فض الاعتصام يوم حداد سنوي عليكم التطهر فيه من آثامكم سنوياً يا قوات الشعب المسلحة .. بقلم / عمر الحويج
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
(كتبت هذا المقال في الذكرى الأولى لمجزرة فض الاعتصام وكان بتاريخ 9 يونيو 2020م ، وتم نشره في عدد من المواقع ، أذكر منها سودانايل وسودانيزاونلاين وموقع الراكوبة ، وربما غيرها من المواقع الإلكترونية . وأعيد نشره اليوم 19ديسمبر فى الذكرى الخامسة للثورة السودانية "القرن عالمية" الخالدة)
ما ظل يهزني ، ويهد كياني ويتركني نهباً لأفكاري ، ووساوسي ، التي يحبطها ويحيطها بألوان الأسى والحسرة والفجيعة، ويحيل مسيرة يومي إلى هموم تثقل الصدر والقلب والعقل ، هي مشاهدة الفيديوهات التي نقلت لنا والعالم بالصوت والصورة ، بشاعة وفظاعة وشناعة ، ما جرى في فض إعتصام القيادة العامة ، حيث تتجاذبني حالتان من الغضب المؤرق والقاتل البطئ ، الذي لا يفش الغبينة منه ، إلا القصاص من هؤلاء القتلة .
الحالة الأولى من الغضب ، وهو لو تدرون غضب عارم تجاه اولئك الكبار القابعين مع أسرهم وأولادهم وبناتهم يتهنون بدنياهم الفانية ، ويتهادون ويتوادون ويتناوبون على زوجاتهم ، المثنى والثلاث والرباع ، وخليلاتهم ، وما ملكت إيمانهم ، لمزيد من المتعة حلالها وحرامها ، وتتويجها بالعيال زينة الحياة الدنيا ، وزينتها من المال المنهوب ، ويبيدون فيها تلك اللحظات ، عيال الآخرين بكل برودة البال المرتاح ، ودون أن يرمش لهم جفن ، ولا يحسون بوخز الضمير ، لما إقترفته قراراتهم وأوامرهم وأياديهم ، من إنتهاكات لحقوق الإنسان وإهدار القيم ، كما لم يشهدها بشر إلا في عهود الفاشية والنازية والخمير الحُمر ، وآيات الله ملالي إيران ، مرفق بهم الهولاكية التتارية ، ولا تهتز لهم شعرة ، من فظاعة قرارهم بفض الإعتصام .
أما الغضب الآخر ، فمن هؤلاء اللابشر ، الذين نفذوا هذه القرارات ، وتجاوزوا طريقة التنفيذ ، بما لايمكن أن يمارسه صاحب عقل وضمير ، ولا حتى حيوانات الغابة ، لايمكن لها أن تمارس عنفها ضد بعضها البعض بهذه الطريقة الوحشية ، ومن يدعي أنهم فقط إنصاعوا لأوامر رؤسائهم ، لن يكونوا صادقين ، كما لن يعفيهم هذا من جرمهم ، فحتى لو مارسوا القتل الجماعي حسب الأوامر ، لقلنا أنهم نفذوا التعليمات التي تلقوها ، ولكن التفاصيل التي مارسوا بها التعليمات تجعلهم شركاء من الدرجة الأولى ، مثلهم مثل من أعطاهم الأوامر .
من أين أتى هؤلاء اللاناس اللا بشر . هنا يصدق فيهم ، قول راحلنا الطيب صالح ، وإن إختلفت الرؤى في البحث عن إجابة سؤال الطيب صالح ، إلا أن هؤلاء الذين يسمونهم قوى أمنية ليسوا كذلك ، فهم فاقوا سؤال كاتبنا من أين آتى هؤلاء الناس إلى اللاناس اللابشر ، وإن كانوا من ذات المنشأ الأول ، ولكنهم تعدوا وصف الناس ، فهؤلاء بالتأكيد فصيلة من الكائنات شبه الحية ، تكوينها من جينات مرت بطفرات دراكولية ، صممت خصيصاً لهذه الصناعة البشعة في السودان ، كما صنع لنا الانجليز سجائرنا في أيام إستعمارنا ، وعجائبنا المتعددة .
