شارك الدكتور أحمد كمالي نائب وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية ممثلًا عن مصر بالشق الوزاري للدورة الحادية والثلاثين للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) بمقر جامعة الدول العربية، حول طرح الرؤية العربية ٢٠٤٥ في طريق تحقيق الأمل بالفكر والإرادة والعمل، بحضور أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، رولا دشتي الأمين العام للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا).

وخلال مشاركته بالحلقة النقاشية الأولى للاجتماع الوزاري حول طرح الرؤية العربية 2045 في طريق تحقيق الأمل بالفكر والإرادة والعمل، والتي جاءت بعنوان منطلقات وركائز الرؤية العربية 2045؛ ثمن د. أحمد كمالي الجهود المبذولة في تطوير الرؤية العربية لعام 2045 " مؤكدًا ضرورة أن تكون تلك الرؤية العربية التنموية داعمة للخطط والاستراتيجيات التنموية الوطنية بالدول العربية، ومنها في مصر التي تُمثلها الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة "رؤية مصر 2030" في نسختها المحدثة المُطلقة في نوفمبر 2023، مشيرًا إلى أهمية أن تلعب الرؤية الإقليمية دور تكاملي معها ومتسق مع أجندة الأمم المتحدة 2030.

وأضاف كمالي أنه نظرًا لتعدد التحديات العالمية الحالية الاقتصادية والجيوسياسية والبيئية والتي تُعرقل العملية التنموية في مختلف دول العالم خاصة الدول النامية، فقد أصبح من الضروري على جميع الحكومات تعزيز القدرات الوطنية والمحلية لديها لتسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة خاصة أنه لم يتبق سوى 7 سنوات فقط حتى عام 2030.
وتابع كمالي أن التكنولوجيا والتحول الرقمي والإبداع والابتكار أصبح لها أدوارًا أساسية في عملية التنمية وتحسين مستوى معيشة المواطنين بالدول كافة بالإضافة إلى تسهيل الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، والسكن والحماية الاجتماعية.

كما أشار إلى تقرير "التكنولوجيا كقوة من أجل الخير" لعام 2023 والذي أوضح أن التكنولوجيا والابتكار وصناعتها أصبحت من العوامل الحاسمة في تحديد مدى تحقيق أهداف التنمية المستدامة واحتياجات المواطنين، لافتًا على تأكيد التقرير أن التكنولوجيا يمكن أن تخفض من تكلفة تحقيق أهداف التنمية المستدامة بما يصل إلى 55 تريليون دولار أمريكي، مما يتيح تحقيق 103 من غايات أهداف التنمية المستدامة البالغ عددها 169 غاية، مضيفًا أن من الممكن أن يؤدي الاستثمار في مجالات الابتكار إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو ثلاثة أضعاف حتى عام 2060.

واستطرد كمالي أنه بالرغم من أن التكنولوجيا يمكن أن توفر حلولاً مبتكرة للتحديات الحالية التي يواجهها العالم أكمل والمنطقة العربية بشكل خاص، فمازالت الفجوات الرقمية المستمرة بين الدول وداخلها تقف في طريق التقدم على نطاق واسع فيما يتعلق بالأهداف الأممية للتنمية المستدامة وتعيق استخدام البيانات الجديدة بشكل فعال، مؤكدًا ضرورة معالجة تلك الفجوات بشكل مجدي، مما يتطلب من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني ومختلف شركاء التنمية المعنيين والمجتمع الدولي إحداث ثورة في مجال الإبداع والابتكار من خلال التركيز على تهيئة البيئة المناسبة، وتعزيز القدرات والمهارات الرقمية، والبنية التحتية المناسبة، للاستفادة من التكنولوجيا والتقنيات المتقدمة والابتكار والإبداع في مختلف المجالات بهدف الوصول إلى التقدم للمجتمعات كافة.

وأشار كمالي إلى الجهود المصرية في مجال التكنولوجيا، متابعًا أن "تحقيق التقدم التكنولوجي والابتكار" يمثل أحد الممكنات الرئيسية لرؤية مصر 2030 المحدثة، والذي يركز على تحول مفهوم التقدم التكنولوجي والابتكار من مجرد مصطلح علمي إلى اسلوب متطور وقاسم مشترك يساهم في حل العديد من المشكلات في مختلف مجالات التنمية من خلال تهيئة بيئة مشجعة تتيح الفرصة والمجال للابتكار الحقيقي، وقدرة على إنتاج المعرفة لزيادة القيمة المضافة وتحقيق تنمية مستدامة ترتقي بالمجتمع والإنسان.

