سودانايل:
2025-03-15@05:58:02 GMT

سجناء العقلية القديمة في كل شيء

تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT

السياسيين السودانيين الذين يتمسكون بالأفكار والممارسات القديمة التي لا تتناسب مع الواقع الحالي والمطالب الشعبية, لا اعلم لماذا هذا التكلس والغيبوبة عن الأحداث علي الساحة السياسية, السودان مر بعدة تحولات سياسية واجتماعية منذ استقلاله عام 1956، ولكن بعض السياسيين لم يتغيروا مع التغييرات، وظلوا يعتمدون على الأيديولوجيات والمناهج والتحالفات القديمة التي أثبتت أخفق تحقيق الاستقرار والتنمية والديمقراطية في البلاد, هؤلاء السياسيين يعانون ممّا يسمى بـ"سجناء العقلية القديمة"، وهو مصطلح يعني أنهم لا يستطيعون التفكير خارج الصندوق، ولا يقبلون بالتجديد والتحديث والتعلم من التجارِب والأخطاء، عدّ أنفسهم أصحاب الحق والحكمة، ويحاولون فرض رؤيتهم على الآخرين بالقوة أو الخداع أو الإقصاء, هذه العقلية تؤدي إلى الجمود والتخلف والانحطاط والانقسام والصراع في المجتمع السوداني، وتعرقل عملية الانتقال الديمقراطي الذي بدأت بعد ثورة ديسمبر 2019 التي أطاحت بنظام البشير الديكتاتوري، والتي تهدف إلى بناء دولة مدنية وحديثة ومتعددة الألوان والثقافات والمعتقدات , لذلك، يجب على السياسيين السودانيين السجناء تحرير أنفسهم من العقلية القديمة، والتخلي عن المفاهيم والممارسات التي لم تعد صالحة للزمن والمكان، والانفتاح على الأفكار والمبادرات الجديدة التي تلبي حاجات وتطلعات الشعب السوداني، والمشاركة بإيجابية ومسؤولية في عملية البناء الوطني، والتعاون مع القوى السياسية والمدنية والعسكرية والإقليمية والدولية التي تدعم السودان في مسيرته نحو السلام والحرية والعدالة ماهي أسباب فشل السودان في بناء دولة مؤسسات وقانون تحترم حقوق المواطنين وتضمن العدالة والمساواة
هنا نجد الموضوع واسع ومعقد، ويمكن النظر إليه من زوايا مختلفة السودان هو بلد متنوع جغرافيًا وعرقيًا وثقافيًا ودينيًا، ولكنه لم يتمكن من تشكيل هُوِيَّة وطنية موحدة تجمع بين مختلف مكوناته، ولم يتمكن من إقامة نظام سياسي شامل وديمقراطي يظهر تعددية المجتمع ويحقق التمثيل العادل للجميع السودان عانى من تاريخ طويل من الاستعمار والاستبداد والحروب الأهلية والانقلابات العسكرية، والتي أثرت سلبًا على تطور مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، وأدت إلى تفكك النسيج الاجتماعي والوطني، وانتشار الفساد والمحسوبية والمناطقية والعنصرية في الحياة العامة السودان شهد عدة محاولات للتحول إلى الديمقراطية، ولكنها كانت دائمًا قصيرة الأمد وغير مستقرة، ولم تتمكن من حل المشاكل الأساسية التي تعيق التنمية والسلام، مثل قضية الجنوب ودارفور والمناطق المهمشة، وقضية العلاقة بين الدين والدولة، وقضية توزيع السلطة والثروة بين المركز والأقاليم و السودان تعرض للتدخلات والتأثيرات الخارجية من قبل الدول الإقليمية والدولية، والتي لعبت دورًا في تشكيل مسار السياسة والصراع في البلاد، ولم تكن دائمًا تخدم مصالح الشعب السوداني وتطلعاته نحو الحرية والكرامة والعيش الكريم كنت أقرأ في مدونة لعالم أسلامي عزير الثقافة الاسلامية منطقي الطرحى وواقعي المقارنة في أمر عن سلفية الفكر أذا أبتدر حديثه عن مبدأ السفلية أذا كتب (ما هي السلفية؟ هي تاريخياً رواية ومشروع للإصلاح العقائدي والاجتماعي، كانت في البداية رداً على ما اعتبرته انحرافاً في فهم العقيدة الإسلامية وفي تأويلالنصوص بداية مع الإمام أحمد بن حنبل، مؤسس أحد المذاهب الأربعة السنية الأساسية، ثم تبلورت وتقعّدت مع الفقيه الحنبلي ابن تيمية وابن قيم الجوزية.

بعد ذلك بقرون استعادت حيويتها على يد محمد بن عبد الوهاب لتقاوم أشكال الوثنية والانحراف التي تسربت فعلاً لعقيدة التوحيد وقواعد التعبد. ثم تحولت إلى أرضية فكرية لمعظم حركات الإصلاح الفكري والسياسي التي شهدها العالم الإسلامي سواء على أيدي جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، أو في مرحلة لاحقة، وفي سياق مختلف مع حسن البنا وحركة الأخوان المسلمين
وما تفرع عنها وتأثر بها من تيارات واتجاهات متعددة) وأنطلق الي لمراحل التي انتعشت فيها السلفية، فهي تحركت على الدوام ضمن مربع معرفي رسم أصول التفكير وقواعد السلوك ضمن أضلاعه تمثلت بـالتاريخ، النص، العقيدة، والآخر, التاريخ وبما أن السلفية هي اشتقاق من السلف فهي أحاله إلى (أفضل العصور وأولاها بالاقتداء والاتباع) فالماضي هو المنطلق والمرجع لسببين الأول إن التاريخ هو ذاكرة الشعوب ومستودع تجاربها وخبراتها ووعيها ولا يجوز بالتالي الانقطاع عنه، لأننا لو أردنا ذلك لن نستطيع، فهو كامن فينا حتى ولو لم نع به، مهما بالغنا في الحديث عن أهمية القطيعة المعرفية، والابيستيمولوجية و الثاني نزول الوحي على محمد –ص – في تاريخ ومجتمع محدد له لغته ومقاييسه، بحيث لا يمكن فهم الإسلام وتمثل مقاصده إلا من طريق الرجوع ودراسة تلك المرحلة التأسيسية في حياة الأمة وما نتج عنها من تحولات
عند ما نتكلم عن العقيدة لا شك أن السلفية في نشأتها كانت دعوة للدفاع عن نقاوة العقيدة وصفائها، بدءًا بعقيدة التوحيد وكل ما له عَلاقة بالغيب، وبالرسول اتباعًا واقتداء، وصولًا إلى كيفية التعبد بعيدًا عن البدع وكل مظاهر الشرك, وهي بهذا لعبت دوراً تحرريًا هامًا من خلال مواجهتها لشرسة لكل مظاهر التخلف والجهل التي سادت في مراحل متطاولة، كعبادة القبب والتبرك بالموتى والاعتقاد في السحر والخوارق والخرافات وتشويه صورة العلاقة بالله وبالرسول، وهي مظاهر لا يزال الكثير منها سائداً حتى اليوم، يسطح الذهن ويقدم أنماط لا عقلانية من السلوك والنظر للعقائد والظواهر الطبيعية والاجتماعية عملت السلفية على إزالة كل الوسائط التي صنعها الناس ومعتادوها في علاقتهم بالله، وإعادة الدين إلى بساطته وأصوله , وصراع السلفية مع الصوفية قديم، وما حصل في المغرب في الحرب التي خاضها عبد الكريم الخطابي، وفي الجزائر مع عبد الحميد بن باديس كشف عن العُلاقة القوية التي ربطت مشايخ الصوفية بالاستعمار الفرنسي، وأدى إلى مواجهة شملت المجالين الثقافي والسياسي، مما سحب الشرعية عن عدد كبير من الزوايا والمشايخ المؤثرين في مشاعر أغلبية سكان الأقاليم وبعض المدن, و لكن المأزق تبلور عندما وقفت السلفية عند حد الدفاعات العقائدية، فمَا حصل هو نوع من الفرز العقائدي لم يتطور باتجاه إعادة إنتاج علوم متجددة للدين وأصول الفقه والتربية في ضوء حركة الواقع المتغير والمعاش وقوانين الطبيعة والمجتمع كذا أصبح التفكير السلفي حبيس الفكر العقائدي الضيق، مما ضخم الحساسية العقدية لبعض السلفيين فجعلهم أسرى لشكليات التدين وقضايا الغيب كالزي واللحية وأسلوب الكلام وحدود العَلاقة بالمرأة وكيفية دخول البيوت وطريقة
الحياة عبر تصميم قالب محددها , وبدل أن تنتج الحالة السلفية كعملية لتطهير وتبسيط العقائد، وحالة تحرر وانطلاق، أنتجت عقلية إقصائية نمت بشكل مطرد، وأدخلت الفرز العقائدي إلى جانب الفرز الحاصل سياسياً واجتماعياً، الأمر الذي أدى إلى تعميق التجزئة، في الوقت الذي رمت المقاصد السلفية إلى التوحيد ، فظهرت فرق وطوائف تدعو للمفاصلة والتميز بكل الوسائل لأن النتيجة الطبيعية للفرز العقائدي ، أن ينقسم الناس إلى فسطاتين ، الكفر والإيمان ، ولا منزلة وسطى بينهما إشكالية الآخر كانت البداية مواجهة مع رواسب المعتقدات المنحدرة عبر الديانات الأخرى التي امتزج معتنقوها في الفضاء الإسلامي ، وكانت الدعوة في هذا الوسط الجديد تقتضي مقاربة معرفية تعتمد مناهج جديدة في الجدل الديني ، فظهرت تيارات إسلامية تعتمد البرهان العقلي والاستدلال المنطقي كالمعتزلة والفلاسفة ، بدل المنهج النصوصي ، في مناخ هذا الحراك الفكري استشعر السلفيون الخطر ، فتحول الآخر هنا إلى خصم ، ولأن السلفية حركة دفاع عن صفاء العقيدة ضد آخرين ينوون تحريفها وتوظيفها في آفاق فكرية أخرى مغايرة لطبيعة الدين ومناقضة لظاهره ، تحول المعتزلة والفلاسفة ثم أهل التصوف والشيعة إلى خصوم و” آخر قوم من جلدتنا ويتكلمون لغتنا ” هكذا اتسعت دائرة الخصوم لتشمل عند بعضهم حتى أصحاب المواقف الوسط كالأشاعرة
وفي العصر الحديث كان للحركات السلفية فضل السبق في تفجير الثورات الأولى ضد الاستعمار الغربي الأوروبي والتي بدأت كنضال مسلح ثم استقرت كنضال سياسي أخذ طابع المقاومة العقائدية التي تقوم على التعارض الكامل بين عقيدة الإسلام وعقيدة الغرب، وبالتالي فهي جهاد بين معسكري الإيمان والكفر، وهكذا تكونت عقيدة الولاء والبراء سياسياً واكتست المعركة بينهما صبغة الحرب الدينية الحضارية
من ابرز نتائج هذا الصراع إبراز التناقض المعرفي والثقافي مع المشروع الغربي وتعزيز الروح الجهادية وتحصين الأمة ضد محاولات التغريب والتنميط الثقافي باسم وحدة الحضارة وتفوق المركز الأوروبي ولكن المشكلة أن الآخر الخارجي اتسع أيضاً لتشمل دائرته الكثير من قوى الداخل ضمن الدائرة الإسلامية من ليبراليين وعلمانيين ويساريين وقوميين ، بل وحتى إسلاميين متنورين ، ونتج عن ذلك حالة من التجاذب داخل الساحة الإسلامية بين التيار السلفي وجميع القوى المختلفة بطروحاتها وأفكارها واجتهاداتها والتي أصبحت ترمى بشتى التهم التكفيرية ، مما سوغ للبعض أن يتجه نحو العنف واستخدام السلاح ضدهم
وعلى الرغم من أن التيار النهضوي الذي بدأت إرهاصاته الأولى مع الطهطاوي وخير الدين التونسي، ثم الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي، اتخذ نهجاً إصلاحياً وعقلانياً إلا أنه يمكن القول انه بقي في الإطار العام سلفي الاتجاه، فهو يتمسك بضرورة العودة إلى الكتاب والسنة كإطارين مرجعيين لا يجوز الاستغناء عنهما، وهو أيضاً بقي يولي الاهتمام للمسألة العقائدية وضرورة تطهير المعتقدات من مظاهر الشرك والخرافة، وخاض مواجهات فكرية مع الغرب تشككاً في نواياه تجاه الثقافة الإسلامية وقيمها
تمكن هذا التيار الذي يمكن تصنيفه بالسلفي الإصلاحي المتنور من تقديم قراءة مغايرة لما قدمته السلفية التاريخية التقليدية، قامت على نوع من التنظير التوفيقي بين العقل والنص، على عكس العداء التاريخي الذي استحكم بين أهل النص وأهل الرأي، أدت في بعض المجالات إلى تقديم الاستدلال العقلي على الاستدلال النقلي يعتبر الإمام رشيد رضا في هذا المجال شخصية مميزة، فهو جسد بالفعل نموذج المثقف القلق في ذلك العصر وهذا ايضا فهو بدأ حياته متبنياً لأطروحات السلفية الإصلاحية المتنورة تلميذاً مخلصاً لأراء أستاذه الإمام محمد عبده، لكنه ومع تصاعد التحديات الاستعمارية أخذ اتجاه التشدد والمحافظة والانحياز الصريح إلى التفكير السلفي التقليدي وانتهى إلى تبني طروحات ابن تيمية والوهابيين عامة باعتبارهم من الحنابلة الذين عزفوا عن كل تأويل ومغالاة في استعمال العقل وآمنوا بالتنزيه عند البحث في الصفات الألوهية، معتبراً الوهابيين يمثلون الامتداد التاريخي لتيار أهل السنة والجماعة قديماً، خاصة بعدما أعلن ابن سعود عن عقد مؤتمر إسلامي عام بمكة سنة 1926م للتباحث في قضايا الدين وواقع الأمة الإسلامية , هنا نري التمزق الفكري ما بين ما تحمل أفكار من جديد العلوم وذلك للمعاصرة والتمكن من التعايش مع صراع الصراع
الحضارة والمجايلة أو قل أحداث أثر تنويري ويشهد التاريخ السوداني دوما فشل التجارب الديمقراطية بسبب قيام فصيل مدني بدعوة الجيش صراحة إلى الانقلاب كي يُزيح فصيلا بعينه مناوئا له, فقد شهدت أول ديمقراطية في السودان عقب الاستقلال إجهاضها على يد المدنيين أنفسهم، عقب الصراع الذي نشب داخل الحزب الحاكم ودعوة العسكريين للانقلاب وانتهى بانشقاق ، علاوة على أن بقية الأحزاب السياسية التي انشغلت بالمناصب حينها فشلت في حسم الملفات المصيرية للبلاد، وهي نفسها الأزمات التي واجهت تجمُّع المهنيين وقوى الحرية والتغيير خلال فترة الانتقال وتعقيدات الاوضاع السياسية , لذلك نجد أن أغلب الساسة سجناء لعقلية قديمة في التعاطي مع قضايا الشأن العام وبل غرقوا في عالم المقولات القديمة والتجارب الفاشلة .

zuhairosman9@gmail.com
//////////////////  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك

#سواليف

أنا السجّان الذي عذّبك

#الشيخ_كمال_الخطيب
✍️إنه #الحبيب_محمد ﷺ صاحب الخلق العظيم {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} آية 4 سورة القلم، وهو الذي بعثه ربه سبحانه ليتمم مكارم الأخلاق “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. ولأنه كذلك ﷺ فإنه أحب أن يكون المسلمون على نهجه وعلى خلقه ﷺ {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} آية 21 سورة الأحزاب. لقد أحب الخير ودعا الناس إليه، وكره الشرّ ونهى الناس عنه، حتى أنه صنّف الناس إلى صنفين اثنين لمّا قال: “إن من #الناس #مفاتيح_للخير #مغاليق_للشر، وإن من الناس مفاتيح للشرّ مغاليق للخير فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشرّ على يديه”.
✍️نعم، إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشرّ، فتجد أحدهم مثل الطيب والمسك لا تسمع منه ولا ترى منه إلا كل خير، ولا يكون منه إلا ما يسرّك، هيّن ليّن سهل متسامح يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. إذا حدّثك اطمئن قلبك إليه، يشعر بشعور الآخرين، يتحدث عن الأمل والتفاؤل، يتنازل عن مصلحته الشخصية من أجل الصالح العام، إذا دُعي إلى فضيلة لبّى واستجاب، وإذا دُعي إلى رذيلة كأن في أذنيه صممًا.