أحكي لكم في زماننا حين شبابنا ، ونحن نعارض نظاماً عسكرياً ، وكنا يفعاً ، كما جيلنا الراكب راس ، وكان ذلك النظام يدافع عن نفسه، كما كل نظام ديكتاتوري ، لكن الفرق كان في أدواته ، فقد كانواُ ، بشراُ أدوات التنفيذ ، القوات الأمنية ، كانوا لم يئن أوان طرح سؤال راحلنا الطيب صالح عليهم بعد ، فقد كانوا ، لازالوا هم الأهل والأقارب والجيران ، أما أولئك الذين طرح عليهم الطيب صالح سؤاله فقد كانوا حينها تحت التدريب اللا بشري ، يتحسسون مسيرتهم ، التي وصلوها ليلة إنقلابهم الأول ، في جمعة يونيو 89 ، بعدما تشرنقت فصيلتهم ، خرج الينا الشر من قمقمه ، وظل يفرز سمومه فينا حتى يومنا هذا .
قلت أن نظام عبود كان يدافع عن وجوده بأوامر يصدرها لعساكره ، بتراتبية مهنية ، وهم يحملون نفس التسمية قوات أمنية ، لكن أنظروا الفرق .
في حادثة حدثت لي شخصياً ، "لم يحكها لي أحد " استطراد خفيف عفواً ، تذكرون قولة المخلوع المشهورة ، وعلى فكرة بالصدفة بعد الرجوع لكبسولاتي ، وجدت واحدة ، بتاريخها ولحظة كتابتها، لم تتعدى اللحظات عند سماعها من فم المخلوع ، فقد كنت أول من قبضت عليه متلبساً بتلك المقولة الهزلية الغبية ، والتي سارت بها الركبان ، فأذعتها بعد لحظات من سماعها ، فأحسست بأني فشيت غبينة بطني ذلك اليوم من نظامهم وتسقط بس .
عفواً هذا استطراد عابر ، دعوني أعود لحادثتي تلك المعنية،بغرض المقارنة ، فقد كان عبود وطغمته الفاسدة ونظامه الديكتاتوري ، برغم أولئك الذين قابلوه وهتفوا له "ضيعناك وضعنا وراك" تلك الكانت في الأصل موجهة رفضاً للحكام الجدد أكثر مما هي موجهة اليه شخصياً ولحكمه ، أليس كذلك ياعثمان ميرغني ، وعفواً للخروج عن النص ، فالذكريات تتداعى . فقد كان عبود يدافع عن نظامه بذات الأجهزة الأمنية ، التى أكلها سوس الكيزان فيما أتى من زمان . ففي تجمع طلابي التأم ضد نظامه ، خرجنا طلاب وطالبات جامعة القاهرة فرع الخرطوم في مظاهرة عاتية قبيل سقوط النظام ، وقبل بداية إندلاع ثورة اكتوبر ٦٤م ، هاجمتنا الشرطة من خلفنا ، وتفرقنا أيدي سبأ ، وأنا أهرول مع المهرولين ، فاذا بي " أتكعبل" وأقع واطه ، علماً بأني كنت أحسب نفسي من الرياضيين ، حيث لعبت كرة القدم ، التي أوصلتني لمرة واحدة فقط ، لم تتكرر لإستاد عطبرة الرياضي ، والذكريات أيضاً تتداعى . المهم رفعت رأسي وأنا على الأرض ، ورأيت الشرطي على هذا الرأس المرفوع إلى أعلى ، وعلى يده عصاته السميكة المدببة ، وليس خرطوشه أو كلاشنكوفه أو دوشكته أو علبة بمبانه القاتلة ، كما هو حادث الآن ، عصاته فقط تلك السميكة المدببة لا غير ، رأيتها مرتفعة ، تود الإنقضاض ، ظننتها ستكون على أم رأسي ، الذي لم يشوف جديده بعد ، ولكن ما حدث ، كان غير ذلك وحَسُن ظني بتلك العصاة ، ولم أهابها من بعد ، فما حدث ، أن يد الشرطي اليسرى إمتدت تجاهي وأمسكت بي من يدي اليمنى لترفعني ، من وقعتي السودة تلك ، بل يقودني هذا الشرطي من هذه اليد ذات نفسها ، ويوجهني إلى مخرج آمن ، لأهرول بعدها مع المهرولين -شاكراً له في سري طبعاً تعاطفه معي- وكانت هرولة السلامة ومخرج الأمان هكذا كانت شرطتنا ، قبل أن يلوثها الملوَّثون .
