اختتمت فعاليات مؤتمر مهرجان “أيام العربية”، تزامناً مع احتفال منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” باليوم العالمي للغة العربية ويعد مهرجان “أيام العربية” الأول من نوعه والذي نظمّه مركز أبوظبي للغة العربية في الفترة من 15 إلى 18 ديسمبر تحت شعار “العربية: لغة الشعر والفنون”. وتميّزت الدورة الافتتاحية من مهرجان “أيام العربية” باستقطاب العديد من الخبراء والمشاهير في اللغة العربية والمشتغلين في حقلها، بالإضافة إلى مشاركة أبرز المؤلفين والشعراء والباحثين العرب، فضلاً عن مجموعة من المبدعين الإماراتيين والعرب ضمن برنامج من جلسات النقاش والعروض المسرحية والموسيقية والشعر.

وتضمنت فعاليات “أيام العربية” العديد من الأنشطة الثقافية مثل “معرض عنترة .. شاعر الحب والفروسية” الذي سلّط الضوء على حياة الشاعر عنترة بن شداد العبسي وشعره. وأقيمت مجموعة من التجارب التفاعلية مثل “عجائب اللغة العربية” و”جذور الكلمات” و”منصة التسجيلات الصوتية وغيرها، بالإضافة إلى إحياء بعض الشخصيات التاريخية في مراكز التسوق في أبوظبي، وذلك قبل أسبوع من إقامة فاعلية “أيام العربية”، حيث جسّد مجموعة من المؤدين والممثلين عدداً من الشخصيات التاريخية القديمة والحديثة في مجالات الشعر والإبداع، التي أثرت في شعرية اللغة العربية وأساليبها وآدابها، وذلك من خلال عروض درامية تفاعلية مع مرتادي مختلف الأماكن العامة في أبوظبي.

كما جرى تنظيم عروض موسيقية وتجارب مميزة أتاحت للجمهور من مختلف الأعمار الفرصة لاستكشاف اللغة العربية والتفاعل معها واكتشاف جوانب جديدة منها. كما تضمنت الفعالية إجراء عدد من الحوارات مع شعراء معروفين منهم الشاعر المصري أحمد عبد المعطي حجازي؛ والشاعر التونسي منصف الوهايبي؛ والشاعر والناقد العراقي علي جعفر العلاق كما تضمنت جلسات حوارية مع الفنانة منى زكي ومروان خوري لتسليط الضوء على الارتباط الوثيق للغة العربية مع الفن.
وفي الموسيقا والنقد والأدب والترجمة تم استضافة الفنان الكبير نصير شمة وعبد الله الغذامي، خليل الشيخ، بروين حبيب، بلال الأرفه لي، شتيفان فايدنر، كارمن جراو، آيدا زيليو جرانده، آن ميليت، محمد حقي صوتشين، مصطفى السليمان، موريس بومرانتز، يارا المصري.

وفي الخط والتشكيل والدراما كل من نجوم الغانم، محمود شوبّر، نجاة مكي، خالد الجلاف، أما في فن إدارة الحوارات المبتكرة كان هناك نخبة من الإعلاميين الذين يجمعون في تجاربهم بين الأدب والتشكيل والفن كأمل صقر، سارة دندراوي، سامح كعوش، هند خليفات، وليد علاء الدين وفي الفن الأصيل عازف العود الكبير نصير شمة والمؤلف الموسيقي أنور أبو دراغ.

وقد حضرت الشيخة اليازية بنت نهيان بن مبارك آل نهيان وتم استقبال ضيف الشرف سعادة/ آيرين دومينغو رئيسة البيت العربي، مدريد، التي صرحت في كلمتها “إن التقديرات تشير إلى أن اللغة العربية ستكون اللغة الأم لـ 10٪ من السكان في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2050 “، وأشارت سعادة هدى إبراهيم الخميس كانو، مؤسِّس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، والمؤسِّس والمدير الفني لمهرجان أبوظبي بالقول بأنه “تقع على عاتقنا مسؤولية الحفاظ على هويتنا ولغتنا في زمن متسارع وتقنيات متغيرة، وأن نكون الأمناء على تحقيق أهداف ثلاثة: تعليم العربية بحداثة جاذبة ومحتوى أخاذ، ونشرها وترجمتها إلى اللغات العالمية الحية، وترسيخ مكانتها العالمية لغير الناطقين بها”.