وتطرق كمالي إلى قيام وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية، بتطوير الاستراتيجية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات لعام 2030، إيمانا منها بأنه لا يمكن لأي دولة تسعى إلى تحقيق تقدم مرجو ومستدام دون وجود قطاع قوي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لدفع عجلة التنمية، متابعًا أن أهداف الاستراتيجية تتضمن تطوير البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وتعزيز الإدماج الرقمي، وتحقيق التحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، وبناء القدرات وتشجيع الابتكار، ومحاربة الفساد بالإضافة إلى ضمان الأمن السيبراني، وتعزيز مكانة مصر على المستويين الإقليمي والدولي.

كما أشار د.أحمد كمالي إلى إطلاق مصر أول استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي في عام 2021، والتي تتمحور حول 4 ركائز أساسية تتضمن الذكاء الاصطناعي للحكومة، والذكاء الاصطناعي للتنمية، وبناء القدرات والتعاون الدولي؛ فضلًا عن ممكنات أربعة رئيسية تتمثل في الحوكمة والبيانات والنظام البيئي والبنية التحتية، مضيفًا أنه نتيجة لتلك الجهود تقدمت مصر 55 مركزًا في مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي عام 2022، لتحتل المركز 56 من بين 162 دولة، مقارنة بالمركز 111 من بين 194 دولة عام 2019، وفقا لتقرير مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي.

وأكد كمالي حرص مصر على القيام بدور عالمي فعال لتكن مصر أول دولة عربية وأفريقية تسترشد بمبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بشأن الذكاء الاصطناعي المسئول، مضيفًا أن مصر تولت منصب نائب رئيس فريق الخبراء المخصص التابع لليونسكو وتم القيام بصياغة "التوصية بشأن أخلاقيات الذكاء الاصطناعي"، بالإضافة إنه على المستوى الإقليمي، فإن مصر تترأس مجموعة العمل المعنية بصياغة الاستراتيجية العربية المشتركة للذكاء الاصطناعي.

وأشار كمالي إلى الزيادة الواضحة في الإصدارات الخاصة بمجال الذكاء الاصطناعي ليرتفع عدد الإصدارات من حوالي 50 إصدار في عام 2000 إلى حوالي إصدار450 في عام 2022، متابعًا أن النساء تقوم بتأليف مقالات وإصدارات حول مجال الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد في مصر، لترتفع النسبة من حوالي 24% في عام 2010 إلى حوالي 32% في عام 2022.

كما أشار د.أحمد كمالي إلى جهود الحكومة المصرية في رقمنة العديد من خدماتها المقدمة للمواطنين، والتي تضمنت خدمات تطوير المراكز التكنولوجية في الأحياء والمدن، ومراكز تكنولوجيا الهاتف المحمول في جميع أنحاء الدولة، بالإضافة إلى رقمنة عدد من الأنظمة، كنظام تسجيل المواليد والوفيات، والبنية المعلوماتية لأنظمة التطعيم، بالإضافة إلى، إطلاق منصة مصر الرقمية الإلكترونية لتوفير وتسهيل الوصول بصورة أكثر فعالية لمجموعة واسعة من الخدمات العامة، حيث تم إطلاق مجموعة واسعة من الخدمات الرقمية بالكامل على المنصة، بما في ذلك خدمات المرور والعقارات والمحاكم والسجل التجاري والضريبة العقارية والإسكان الاجتماعي والأحوال المدنية وخدمات الترخيص المقدمة بالتعاون مع الجهات المقدمة للخدمة.

