علام تعوّل إيران في إفشال مهمة القوة الدولية بالبحر الأحمر؟
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
طهران- بعد الإشادة الإيرانية بسلوك الحوثيين في البحر الأحمر لنصرة غزة وتحذيرها الرسمي من تشكيل أي قوة دولية لضمان الملاحة البحرية، سارعت طهران، أمس الثلاثاء، للكشف عن "قوة باسيج بحرية" ردا على الإعلان الأميركي تشكيل قوة عمل بحرية متعددة الجنسيات لحماية التجارة بالبحر الأحمر.
وبعيد ساعات من تأكيد وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إنشاء قوة عمل بحرية لمواجهة هجمات الحوثيين على السفن التجارية بالبحر الأحمر، أعلن قائد القوة البحرية في الحرس الثوري الأدميرال علي رضا تنغسيري أن بلاده نظمت قوات الباسيج البحرية للمحيطات والسفن والقطع البحرية الأخرى القادرة على الإبحار حتى تنزانيا.
وقدّر تنغسيري قوام القوة الشعبية الجديدة بـ55 ألف عنصر و33 ألف قطعة بحرية موجودة في المياه الخليجية خلال المرحلة الأولى من نشاطها، وأفاد بأنها ستباشر مهمتها في بحر قزوين خلال المرحلة التالية، مؤكدا إنشاء قوة ظل بحرية من قوات التعبئة الشعبية وتجهيزها بأسلحة مناسبة.
"اليد العليا"
وكان وزير الدفاع الإيراني محمد رضا أشتياني قد حذر، الأسبوع الماضي، الولايات المتحدة من أنها "ستواجه مشاكل استثنائية إذا أرادت تشكيل قوة دولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر" وقال إنه "لا يمكن لأحد التحرك في منطقة اليد العليا فيها لإيران".
وبذلك، لا يشكل إعلان البنتاغون مفاجأة لطهران، إلا أن الأوساط الإيرانية ترى في الخطوة الأميركية مؤشرا على نجاعة العمليات الحوثية في الضغط على الاحتلال الإسرائيلي وإرباك حسابات حلفائه الغربيين لاسيما بخصوص العدوان المتواصل على قطاع غزة.
ويقرأ الباحث العسكري علي عبدي تشكيل القوة البحرية الغربية بالبحر الأحمر في سياق الرد الغربي على فعالية سلوك الحوثيين في مسار الحرب الإسرائيلية على غزة، والخشية مما قد يكون أعظم خاصة بشأن عرقلة الملاحة البحرية بين القوى الشرقية والغربية عبر قناة السويس.
وأوضح عبدي -للجزيرة نت- أن بُعد المسافة بين الأراضي الفلسطينية المحتلة واليمن يجعل من العمليات البرية والبحرية الإسرائيلية ضد القوات الحوثية "مهمة مستحيلة" مضيفا أن العمليات الجوية التي قامت بها جهات عربية وغربية و"عبرية" على اليمن، خلال العقد الماضي، أثبتت فشلها في تقييد قدرة الحوثيين.
واعتبر أن غياب الدول المطلة على البحر الأحمر -وعلى رأسها السعودية ومصر– في التحالف البحري دليل على فشل واشنطن في إقناع هذه الدول للمشاركة في العمليات المحتملة ضد الحوثيين، قائلا إن التحالف لن يوقف عمليات الحوثيين في البحر الأحمر.
وتابع الباحث العسكري أن دولا إقليمية عدة تفضل النأي بالنفس وعدم المواجهة مع ما يسمى محور المقاومة بعد التحذير الإيراني لأنها تعلم جيدا أن التحالف الجديد سيكون مؤقتا، وليس من الحكمة التضحية بمصالحها مع صنعاء وطهران من أجل الخطط الغربية الرامية إلى دعم إسرائيل في إبادة غزة، كما أن بعض هذه الدول شاركت بالفعل في تحالف "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين.
