تقول فرانشيسكا فاودري، باحثة دكتوراه في جامعة كامبريدج متخصصة في الأدب الفلسطيني، في مقال بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إن هذه محاولة لفهم شيء ما، وأن ما تخطّه هو تفاعل من الحزن الشخصي والجماعي الغامر الذي شهدته وعايشته منذ الهجوم الأخير على غزة.

وتقارن بين ما تكتبه في جلستها المريحة في مكتبها في كامبريدج، حيث لا يزعجها سوى ضجيج حركة المرور خارج نافذتها، وصوت ضحك الطلاب أثناء عودتهم إلى منازلهم بعد وقت مرح صاخب، وبين نوم أعز أصدقائها وهو ينام على صوت الطائرات الحربية الإسرائيلية، الذي بات مألوفا الآن، متخيلة الرهبة التي يعيشها وتحاول الشعور بها قدر الإمكان.

ومع ذلك تقول، إنها لن تفهم هذا الإحساس أبدا بغض الطرف عن مدى تعاطفها معه؛ لأنها ليست في المكان نفسه مثل العديد من الفلسطينيين الآخرين، بعد أن قضى حياته تحت احتلال عسكري وحشي، معتاد الآن على هذا الصوت، وتساءلت: هل يمكن لأي شخص أن يعتاد مثل هذا الصوت؟ وتشير الكاتبة إلى ارتباطها العميق بفلسطين، مع أنها ليست فلسطينية، والحزن الهائل الجامح الذي يغمر حياتها تعاطفا مع العديد من الأصدقاء والأحباء هناك.

ووسط هذه المشاعر المتضاربة تجاه الألم الذي تعانيه بلا شك، تقول الكاتبة، إنها تتعلم أن تدرك أن هذه الاستجابة، التي تبدو مفرطة ومتسامحة، هي في الواقع علامة على إنسانيتها، ووظيفة جسمها الفطرية للتعاطف العميق مع أولئك الذين في وضع أقسى وأعنف وأخطر من وضعها، ولكن لا يزال لا يتجاوز دافعها للحزن.

رفض الرقابة على الحزن
وتقول فرانشيسكا فاودري، إن قدرتنا على الحزن على حياة بعيدة عن حياتنا تكشف كثير عن هُويتنا نحن البشر. وأشارت إلى كلمة ألقتها رشيدة طليب، عضوة الكونغرس الفلسطينية الأميركية، عن أهمية الحزن على أرواح لم نعرفها، حيث قالت، إنها شاهدت مقطع فيديو لأطفال غزة المصابين بصدمات نفسية وهم يبكون محاطين بأنقاض منازلهم، وقيل لهم "لا تبكوا" باللغة العربية. وفي هذه اللحظة انفجرت طليب نفسها في البكاء، وصرخت بشكل قاطع "دعهم يبكون"، قبل أن تؤكد "إذا كنت لا تبكي، فهناك خطأ ما".

وتروي الكاتبة أن هذا الشعور ظل عالقا معها، عندما كانت تحاول فهم حزنها وحزن كل من حولها أنه مرتبط بطريقة ما بالمأساة التي نشهدها. وعلّقت أنه بغض الطرف ممن نحن أو من أين أتينا، إذا لم نشعر بالغضب والضيق والحزن فهذا يعني أن هناك خطأ ما، ويجب أن نتساءل عن سبب عدم التحرك إلى العمل.

رجل يبكي استشهاد ذويه بسبب الغارات الإسرائيلية على غزة (وكالة الأناضول)

وترى أن من مصلحة القوى العالمية تقسيم الأرواح إلى أولئك الذين يمكن الحزن عليهم، وأولئك الذين لا يمكن الحزن عليهم، أولئك الذين يسوغ حزنهم الآلة الحربية، وأولئك الذين يقوضها حزنهم. ولذلك يجب علينا أن نرفض هذه الرقابة على الحزن.

وأشارت إلى ما جاء في كتاب الشاعر الفلسطيني محمود درويش "يوميات الحزن العادي"، حيث يروي محمود درويش الحزن الخاص الذي يضطر الفلسطينيون الذين يعيشون في فلسطين 48 إلى تحمله كل سنة في ذكرى "حرب الاستقلال"، عندما يُطلب من المواطنين الحداد على أرواح الجنود الإسرائيليين الذين فقدوا في هذه الحرب. وفي الوقت نفسه، يجب على العرب أن "يبكوا في داخلهم أو ينفجروا من الضغط"؛ لأن "إعلان ولادة إسرائيل هو في الوقت نفسه إعلان موت فلسطين". وبينما أن أحد أشكال الحزن يُقر ويشجّع عليه، فإن الآخر "ممنوع".