ويهدف مهرجان “أيام العربية” ومؤتمره إلى التركيز على ثراء اللغة العربية وتنوع أساليبها في مجالات الشعر والفنون والجماليات اللغوية، بالإضافة إلى توفير الفرصة أمام الناطقين وغير الناطقين بالعربية إلى المشاركة من خلال الأنشطة المتنوعة، فضلاً عن تصوير العلاقة الوطيدة بين اللغة العربية والموسيقى من خلال استضافة عدد من المطربين والفنانين الذين كان لهم بصمة في اللغة العربية واستخداماتها في الفن حيث كانت الأمسية الأولى مع الفنانة الرائعة والمتألقة عبير نعمة وتلاها في الأمسيات الأخرى كل من نويل خرمان وريما خشيش واختتم المهرجان في يومه الرابع مع الفنان مروان خوري .

وأكّد سعادة الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، على أهمية مهرجان “أيام العربية” بوصفه منصة تفاعلية تربط فئات المجتمع المختلفة بهذه اللغة العريقة من خلال نشاطات ثقافية متنوعة تشمل الفكر والعلم والشعر والآداب والفنون من موسيقى وغناء ودراما. وأشار بن تميم إلى أن المبادرة تعكس اهتمام القيادة الإماراتية باللغة العربية باعتبارها أحد المكونات الأساسية للهوية الثقافية وهي أحد ركائز مسيرة استئناف الحضارة، وبالتالي هناك ضرورة ملحة للحفاظ عليها وتعزيز مكانتها بشكل أكبر في المجتمع. ولفت بن تميم إلى أن اللغة العربية هي لغة تنوع وتعدد وثراء وتمتاز بقدرتها على مواكبة العصر وعلومه المتطورة لتواصل دورها في الحضارة الإنسانية رمزا مهما للتواصل والتسامح والحوار، مشيراً إلى أن “أيام العربية” ستكون بمثابة الاحتفال السنوي لدولة الإمارات باليوم العالمي للغة العربية.

وتم التعاون مع عدد من الشركاء حيث نظمت “مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون” إحدى الحوارات المبتكرة بعنوان “شعرية اللغة وفنية القصيدة” كما قدم بيت العود العربي موسيقى فريدة خلال المهرجان. واستجابة لهذا الحدث الثقافي المميز، أطلقت “أنغامي” قائمة مميزة من الأغاني تحت عنوان “Arabian Days”.
وسيصبح مهرجان “أيام العربية” فعالية سنوية مهمة في التقويم الثقافي لإمارة أبوظبي، للاحتفال بالتنوع الغني للغة العربية ورفع مكانتها كلغة متجددة ونابضة بالحياة.
وتكمل “أيام العربية” رحلتها نحو محطة جديدة، حاملة العربية فكراً وثقافة وهويةً من أبوظبي نحو موسكو للمشاركة في المؤتمر الدولي “خطى الفهم المتبادل -الترجمة الأدبية العربية-الروسية والروسية للعربية” وينظم هذا المؤتمر مركز أبوظبي للغة العربية بالتعاون مع السفارة الإماراتية في موسكو ومعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية.
ويذكر أن مركز أبوظبي للغة العربية يعمل على تعزيز مكانة اللغة العربية ووضع الاستراتيجيات لتطويرها على الصعد العلمية والتعليمية والثقافية والإبداعية ودعم البحوث والدراسات في هذا الشأن، وكذلك توسيع نطاق استخدام اللغة العربية في الأوساط العلمية والثقافية والحياة العامة، فضلاً عن تقديم الدعم للباحثين والمهنيين والناشطين في شتى مجالات الدراسات العربية والشرق أوسطية، وتعزيز الاهتمام بتعلّم اللغة العربية بين الناطقين بها وغير الناطقين بها، وقيادة جهود البحث والتطوير اللغوي والدعم النشط للبحث ونقل المعرفة والإبداع والتأليف والترجمة والنشر.


المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: مرکز أبوظبی للغة العربیة اللغة العربیة أیام العربیة من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

الشِّعر ديوان العربية الفصحى

أتيح للغة العربية أن ترتبط بشيئين ارتباطًا نزعم أنه لم يُتَح لغيرها من اللغات، وهو ارتباط ساعد كثيرًا، ليس فقط على غناها وثرائها بأدواتها ومفرداتها، ولكن أيضًا على تميزها وذيوعها وانتشارها. أمّا هذان الشيئان اللذان ارتبطت بهما فهُما الشِّعر والقرآن الكريم، ويمكن إدراك هذا الارتباط بتفاصيله بتأمّل فترة التدوين العربي، ونشأة المعجمات.

