هل تمكن السياسة التجارية الأمريكية الجديدة الصين من الاستحواذ على التكنولوجيا؟
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
واشنطن ,"د. ب .أ": اتخذت الممثلة التجارية للولايات المتحدة كاثرين تاي مؤخرا إجراءات يمكن اعتبارها وسيلة لتمكين الصين من الاضطلاع بدور ريادي في السباق التكنولوجي العالمي ووضع معايير دولية تدفع برؤية مختلفة للتكنولوجيا والمجتمع.
ويقول عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي السابق كينت كونراد، الذي مثّل ولاية نورث داكوتا في المجلس من عام 1986 إلى عام 2013 ، والعضو الجمهوري السابق، ساكسبي شامبليس، الذي مثل جورجيا من 2003 إلى 2015، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية إنه مع نمو الاقتصاد العالمي رقميا بشكل متزايد، يبدو أن السياسة التجارية الأمريكية الرسمية تعود إلى النظام التناظري.
ففي قرار مربك في محادثات منظمة التجارة العالمية الأخيرة، سحبت الممثلة التجارية للولايات المتحدة بنودا تجارية رئيسية من شأنها أن تضع قواعد أساسية لقضايا القرن الحادي والعشرين المهمة، مثل تدفقات البيانات عبر الحدود وتوطين البيانات وعمليات نقل شفرة المصدر.
ويرى كونراد وشامبليس أن هذا القرار "قصير النظر" يهدد بتقويض ريادة أمريكا العالمية في مجال التكنولوجيا وخنق الإبداع وريادة الأعمال، ومنح الصين ميزة حاسمة في منعطف حرج.
وقالا إن التجارة الرقمية هي شريان الحياة للاقتصاد الجديد، حيث تدعم ملايين الوظائف الأمريكية، وتمثل 55% من صادرات الولايات المتحدة من الخدمات التجارية، وتساهم بمليارات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي.
وسواء كان الأمر في مجال التمويل أو الرعاية الصحية أو التصنيع أو البيع بالتجزئة أو النقل، فإن الاتصال الرقمي يمكن الشركات الكبيرة والصغيرة من الوصول إلى الأسواق العالمية والتعاون عبر الحدود وبناء تقنيات الغد.
وعلى مدى عقود، قادت الولايات المتحدة العالم في مجال الابتكار، وكانت في طليعة الاقتصاد الرقمي. ويرى كونراد وشامبليس أن هذا "كان مفيدا للغاية لأعمالنا وعمالنا واقتصادنا بشكل عام. ومع ذلك ، لا يمكننا أن نأخذ موقفنا القيادي كأمر مسلم به. ولضمان حفاظ الولايات المتحدة على مكانتها، يجب علينا تعزيز اقتصاد رقمي عالمي عادل ومفتوح تحكمه قواعد تعكس قيمنا وتحفز الابتكار وريادة الأعمال".
وهذا هو السبب في أن الإدارات المتعاقبة، الجمهورية والديمقراطية على حد سواء، دعمت بحق القواعد الدولية التي تمكن من تدفق البيانات عبر الحدود، ومعارضة التخزين المحلي الإلزامي للبيانات، ومنع عمليات النقل الاجباري لشفرة مصدر البرمجيات.
ويرى كونراد وشامبليس أنه من خلال التراجع عن هذه المقترحات الحاسمة، يقوض مكتب الممثلة التجارية الأمريكية موقف أمريكا في تشكيل القواعد الرقمية للطريق الذي سيحكم الجوانب الأساسية للاقتصاد الأمريكي. وستحدد هذه القواعد كيفية انتقال البيانات عبر الحدود، وكيف تعمل الشركات في المجال الرقمي، وكيف تتم حماية الملكية الفكرية في عالم الإنترنت. إن قرار الممثلة التجارية الأميركية بالتخلي عن هذه المبادئ سيترك الولايات المتحدة في وضع غير موات في التفاوض على هذه القواعد الحاسمة.
ويقول كونراد وشامبليس إنه بدون ضمانات بتدفق البيانات المفتوحة إلى الخارج، ستواجه الشركات الأمريكية تكاليف تشغيلية أعلى، ووصولا أضيق إلى السوق وفرصا متناقصة جراء التضييق على الابتكار. ويضر هذا الشركات الصغيرة ورجال الأعمال بشكل خاص لأن الاتصال الرقمي يوفر الوصول إلى العملاء في الخارج.
وبالمثل، تمثل تفويضات توطين البيانات مخاطر وتكاليف أمنية لأن الشركات الأمريكية قد تضطر إلى تكرار مراكز البيانات المكلفة في كل دولة أجنبية.
واعتبر كونراد وشامبليس أن هذه المتطلبات تسمح للأنظمة الاستبدادية بالوصول المباشر إلى البيانات التجارية الحساسة عن المواطنين والشركات الأمريكية. كما يمكن لعمليات النقل الاجباري لشفرة المصدر أن تمكن الجهات الفاعلة الأجنبية، وخاصة لصوص الإنترنت في الدول المعادية، وتحديدا الصين وروسيا، من استغلال نقاط الضعف وسرقة الملكية الفكرية.
وستكون عواقب هذه الخطوة عميقة. وعلى الصعيد المحلي، قد يؤدي القرار المضلل الذي اتخذه مكتب الممثلة التجارية الأمريكية إلى إلغاء وظائف وتقويض الإبداع ورفع الأسعار بالنسبة للمستهلكين وإعاقة قدرة الشركات الأمريكية على النمو والاستثمار في المجتمعات.