وفي هذا السياق، يجب التأكيد على أهمية الاستفادة من التجارب العربية المتعددة وتعزيز التعاون العربي لتجاوز الفجوة الرقمية، متابعًا أن جمهورية مصر العربية تثمن الأجندة الرقمية العربية 2023 -2033. وأكد كمالي الدور الريادي للحكومات للتشجيع على تطوير مجالات التكنولوجيا والتحول الرقمي والابتكار والإبداع وتعزيز المهارات اللازمة في ظل عالم متغير، موضحًا أن جهود الحكومات وحدها ليست كافية لتعدد التحديات مما يحتم تضافر جهود كافة شركاء التنمية المعنيين لتحقيق التقدم ودفع عجلة التنمية، وعليه، يرجى النظر في الهدف السابع عشر من أهداف التنمية المستدامة المعني "بعقد الشراكات لتحقيق الأهداف" والتي تهدف إليه كذلك الرؤية العربية 2045.

وحول التحديات التي تواجه قطاع التكنولوجيا أوضح د.أحمد كمالي أن هناك تحديين رئيسين أولهما ما يتعلق بالاستثمار وتوفير بنية تحتيه قوية تقوم عليها البنية المعلوماتية، متابعًا أن أي بنية تحتاج إلى تطوير فإنها تحتاج إلى استثمارات كبيرة مما يتطلب مشاركة القطاع الخاص في تلك الاستثمارات، مضيفًا أن التحدي الثاني يتمثل في الفجوة الرقمية، والذي تم تضمينه في التقرير الطوعي لمصر والذي تم عرضه في الأمم المتحدة، موضحًا انتشار الفجوة الرقمية بين الدول المختلفة وكذلك على مستوى الدولة الواحدة، وفي مصر موجودة بين الريف والحضر وبين السيدات والرجال، مشيرًا إلى دور مبادرة حياة كريمة التي أطقها الرئيس عبد الفتاح السيسي وأعلنتها الحكومة المصرية في العمل على سد تلك الفجوات بين الريف والحضر.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: التخطيط وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية أهداف التنمیة المستدامة للذکاء الاصطناعی الذکاء الاصطناعی أن التکنولوجیا الرؤیة العربیة الأمم المتحدة بالإضافة إلى کمالی إلى فی عام

إقرأ أيضاً:

المفكر الكبير نصار عبد الله لـ«البوابة نيوز»: تطور الأمم مرهون بتقدمها في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقط.. والموقف المصري من قضية غزة شجاع وبطولي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

موضوعات عدة، ما بين الظروف السياسية والشئون الخارجية وما يحيط بمنطقة الشرق الأوسط، وشبح الحروب المخيمة على المنطقة، وأثر دخولنا لمرحلة الذكاء الاصطناعي الفائق، والعقبات والمشاكل التى تعرقل تطلعات وطموحات العقل العربى الفعال، تحدث الدكتور نصار عبدالله، أستاذ الفلسفة السياسية إلى جريدة «البوابة نيوز»، محللًا الكثير من القضايا برؤية فلسفية متأنية.. وكان لا بد أن يتناول فى حديثه أبعاد الذكريات الرمضانية التى ترتبط بأيام الشهر الفضيل.

يُعد د. نصار عبدالله، نموذجًا فريدًا للمفكر الذي يجمع بين عمق التحليل الفلسفي وجمالية التعبير الأدبي. وتجلى هذا فى مسيرته الأكاديمية والشعرية، تناول فى مؤلفاته الفلسفية قضايا جوهرية تتقاطع مع الفلسفة السياسية، مثل: مسألة الحرب العادلة، وطبيعة العدل الاجتماعي، والعلاقة الجدلية بين القانون الوضعى والأخلاقي، بالإضافة إلى استكشاف العلاقة المعقدة بين الفلسفة والأدب، من خلال هذه القضايا، كما حاول تفكيك المفاهيم التقليدية وإعادة بنائها فى ضوء رؤية فلسفية متكاملة. وفى الموازاة عبَّر عن رؤاه وتأملاته من خلال دواوين شعرية مثل "قلبى طفل ضال"، و"أحزان الأزمنة الأولى"، و"سألت وجهه الجميل"، و"ما زلت أقول"، وغيرها، ما يعكس قدرته على تجسيد الأفكار الفلسفية فى قالب أدبى مؤثر.