✍️وبالمقابل، فإن من الناس مفاتيح للشرّ مغاليق للخير، فتجد أحدهم مثل نافخ الكير تتأذى منه كلما اقتربت منه، فظّ غليظ، فاحش في القول، يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، إذا حدّثك عرفته في لحن القول {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} آية 30 سورة محمد. فلا تطمئن لكلامه، وعندما تشعر بالريبة في كل ما يقول لا يهمّه إلا نفسه، شعاره في الحياة “أنا وليذهب غيري إلى الجحيم”، تجده دائمًا محبطًا سوداويًا متشائمًا، إذا دُعي إلى فضيلة تجاهل وتغافل، وإذا دُعي إلى رذيلة كان سبّاقًا إليها.
✍️إن الذين هم مفاتيح الخير مغاليق الشرّ يكون أحدهم كالعافية والبلسم لجراح الناس وآلامهم، إذا تكلّم نفع ورشد، وإذا طُلب منه النصيحة أخلص فيها وصدق. سبّاق لعمل الخير بما يرضي الله تعالى، هو مفتاح خير وسفير هداية، مغلاق شرّ، صمام أمان لأهله ومجتمعه، جنّد نفسه في حزب الرحمن لنشر الخير والفضيلة، فجعل نفسه مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ.
✍️وأما الذين هم مفاتيح الشرّ مغاليق الخير، يكون أحدهم كالداء والعلة، هو محضر سوء حيثما كان، إذا اجتمع بجلسائه شغلهم بما يضرهم ولا ينفعهم، يشقيهم بالقيل والقال، سيء المعاملة، إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها، إذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالإثم، جعل نفسه جنديًا في حزب الشيطان لنشر الفتن والفساد والرذيلة، فجعل نفسه مفتاحًا للشرّ مغلاقًا للخير.
????المسامح بطل
✍️وإن من أعظم الأخلاق التي إن وُجدت في شخص، فإنها تضعه في خانة مفاتيح الخير ومغاليق الشرّ، إنه خُلق العفو عن الناس والتسامح معهم. فالعفو هو أن تصفح عمن أخطأ بحقك وأساء إليك مع قدرتك أن ترد بالمثل، ولكن ولأنك مفتاح للخير، فإنك تعفو وتصفح وهذا يرفع قدرك بين الناس ويعوضك الأجر في الآخرة ربّ الناس سبحانه. يقول النبي ﷺ: “ينادي منادٍ يوم القيامة، ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، قال: ومن الذي أجره على الله؟ قال: العافون عن الناس”.
إنه مفتاح الخير محمد ﷺ يعلمنا خلق العفو بقوله: “صل من قطعك، واعف عمّن ظلمك، وأحسن إلى من أساء إليك”.
✍️فإذا كنت تريد أن تكون من هؤلاء الذين أجرهم على الله، فاعف واصفح عمن أساء إليك أو أخطأ بحقك أو قصّر معك، ألم يقل الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى.
سامح صديقك إن زلّت به قدم فليس يسلم إنسان من الزلل
✍️فأن تصبر على من أخطأ بحقك، وأن تعفو عمّن ظلمك، وأن تعطي من حرمك، وأن تصل من قطعك، هذه أخلاق الرجال الأبطال مفاتيح الخير، وهي التي توصل أصحابها إلى أعلى الدرجات يوم القيامة.
✍️ إن الناس الطيبين هم مفاتيح الخير والعملة الذهبية الأصيلة وليست المزيفة، هم الذين إذا أسيء إليهم فيتوعّدون بالانتقام، ولكنهم سرعان ما تخبو ثورة غضبهم فيعودون إلى أصالتهم، فعندما تأتيهم فرصة الانتقام ممن أساء وتطاول عليهم، تصرخ في ضمائرهم وفي قلوبهم نزعة الخير تنادي {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى. وأي تسامح أعظم من تسامح الخالق عز وجل عندما يقول: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} آية 22 سورة النور.
