في دولة صغيرة أنهكتها الحرب والمذابح تسمى رواندا، تقودك البوصلة إلى قصة نجاح ونموذج معجزة اقتصادية تصل بك إلى مرحلة الانبهار وتتوق النفس إلى محاكاتها والحديث عنها، الدولة التي غرقت لسنوات في مستنقع الحرب التي أتت على كل شيء، لم تلبث أن نفضت غبارها ونهضت من تحت ركامها، واستلهمت طريق الكبار لتحقق الإنجاز في غضون سنوات.

 

بحضور القادة الأفارقة.. افتتاح أول موقع بيونيتش في رواندا أصول الحرب الأهلية في رواندا

يعود النزاع في رواندا إلى الستينيات من القرن الماضي، إذ تركت سياسات وممارسات الاستعمار الأجنبي تأثيرًا كبيرًا على المجتمع والسلم الأهلي الرواندي.  حيث أدت السياسات الاستعمارية إلى انقسامات عميقة منذ ذلك الحين بين أقلية (التوتسي) الذين يمثلون حوالي 10 %، وأغلبية (الهوتو) الذين يمثلون حوالي 85 % من مجمل سكان البلاد إذ عمد الاستعمار البلجيكي إلى تفضيل ومحاباة الأقلية، على حساب الأغلبية، في كل مناحي الحياة تقريبًا؛ فكانت أغلب مجالات التعليم والمناصب السياسية والرسمية والحكومية والمناصب الإدارية، وما إلى ذلك، حكرًا على أقلية التوتسي؛ وقد زاد هذا الأمر من شعور الهوتو بالظلم والتعسف، وأدى في الوقت نفسه إلى حدوث تعطش للسلطة، بين أغلبية الهوتو الذين اغتنموا الفرصة عند جلاء الاستعمار  لتحويل واقع فظ سِمَتُهُ ممارسات الإقصاء والتمييز ضدهم، إلى ممارسات انتقام وعنف تجاه أقلية التوتسي، عند أول فرصة لاحت لهم في الأفق.

وبين عامي 1993 و1995 وقعت رواندا فريسة لحرب أهلية بين الأغلبية من عرقية الهوتو التي تشكل أكثر من 80% من السكان وقبائل التوتسي التي تشكل النسبة الباقية وكانت الغلبة بداية الحرب للأغلبية، لكن بول كاغامي الاسم الذي سيحفظه التاريخ  نظم صفوف الجبهة الوطنية خارج البلاد، ونفذ حربا انتقامية واستطاع أن يحتل العاصمة كيغالي عام 1995.

واقترب عدد ضحايا مذابح الإبادة من مليون قتيل من عدد السكان البالغ آنذاك نحو 11 مليونا، واضطر أكثر من مليونين من الهوتو إلى الهرب من شبح الانتقام إلى الكونغو المجاورة، وفي الداخل ازدحمت السجون بأكثر من 120 ألفا من المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة وبعد تلك الحرب تمكنت الجبهة الوطنية من السيطرة على البلاد، وعُين كاغامي نائبا للرئيس بيزي مونجو، لكن البلاد غرقت في الفوضى في السنوات الخمس التي تلت الحرب، وفشلت الحكومة في إيجاد حل وعاشت البلاد أسوأ فتراتها على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وبدا الأفق ضيقا أمام مونجو وحكومته، فتنازل عن منصبه إلى نائبه كاغامي عام 2000.

توحيد الشعب 

وبعد تولي كاغامي السلطة، حدد هدفين واضحين: أولهما توحيد الشعب، والثاني انتزاع البلاد من الفقر. وشرع الرئيس في خطة من عدة محاور، في مقدمتها تحقيق المصالحة المجتمعية، وإنجاز دستور جديد حظر استخدام مسميات الهوتو والتوتسي، وجرم استخدام أي خطاب عرقي ، ونجحت خطط الحكومة المتنوعة في تحقيق المصالحة بين أفراد المجتمع، وعاد اللاجئون إلى بلادهم، ونظمت محاكم محلية لإعادة الحقوق وإزالة المظالم.

