4 يناير 2022
(في ذكرى ثورة ديسمبر 2018 التي هي في منعطف بليغ الترويع والإذلال من منعطفاتها. وكتبت الكلمة في أوائل 2022 ضمن مقالات التمس من الحرية والتغيير المجلس المركزي أن ينفض يده عن لحم ما كسره انقلاب أكتوبر 2021 بذريعة أن بلادنا على شفا حفرة هاوية. قلت لهم اختطوا خطة أخرى غير مثل الإطاري تريدون بنبل أن تستنقذونا من الحفرة الهاوية.

قلت لهم كلموا العسكريين بقول الأمريكيين "إذا كسرتها فهي حقتك خالصة" (You break it you own it". كسرتم البلد التي أردنا إصلاحه بالثورة بالانقلاب فخموا وصروا يا 1معشر شاكي السلاح. وقلت لرفاقنا في الحرية والتغيير النبل ليس استراتيجية. ولم ينتصحوا وشوفو شفا الحفرة الجد الذي نحن فيه وهم براءة الأطفال في عينيهم).
من فساد الرأي تحويل استقالة السيد حمدوك إلى أمرين. الأمر الأول هو جعلها فراش بكاء نبكي حظنا في السودان العاثر، أو إلى سانحة أخرى إلى إرهاب قوي الثورة والتغيير التاريخية في السودان لتقبل صاغرة بما تمليه عليها قوى الثورة المضادة من سدة انقلابها في ٢٥ أكتوبر. وهو إرهاب بالإرعاب من "المنعطف الخطير الذي يهدد بقاء الوطن" مما يستدعي "تنحية الخلافات جانباً" والتداعي إلى كلمة سواء لا تستثني أحداً. وليست هذه الكلمة السواء عندهم غير أن نبصم على وثيقة استسلامنا.
لا أعرف وقتاً لم نبك حظ السودان العاثر. لم تتلبن لبنان حتى تطيرنا من مصائره على السودان ولم تتصومل السودان حتى خشينا من شرورها على السودان. لا جديد. والذين يرغون ويزبدون شفقة بتفكك السودان هم من لم يألوا جهداً في التخلص من ثلثه لكي يخلو لهم الوطن الخالي من كدر التنوع، أي بلا دغمسة. وهم من جيشوا بقوانين الإدارة الأهلية أمراء البادية العرب على الزرقة من غير أن يطرف لهم جفن. وهم من اصطنع الجيوش الأسرية والقبائلية فكسر سلسلة القيادة في القوات المسلحة. وكان مما زكى الجيش للحكم في مثل بلدنا عند فقهاء السياسية في السبعينات أنه القوة الحديثة الممركزة المبثوثة في أرجاء القطر لا تجاريها أخرى من مؤسسات الدولة.
السياسة هي العيش مع النقائض، أي هي التدافع القرآنية التي راجت مؤخراً. وقوى الثورة المضادة التي ترعبنا من عواقب الصراع هي التي خاضت فيه ضد الثورة ما ونت وبغير رحمة. واتفق لها حين تهيأ له أنها انتصرت على الثورة أن تستشأم الصراع في إشفاق لزج على سلامة وطن لا تزال تعتقد أنها وحدها الوصية عليه. وهذا قريب من قول رأسمالي بعد انهيار المنظومة الاشتراكية: "من قال إننا لا نؤمن بالصراع الطبقي. لم نؤمن به فحسب، بل خضناه وانتصرنا".
ليست المخافة على سلامة الوطن من قوى الثورة كما تذيع الثورة المضادة. فلم تكن الثورة على مسرح السياسة كما هي اليوم حين خرج الجنوب وكاودا ومواضع في جبل مرة من بيضة السودان. كان علينا، وهذه المواضع تتوارى عن الوطن، نظام الإنقاذ الذي طالع كل داع إلى المواطنة إلى الخلاء، ولم يحسن المطالعة. وطلع له هؤلاء المنادون بالمواطنة يعاتبونه بالسلاح ولم يحسنوا أيضاً.
من أشفق على مصائر الوطن من الثورة غاب عنه أن الثورة هي التي ما تزال برؤيتها للسودان المدني الديمقراطي منذ أكتوبر ١٩٦٤ هي كاب البلد. فهي عروة الوطن الوثقى. فلن تجد حادثة سودانية ينتظم فيها السودانيون قاطبة عن استحقاق، بعد الهلال والمريخ ربما، مثل الثورة. فحين خرج القبائليون يترسون طريق بورتسودان- الخرطوم كانت بورتسودان نفسها عضواً كامل الدسم في الثورة. وحين كان قادة الحركات الدارفورية المسلحة يترسون القصر الجمهوري في حلف للثورة المضادة كان فؤاد الفاشر ونيالا وزالنجي وعقلها معلقين بالثورة. بل كان اعتصام القيادة ملتقى طرق الوطن تفد إليه أفواج السودانيين من كل فج حجة وعمرة.
الأمة في قول الفيلسوف الفرنسي إرنست رينان هي إرادة للعيش معاً. والثورة في السودان هي الإرادة الوحيدة لعيش السودانيين في أمة. وهي بهذه الصفة مما يسميه علماء السياسة الطاقة التي تتنادى بها الأمة إلى مركز "centripetal" في حين أن الحكومة فينا، وقوى الثورة المضادة التي سادت فيها، هي الطاقة المنفرة من المركز "centrifugal". ووجدت أفضل تقريب في اللغة العربية للمفهومين في فقه الوضوء للصلاة. فالطاقة الأولى هي الاستنشاق أي جذب الماء بالنفس إلى باطن الأنف بينما الطاقة الثانية هي الاستنثار وهي إخراج الماء من باطن الأنف ليرشح حيث شاء.
تنذرنا الثورة المضادة بأن علينا أن نقتدي بهم في "الشفقة" على وطن يتشقق. وهذا مكاء وتصدية كما تقدم. فهو مجرد إملاء لشروطهم لاستسلامنا. وواقع الأمر أن بلادنا في مخاض وعر للتغيير بالثورة. وتسوق مثل هذه الفترات التاريخية إلى فوضى كبيرة واضطراب في اليقين لتعايش القديم والجديد جنباً إلى جنب من غير أن ينجح أحدهما في فرض نفسه على الآخر بعد. وقريب من هذا الوصف قول قرامشي، الماركسي الإيطالي، إن العالم القديم يموت ويصارع العالم الجديد مثل الثورة ليولد ليضيف أن مثل هذا البرزخ هو زمان البشعين أمثال التوم هجو. فما تلوح به الثورة المضادة من مظاهر لذلك الاضطراب، الذي صنعت أكثره تخريباً، من طبائع الأشياء.
يريدون أن يخرسوا المستقبل فينا بترويعنا بذائعة الوطن الذي سيذهب أدراج الرياح إن لم نأت إلى حفل انقلابهم على الثورة. فيأخذون علينا سقطتنا مثلاً ليخزونا فنرفع الراية في حين أن حسن فهمنا لها، كما قالت فنانة تشكيلية أمريكية، هو وحده الذي سيأخذنا إلى الأمكنة غير المعتمة التي تصهل فيها مغامرة الاكتشاف.
لسنا طرفاً في هذا الفراش على الوطن الذي قالوا ستذروه رياح الخلاف. فالخلاف حق ولم تتركوا فرضاً ناقصاً في إدارته بقوة ونذالة. وهو خلاف الثورة فيه هي قوى الاستنشاق في حين هم لا غيرهم قوى الاستنثار. وستكون كلمة السواء في الوطن بشروطنا لأن بها وحدها يستنشق الوطن عطر المدنية والديمقراطية. لن تخرسوا فينا المستقبل بنبوءاتكم المفبركة.

IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوى الثورة

إقرأ أيضاً:

إعلام الفيوم: الثورة أنقذت مصر من الفوضى وطمس هويتها الثقافية والحضارية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

نظم مركزا إعلام ونيل الفيوم التابعان لقطاع الإعلام الداخلى بالهيئة العامة للاستعلامات احتفالية، تحت عنوان ثورة 30 يونيو بين التحديات والإنجازات، ضمن إحتفالات قطاع الإعلام الداخلى بالهيئة بالذكرى الـ11 لثورة يونيو، برعاية الدكتور ضياء رشوان رئيس الهيئة واشراف الدكتور أحمد يحيى رئيس القطاع وذلك بقاعة مجلس مدينة الفيوم وبمشاركةرموز وقيادات شعبية وتنفيذية عديدة بالمحافظة ومؤسسات المجتمع المدني وأبناء الفيوم.

وجاءت الندوة بحضور العميد شريف عامر المستشار العسكري لمحافظة الفيوم، الدكتور أحمد حسني عميد كلية الخدمة الاجتماعية ومستشار رئيس جامعة الفيوم للأنشطة الطلابية، محمد سعد مدير عام اعلام شمال الصعيد، الشيخ محمود عبد الستار وكيل منطقة الفيوم الأزهرية، القمص تكلا شفيق عن مطرانية الفيوم،، خالد فراج رئيس مركز ومدينة الفيوم، اللواء أشرف عزيز عضو مجلس النواب السابق، العميد متقاعد بالقوات المسلحة على فياض، سهام مصطفى مدير مركز الاعلام، محمد هاشم مدير مركز النيل، حنان حمدي مسئول البرامج. 