الحزن شكل من الحراك السياسي
وتعلق الكاتبة بأن ما وجدته من ردود الفعل على العنف المتكشف، فضلا عن الصور المتواصلة وقصص الصدمات التي تملأ سمعها، هو أنه على عكس وصف محمود درويش الساخر بشكل هزلي للحزن الفلسطيني بأنه "عادي" في عنوان الكتاب، لا يوجد شيء عادي في ذلك؛ لأنه يتحدى النمط التقليدي للحزن، حيث يقع حدث سيئ، أو سلسلة من الأحداث التي يحدث فيه إحساس بالخسارة، الفعلية أو المتصورة.

وترى أنه إذا كان هناك سبب للحزن، فهو الفرصة لتجييش المعاناة وسيلة لمقاومة الظروف العنيفة التي تنشأ منها. الفرصة التي يمكننا من خلالها، في الفضاء المفتوح للحزن الجماعي -الفرصة التي نعترف فيها بآلام بعضنا بعضا ونشاركها- أن نطالب بمستقبل أفضل، وأن تولد فلسطينيا لا يعني أن تولد ميتا بالفعل.

وتقول، إنه من الضروري أن نكمل الأقوال بالأفعال؛ وأن نطالب بظروف تحترم فيها كرامة الإنسان وتكون فيها حياة الفلسطينيين مهمة ليس في الموت فقط، من منظور قياس الإحصاءات وحساب الخسائر، ولكن في الحياة. حيث يكون الحق في الحياة -وفي حياة تستحق العيش- غير قابل للتصرف حقا.

وختمت باحثة الدكتوراه في جامعة كامبريدج المقال بقولها، إن تأمين مطلب "الحق في حياة كريمة" ليس مجرد ملاحظة لوقف إطلاق النار، وهو ليس طلبا خاصا يُتناول في وقت لاحق، ربما بعد 75 سنة من الآن. إن هذا المطلب ليس أمنية، أو أملا، أو رؤية مثالية، ولكنه شرط مسبق لبقاء الإنسان، مضيفة أن حزننا يخبرنا بشي حيوي، وعلينا الآن أن نستمع إليه.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: على الحزن

إقرأ أيضاً:

ماذا سيحدث للسوريين الذين لا يريدون العودة إلى بلادهم من تركيا؟

 

رد رئيس مجلس الأمة التركي الكبير، نعمان كورتولموش، الثلاثاء، على السؤال المثير الذي تداوله نشطاء المعارضة التركية على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

وقال نعمان كورتولموش: “نحن نقدم كافة أنواع الدعم للسوريين لضمان عودتهم الآمنة والطوعية”.

 

اقرأ أيضا

أردوغان حقق حلم الأتراك منذ ألف عام!

الثلاثاء 17 ديسمبر 2024

وأضاف كورتولموش:” مثلما حافظت تركيا على سياسة الباب المفتوح أمام الفارين من قنابل الأسد والتعذيب والقمع والقسوة، فإن موقفها واضح من الآن فصاعدا حيث نسعى لضمان العودة الآمنة والطوعية للسوريين”.

مقالات مشابهة

  • ميتا تدفع 31.7 مليون دولار في فضيحة كامبريدج أناليتيكا
  • ولا تركنوا إلى الذين ظلموا
  • عندما تقومون ب(..) ستلعنون آل دقلو وكل الذين أدخلوكم في هذه الورطة
  • ماذا سيحدث للسوريين الذين لا يريدون العودة إلى بلادهم من تركيا؟
  • سياسي سوري: نرفض قيام دولة دينية محل نظام الأسد
  • باحثة في شؤون الإرهاب: الشعب السوري مُنهك من الديكتاتورية لفترات طويلة
  • باحثة: داعش يستغل الفوضى في سوريا للتوسع
  • باحثة: الشعب السوري ينتظر تحويل أقوال "الجولاني" المعسولة إلى أفعال
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • 10 تصريحات نارية لـ رئيس النواب بشأن العدوان الإسرائيلي على سوريا