أمّا ارتباطها بالقرآن فيحتاج إلى قراءة طويلة مستقلة تفي به، لكننا في مساحة كهذه الممنوحة لنا هنا يمكن لإطلالة موجزة أن تشير إلى شيء من نشأة العربية ثم ارتباطها بالشعر، مشيرين أولًا إلى أن اهتمامنا بالعربية لا ينبع فقط من أنها لغتنا، ولكن لأنها واحدة من أهم لغات العالم؛ إذ يتحدث بها 500 مليون نسمة تقريبًا في العالم، وهو رقم ليس صغيرًا، إذ يشكل 5% من سكان الأرض.

والعرب -في الأساس- هم الذين كانوا يتحدثون اللغة العربية، ومِن السهل -الآن- أن يطلَق لفظ «العرب» هذا فينصرف الذهن جغرافيًا إلى بعض دول الوطن العربي في آسيا وإفريقيا، لكن قديمًا وتاريخيًا لم تكن كلمة «عرب» دالة إلا على معنى البدو والبداوة، ولم تكن تطلَق إلا على سكان شِبه الجزيرة العربية وبعض مناطق الشام والعراق، حتى ظهر الإسلام ودخل المسلِمون بلادًا وأقاليم تحولت بمرور الوقت وانتشار لغة الغالبين إلى مناطق وأقاليم عربية ليتسع مفهوم العرب جغرافيًا إلى ما استقر في الذهن والعيان حتى يومنا هذا.

وإذا كانت شبه الجزيرة العربية موطن العرب، فإن القدماء كانوا يذهبون إلى أن هناك جنوبًا وشمالًا لعرب تلك الجزيرة، وكانوا يطلِقون على عرب الجنوب اسم «القحطانيين»، ويرونهم أصل العرب ولغتهم العربية، بينما كانوا يطلِقون على عرب الشمال اسم «العدنانيين»، ويرونهم «مستعربين» أخذوا لغتهم عن القحطانيين وهي اللغة التي يقولون إن القرآن نزل بها، وهو الأمر الذي أثار جدلًا كبيرًا بين الباحثين المستشرقين وهُم يقارنون بين لغة القحطانيين والعدنانيين؛ ليكتشفوا بفضل كثير من النقوش والنصوص التي تم العثور عليها اختلافات كثيرة بين لغة عرب الجنوب ولغة عرب الشمال، الأمر الذي كان واحدًا من أهم أسباب ذيوع وانتشار ما سمّي بقضية الانتحال في الشعر الجاهلي، حيث إن الشعر الذي وصلنا كله وصلنا بلغة عربية واحدة ضمت شعراء من الشمال وشعراء من الجنوب، وقيل إنّ ما تردد من اتخاذ اللغة العربية لغة أدبية واحدة للفريقين يمكن فهمه بعد نزول القرآن لا قبله. ولا يعنينا الآن الخوض في تفاصيل قضية الانتحال بقدر ما تعنينا إطلالتنا على ارتباط العربية بالشعر.

والحق أنه إلى الآن يصعب على باحث أن يقطع برأي محدد في أصل اللغة العربية؛ فكل النقوش والنصوص الأركيولوجية التي تم العثور عليها كانت خاصة بالفترة التاريخية ما بين أواخر القرن الثالث إلى القرن السادس الميلادي، وهي نصوص ونقوش تؤكد أن الخط العربي نشأ شمال الحجاز متطورًا عن الخط النبطي، ويمكن الزعم أن الخط العربي أخذ صورته النهائية في أوائل القرن السادس الميلادي، وهو ما أكدته تلك النقوش التي عثر عليها عدد من علماء الساميات شمال الحجاز على طول طريق القوافل إلى دمشق، وأهم هذه النقوش حجر عثر عليه سنة 270م في قرية أم الجمال غرب حوران، ثم حجر آخر سمّي نقش النمارة تم اكتشافه سنة 1901م كان مؤرخًا بسنة 328م وهو خاص بامرئ القيس ثاني ملوك الحيرة، وهو نص يقول: «هذا قبر ملك العرب»، وهو الأمر الذي يشي بأن تلك الفترة شهدت إحساس العرب بكيانهم ورغبتهم في وحدة سياسية تجمعهم، خاصة مع وجود قوتي الروم والفرس اللذين فرضا نفوذهما على كثير من المناطق العربية في سلع وتدمر، وفي الحيرة في الشمال، كما هاجم الحبش اليمن واستولوا عليها في الجنوب في منتصف القرن الرابع تقريبًا، فيمكن الزعم أن كل هذه الأحداث دفعت العرب للبحث عن هويتهم، ومن الطبيعي أن تأتي اللغة على رأس ذلك البحث.