وتناولت الندوة والاحتفاليه بهذه الذكرى الحادية عشر لثورة الثلاثين من يونيو باستدعاء ذكريات المجد وقصص البطولة لرجال القوات المسلحة والشرطة والشعب لاستلهام المواقف والدروس التي تغرس قيم الولاء وصدق الانتماء وحب الوطن، وتجدد في النفوس ضرورة التمسك بمؤسسات الدولة الوطنية والإيمان بأهمية دورها الأصيل لأجل رفعة وعزة مصر، وتحقيق أهداف الخطة  الطموحة للتنمية المستدامة التي ستجعل من مصر"دولة العلم وبناء الإنسان" على كافة الأصعدة والمجالات.

وفي ذات السياق أشار العميد شريف عامر إلى انحياز القوات المسلحة في 30 يونيو إلى الإرادة الوطنية الحرة وذلك استنادا إلى ثوابتها التاريخية وعقيدتها الراسخة وباعتبارها ملاذ الشعب الأمن وسنده الأمين ومن ثم واتخذت قرارها التاريخي بمشاركة مختلف القوى والتيارات السياسية بوضع خارطة مستقبل للدولة المصرية للعبور من الفوضى إلى الأمان.
كما اكد اللواء أشرف عزيز أن القوات المسلحة تدرك جيداً حجم التحديات والتهديدات المحيطة، ليس فقط بالأمن القومي المصري، بل بوجود مصر وكيانها، وإخضاعها لنظرية التفتيت والتقسيم التي تجتاح العالم العربى ومحوره الرئيسي هى مصر.

وعن الإعلام الوطنى المصرى تحدث محمد سعد موضحا أنه كان له دور كبير وملحوظ فى إنجاح ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013 وتأهيل الشعب وتعبئة الرأي العام، مضيفا أهمية ممارسة  الإعلام المصرى دوره فى التنوير التثقيفى والحضارى والمساهمة في رسم صورة أفضل لمستقبل مصر  .

وأوضح الشيخ محمود عبد الستار أن هذه الثورة الشعبية أسهمت في إنقاذ مصر من مخاطر التفكك، فضلا عن محاولات انتزاع مصر من هويتها الثقافية والحضارية، والمحاولات المستميتة لأخونة مؤسسات الدولة، وأعادت مصر للطريق الصحيح، وأسهمت في حمايتها من الانهيار وقد عمل الأزهر الشريف على تكريس كافة قطاعاته من أجل نشر وسطية الإسلام، وخدمة المسلمين وغير المسلمين والتأكيد على قيم المواطنة والتعايش السلمي ورفض التمييز والعنف.

ومن جانبه وصف القمص هذه الثورة بالحدث الوطني والقومي الضخم حيث تكاتفت خلاله جموع المصريين، وتوحدت كلمتهم خلف مؤسسات الدولة والمخلصين من أبناء الوطن، لتعلن للجميع أن الأمة المصرية بعنصريها مسلمين ومسيحيين متمسكة بما لديها من جذور عميقة بالحفاظ على مسيرة الاستقرار والتنمية، مع التدين الصحيح المبني على القيم الأخلاقية والحضارية، لا التدين المغشوش أو  الاتجاهات المنحرفة .

وأضاف  الدكتور أحمد حسني في كلمته أنه على مدار السنوات العشر الماضية، عملت مصر بشكل دؤوب فى كل المجالات، وشهدت كافة قطاعات الدولة تنمية، وتحركات فى كل اتجاه ومشروعات قومية عملاقة، إرساء لدعائم الجمهورية الجديدة، لافتاً إلى أن الفترة القادمة سوف تشهد ثمار ونتاج لما يبذل من جهود كبيرة فى كافة القطاعات.

كما دعا المهندس خالد فراج المواطنين للاصطفاف خلف القيادة السياسية ومؤسسات الدولة وعدم الانزلاق وراء مروجى الشائعات، حفاظاً على استقرار الوطن .

وشهدت الاحتفالية إذاعة عدد من الأغاني الوطنية وإلقاء مجموعة من القصائد الشعرية في حب الوطن، وأكد الحضور في ختام فعاليات الاحتفالية على ضرورة العمل والتعاون من أجل بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة. 

مقالات مشابهة

  • منير أديب يكتب: 30 يونيو.. والحفاظ على الهوية المصرية من التآكل
  • لا يحق لقائد الجيش تشكيل حكومة
  • إعلام الفيوم: الثورة أنقذت مصر من الفوضى وطمس هويتها الثقافية والحضارية
  • الديمقراطيون يخشون سيناريوهات الاستبدال بقدر ما يخشون بقاء بايدن
  • أمراء الحرب يدمّرون السودان وشعبه
  • عادل عسوم: إلى الذين أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ
  • خطر حقيقي يهدد الوجود الاسرائيلي
  • «حماة الوطن» بالجيزة: ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من السقوط في الهاوية 
  • شباب الصحفيين: 30 يونيو أعظم ثورة أبهرت العالم واعادت شريان الحياة من جديد للمصريين
  • وزير الري يعود إلى أرض الوطن بعد زيارة ناجحة لجنوب السودان