ومن منظور استراتيجي أوسع، يمكن لإجراءات مكتب الممثلة التجارية الأمريكية أن تمكن الصين من القيام بدور قيادي في سباق التكنولوجيا العالمي وصياغة المعايير الدولية التي تقدم رؤية مختلفة تماما للتكنولوجيا والمجتمع، رؤية تتمحور حول الرقابة والاستبداد.
وبدون شك، تنتظر الصين بفارغ الصبر الثغرات التي يوفرها هذا القرار. وعلى مدى سنوات العقد الماضي، جعلت بكين الفوز في سباق التكنولوجيا العالمي وريادة تقنيات الجيل التالي أولوية وطنية قصوى، وخاصة الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والتكنولوجيا الحيوية، والتي تعد بتحويل كل جانب من جوانب المجتمع بشكل جذري.
وعلى هذا النحو، فقد انخرطت في التجسس وسرقة الملكية الفكرية، في حين استثمرت المليارات في إعانات الدعم الحكومية لتعزيز موقف الشركات الصينية، وخاصة في تقنيات الجيل التالي الحيوية للقوة الاقتصادية والعسكرية، بحسب كونراد وشامبليس.
لقد أعطى مكتب الممثلة التجارية الأمريكية للتو عمالقة التكنولوجيا الصينيين دفعة كبيرة.
وقال كونراد وشامبليس " إن هذا هو السبب في أننا نجتمع معا، باعتبارنا عضوين سابقين في مجلس الشيوخ الأمريكي من جميع أنحاء الطيف السياسي، لدق ناقوس الخطر وحث الإدارة على عكس مسارها قبل فوات الأوان".
وأضافا" هذه ليست قضية سياسية.إن الأمر يتعلق بحماية المحرك الحيوي الذي يدفع أمننا القومي وازدهارنا الاقتصادي وقيمنا. لا يمكننا أن نجلس على الهامش بينما تتشكل القواعد التي تحكم اقتصاد المستقبل أمام أعيننا. وبدلا من ذلك، يجب أن نفعل كما فعلنا منذ عقود وأن نتبوأ مقعدنا على رأس طاولة المفاوضات".
وقالا إنه سوف تتاح للإدارة فرصة للقيام بذلك في مجلس التجارة والتكنولوجيا القادم بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ومن الضروري أن تستغل الممثلة التجارية للولايات المتحدة السفيرة كاثرين تاي ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزيرة التجارة جينا ريموندو هذا التجمع لإعادة إعلان التزام أمريكا بتطوير معايير التجارة الرقمية التي تحمي قيمنا المشتركة المتمثلة في الانفتاح وإمكانية الوصول والابتكار وحرية التعبير.
وقال كونراد وشامبليس في ختام تقريرهما إن مستقبل القوة الأمريكية وازدهارها وبراعتها التكنولوجية يمر بمنعطف حرج.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشرکات الأمریکیة الولایات المتحدة عبر الحدود
إقرأ أيضاً:
مستقبل وقف إطلاق النار في غزة بين رهانات السياسة وتحديات الميدان
تتجه الأنظار إلى العاصمة الأمريكية واشنطن حيث من المقرر أن يعقد اجتماع مهم بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء المقبل. ووفقًا لما نقله موقع "أكسيوس" عن مسؤولين إسرائيليين، فإن مستقبل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يعتمد بشكل كبير على نتائج هذا اللقاء المرتقب، والذي وصفه مكتب نتنياهو بأنه "اجتماع تاريخي" نظرًا لحساسية الملفات التي سيتم تناولها.
تداعيات فشل الاتفاق: استمرار الحرب لعام آخر؟
كشف مسؤول إسرائيلي لـ "أكسيوس" أن عدم التوصل لتفاهمات واضحة خلال هذا الاجتماع قد يعني استمرار الحرب في غزة لمدة عام إضافي، مما يعكس حجم التعقيدات المحيطة بالوضع الأمني والسياسي في المنطقة. وأضاف أن المرحلة الثانية من الاتفاق متوقفة على مدى التفاهم بين الطرفين بشأن قضايا محورية مثل الوضع في غزة وقضية الأسرى.
صرح نتنياهو قبيل مغادرته إلى الولايات المتحدة بأنه سيناقش مع الرئيس ترامب القضايا الحرجة التي تواجه إسرائيل، مؤكدًا على أهمية تحقيق "النصر الكامل على حركة حماس" واستعادة جميع الأسرى الإسرائيليين. وأشار إلى أن العمل المشترك مع الإدارة الأمريكية يمكن أن يسهم في تعزيز أمن إسرائيل وتوسيع دائرة التطبيع مع دول أخرى في المنطقة.
المحور الإيراني في قلب المباحثات
لم يقتصر جدول أعمال الاجتماع على الملف الفلسطيني فقط، بل سيتطرق أيضًا إلى جميع مكونات المحور الإيراني، في ظل تصاعد التوترات الإقليمية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني والنفوذ المتزايد لطهران في الشرق الأوسط. وأكد مكتب رئيس الوزراء أن هذا اللقاء سيشكل محطة فارقة في تنسيق الجهود بين تل أبيب وواشنطن لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة.
يحمل هذا الاجتماع طابعًا رمزيًا قويًا، حيث سيكون نتنياهو أول زعيم وطني يلتقي ترامب بعد تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة. وهو ما يعكس متانة العلاقات بين البلدين ودور إسرائيل المحوري في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، خاصة فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط.