها الافتراضي قصير، مما يؤدي إلى تراكم نفايات ضخمة وتأثير بيئي سلبي.

في خضمّ الحرب التجاريّة الأميركية ضدّ الصين، برز قطاع الموضة البطيئة ليكون مستفيدا محتملا غير متوقَّع (شترستوك) أهميتها ومميزاتها

قبل الثورة الصناعية، كانت الملابس تصنع محليا وغالبا يدويا، وكان الناس يشترون ملابس متينة تدوم لسنوات أو يصنعونها بأنفسهم باستخدام الموارد المتاحة، وكانت تعبّر عن المكانة الاجتماعية والثقافة المحلية. بدأت الموضة البطيئة تحيي بعض هذه العادات القديمة من جديد، فهي تشجع المستهلكين على التفكير قبل الشراء، والتسوق من خزائنهم أو إصلاح الملابس القديمة بدلا من شراء الجديد. وعند الاحتياج لشراء ملابس جديدة، تدعو لاختيار عدد أقل من القطع ذات جودة عالية، مصنوعة بطرق مستدامة. كما تشجع المستهلكين على عدم التعامل مع الملابس كأنها شيء يمكن التخلص منه بسهولة، بل عليهم إصلاحها أو إعادة تدويرها للحد من التلوث وهدر الموارد.

الموضة البطيئة تتميز بعدة خصائص: الاعتماد على مواد طبيعية وأقمشة صديقة للبيئة مثل الكتان والقطن العضوي. تصنيع الملابس محليا أو حسب الطلب، مما يعني أن الإنتاج يكون على نطاق صغير لتقليل النفايات. إطلاق مجموعات محدودة من التصاميم، والتركيز على الجودة بدل الكمية. تسويق المنتجات في متاجر صغيرة أو عبر منصات إعادة البيع. رفض فلسفة "الاستخدام السريع والرمي" التي تعتمدها الموضة السريعة. الموضة البطيئة تقف على النقيض من الموضة السريعة التي ظهرت قبل 30 عاما (شترستوك) كيف قلب ترامب الطاولة؟

في خطوة أثارت جدلا واسعا، وقع الرئيس الأميركي، في الثاني من أبريل/نيسان الجاري، أمرا تنفيذيا بإلغاء ما يعرف بـ"الإعفاء الضئيل"، وهو نظام جمركي كان يعفي الطرود الصغيرة (أقل من 800 دولار) الواردة من الصين وهونغ كونغ من الضرائب والجمارك. هذا النظام استفادت منه بشكل كبير شركات الأزياء السريعة، مثل "شي إن" وتيمو، لشحن ملايين الطرود يوميا إلى الولايات المتحدة بدون ضرائب.

إعلان

وبإلغاء هذا الإعفاء، أضيفت رسوم جمركية جديدة بنسبة 34% على السلع المستوردة من الصين، إلى جانب رسوم سابقة بلغت 20%، مما رفع التكاليف بشكل كبير على العلامات التي تعتمد على الإنتاج الرخيص والسريع.

ويعد الإعفاء الضئيل، الذي حظيت به الموضة السريعة، العقبة الكبرى أمام شركات إعادة بيع الأزياء البطيئة، مع تفضيل المستهلكين أسعار الأزياء السريعة وسهولة الحصول عليها.

في السياق، نقلت مجلة "غلوسي" المتخصصة في صناعة الموضة، عن الرئيس التنفيذي لشركة "غوود ويل" (Goodwill) للسلع المستعملة مات كانيس، قوله "إن أكبر شيء مشترك بيننا (شركات إعادة البيع) هو أننا نرى الموضة السريعة -وهي بشكل عام سلع منخفضة السعر ومنخفضة الجودة ولها تأثير سلبي على البيئة- منافِسةً لنا".

لكن يبدو أن الأمر انقلب مع حرب ترامب التجارية، ومنحهم ميزة على حساب منافسيهم. جاء في تقرير لمجلة تايم الأميركية أن علامات الموضة البطيئة، خصوصا تلك العاملة في مجال إعادة البيع، خرجت مستفيدة من رسوم ترامب الجمركية، فشركات مثل "ثريد أب" (ThredUp) و"ذا ريل ريل" (The RealReal) و"غود ويل"، التي تبيع ملابس مستعملة من داخل السوق الأميركي، لا تعتمد على سلاسل الإمداد العالمية وبالتالي لا تتأثر برسوم الاستيراد.

وقال جيمس راينهارت، الرئيس التنفيذي لشركة "ثريد أب"، في تقرير مجلة تايم إن إنهاء الإعفاء "تحقيق طال انتظاره لتكافؤ الفرص"، مضيفا أن "الثغرة منحت ميزة غير عادلة لتجار التجزئة في الموضة السريعة، وساهمت في إغراق السوق بمنتجات منخفضة الجودة وقصيرة الأجل".

الموضة البطيئة تدعو إلى إبطاء الإنتاج والاستهلاك، وتصميم ملابس عالية الجودة تُصنع من مواد مستدامة (بيكسابي) هل تتحول إلى أسلوب حياة؟

لم تعد الموضة البطيئة مجرد نمط بديل، بل أصبحت، مؤخرا، خيارا أكثر منطقية في ظل الأزمات البيئية والاقتصادية. ومع استمرار الحرب التجارية، قد تتحول من حركة محدودة إلى تيار سائد يضع الجودة والاستدامة قبل السعر.

إعلان

تنصح مجلة "هاوس فون إيدن" للموضة والتصميم وأسلوب الحياة المستدام، بعدد من الخطوات لتبني "الموضة البطيئة" وجعلها أسلوب حياة، منها:

اختيار علامات تجارية مستدامة تنتج كميات محدودة وتستخدم مواد صديقة للبيئة. قراءة الملصقات للتأكد من مصدر المواد ومدى شفافيتها. اختيار الأقمشة الطبيعية مثل القطن العضوي. البحث عن الشهادات مثل "جي أو تي إس" (GOTS) على المنتج لضمان استدامة الأقمشة. استخدام الجلد الصناعي الخالي من البلاستيك كبديل للجلد الطبيعي. الانتباه لمكان التصنيع كونه قد يدل على ظروف العمل والإنتاج، مثل الصناعة في بلد ذي أجور منخفضة تعطي مؤشرا على الموضة السريعة. الاستثمار في الجودة بدل الكمية. شراء ملابس مستعملة من المتاجر أو المنصات الإلكترونية. استئجار الملابس للمناسبات الخاصة بدل شرائها. المشاركة في تبادل الملابس مع الأصدقاء أو في فعاليات مخصصة.

مقالات مشابهة

  • هل يعود الحزب الديمقراطي للحكم مجددًا في أميركا؟
  • الموضة البطيئة.. كيف تستفيد من الحرب التجارية بين أميركا والصين؟
  • هل يدفع ترامب كاليفورنيا لمسار الانفصال عن أميركا؟
  • كبير مساعدي وزير الدفاع الأميركي يغادر منصبه
  • النائب الأميركي كوري ميلز يحمل رسالة من الشرع إلى ترامب
  • أميركا تنتفض .. 12 ولاية تطعن أمام القضاء ضد رسوم ترامب الجمركية
  • "الفيدرالي" الأميركي يبين تأثير الرسوم على الأسعار وسوق السيارات
  • الرئيس الأميركي يعيد إشعال فتيل الحرب التجارية مع الصين
  • الدولار يقفز بعد تراجع ترامب عن اقالة رئيس الفيدرالي الأميركي
  • النفط يرتفع 1% مدفوعا بعقوبات إيران وتراجع المخزون الأميركي