بدأ الاهتمام بمكة وتحوّل القوافل التجارية إليها، وكان من الطبيعي أن تنمو الشخصية اللغوية للعرب الشماليين تحديدًا خطًا ونطقًا، وهو ما تؤكده عدة نقوش أخرى ظهرت، كنقش زيد المؤرَّخ بسنة 512 ميلاديًا، ونقش زبد خربة اللذين يؤكدان بخطوطهما وتفاصيلهما اقتراب الملامح من اللغة العربية الفصحى، فضلًا عن نقش حران اللجا المؤرخ بسنة 568 م وقد وجد جنوب دمشق، وكل كلماته عربية.

وقد دلّ تاريخ العرب، وتاريخ الأدب فيه، أن العرب أمّة صناعتها الكلام ومفخرتها البيان، ولم تجد وسيلة لتسجيل انتصاراتها أو لتخليد مآثرها أو للتغني بأمجادها وذكر أفراحها وأتراحها إلا الشعر تنشده وترويه؛ إذ كان حظها من تجليات الحضارات الأخرى كالرسم والنقش والكتابة ضئيلا، فإذا أضفنا إلى ذلك طبيعة المحيط الجغرافي الذي عاش فيه العرب قديمًا حيث الصحراء المترامية، والفضاء المفتوح، وقلة العشب والكلأ، وندرة الماء والزاد، كان طبيعيًا أن نفهم كيف نشأ الشعر عند العرب الذين كان الرصد والتأمل أهم ملمحين من ملامح الحياة المفروضة عليهم، بعد أن كان العربي القديم مضطرًا اضطرارًا إلى أن يصغي إلى مفردات محيطه من تناوح الرياح، وتعاقب الليل والنهار، وتساقط المطر، كل ذلك في وتيرة واحدة وإيقاع ثابت لا يتغير، ولنا أن نفترض أن العربي القديم بدأ يصغي لموسيقى الكون أو الحياة مِن حوله ليهمهم بعدها بكلمات نثرية لم تلبث أن تحولت على ناقته أو فرسه لإيقاعات منتظمة، ربما ارتبطت أيضًا عنده برغبته في الغناء، وقد ورد أن العرب الجاهليين كانوا يغنّون أشعارهم، ولم يكن من الغريب أن يطلقوا على شاعرهم الأعشى مثلا لقب «صناجة العرب»، ولا أن ينشد حسان بن ثابت قائلا:

تَغنّ بالشعر إمّا كنتَ قائلَه...

إنّ الغناء لهذا الشعر مضمارُ

ولعل ارتباط مفردة «الإنشاد» بالشعر تفسّر تلك الصلة بين الشعر العربي والغناء.

ولقد يقول مؤرخو الآداب: إنّ هذا الشعر الذي وصلنا عن العرب يعود إلى قرن ونصف قبل الإسلام، وهو ما لا يتفق بالطبع مع وصول هذا الفن بصورته المكتملة إلينا؛ فلا بدّ أن تكون له أسبقية تاريخية أطول من ذلك، لكن النصوص والنقوش لا تزال شحيحة وقليلة، ولقد وردت بضع الأبيات على لسان عدد من شعراء الجاهلية تشي أنهم أنشدوا أو عرفوا أسماء شعراء ساروا على منوالهم، دون أن تتوفر لدينا معلومات كافية عن هؤلاء الشعراء، فهذا امرؤ القيس يقول:

عوجَا على الطلل المحيلِ لعلّنا ...

نبكي الديارَ كما بكى ابن خذامِ

دون أن نعرف مَن هو ابن خذام هذا؟

ويقول زهير بن أبي سلمى:

ما أرانا نقول إلا مُعارًا ...

أو معادًا من قولنا مَكرورا

كما يقول عنترة بن شداد:

هل غادر الشعراءُ من متردّم؟

لكننا نفترض أن العربي القديم، شاعر ما قبل الإسلام، لم يكن مشغولًا بعلاقة الشعر باللغة مثلما انشغل بها شاعر ما بعد الإسلام، بسبب نزول القرآن بصورته اللغوية الجديدة المختلفة تمامًا نظمًا وتعبيرًا ودلالة، ثم بسبب ظهور القراءة والكتابة، إلى أن استقرت في الذاكرة العربية، وفي الذائقة أيضًا، الصورة النهائية لشعر الفصحى عند العرب بتجليه فيما اتفق عليه باسم «المعلقات»، فضلًا عن بعض مصادر هذا الشعر كالمفضّليات والأصمعيّات، ولا يمكن فهم هذا الحضور الطاغي لشعر الفصحى العربي في التراث واستيعابه، إلا بفهم المزاج العربي الذي يمكن وصفه بأنه كان مزاجًا لغويًا بطبيعته، كما يقول المستشار عبدالجواد ياسين في كتابه «السلطة في الإسلام»:

«إن المزاج العقلي العربي كان مزاجًا لغويًا بطبيعته، فهو يبدو لنا حين نقرأ في تراثه الأدبي الأول لا سيما الشعر، كما لو كان يحب اللغة لذاتها، كانت اللغة بالنسبة له أكثر من وسيلة ضرورية للتعبير، لقد كانت هي في ذاتها فنه الأثير، وكان هو على وعي شعوري بهذه الحقيقة، يدرك على نحو من الأنحاء أن اللغة هي مجاله الحيوي، أو هي تخصصه الدقيق إن صح هذا التعبير».

هكذا نشأت اللغة عند العرب، وهكذا انبثق منها شعرها الفصيح الذي حافظ عليه أفذاذ وعباقرة العرب باتجاههم في فترة التدوين لحفظ مفردات هذه اللغة، متخذين الشعر بالطبع مرجعًا ومصدرًا لهم، وكان طبيعيًا أن تتطور الفصحى وتتأثر بالفضاء الإسلامي لتعود محافظة مرة أخرى على أصالتها وجزالتها في العصر الأموي، ولتبلغ أوج نشاطها وتألقها في الفترة الأندلسية ثم بعد ذلك في العصر العباسي.

وبالتأكيد يمكننا الآن تصور آلاف الدواوين الشعرية وآلاف الرواة الذين كانوا يروون هذا الشعر، وينقلونه من جيل إلى جيل، الأمر الذي سهّل كثيرًا بسبب طبيعة الشعر وسهولة حفظه وجريانِه على الألسنة من الحفاظ على الكلمات واستدعاء معانيها ومرادفاتها، بل إنّ كثيرًا من القصائد كانت تستدعي إلى الذهن قصائد أخرى تشبهها أو حتى تناقضها معنى أو وزنًا أو قافية، وهو ما يشبه دائرة مفتوحة لا تُغلق أبدًا تحتل فيها اللغة المركز.

ولا يتبقى الآن إلا أن يدرك العربي المعاصر التحدي الكبير الملقى على عاتقه في الحفاظ على لغته العربية من دون تعصب، وهو ما لن يكون إلا بإدراكه حجم التحديات التي تواجه هذه اللغة، ولعل أهمها تراجع الشعر في الوجدان المعاصر، واختلاط حابله بنابله، وضعف أدوات الذين يتصدون له كتابة وإبداعًا وتنظيرًا.

أشرف البولاقي كاتب مصري

مقالات مشابهة

  • رئيس هيئة حقوق الإنسان: المشاركة في مؤتمر سوق العمل العالمي تؤكد أهمية العناية بحقوق العمال وأصحاب العمل
  • "أبوظبي للغة العربية" يفتح باب التسجيل في"ورشة القصة القصيرة"
  • مركز معلومات تغير المناخ: عاصفة شمسية قوية تضرب الأرض خلال أيام.. «فيديو»
  • أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون معضلة اللغة
  • مجمع الملك سلمان العالمي يُطلق «تقرير مؤشر اللغة العربية»
  • “أبوظبي للغة العربية” يبدأ تلقي طلبات المشاركة في برنامجه للمنح البحثية
  • علي بن تميم: «عام المجتمع» رؤية حكيمة تجاه بناء مجتمع مزدهر
  • "أبوظبي للغة العربية" يستقبل طلبات "المنح البحثية"
  • «أبوظبي للغة العربية» يطلق الدورة الخامسة من برنامج المنح البحثية 2025
  • الشِّعر ديوان العربية الفصحى