خطوة أنصارالله #اليمن الشجاعة بتقييد حركة السفن إلى الأراضي المحتلة قد أفضى إلى الضغط على الشريان الحيوي للصهاينة. وأي دولة تنضم إلى التحالف الأمريكي للتعامل مع هذا التحرك تعتبر مشاركة مباشرة في المجازر التي ترتكب بحق الأطفال من قبل الكيان الصهيوني.
— علی شمخانی (@alishamkhani_ir) December 18, 2023
أوراق عديدةورأى عبدي أن بلاده تمتلك أوراقا عديدة للتعامل مع القوة الدولية في البحر الأحمر وتحييد مخاطرها وفق التالي:
التعاون مع جماعة الحوثي اليمنية. التنسيق بين أعضاء محور المقاومة الممتد من البحر الأبيض حتى بحر العرب. القوة البحرية الكلاسيكية والتنظيمات التعبوية والشعبية. ترسانة عسكرية هائلة تغطي الشعاع الواصل حتى البحر الأحمر. السيطرة الكاملة على مضيق هرمز والنفوذ على مضيق باب المندب.ونظرا لموقف طهران من التحالف البحري الجديد بقيادة الولايات المتحدة في البحر الأحمر الذي يبعد عن الشواطئ الإيرانية نحو 2000 كيلومتر، يستبعد الباحث الإيراني في الشؤون الإستراتيجية علي رضا تقوي نيا مشاركة بلاده إلى جانب الحوثيين لمواجهة القوة الدولية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد تقوي نيا أن دعم طهران للحوثيين لا يتجاوز الدور الاستشاري الذي تقدمه منذ سنوات. بيد أن التطور الجديد سوف يحث إيران على تقديم الدعم الاستخباري واللوجستي لما تسمى حكومة الإنقاذ الوطني اليمنية التي تعتبرها "حليفا إستراتيجيا" باليمن.
وتابع أن سيطرة الحوثيين على باب المندب تضع ثاني أهم مضيق بحري بالعالم تحت سيطرة محور المقاومة إلى جانب مضيق هرمز.
وتوقع الباحث الإيراني احتدام التوتر بالبحر الأحمر في حال تنفيذ القوة الدولية عمليات ضد الحوثيين، لأن الجانب اليمني سيمنع مرور سفن جميع الدول المشاركة في التحالف الأميركي بالمنطقة، مستدركا أن هذا التحالف الجديد سيفشل في تحقيق الأهداف الذي أُنشئ من أجلها على غرار القوة البحرية التي سبق وأحدثتها واشنطن في المياه الخليجية قبل سنوات.
إستراتيجية النفوذ
وأكد تقوي نيا أن الحوثيين يمتلكون أسلحة مناسبة لإغلاق مضيق باب المندب في وجه السفن المتجهة إلى إسرائيل وأن موقف وزير الدفاع الإيراني كان قد أخذ قدرات الحوثيين العسكرية بعين الاعتبار.
ورأى أن بلاده قد أثبتت نفوذا نسبيا في منطقة باب المندب خلال السنوات الأخيرة، موضحا أن المقصود من النفوذ لا يعني الحضور المباشر والمستمر في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وقد يكون عبر التعاون مع الحلفاء وبالتالي لن تسمح طهران بتقويض سيطرة الحوثيين على باب المندب.
وأشار إلى أن السيطرة المباشرة أو غير المباشرة على المضايق البحرية والمواقع الإستراتيجية تعزز المكانة الدولية للدول الوازنة، وترفع من قدرتها الجيوسياسية وتأثيرها على الموازنات العالمية، وتضمن مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية.
وختم الباحث الإيراني بالقول إن إستراتيجية بلاده في دعم حلفائها الإقليميين حققت إنجازات جبارة حتى الآن، وإن طهران تعمل على ضمانها وتوسعة نفوذها بدءا من المياه الخليجية حتى بحر عمان والمحيط الهندي وبحر العرب والبحر الأحمر خلال الفترة المستقبلية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی البحر الأحمر بالبحر الأحمر القوة الدولیة القوة البحریة باب المندب
إقرأ أيضاً:
معهد أمريكي: كيف تحول الحوثيين من ظاهرة محلية إلى مشكلة عالمية؟ (ترجمة خاصة)
سلط معهد أمريكي الضوء على المخاطر المترتبة على إهمال منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي غير المستقرة في ظل الهجمات المتصاعدة التي تشنها جماعة الحوثي على سفن الشحن الدولية على مدى أكثر من عام.