ومع التقدم في الملفات الاجتماعية، وجهت الحكومة طاقتها للتنمية وتطوير الاقتصاد، وقدم الخبراء والمختصون دراسات تحولت للرؤية الاقتصادية، وتشمل 44 هدفا في مجالات مختلفة ، وتمكنت هذه الأهداف من تحقيق المعجزة، وارتفع متوسط دخل الفرد عام 2015 إلى ثلاثين ضعفا عما كان عليه قبل عشرين عاما.

الإستفادة من تجارب الآخرين

الخبير الاقتصادي الرواندي كليت نييكزا لا يرى في الأمر أية معجزة، ويقول “لكي تنشئ دولة ناجحة، لا تحتاج إلى إعادة اختراع العجلة، وإنما يكفي أن تستفيد من تجارب الآخرين” فعلى هذا الصعيد تحديدا أوفدت الحكومة عددا كبيرا من اللجان إلى دول أخرى للاستفادة من تجاربها وأنه إذا استطعت أن تجعل المطار خاليا من الفساد والرشوة، وخدمة الإنترنت في البلاد سريعة، وإجراءات الاستثمار بسيطة، والشباب يتحدثون الإنجليزية، فإنك ستحصل على دولة فعالة، وسوف تجذب الشركات والمستثمرين من كل العالم.

وابتكرت الحكومة نظام “الشباك الواحد” للاستثمار، فبينما يحتاج المستثمر في دول كثيرة إلى أسابيع أو شهور لكي يحصل على ترخيص للاستثمار، كانت القصة هنا مختلفة، إذ يمكن للمستثمر أن يقوم بجميع الإجراءات القانونية في مكان واحد، ويمكن إنشاء شركة في يوم واحد أو بضع ساعات فقط.

أسرع معدلات النمو في أفريقيا 

بات اقتصاد البلاد الأسرع نمواً في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة. وخلال الفترة بين عامي 2000 و2015، حقق اقتصادها نموا في ناتجه المحلي بمعدل 9% سنويا، وأصبحت واحدة من أهم وجهات المستثمرين والسياح بالعالم وتراجع معدل الفقر من 60% إلى 39%، ونسبة الأمية من 50% إلى 25%، وبحسب تقارير أفريقية فإن رواندا شهدت التطور الاقتصادي الأكبر على مستوى العالم منذ 2005، وارتفعت قيمة الناتج الإجمالي المحلي إلى نحو 8.5 مليارات دولار العام 2016 بينما كان نحو 2.6 مليار عام 2005.

وأصبحت الدولة الوجهة السياحية الأولى وسط أفريقيا، وتعتبر العاصمة كيغالي من أكثر المدن آمنا على مستوى القارة، وتحتل مكانة متميزة بوصفها واحدة من أنظف المدن الأفريقية وأجملها، وقد بلغت إيرادات السياحة أكثر من أربعمئة مليون دولار عام 2016

السياحة في رواندا

ساعد الأستقرار وإنتهاء الحروب الداخلية في رواندا والترويج لمجال السياحة جعلها مقصدًا لمحبي المناظر الطبيعية  وتعد دولة رواندا واحدة من أهم الوجهات السياحية لمشاهدة الأدغال الأفريقية والحيوانات الأفريقية الجميلة مثل فصيلة الغوريلا الجبلية النادرة إضافة إلى وجود الغابات المطيرة والجبال والوديان والحياة البرية والبحيرات والهواء النقي ، كما يمكن التنزه في الحدائق والشواطئ الموجودة هناك والإستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة ، كذلك يستطيع الشخص الإستمتاع برحلات السفاري الرائعة والتي يتعرف من خلالها على الأسود الأفريقية والظباء والفهود والزرافات والفيلة وغيرها من الحيوانات البرية التي تنتشر في الدول الأفريقية.

