في الذكرى الـ36 لتأسيس حركة حماس.. هل نفدت قوتها وآن وقت القضاء عليها؟
تاريخ النشر: 20th, December 2023 GMT
الطريق إلى حماس
في الرابع عشر من ديسمبر / كانون الأوّل 1987، أصدرت حركةُ المقاومة الإسلامية (حماس) بيانَها الأوّل معلنةً عن نفسها، وواصفةً الحدث الذي تولّدت من داخله بـ "الانتفاضة"، بَيد أنّ الإعلان لم يكن كاشفًا عن الوجود الفعليّ للحركة الإسلامية الفلسطينية؛ إذ لا تنشأ الجماعات بهذه الوفرة دفعة واحدة في الفراغ، وإنّما كان كاشفًا عن المرحلة الجديدة التي دخلتها هذه الحركة، لتنتقل من الدعوة إلى المقاومة، ومن الهامش إلى العمق، ومن الانتظار إلى القيادة.
مسار طويل من النصف الثاني في خمسينيات القرن الماضي، وجماعة الإخوان المسلمين الغزّية، تراقب نزيفها في الكادر، إلى حركة فلسطينية جديدة بنزعة إقليمية واضحة، والتي صارت فيما بعد "فتح"، بعدما رفضت قيادة الجماعة الغزّية حينها مقترح كادرها خليل الوزير (أبو جهاد) بتأسيس تنظيم فلسطيني متعالٍ بفلسطينيته على الأيديولوجيا. لاحقًا سيكشف التاريخ عن واحدة من مفارقاته، حينما يصبح الفرع الغزّي في حماس العنوان الأظهر، في مقاومة الحركة، والأخطر في تحديد مساراتها.
بعد العام 1968، وحتى العام 1970؛ أي حتى ما عُرف في الأدبيات الفلسطينية بأحداث أيلول الأسود، قاتلت فروع الإخوان المسلمين في البلاد العربية، ضمن قواعد الشيوخ في الأغوار الأردنية، والتي احتمت، ولمفارقة تاريخية أخرى، بحركة "فتح"، بمن في ذلك الأردنيون المنحدرون من أصول فلسطينية، وأشهرهم عبد الله عزام، الذي سيُعرف لاحقًا بشيخ المجاهدين العرب في أفغانستان، وذلك في حين كان التنظيم الفلسطيني بقيادته الغزّية، متحفّظًا على هذه التجرِبة.
بدأت التحوّلات في مسيرة الحركة الإسلامية، تكتسب معالم أكثر وضوحًا مع النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، وذلك حينما بدأ الطابع الماركسي يغلب على الحركة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك حركة فتح.
تمكّنت حماس من فرض نفسها على ساحة الانتفاضة الأولى، بيد أنّها واجهت تحديَين أمنيين واسعين على نحو مبكّر أراد بهما الاحتلال اجتثاثها
المقاتلون المتدينون القادمون من فصائل الثورة الفلسطينية، والإسلاميون أصالةً من خارج تلك الفصائل- بمن في ذلك عناصر إخوانية اتجهت صوب مواجهة الاحتلال- يُشكّلون بمشاربهم المختلفة "الجماعة الإسلامية في السجون"، والتي كانت من الحواضن الأولى البكر للدفع بالجماعة الإخوانية الفلسطينية نحو التبلور في صيغتها المُقاوِمة التي صارت تُعرَف بها فيما بعد.
تأسيس الكتل الإسلامية في الجامعات الوطنية التي بدأت تُبنى في الضفة الغربية أواخر السبعينيات، وإنشاء المؤسسات- والتي كان أبرزها في غزّة، الجامعة الإسلامية، والمجمع الإسلامي، والجمعية الإسلامية- وتأسيس "جهاز فلسطين" في "تنظيم بلاد الشام"، وهو التنظيم الإخواني الذي اتحد فيه إخوان الأردن، وإخوان فلسطين، وتكوين الهيئات والمناشط الطلابية والإعلامية للإسلاميين الفلسطينيين في أوروبا والخليج والولايات المتحدة، والتجربة الجهادية الأولى للشيخ أحمد ياسين التي أفضت إلى اعتقاله عام 1984، ليخرج في تبادل للأسرى عام 1985- ذلك كلّه وغيره، من المقدّمات الأساسية التي كانت تمهّد الطريق إلى حماس.
وقد كان من تلك المقدمات، ظهور الأطروحات الأولى للدكتور فتحي الشقاقي، الذي كان من الإخوان، ثمّ أخذ عليهم طول أمد التربية والتأخر عن الانخراط في مواجهة الاحتلال، ليستقلّ بمسار خاص عُرِف لاحقًا باسم "حركة الجهاد الإسلامي"؛ أذكى السجالات الداخلية في الإخوان الفلسطينيين حول موقع الجماعة من مقاومة الاحتلال.