✍️ إن مفاتيح الشرّ مغاليق الخير من الناس، هم الذين في أقوالهم وأفعالهم وحديّتهم بين الناس يشيعون أن العفو والتسامح هو سلوك الضعفاء والجبناء، ويزرعون هذا في سلوك أبنائهم ومن حولهم، ويتجاهل هؤلاء سلوك وهدي أشجع الرجال سيّدهم محمد ﷺ يوم فتح مكة وقد أصبح رجالات قريش الذين ظلموه وأساءوا إليه وشتموه وطعنوا في عرضه وسلبوا ماله وهجّروه من بيته، وكان بإمكانه أن يُعمل السيف في رؤوسهم، لكن ولأنه كان مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ فما كان منه إلا أن قال: “يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم قالوا: خيرًا، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء”.
✍️ يروى أن أعرابيًا جيء به إلى السلطان يحاكمه على تهمة اتهم بها، فدخل على مجلس القضاء وهو يقول: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} آية 19 سورة الحاقة. فقيل له: إن هذا سيقال يوم القيامة وليس في الدنيا، فقال: والله إن هذا اليوم شرّ من يوم القيامة، ففي يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي وأنتم اليوم جئتم بسيئاتي وتركتم حسناتي.
✍️ نعم، ما أجمل وأعدل أن لا ترى في الآخرة أنه كومة من الشرّ والسلبيات، وأنه رغم ما فيه من سلبيات وسيئات، لكن لعلّ فيه حسنات وفضائل تُذكر بها. وما أجمل أن يكون هذا منطق وروح التعامل مع ابنك ومع زوجتك ومع جارك ومع الناس أجمعين، فإن كان منهم ما يسيء، فتذكر أن فيهم كثيرًا مما يفرحك. وما أجمل ما قاله في ذلك الإمام الشافعي:
سامح أخاك إذا خلط منه الإصابة والغلط
وتجاف عن تعنيفه إن زاغ يومًا أو قسط
واعلم بأنك إن طلبت مهذبًا رمت الشطط
من الذي ما ساء قطّ ومن له الحسنى فقط
✍️وما أجمل ما ورد في قصة المسيح عليه السلام مع تلاميذه يوم مرّ على كلب أسود مّيت على جانب الطريق، فقال أحدهم: ما أنتن ريحه. وقال آخر: ما أطول مخالبه. وقال ثالث: ما أشد سواد شعره. فقال لهم عيسى عليه السلام: وما أشدّ بياض أسنانه”. أي أنه بجانب ما تأذيتم به منه فإن فيه ما يُمدح.
✍️قال ابن القيم رحمه الله: “يا ابن آدم إن بينك وبين الله خطايا وذنوبًا لا يعلمها إلا هو، وإنك تحب أن يغفرها الله لك، فإذا أردت أن يغفرها الله لك، فاغفر أنت لعباده، وإذا أحببت أن يعفوها عنك فاعف أنت عن عباده”.
???? النبيل ليس ذليلًا
✍️ما أعظمه خلق العفو والتسامح الذي أحب الله سبحانه من يتخلّق به لأنه صفة من صفاته، فهو “العفو” جلّ جلاله، وهو “الغفور” سبحانه، وهو الذي يتخلّق به عباده. إنه أفضل دعاء في أفضل ليلة هي ليلة القدر، وقد قالت أمنا عائشة رضي الله عنها لرسول الله ﷺ: “يا رسول الله أرأيت إن أدركتني ليلة القدر ما أقول؟ قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”. وقد ورد في صحف إبراهيم أن الله سبحانه يقول: “يا ابن آدم وعزّتي وجلالي لا بد لك من الورود إليّ والوقوف بين يدي، أعدد لك أعمالك وأحسن لك أقوالك، حتى إذا أيقنت بالبوار وظننت أنك من أصحاب النار قلت لك: لا تحزن يا عبدي فلأجلك أسميت نفسي العزيز الغفار”.
✍️ نعم، إن التسامح وإن العفو هو من سلوك وشيم أصحاب النفوس الكبيرة والعالية، بينما الحقد والانتقام هو من شيم أصحاب النفوس الدنيئة التي تتمتع بعيش الوحل والطين والأحقاد، حيث الانشغال بالأمور التافهة وتضييع الأوقات وهدر الطاقات على سفاسف الأشياء، بينما التسامح يفتح أبواب الراحة والطمأنينة وسكينة النفس، كما قال الإمام الشافعي:
لما عفوت لم أحقد على أحد أرحت نفسي من همّ العداوات
وقال أحدهم: “لا ينبل الرجل، أي لا يكون نبيلًا حتى يكون فيه خصلتان: الغنى عمّا في أيدي الناس، والتجاوز عمّا يكون منهم”.