ولد "عبدالله" فى البداري بأسيوط، وشهدت مسيرته الأكاديمية مزيجًا فريدًا بين العلوم السياسية والفلسفية والقانونية. تخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام ١٩٦٦، فى فترة تاريخية اتسمت بتحولات سياسية وفكرية عميقة، وصراعات تحيط بمصر من دول استعمارية كبرى، فى هذا السياق التاريخي، اتخذ "عبدالله" قرارًا جوهريًا بالتوجه نحو دراسة الفلسفة فى كلية الآداب، حيث تخرج فيها عام ١٩٧١. ومن ثمَّ وسع آفاقه المعرفية بدراسة الحقوق، قبل أن يعود إلى رحاب الفلسفة ليكمل دراسته العليا ويحصل على درجتى الماجستير والدكتوراه، ويستقر أستاذًا للفلسفة السياسية فى كلية الآداب جامعة سوهاج، تعكس هذه المسيرة الأكاديمية المتميزة رؤية فلسفية متكاملة، خاصة وأنه سعى إلى فهم العلاقة الجدلية بين التاريخ والفكر، وبين النظرية والتطبيق. فهو لم يكتفِ بدراسة العلوم السياسية فى سياقها التاريخي، كما حاول تعميق فهمه للواقع السياسى من خلال العدسات الفلسفية والقانونية.

نصار عبدالله: للصيام حكمة تتمثل فى تحمل الإنسان الشدة والضيق بإرادته قبل أن تُفرض عليهالذكريات الرمضانية

حدثنا د. نصار حول بعض الذكريات الرمضانية، وخاصة بعض سلوكيات الأهالي قديمًا فى رمضان، أو سلوكيات الأطفال فى الشهر الكريم.. قائلًا: فى طفولتي كان الإفطار والسحور جماعيًا، العائلة الكبيرة تجتمع فى المندرة، وتخرج صوانى للمندرة من البيت وتحتشد حولها الجموع والمفطرين، وليس أصحاب الصينية فقط، وإنما دعوة عامة لكل عابر سبيل يتصادف وجوده، وهو منظر بهيج افتقدناه، منظر الصوانى وهى تخرج من البيت فى المغربية منظر بهيج وجميل.

ومن ذكريات الطفولة أيضًا: لحظة انتظار آذان المغرب ونحن أطفال، لم يكن هناك صوت مدفع، وننتظر صوت المؤذن، وساعتها تنطلق الأغانى الطفولية "افطر يا صايم على الكشك العايم". 

وأضاف أن للصوم حكمة يجب أن يشعر بها الإنسان، وهى فى رأيه "أن الحياة لا تقدم لك ما تريده وعليك أن تمتنع عما هو متاح لك حتى تتعرض لظرف به من الضيق والشدة رغمًا عنك، وعليك أن تعيش الضيق والشدة بقرار منك قبل أن تأتى لحظة ويُفرض عليك هذا الضيق وهذه الشدة".

نصار عبدالله: الحروب تقدم عقلى وتكنولوجى أكثر منه حروب عتاد وأفرادحروب عصر الذكاء الاصطناعى الفائق

تناول الحديث مع الدكتور نصار عبدالله التحديات الجديدة التى فرضها عصر التقنية وعصر الذكاء الاصطناعى الفائق، وبدوره رأى أنه "من الممكن أن نطلق عليها حروب من الجيل الخامس أو السادس، بمعنى أنها حروب جيل ما بعد الأجيال التقليدية للحروب، فهى تعتمد بشكل أساسى ورئيسى على التكنولوجيا المتقدمة جدا".

وبحسب "عبدالله" فإن النظرة للجيوش والأسلحة التقليدية سوف تتغير بالضرورة، و"لن يكون للأفراد نفس الدور الذى كان لهم فيما مضى، لأن دور الأعداد يتقلص لحساب مستوى التقدم العقلي، فالحروب تقدم عقلى وتكنولوجى أكثر منه حروب عتاد وأفراد، فأى كان عدد الأفراد من الممكن أن يطيح بهم سلاح يحركه فرد واحد، بدون مجهود".