وُلدت حماس نتيجة لذلك التاريخ كلّه، من رحم لحظة واحدة مع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي بدأت بدورها مع حادثة اعتداء مستوطن بسيارته على عدد من العمال الفلسطينيين عند حاجز بيت حانون "إيرز"، ليكون استشهاد أربعة منهم؛ أوّل شرارة للانتفاضة الأولى، ولظهور حماس في مخيم جباليا، بعدما كانت قيادة الإخوان الفلسطينيين في الضفّة الغربية وغزّة قد أخذت قرارًا واحدًا في أكتوبر/ تشرين الأول 1987 بالتحوّل إلى مسمَّى حماس.
تاريخ التحدياتكانت حماس أهمّ ما في تاريخ الإخوان الفلسطينيين، والحدث الذي لم يقلّ خطورة وتأثيرًا – على المستوى الفلسطينيّ العامّ- عن الانتفاضة الأولى، لكنّ ذلك الظهور الملحمي، حمل معه التحديات ذاتها التي مرّت بها الجماعة في مراحلها السابقة تلك كلّها، ففصائل منظمة التحرير- داخل الأرض المحتلة، وفي طليعتها فتح- لم تنظر بارتياح لمحاولات الحركة الإسلامية للانتقال إلى جبهة الاشتباك مع الاحتلال، بما يعنيه من منافسة قوية لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
فكان الموقف تجاه حماس؛ الإقصاء وجهود الطمس والسعي لإبطال الفعاليات، حتى بالاعتداء البدني، وهو ما حصل مع الكتل الإسلامية في الجامعات بالضفة الغربية، والجماعة الإسلامية في السجون، والحوادث التي رافقت بناء الجامعة الإسلامية، وتأسيس المجمع الإسلامي بغزة، وصولًا لتأسيس حماس، التي واجهت بدورها المواقف نفسها.
تمكّنت حماس من فرض نفسها على ساحة الانتفاضة الأولى، بيد أنّها واجهت تحديَين أمنيين واسعين على نحو مبكّر أراد بهما الاحتلال اجتثاثها، الأوّل: تفكيك طبقتها القيادية وصفّها الأوّل عام 1989 بعد أسر الحركة جنديين إسرائيليين، والثاني: إبعاد مرج الزهور عام 1992 بعد أسرها جنديًّا إسرائيليًا كذلك، وهو ما يربط محطات الحركة كلّها بطابعها المقاوم، ويلقي على صورتها في محطاتها كلّها ملامح متقاربة.
فبالرغم مما توصف به الحركة من منافسيها، بأنّها حركة محافظة؛ أي أنها في الجوهر غير ثوريّة، بحسب هؤلاء المنافسين، فإنّها كانت الأكثر جرأة على أفعال مقاومة تضع الحركة بها نفسها في تحديات قاسية، وهو ما يظهر مع تاريخها في أسر الجنود الإسرائيليين، منذ العام 1989 وحتى يوم العبور في 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023.
تجاوزت الحركة تحدّيها الأوّل بكون سعتها التنظيمية وامتداداتها الاجتماعية، كانت قادرةً على ملء الفراغ، بالإضافة لمُساهمة كادرها خارج الأرض المحتلة في ترتيب ما يعوّض عن التحديات الأمنية في الداخل، ليكون إبعاد مرج الزهور، تاليًا، فرصةً للانعتاق من الحصار الإعلامي والسياسي الذي ضُرِب على الحركة منذ تأسيسها، حيث لم يعد بالإمكان تجاوز حادثة إبعاد أكثر من 400 كادر منها – بينهم عدد من كوادر حركة الجهاد الإسلامي- إلى جنوب لبنان، واعتصامهم هناك إلى حين عودتهم.
الجوهر المقاوم في الحركة كان كثيرًا ما يفرض خياراته ويحسم نقاشات الحركة، كما حصل في عمليات الرد على استشهاد مهندسها الأشهر يحيى عياش عام 1996، وهي العمليات التي انعقد بسببها مؤتمر شرم الشيخ الدولي في مصر
ذلك كلّه لم يكن فيه التحدّي الأكبر الذي واجهته الحركة، ووضعها مقولة سياسية وبنية تنظيمية ورؤية لوجودها على محكّ الاختبار الأكثر خطورة.
فالحركة التي طوّرت في ذيول الانتفاضة الأولى نمطًا من العمل الجهادي عُرِف بالعمليات الاستشهادية- بحيث انطبعت به وصار علامة عليها- وجدت نفسها فجأة أمام واقع سياسيّ جديد متمثّل بتأسيس السلطة الفلسطينية؛ الذي بدا وكأنّه فرصة واقعية لنجاح مشروع التسوية بديلًا عن خيار المقاومة، لتنظر الحركة في خياراتها إزاء هذا الواقع الجديد، ما بين تحدّيه بالاستمرار في النمط المقاوم ذاته- مما يعني مواجهة حتمية مع السلطة- أو في الانعزال والانطواء، أو التخلّي عن نهجها والذوبان في السلطة.
