أمريكا في طريقها لإنتاج كميات من النفط أكثر من أي دولة بالتاريخ
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
بينما يصارع العالم الأزمة الوجودية لتغير المناخ، يريد الناشطون البيئيون من الرئيس جو بايدن التخلص التدريجي من صناعة النفط، ويجادل الجمهوريون حول انه يفعل ذلك بالفعل. وفي الوقت نفسه، فإن الحقيقة المفاجئة هي أن الولايات المتحدة تضخ النفط بوتيرة مذهلة وهي في طريقها لإنتاج كميات من النفط أكبر مما أنتجته أي دولة في التاريخ.
من المقرر أن تنتج الولايات المتحدة رقماً قياسياً عالمياً يبلغ 13.3 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمكثفات خلال الربع الرابع من هذا العام، وفقاً لتقرير نشرته يوم الثلاثاء S&P Global Commodity Insights.
وفي الشهر الماضي، بلغ إنتاج النفط الأمريكي الأسبوعي 13.2 مليون برميل يوميا، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وهذا أعلى بقليل من الرقم القياسي الذي سجل في عهد دونالد ترامب والذي بلغ 13.1 مليونًا والذي تم تسجيله في أوائل عام 2020 قبل أن تؤدي أزمة كوفيد - 19 إلى انهيار الإنتاج والأسعار.
وقد ساعد ذلك في السيطرة على أسعار النفط الخام والبنزين.
إن إنتاج الولايات المتحدة - بقيادة شركات حفر النفط الصخري في تكساس وحوض بيرميان في نيو مكسيكو - قوي للغاية لدرجة أنها ترسل الإمدادات إلى الخارج. وقالت "ستاندرد آند بورز" إن أمريكا تصدر نفس الكمية من النفط الخام والمنتجات المكررة وسوائل الغاز الطبيعي التي تنتجها المملكة العربية السعودية أو روسيا.
وقال بوب ماكنالي، رئيس مجموعة Rapidan Energy Group: "إنه تذكير بأن الولايات المتحدة تتمتع باحتياطيات نفطية هائلة. لا ينبغي أبدًا الاستهانة بصناعتنا".
يساعد الإنتاج الأمريكي الذي حطم الأرقام القياسية في تعويض التخفيضات الكبيرة في الإمدادات التي تهدف إلى دعم الأسعار المرتفعة من قبل أوبك +، وخاصة المملكة العربية السعودية وروسيا. ويضخ منتجو النفط الآخرون من خارج أوبك، بما في ذلك كندا والبرازيل، كميات من النفط أكبر من أي وقت مضى. (من المقرر أن تنضم البرازيل إلى أوبك+ العام المقبل).
لقد فاجأت قوة الإنتاج الأمريكي الخبراء. خفض محللو بنك "غولدمان ساكس" الأحد توقعاتهم بشأن أسعار النفط العام المقبل. وقال البنك إن "السبب الرئيسي" وراء خفض التوقعات هو وفرة المعروض الأمريكي.
من المتوقع أن يصل الطلب العالمي على النفط الخام إلى مستوى قياسي في عام 2024، ولكن "ستتم تلبيته بسهولة" من خلال نمو العرض، وفقًا لتوقعات "ستاندرد آند بورز".
أسعار البنزين قريبة من 3 دولارات
وقد ساعد كل هذا في إبقاء أسعار النفط تحت السيطرة نسبياً. وبعد أن وصل سعر البرميل إلى 100 دولار في وقت سابق من هذا العام، تراجع سعر النفط الخام منذ ذلك الحين إلى نطاق 70 إلى 75 دولاراً.
وقفزت أسعار الطاقة هذا الأسبوع بعد أن أوقفت شركة بريتيش بتروليوم الشحنات عبر البحر الأحمر بسبب مخاوف أمنية. ومع ذلك، يتم تداول النفط الأمريكي بسعر أقل من 74 دولارًا للبرميل، وهو أقل بكثير من المستوى الذي كان عليه عندما هاجمت حماس إسرائيل في 7 أكتوبر.
واقتربت أسعار البنزين من المستوى المهم نفسيا البالغ 4 دولارات للغالون في سبتمبر/أيلول. لكن الأسعار في محطات الوقود انخفضت بشكل حاد منذ ذلك الحين، مما ساعد على تخفيف الضغوط التضخمية على الاقتصاد الأمريكي.
"حرب بايدن على الطاقة"
وعلى الرغم من الإنتاج القياسي، فقد تعرض بايدن لانتقادات بسبب سياسته في مجال الطاقة.