وقال معهد الشرق الأوسط الأمريكي (MEI) في تحليل ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن أزمة وجود الحوثيين في اليمن الذي أحدث حالة من عدم الاستقرار بمنطقة البحر الأحمر والقرن الافريقي خلال أكثر من عام، تتطلب نهجاً استشرافياً لحل مشكلة اليمن من قبل المجتمع الدولي.
ونقل المعهد عن الباحثة ميريت ف. مبروك قولها إن هجمات الحوثيين على الشحن في البحر الأحمر، والتي شلت أحد أكثر الطرق البحرية أهمية في العالم، هي مثال واضح على كيف يمكن لقضية محلية ظاهريًا أن تتحول بسرعة إلى مشكلة عالمية.
وأضافت أن إلقاء نظرة سريعة على الاضطرابات الحالية في البحر الأحمر والقرن الأفريقي قد يدفع المراقبين إلى الاعتقاد بأن المنطقة تغرق فجأة في حالة من الاضطراب.
وأضافت أن الحوثيين في اليمن هم في مركز هذا عدم الاستقرار، حيث كانت الميليشيا المدعومة من إيران تهاجم الشحن على طول أحد أكثر الطرق البحرية أهمية في العالم، احتجاجًا على الهجوم الإسرائيلي على غزة.
وترى أن الصراعات في السودان والصومال وإثيوبيا ــ التي تمر جميعها بمراحل انتقالية هشة من مختلف الأنواع ــ تنتشر إلى ما هو أبعد من حدودها، مما يخلق مجموعة جريئة من الجهات الفاعلة القادرة على تحدي المصالح الغربية وتشكيل تهديد مباشر لها. وتتلقى هذه الجهات الفاعلة الدعم من جهات خارجية. ولكن هذه التطورات لم تحدث فجأة.
وذكرت أنه خلال فترة ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترامب السابقة، أصبحت دول الشرق الأوسط، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وتركيا، متورطة بشكل متزايد في منطقة القرن الأفريقي. مع أراضيها الصالحة للزراعة وموانئها بالإضافة إلى موقعها الحاسم كحلقة وصل بين البحر الأحمر والمحيط الهندي والهادئ والبحر الأبيض المتوسط، كانت المنطقة دائمًا مهمة للغاية بالنسبة لدول الخليج".
غياب الدور الأمريكي
وقالت "بعد عدة سنوات، أصبح الوضع أكثر تعقيدًا. فقد تفككت عملية الانتقال في السودان إلى حرب أهلية مدمرة أسفرت عن مقتل أكثر من 60 ألف شخص وتسببت في أكبر أزمة نزوح في العالم".
وأثار الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال لاستئجار ميناء مقابل اعتراف إثيوبيا بالجمهورية الانفصالية غضب الصومال، التي اقتربت من مصر وإريتريا، مما زاد من إثارة القدر الذي كان يهدد بالفعل بالغليان، حسب الباحثة.
وأوضحت أن الولايات المتحدة ظلت ثابتة في غيابها. لم تعط إدارة بايدن الأولوية للأزمات في منطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص بأي طريقة ذات مغزى؛ وفي حين أنه من السابق لأوانه استخلاص أي رؤى واقعية حول كيفية تعامل إدارة ترامب مع الأمر، فمن غير المرجح أن تكون أكثر انخراطًا. سيكون هذا خطأ.
وأفادت الباحثة ميريت ف. مبروك إننا بحاجة إلى استراتيجية دبلوماسية تضمن عدم تحول بلدان المنطقة إلى مجرد كرات قدم سياسية للقوى الخارجية المتنافسة.