رأى أستاذ الفلسفة السياسية أن تطور أدوات الحروب يصب فى دمار البشرية، قائلًا: "لو ألقينا نظرة على وسائل الحرب من بداية ظاهرة الحرب، سنلاحظ استخدام الحجارة والعصي، وقدرتها على الفتك محدودة جدًا، فمهما تكاثرت الأعداد كم من القتلى سوف يسقط؟ فالأسلحة تتمثل فى الحجارة المدببة وقدرتها على الفتك محدودة، لكن اختراع البارود والأعيرة النارية يُعد ثورة، لأن أعداد القتلى تزيد، وقدرتها على الفتك كبيرة جدًا. ومع ظهور القنبلة النووية، لم يكن أحد يتصور أن قنبلة واحدة تستطيع أن تقضى على ١٠٠ ألف إنسان، ومبانٍ ومنشآت مدينة بالكامل، وتعتبر قنبلة هيروشيما قزمة بالنسبة للأجيال المتطورة من الأسلحة النووية، وعند مقارنة الأسلحة النووية نجد الفارق يشبه الفارق بين السهم والمدفع، والنتيجة إن أسلحة التدمير أصبحت مروعة وباتت تهدد بفناء الإنسانية فناءً حقيقيًا.

أسلحة التدمير مروعة وتهدد بفناء الإنسانية.. وقوة الردع تعطل نشاط أسلحة الدمار نتيجة الخوف المتبادل بين الدولخطر فناء البشرية

وفى تنبيه عام، حذَّر المفكر الكبير من اتجاه البشرية للفناء الحقيقى نتيجة تطور أسلحة الدمار، وتوسع الدول فى امتلاكها دون تعقل أو مسئولية أخلاقية، وبسؤاله: هل هذا يؤكد وجهة نظر الفريق القائل بأن تطور وتقدم البشرية يؤكد أننا نتجه ناحية دمار وهلاك البشرية؟.
أجاب "عبدالله" بأن التطور يُلقى مسئولية أكثر على الدول التى تمتلك هذه الأسلحة، وتتوسع فى تطويرها، ويجعلها أكثر حذرًا من استخدامها للأسلحة التقليدية، هناك خوف متبادل من الردع المتبادل بين الدول.
وشرح المسألة بقوله: إن هذا الردع المتبادل لم يكن موجودًا زمن الأسلحة التقليدية.. الآن باتت الدول تمتلك أسلحة مخيفة ورادعة، ويجب أن تكون مسئولة وحذرة قبل استخدامها، لأن مفهوم الحرب تغير، ولن تكون النتيجة إيذاء فى مقابل إيذاء، بل ستكون هلاك وإزالة فى مقابل هلاك وإزالة، حاليًا فإن الغواصات النووية قادرة على إبادة دول العالم، عندما تتعرض دولها لضربة معينة ستقوم هى بضربة مضادة، وهذا يجعلها قوة رادعة، ويجعلها أسلحة موقوفة الاستخدام، نتيجة للخوف المتبادل.

نصار عبدالله: عدم سماح مصر بتهجير الفلسطينيين موقف شجاع تنتصر فيه بلادنا.. لأنه لا أحد يملك أن يجبرها على غير ذلكردع إسرائيل وترسانة إيران

أكد "عبدالله" فى حديثه أن دولة الاحتلال الإسرائيلى تحتاج لأن تبنى الدول العربية قوة ردع، لأن الردع هو الذى يحفظ السلام ويفرض الشروط، مشيدًا بالموقف المصرى الشجاع فى عرقلتها لخطط دولة الاحتلال الرامية لتهجير الفلسطينيين بمساعدة دول كبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية.

وقال: يؤسفني أن أقول إن الفارق التكنولوجي بين الدول العربية وبين إسرائيل اتسع جدًا لدرجة أنه لا يوجد رادع حقيقى لأى طرف من الدول التى يعنيها الحق والعدل، ولو وجدت دولة تملك رادع حقيقي ضد إسرائيل لتغيرت المعادلة مع إسرائيل تمامًا.

وتساءل بدوره: ماذا لو كانت إيران مثلًا تمتلك سلاحًا نوويًا مثلما فعلتها باكستان فى غفلة من الزمن، حين باغتت العالم ذات يوم بتفجير نووي، ولم يكن العالم يتوقع أنها ستنجح فى ذلك، فماذا لو نجحت إيران فى ذلك؟ ربما تغيرت نقاط عدة فى المعادلة مع إسرائيل.

وهنا، عند الحديث عن تطور قدرات إيران النووية، كان سؤالنا: أليس امتلاك إيران لسلاح نووى يُعد تهديدًا للعرب ولمنطقة الشرق الأوسط؟. أجاب "عبدالله" بالإيجاب: بالطبع هى تهديد للمنطقة، ولكن أنظر لها بوصفها عدوًا لإسرائيل، والمعنى أنه من المفروض أن يكون هناك طرف يلزم إسرائيل بأن تستجيب للاتفاقيات والمطالب.