لنرى الآن كيف كان فض الإعتصام ، كم واحد من الشباب والشابات ، وقع على الأرض ، وكانت الرصاصة تخترق صدره ، في لحظتها ، فأسكتت منه القلب والجسد نهائياً ، كم من الشباب والشابات ، تم حرقه داخل خيمته حياً ، كم منهم ، رُبط بكتلة أسمنتية والقى به في نيلنا الخالد ، خلود هؤلاء الأبطال الشهداء ، كم شابة أُخذت مقهورة للإغتصاب ، وكان ساترها وحائطها من أعين الأخرين وعيون الكاميرات ، العشَرة المبشرون بالجحيم الآتي والمنتظر ، في الدنيا قبل الآخرة ، والمدججين بالسلاح ، يحوطونها إحاطة السوار بالمعصم حول محيطها ، هؤلاء المنتظرين المناوبة عليها لإفتراسها ، هذا قليل من كثير ، لم تستطع عيون الكاميرات نقله الينا ، سترة أو خوفاً أو سنسرة للأشرطة ، وإلا كان أغلبنا قد مات قهراً لما يرى أمامه من فظائع ، بيد هؤلاء اللاناس اللا بشر ، ولكن رغم ذلك يأبي الخيال إلا أن يجبرنا على أن نراه عيانا يياناً ، في تخيلنا لو لم نجده على الأشرطة لأخترعنا تفاصيله ، بعد ما شاهدنا من نماذجه ، وبعد ما شاهدنا ما نقلته الينا الكاميرات ، من وقائع حية يشيب لها شعر الرأس والولدان . ولا تطاوعني نفسي الأمارة بالخير ، لذكر هذه الوقائع ، فهي ليست للحكي وإنما للحفظ في ذاكرة الشعب أبد الآبدين ، فقد رأها الجميع ، وعلينا فقط استرجاعها ،فإن الذكرى تنفع المناضلين والثوريين ،وذوي القلوب والضمائر الحية ، وفي النهاية تجدون كل ماحدث ليس تنفيذاً لأوامر وتعليمات يتم تفعيلها ، بين جيشين متقاتلين ، وإنما هي ذاتها بصفاتها ، تلك الإبادة الجماعية للسلميين من البشر العزل وهم نيام ، ولمن لم يرأها في دارفور ، تلك الآبادة الجماعية ، أوفي جنوب كردفان ، أوالنيل الأزرق فقد رأى تفاصيلها ، في فض إعتصام القيادة العامة ويا للهول..!! .
فهل ياترى هؤلاء منفذين لأوامر تلقوها ، أو تعليمات أتوها ، أم هم فاعلين أصيلين وليسوا متلقين لأوامر قادتهم ، فعلى القضاء الإتي بعد الإنتصار ، أن يفحص في كل الوجوه ، فرداً فرداً ، التي ظهرت في كل الفيديوهات التي شاهدناها وشاهدها معنا كل العالم ، من أدناه إلى أقصاه ، ليتم جلبهم للعدالة ليحاكموا ، مثلهم واولئك المجرمين أصحاب القرار وصدق الشباب يا المشنقة يا الزنزانة ، وأظن يا..المشنقة يا..المشنقة ، ومعهم كل الذين ارتكبوا الجرائم المشابهة ، وحتى الآن ، وحتى ما سيأتي من جرائم سيرتكبونها حتماً ، طالما ظلوا ممسكين بأسنانهم وأظفارهم على السلطة ، وذلك لحين الإنتصار النهائي ، اولئك الذين إعترفوا بعضمة لسانهم بأنه "حدث ما حدث" .