وقالت "لابد أن تركز المساعدات الأميركية على النمو الشامل والحكم الشرعي لدعم نقاط الضعف المتمثلة في الفقر والصراع؛ ولابد من التأكيد على الصلة المباشرة بين المنطقة والتجارة والأمن العالميين. ولا شك أن الاهتمام الدولي بالبحر الأحمر والقرن الأفريقي ليس بالقليل، وإذا لم تتخذ الولايات المتحدة خطوات لضمان مصالحها الأساسية هناك، فإنها تخاطر بالتشرد".
طموح حوثي لتأكيد نفسه كقوة إقليمية
بدروها الباحثة اليمنية غير المقيمة ندوى الدوسري، قالت إن الحوثيين أظهروا باستمرار قدرتهم على استخدام المفاوضات كآلية للمماطلة والعنف كوسيلة لانتزاع التنازلات من الحكومة اليمنية والسعوديين والمجتمع الدولي. وقد سمح هذا النمط، الذي كان واضحا منذ بداية الحرب، للمجموعة بتأمين مزايا تكتيكية.
ونقل المعهد عن الدوسري قولها "كما تم تقويض خريطة الطريق التي أعلنتها الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2023 من خلال تصرفات الحوثيين، بما في ذلك الهجمات غير المسبوقة على الشحن في البحر الأحمر وإسرائيل. وقد أدت هذه الأفعال إلى ضربات انتقامية من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل، مما زاد من تعقيد الصراع".
وترى أن هجمات الحوثيين، التي وصفت بأنها جزء من "معركة الفتح الموعود والجهاد المقدس"، تهدف ظاهريا إلى الضغط على إسرائيل بشأن حرب غزة. في الواقع، إنها تعكس طموحات الحوثيين لتأكيد أنفسهم كقوة إقليمية".
وأضافت "داخليا، أسسوا نظاما استبداديا ثيوقراطيا يتميز بالقمع والتلقين المنهجي. وفي إطار تكثيف عمليات التجنيد، أعلن الحوثيون أنهم جندوا 370 ألف مقاتل جديد، وفي صيف عام 2024 وحده، تخرج 1.1 مليون طفل من معسكرات التدريب الإيديولوجية الخاصة بهم. وهذا يؤكد التزامهم بعسكرة المجتمع.
وتابعت الدوسري "خارجيًا، يبرز الحوثيون باعتبارهم الوكيل الإقليمي الأكثر قدرة لإيران، وخاصة في ضوء انهيار نظام الأسد في سوريا والضعف الشديد لحزب الله في لبنان. وتمكنهم قدراتهم العسكرية المتنامية، بما في ذلك الأسلحة المتقدمة التي تزودهم بها إيران، من تهديد الشحن الدولي. كما أنهم يعملون على إنشاء "محور التعطيل" الخاص بهم، وتشكيل تحالفات مع جماعات إرهابية مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والشباب في الصومال، وتنظيم الدولة الإسلامية".
وأشارت إلى أن التعاون الناشئ مع روسيا، بما في ذلك تجنيد المقاتلين لأوكرانيا ودعم الهجمات في البحر الأحمر، يسلط الضوء بشكل أكبر على اتصالاتهم العالمية المتوسعة. وهذا لا يضع الحوثيين في موقف التهديد المحلي فحسب، بل وأيضًا كقوة مزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة الأوسع، مما يقوض المصالح الغربية ويصدر نموذجهم الثوري.
تضيف الدوسري بالقول "لقد شجع عمى المجتمع الدولي عن هذه الحقائق الحوثيين منذ عام 2014 ويستمر في ذلك اليوم، مما يسمح لهم بإعادة تشكيل المشهد الإقليمي بما يتماشى مع طموحاتهم الإيديولوجية".
وللتعامل مع تعقيدات الصراع في اليمن، قالت الدوسري "يتعين على المجتمع الدولي، والآن إدارة ترامب القادمة، أن يتعلموا من أخطاء الماضي. لقد كان صعود الحوثيين إلى السلطة مدفوعًا باستراتيجيات قصيرة الأجل وتفاعلية فشلت في معالجة طموحات الجماعة الأوسع. تقدم هذه اللحظة فرصة للولايات المتحدة لتبني نهج استراتيجي تقدمي يعطي الأولوية للحلول طويلة الأجل على إدارة الأزمات".