شجاعة الموقف المصري

وصف المفكر الكبير نصار عبدالله الموقف المصري بالشجاع والحكيم، قائلًا: لا أحد يشك فى الموقف المصري، والمصريون جميعًا من أعلى مستوى لأدنى مستوى يتألمون لما يحدث فى فلسطين، ويدركون عواقب ما يمكن أن يحدث لو أقدموا على المغامرة، لأنها ستكون خسارة كبيرة للفلسطينيين أنفسهم، لذلك أنا أثنى على الموقف المصرى وأراه حكيمًا جدًا، وأكثر البدائل حكمة فى ظل المعادلة الصعبة التى نعيشها الآن. وأكد أن عدم سماح مصر بتهجير الفلسطينيين، هو موقف شجاع امتلكته مصر، وفيه تنتصر مصر، لأنه لا أحد يملك أن يجبرها على غير ذلك.

تطور الأمم مرهون بتقدمها فى مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقطضرورة الفلسفة فى عصر القوة

شدد نصار عبدالله على ضرورة الفلسفة فى عصر القوة، وعصر تطور الذكاء الاصطناعي، وأين يكمن دورها، مؤكدًا أنه من الخطأ الكبير تجاهل دور الفلسفة فى النهضة والتقدم. 

وبحسب حديثه، فإن الاهتمام العام فى التعليم ينطلق من مفهوم خطأ وهو قلة الاهتمام بالدراسات الإنسانية عمومًا، بما فيها الفلسفة، حتى كانت هناك دعوة لإلغاء أقسام الفلسفة، وترتب عليه انخفاض شديد فى عدد الدارسين لها، ولاحظ عدد الطلبة الذين يدرسون فى قسم الفلسفة ستجدهم قرابة ١٠ طلبة فى الدفعة، وهى ظاهرة على مستوى الجامعات، وهو شكل من أشكال الانبهار الأعمى بالنموذج الغربي، وتجاهل مخيف لإيجابيات النموذج، ومن الكارثة تصور أن العالم الغربى تطور بالتكنولوجيا فقط، وأغفل الدراسات الاجتماعية، هذا تصور خاطئ، فالدراسات الإنسانية لها دور أساسى جدا، والولايات المتحدة من الدول المتطورة تكنولوجيًا وبها العديد من مراكز الدراسات الاستراتيجية، التى تضم عددًا من الأساتذة المتخصصين فى الفلسفة السياسية، يساهمون فى رسم خطوط السياسية الأمريكية، ويضعون بدائل القرار الممكنة أمام رئيس الدولة، أى أن صاحب القرار لا يمكنه أن يستغنى عن مراكز الدراسات الاستراتيجية.

ولفت "عبدالله" إلى أن هناك فرعين من فروع الفلسفة على الأقل، وثيقى الصلة بنبض الحياة، أولهما فلسفة العلم، ومناهج البحث العلمي، لا يمكن الاستغناء عنه لأنه ضرورى لتطور العلم، وثانيهما علم الفلسفة السياسية، الذى يضع القيم والمحددات النهائية لأى دولة تسعى لتحقيقها، ويضعها أساتذة الفلسفة السياسية، وبهذا تظل الفلسفة تمارس دورها، وهذه الحقيقة غائبة عن واضع السياسية التعليمية وصانع القرار التعليمي، ويظن أن العالم يتقدم بالتكنولوجيا وبالتالى نلغى العلوم الإنسانية.

جزء ما من حياة الإنسان داخلي يريد أن يشبعه وجدانيًامعضلة الدين والفلسفة.. ما الحل؟

لا يرى د. نصار عبدالله أن ما يثار من مشاكل بشأن الفلسفة والدين هى أزمات معقدة، ويعتقد أنها حدثت فى الماضى لأنها أحيطت بملابسات تاريخية وسياسية أسهمت فى خلق المشكلة.

وفى رأيه، أنها معضلة تحل نفسها مع الزمن، وهى مشكلة لها جوانب سياسية، ومع التطور السياسى ومع ظهور قيادات سياسية لها رؤية شاملة تدرك أبعاد كل فروع المعرفة، سوف تستعيد الفلسفة دورها وهى جديرة به فى ضوء وظيفتها المعاصرة، بوصفها خادمًا للعلم والسياسة، فالتقدم السياسى العام يحل المشكلة بشكل تلقائي.