وفي سبتمبر/أيلول، عقدت اللجنة الفرعية للطاقة والموارد المعدنية بمجلس النواب جلسة استماع بعنوان: "حرب بايدن على الطاقة المحلية تهدد كل أمريكي".
وحذر السناتور الجمهوري دان سوليفان من ألاسكا في خطاب ألقاه من أن حرب إدارة بايدن على الطاقة هي “هدية لخصومنا".
في وقت سابق من هذا الشهر، في مناظرة تمهيدية رئاسية للحزب الجمهوري، تعهد حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس "بفتح كل طاقتنا المحلية للإنتاج" من أجل "خفض أسعار الوقود".
إن كون الولايات المتحدة على وشك إنتاج المزيد من النفط أكثر من أي دولة أخرى على الإطلاق يقوض الحجة القائلة إن بايدن شن حربًا على الطاقة الأمريكية.
الرؤساء لا يحددون إنتاج النفط
وبطبيعة الحال، هذا لا يعني أن سياسات بايدن هي التي مهدت الطريق لإنتاج قياسي من النفط الأمريكي، ولا يعني أن البيت الأبيض سوف يسارع إلى الحصول على الفضل في ذلك.
على عكس دول أوبك، يتم تحديد إنتاج النفط في الولايات المتحدة إلى حد كبير من خلال السوق الحرة.
كان الارتفاع في إنتاج الولايات المتحدة مدفوعاً بعمليات أكثر ذكاءً وكفاءة من جانب شركات النفط. لقد توصلت شركات الطاقة إلى طرق لاستخراج المزيد والمزيد من النفط من الأرض - دون زيادة عمليات الحفر بشكل كبير في كثير من الأحيان.
كانت ثورة النفط الصخري مدفوعة بتقنيات الحفر الجديدة التي فتحت موارد جديدة. ولكن هذه التقنية يمكن أن تكون أكثر تعقيدا وتتطلب كميات هائلة من الماء.
أمريكاأسعار النفطنشر الأربعاء، 20 ديسمبر / كانون الأول 2023تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2023 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: أسعار النفط الولایات المتحدة النفط الخام أسعار النفط على الطاقة من النفط
إقرأ أيضاً:
أمريكا من إمبراطورية إلى دولة
علي بن سالم كفيتان
نشأت عقيدة الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح إمبراطورية مهيمنة على العالم عقب الحرب العالمية الثانية والنصر الذي حققه الحلفاء بعد تدخلها الدامي في اليابان واستخدام السلاح النووي للمرة الأولى، وهذا مهَّد لطموح سيادة العالم والتنافس مع الاتحاد السوفييتي- آنذاك- عبر الدخول في صراع تسلُّح وحرب النجوم، ومن ثم الحرب الباردة، حتى انهار الاتحاد السوفييتي في 25 ديسمبر 1991.
وانفردت الولايات المتحدة بقيادة العالم عبر قوتها العسكرية الضاربة وتسييرها لمنظمة الأمم المتحدة من نيويورك، في ظل انشغال الدول الأوروبية بلملمة شتاتها بعد الحرب، ومن ثم إنشاء الاتحاد الأوروبي والتوجه للتنمية الاقتصادية واعتمادها على حلف "الناتو"، الذي تُهيمن علية الولايات المتحدة الأمريكية من الناحية الأمنية والعسكرية، في الوقت الذي كانت فيه جمهورية الصين الشعبية ترسم خطتها بعيدة المدى للنهوض عبر بناء منظومة إنتاجية وقاعدة صناعية ضخمة، وبقي العالم يدور في فُلك أمريكا الواعدة التي استقبلت كل الشعوب وفتحت أذرعها لهجرة العقول، وبنت سلاسل تبادل تجاري مع مختلف شعوب الدنيا؛ فصارت ذلك الحلم الذي يتمناه الجميع، في ظل اهتمام بالغ بحقوق الإنسان والمجتمعات المُهمَّشة حسب الظاهر، فمارست عبر هذه الملفات ضغوطًا على كل دول العالم.