قمر اصطناعي

وتتويجا لمسيرة الإنجاز، أطلقت رواندا أول قمر اصطناعي خاص بها للاتصالات في فبراير2019 من مركز كوروا للفضاء بغويانا الفرنسية، في إطار تطوير النظام التعليمي، إذ تمكنت البلاد خلال فترة زمنية قصيرة من خفض نسب الأمية لتصبح من أقل دول القارة أمية.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: رواندا اقتصادية الحرب الاهلية توحيد الشعب قمر اصطناعي فی رواندا أکثر من

إقرأ أيضاً:

«الغرف السياحية»: قرارات اللجنة الوزارية تعكس قناعة الحكومة أن السياحة قاطرة التنمية

أكد حسام الشاعر، رئيس اتحاد الغرف السياحية، أن دعم قطاع السياحة في مصر أولوية أساسية ليس فقط داخل نطاق العاملين بقطاع السياحة المصرية المتمثلين في الشركات العاملة في قطاع السياحة، ولكن ما أسفر عنه اجتماع اللجنة الوزارية للسياحة من قرارات تخص حركة الاستثمار السياحي بشكل عام وإزالة كل المعوقات والصعاب أمام قطاع الاستثمار السياحي حتى يتوسع بشكل ميسر وسلس، أثبت أن أصحاب القرار في الدولة يولون اهتماما وأولوية تنعكس على مدى قناعة الحكومة بأن السياحة هي قاطرة التنمية.

وأشار رئيس اتحاد الغرف السياحية إلى أن اجتماع اللجنة الوزارية للسياحة برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي وعدد من الوزراء ساد فيه حالة من الإيجابية تجاه كل المقترحات التي اقترحها الممثلين عن اتحاد قطاع الشركات والفنادق للارتقاء بالقطاع وتحقيق أعلى معدلات دخل قومي من أكبر قناة تضخ عملة صعبة للبلاد وهي السياحة المصرية، والتي ستاتي من مزيد من إزالة المعرقلات والمشكلات التي يتعرض لها القطاع.

ولفت الشاعر إلى نتائج الاجتماع تمهد لطفرة وانطلاقة سياحية وتلخصت في أهم المشاكل التي تواجه القطاع، وتعهدت الحكومة بحلها وكانت كالآتي:

-توحيد جهات الرسوم والتفتيش.

-استفادة السياحة بحوافز قانون الاستثمار.

-منح الرخصة الذهبية للمشروعات الفندقية.

اقرأ أيضاً«BMI» التابعة لـ فيتش تتوقع نموا إيجابيا في قطاع السياحة بمصر خلال 2025

أبرزها منع فرض رسوم على المشروعات.. أهم قرارات اللجنة الوزارية اللسياحة

تقرير.. 19.9 مليار دولار إيرادات السياحة في مصر 2024

مقالات مشابهة

  • أعياد الميلاد في سوريا.. فرح يشوبه الأمل بمستقبل أفضل بعد سقوط النظام (شاهد)
  • «الغرف السياحية»: قرارات اللجنة الوزارية تعكس قناعة الحكومة أن السياحة قاطرة التنمية
  • بعد حجب الحكومة للبيانات..المجاعة تنتشر في السودان
  • قبيل صدور تقرير عن المجاعة .. الحكومة السودانية تنسحب من نظام عالمي لمراقبة الجوع
  • بعد سقوط نظام الأسد.. سوريون يحدوهم الأمل بغدٍ أفضل
  • إعمار الإنسان السوري!
  • التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْـباتِ الأمل
  • الحكومة الباكستانية تتعهد باستئصال الإرهاب من البلاد
  • مسرح المدينة يحيي اللقاءات الثقافية بعد الحرب: الموسيقى تولّد الأمل
  • لابيد: الحكومة لا تستطيع منعنا من الاستمرار في إعادة البلاد إلى مسارها الصحيح