✍️ إن أصحاب النفوس الكبيرة المشغولة بقضايا شعبها وأمتها ودينها، والمشغولة بهمّ الآخرة ودخول الجنة والنجاة من النار، لا يسمحون لأنفسهم أن يجرّهم إلى مستنقع الوحل والطين والأحقاد والعداوات أحد من الخلق، ولا يقع في فخ الأعداء ومخططاتهم باسم العائلية وغيرها من العصبيات. ولذلك فإن ديدنهم هو التسامح وعدم الوقوف عند انشغالات الصغار الذين لا يرون من الدنيا إلا أنفسهم، ولا ينظرون إلا إلى موطن أقدامهم، فهناك يبدأ التاريخ وهناك يتوقف.
✍️كان مما اشتُهر عن شيخ الإسلام ابن تيمية وقد كان له خصوم حسّاد، فكان يقول: “من ضاق صدره عن مودتي وقصّرت يده في معونتي كان الله في عونه وتولى جميع شأنه، وإن كل من عاداني وبالغ في إيذائي، فلا كدّر الله له صفو أوقاته ولا أراه مكروهًا في حياته”.
✍️ وقبل شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه العظيم أحمد بن حنبل رحمه الله ورضي الله عنه، فيروى أنه كان في مرض الموت فسمع رجلًا مسنًا على باب بيته يبكي كما تبكي النساء، فلمّا دخل على الإمام أحمد زاد من بكائه وقال: كنت أنا السجّان الذي عذّبك لمّا كنت في السجن في فتنة خلق القرآن، وإني أتيتك الآن راجيًا أن تسامحني وتعفو عني. فما كان من الإمام أحمد إلا أن بكى لبكائه ودعى الله أن يغفر له وإن كان مرّ على ذلك سنون طوال. فسأله ابنه كيف تستغفر له يا أبتي وهو الذي عذّبك وأهانك وآذاك؟ فقال الإمام أحمد: ماذا ينفعك يا بني أن يُعذَّب أخوك بسببك؟ ألا تعلم قول الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} آية 40 سورة الشورى. ألا تعلم يا بني أنه إذا كان يوم القيامة وجثت الأمم بين يديّ رب العالمين نودوا ليقم من كان أجره على الله، فلا يقوم إلا من عفا في الدنيا وإني لأرجو الله أن أكون واحدًا منهم.
✍️ هل هناك عطاء أعظم من عطاء الله لأصحاب خلق العفو والتسامح لما جعل جزاءهم ليس إلا جنّة عرضها السماوات والأرض، كما قال سبحانه: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} آية 133- 134 سورة آل عمران.
✍️فكن ممن أجره على الله، وكن من العافين عن الناس، وكن من رهط محمد ﷺ {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} آية 29 سورة الفتح. وكن مفتاحًا للخير مغلاقًا للشرّ.
كن مسلمًا وكفاك بين الناس فخرًا.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة مهم من مؤسسة المتقاعدين العسكريين 2025/03/14

مقالات مشابهة

  • باق أسبوعين.. تحذير هام لأصحاب عدادات الكهرباء القديمة قبل العيد
  • سامسونج توسع نطاق One UI 7 التجريبي للهواتف القديمة
  • السوداني يعلن قتل الإرهابي عبد الله مكي الذي يشغل منصب والي العراق وسوريا
  • رحيل رئيس نادي صلاح الدين الرياضي
  • الشيخ كمال الخطيب يكتب .. أنا السجّان الذي عذّبك
  • الكويت تفرج عن سجناء أميركيين لديها
  • من مصر القديمة إلى المطابخ العصرية.. إليك فوائد الزبيب المدهشة
  • العاشر من رمضان.. النصر الذي هزم المستحيل
  • النائب العام يوجه بالإفراج عن عدد من السجناء في احتياطي هبرة
  • النائب العام يوجه بالإفراج عن سجناء من احتياطي هبرة