نمو الصين الهائل ومنافستها لبلوغ سقف الاقتصاد العالمي وإعادة تشكيل الاتحاد الروسي على يد الرئيس فلاديمير بوتين وقفزات النمو الاقتصادي والسياسي الكبيرة التي حققها الاتحاد الأوروبي، كل هذه الأسباب مجتمعة أوجدت توجسًا أمريكيًا عميقًا حول سيادتها للعالم، وأفرز ذلك تغيُّرًا في مزاج الرأي العام الأمريكي؛ حيث أصبح بموجبه رجل الأعمال الأمريكي دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية للمرة الأولى بتاريخ 20 يناير 2017، دون خلفية سياسية أو عسكرية. الرجل لم يكن عضوًا في مجلس الشيوخ ولا في مجلس النواب، ولم يكن يومًا ما حاكمًا لولايةٍ، ولم يتقلد في حياته منصبًا أمنيًا أو عسكريًا، ولم يستوعب أن الولايات المتحدة الأمريكية إمبراطورية تحكم العالم وتُسيِّر اقتصاده وترسم الخطوط العريضة لسياسته؛ فدخل ترامب في مواجهات غير مدروسة مع حلفاء أمريكا قبل أعدائها، عبر حسبة اقتصادية بحتة، تقوم على الفارق في الميزان التجاري، ومقدار الرسوم على السلع، وأقحم بلاده في ملفات سياسية شائكة، ومنها مشكلة الشرق الأوسط عبر عرض مبادرات مثل صفقة القرن واتفاقيات إبراهام؛ لإدماج الكيان الصهيوني في المنطقة، وفرض التطبيع، ومنح إسرائيل كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلغاء دور منظمة التحرير الفلسطينية، وإغلاق مكتبها في أمريكا. كل ذلك وَلَّدَ احتقانًا سياسيًا عميقًا في الداخل الفلسطيني؛ حيث انقلبت أمريكا على صنيعتها السلطة الفلسطينية، فبرز تيار المقاومة كخيارٍ قائمٍ بعد فشل الخيار السياسي، وانكشاف عورة اتفاقيات أوسلو، وحسب اعتقادنا هذا هو السبب الرئيسي لما حدث في السابع من أكتوبر 2023.
لم يُوَفَّق ترامب في تجديد انتخابه لدورة ثانية تالية للأولى، وخسر انتخابات 2020 أمام جو بايدن الديمقراطي المخضرم وصاحب التاريخ السياسي الحافل، لكن الأخير لم يستطع إصلاح ما أحدثه ترامب من مغامرات في العالم؛ فمارس سياسة ضعيفة هي أقرب إلى تسيير الأعمال، وكان عامل السن ضاغطًا على ولايته المُتعثرة كتعثُّر خطواته المُتكرِّر على سلالم الطائرة الرئاسية، وسرحانه في المناسبات العامة، وهيامه على وجهه في أحيان كثيرة في الاحتفالات الرسمية، كل ذلك إضافة إلى انحيازه السافر للكيان الصهيوني وازدواجية المعايير في التعامل مع قضيتيْ فلسطين وأوكرانيا؛ مما ولَّد احتجاجات طلابية ضخمة في مختلف الجامعات الأمريكية، عقب السابع من أكتوبر 2023؛ فضعف موقفه؛ لينسحب من السباق الانتخابي في وسط المنافسة، ويخسر الحزب الديمقراطي مرة أخرى، ويعود ترامب في 2025 الى البيت الأبيض، ليُكمل مغامراته التي بدأها في 2017.
قد يتساءل البعض: لماذا انتخب الأمريكيون ترامب؟ والجواب هو أن الرجل عمل على ابتزاز حلفاء وأصدقاء أمريكا وجلب مليارات الدولارات التي حسَّنت الأداء الاقتصادي وخلقت ملايين الفرص الوظيفية، والمعلوم أن الشعب الأمريكي لا يُعير اهتمامًا كبيرًا بسياسة بلاده الخارجية، بقدر نجاح الأداء الاقتصادي في الداخل، وهذا ما حققه ترامب في دورته الأولى.
الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تنكفئ على نفسها منذ اليوم الأول لرئاسة ترامب الثانية، عبر منع الهجرة، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين بل والمعارضين لسياسات أمريكا من الطلبة والناشطين السياسيين، الذين يحظون بحق الإقامة، مع فرض رسوم جمركية على الواردات القادمة من أكبر الاقتصاديات التي تتعامل مع السوق الأمريكي، مثل كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي والصين، علاوة على طرد السفراء الذين تنتهج دولهم سياساتٍ إنسانية تدعم القضايا العادلة مثل جنوب افريقيا، وإحراج الحلفاء التاريخيين لواشنطن عند زياراتهم للبيت الأبيض، كل هذا يقود لأفولٍ تدريجيٍ لنجم الإمبراطورية الأمريكية، وتحولها لمجرد دولة على خارطة العالم، مع صعود الصين لريادة العالم.
رابط مختصر