وقال: أعتقد أن مشكل الدين مع الفلسفة أو مع الإلحاد مثلًا كان مرهونًا بشروط وظروف تاريخية معينة، ومنها أن مكونًا ما حاول أن يكون صاحب السلطة السياسية العليا، وأعتقد أنه مع التقدم السياسى لم تعد هذه المناطحة من جانب المشتغلين بالدين واردة، وهل تعلم أن العالم به نحو ٥٠ أو ٦٠ ديانة مختلفة، ومن الممكن أن تسميها ديانات كبرى، وكل دين يؤمن بأنه الدين الصحيح، وتتفاوت الديانات فى أعداد تابعيها، ولا يمكن أن نقول أن ديانة تمتلك نصف مليون مؤمن هى أقل قيمة من ديانة يتبعها نحو أكثر من مليار إنسان مثل الديانة الهندوكية.

وأوضح أنه فى النهاية يظل جزء ما من حياة الإنسان داخلي، يريد أن يشبعه وجدانيًا، أيًا كان شكله أو بصمته فى الحياة، وأيًا كان نفوذه فى مجرى الأحداث اليومية، نسميه بالعقيدة، أيًا كانت هذه العقيدة.

نصار عبدالله: المشاريع الفلسفية غير قابلة للاستنساخ لأن المشاريع الفكرية تتطور وتتخلق تبعًا للمرحلة الزمنيةاستعادة مشاريع قديمة أم انتاج جديد

بسؤاله حول أهمية الدعوات الخاصة بشأن استعادة المشاريع الفلسفية القديمة مثل مشروع ابن رشد التنويري، هل مثل هذه الدعوات مفيدة وفاعلة؟، أجاب قائلًا: فى ظنى لا شيء قابل للاستنساخ، المشاريع الفلسفية غير قابلة للاستنساخ لأن المشاريع الفكرية تتطور وتتخلق تبعًا للمرحلة الزمنية، وتنمو كما ينمو الجسد بشكل مرحلي، خلية وراء خلية إلى أن يتكامل، إنما لا يكفى إعادة إنتاج مشروع فكرى ماضوي.

وقال "عبدالله": أظن أن الابتعاد عن الأسلوب العلمى فى التفكير سبب وجيه لتخلف العقل العربي، وإن غياب التفكير العلمى مؤسف حتى أنه وصل لفئة وظيفتها العلم والتعليم، فتجد إنسانًا يمارس العلم فى معمله بينما لا يترجم هذا لسلوك فى أرض الواقع، ومن المفروض أنه لا انفصام بين ما نؤمن به كعلم وبين ما نمارسه فى الواقع، وعلى الجيل المؤمن بالتفكير العلمى أن يغرس ذلك فى الجيل اللاحق.

الصفحة الأولىحوار المفكر الكبير د. نصار عبدالله

مقالات مشابهة

  • عبد السند يمامة: توحيد جهود الأحزاب ضرورة لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية
  • خلال لقاء عبدالعاطي ومسؤول بـ«البرنامج الإنمائي».. دعم أممي لتنفيذ الخطة العربية لإعمار غزة
  • في الأمم المتحدة : الحكومة اليمنية تؤكد اهتمامها بتعزيز المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمرأة
  • وزير الصحة يستقبل مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لبحث التعاون في التنمية البشرية
  • التخطيط والتنمية الاقتصادية تبحث تعزيز استثمارات الطاقة المتجددة والتحول الأخضر في مصر
  • التخطيط والتعاون الدولي تبحث مع فرنسا مستقبل العلاقات الاقتصادية الثنائية
  • دبلوماسيون: الخطة العربية لغزة تمثل حلاً عملياً وفرصة للسلام
  • المفكر الكبير نصار عبد الله لـ«البوابة نيوز»: تطور الأمم مرهون بتقدمها في مجالات الدراسات الإنسانية والاجتماعية وليست التكنولوجية فقط.. والموقف المصري من قضية غزة شجاع وبطولي
  • جامعة الأميرة نورة تُشارك في أعمال وفد المملكة بالدورة 69 للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة
  • ‏‎ وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية تصدر حصادها في أسبوع