وكلمة أخيرة ، على الشعب السوداني ، أن يُعامل يوم فض الإعتصام يوماً للحداد الوطني ، يحمله الناس في جوانحهم وذواكرهم عنواناً ، وتذكاراً للبشاعة والفظاعة والشناعة ، يقومون سنوياً بالإصطفاف حول النيل ، يحملون الورود اليه ويجعلونها ، تحلق وتبحر حول مجراه وعلى ضفافه ، لتحي أرواح شهدائنا الذين ما ماتوا فهم أحياء بيننا ، وأن يتواصل ذات اليوم ، بزيارة قبور الشهداء قبراً قبراً ، ووضع تقليداً لنا جديداً وحميداً ، بوضع الورود عليها ، تخليداً لذكراهم الخالدة .
أما الأجهزة الأمنية، وحتى تُكفِر عن هذه الجريمة الشنعاء ، التي فارقت فيها دورها ووظيفتها في حماية الوطن ، عليها أن تخصص في هذا اليوم ، وقفة أمام القيادة العامة سنوياً ، اصطفافاً رمزياً وسلوكاً فعلياً ، مضمونه يكون ، بحملهم ليس سلاحهم ذلك اليوم وإنما اداة يعاقبون بها أنفسهم ، شئياً يكون قريباً مما يفعله شيعة العراق وغيرهم عند التطهر من الجريمة ، وليس بالضرورة أن يكون مطابقاً ، وإنما شكلاً مقارباً يشكل تطهيراً لأنفسهم من ثِقل مجزرة فض الإعتصام ، التى لن يمحوها ويخفف من وقع ذكراها في النفوس ، حتى أبد الإبدين ، إلا هذا التقليد السنوي التكفيري التطهري ، من قبل القوات المسلحة ، بالطريقة الرمزية التي يرونها مناسبة ، حتى تزيل آثام وأثار هذه الجريمة النكراء ، وكل الجرائم التي أرتكبت باسم القوات المسلحة منذ الإستقلال وحتى تاريخه ، وتتحمل هي وزرها .
ولكم شهداء الشعب السوداني الخلود : أين ومتى ولماذا وكيف كان قتلكم واستشهادكم .
وإضافة فقرة جديدة وضرورية بتاريخ اليوم حيث نعيش شهور الحرب العبثية ، فقد صدق شبابنا وشاباتنا يوم هتفوا "معليش معليش ماعندنا جيش"
وكنا عنهم غافلين إن لم نكن مغفلين ، حين ظللنا نعتقد ، أنه جيشنا
الوطني المعلوم ، وإذا به جيش الكيزان المنهوب كما باقي حصيلة المنهوبات .
omeralhiwaig441@gmail.com
/////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فض الإعتصام الطیب صالح فقد کان
إقرأ أيضاً:
حماة الوطن يهنئ الشعب المصري بذكرى يوم الشهيد وانتصارات العاشر من رمضان
توجه حزب حماة الوطن، بالتهنئة للرئيس السيسي والقوات المسلحة والشعب المصري، بمناسبة ذكرى يوم الشهيد، وانتصارات العاشر من رمضان.
واكد الحزب في هذه المناسبة، أن أبناء القوات المسلحة سطروا بأحرف من نور بطولات ستظل خالدة في الدفاع عن أرض مصر في مواجهة المحتل الغاشم.
وأشار حماة الوطن، إلى أن ذكرى العاشر من رمضان، والتي تزامنت هذا العام مع الاحتفال بيوم الشهيد تأتي في الوقت الذي يواصل فيه أبناء القوات المسلحة الأبرار دورهم في حماية حدود الدولة، لتحقيق أمن مصر القومي واستقرارها.
وتحل ذكرى العاشر من رمضان، ويوم الشهيد في الوقت الذي تواجه فيه مصر تحديات كبيرة بشأن القضية الفلسطينية، مع استمرار جهودها لمنع فكرة التهجير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.