وإذا كانت هذه السجالات قد تعمّقت في الحركة وأدخلتها فيما يشبه بالحَيرة السياسية التي كانت لها انعكاساتها على أوضاعها التنظيمية الداخلية؛ فإنّ السلطة لم تمهلها، إذ افتتحت عهدها بقمع حركة حماس، وتفكيك بناها التنظيمية من العام 1994 وحتى بداية انتفاضة الأقصى أواخر العام 2000.
كما أن الجوهر المقاوم في الحركة كان كثيرًا ما يفرض خياراته ويحسم نقاشات الحركة، كما حصل في عمليات الرد على استشهاد مهندسها الأشهر يحيى عياش عام 1996، وهي العمليات التي انعقد بسببها مؤتمر شرم الشيخ الدولي في مصر تحت عنوان: "مكافحة الإرهاب"!
الصعود الثانيجاءت انتفاضة الأقصى في أكتوبر/ تشرين الأول 2000، مخرجًا لحماس، وحكمًا على مشروع التسوية- بتجليه الأبرز اتفاقية أوسلو- بالفشل، ومن ثَمّ استعادت حماس بنيتها التنظيمية، وجدّدت نمطها المقاوم المتمثل بالعمليات الاستشهادية، وصارت الفاعل الأكثر حضورًا في تلك الانتفاضة، وقد ألقت بكادرها الأساس، والأكثر خبرة، والأشد انتماء، في أتونها، لتنتهي الانتفاضة في صورتين مختلفتين بين غزة والضفة.
ففي حين أعاد الاحتلال اجتياح مناطق (أ) بالضفة الغربية في عملية "السور الواقي" عام 2002، مما أفضى إلى تفكيك بنى فصائل المقاومة جميعها، ولتستعيد السلطة في الضفة تاليًا عافيتها وقوتها، انسحب لاحقًا من قطاع غزّة عام 2005، لتبدأ حماس في غزّة تعظيمَ بنيتها العسكرية، وتحويل جناحها العسكري إلى تشكيلات شبه نظامية، وهو التحوّل الذي سيجعل للقوّة الضاربة لحماس اليد العليا في حسم توجهات الحركة.
على قاعدة "شركاء في الدم شركاء في القرار"، ولأجل الاستثمار السياسي للاندفاعة النضالية في الانتفاضة- ولقطع الطريق على عودة السلطة لسيرتها القمعية تجاه الحركة، وللحفاظ على مكتسبات الحركة من الانتفاضة- دخلت الحركة الانتخابات التشريعية عام 2006، في التحوّل الأبرز في سلوكها السياسي، حيث كانت قد قاطعت هذه الانتخابات عام 1996، لأسباب سياسية بالدرجة الأولى ناجمة عن رفضها اتفاقيةَ أوسلو المُنشِئة للسلطة الفلسطينية.
لم تتحقّق غاية الحركة من فوزها الكاسح في الانتخابات، فالدخول في السلطة لم يقطع الطريق على الاقتتال الداخلي، ففوز الحركة بالانتخابات كلّفها تشكيل حكومة فلسطينية، لتجد نفسها على رأس سلطة لا يدين لها بالولاء فيها جهازها الأمني، ولا حتى البيروقراطي.
وهو الأمر الذي انتهى إلى ما يُسمّى بالانقسام الفلسطيني في يوليو /تموز 2007، وكما كانت نتيجة الانتفاضة الثانية متباينة بين الضفة وغزة، كان كذلك ما سمّته حماس: "الحسم العسكري" نتيجته متباينة، فقد حافظت الحركة على مكتسبها في غزّة، بينما شلّتها السلطة الفلسطينية في الضفة في إطار جهد أمنيّ مزدوج كان الاحتلال طرفه الأهمّ.
القسام.. الوهج وكلمة السرّكان الجناح العسكري؛ الفاعل الخفيّ الأكثر أهمية في الحركة، فقد أسر جنديًّا إسرائيليًّا (جلعاد شاليط) بعد وقت وجيز على فوز الحركة بالانتخابات، بما يؤكد أن المسار السياسي- وبكل ما أحاط به من شكوك حول ما سوف يفرضه تورّط الحركة في نتائج أوسلو، وما قد يمليه ذلك عليها من تنازلات في برنامجها السياسي- لن يؤثّر على المسار المقاوم، الذي بدوره وفّر للحركة قاعدة أمنيّة مكّنتها من تكوين الأجهزة الشرطية والأمنية لإدارتها غزّة، وحسم صراعها مع حركة فتح التي لم تسلّم عمليًّا بفوز حماس في الانتخابات.
حملات الاحتلال المستمرّة على القطاع منذ العام 2006 – والمستهدفة حرمان حماس وبقية فصائل المقاومة من تطوير قدراتها العسكرية- فرضت على الحركة تسخير مواردها لرأس مالها الأهم، وهو الجناح العسكري، وذلك تحديدًا بعد حرب العام 2008/ 2009، بحيث ظهرت القفزات الكبيرة في قدرات جناحها العسكري في حروب 2012، و2014، و2021.
معركة العام 2014 والأداء العسكري الملحمي للحركة فيها- لاسيما في المواجهة البرية، وما رافقها من عمليات إنزال خلف خطوط العدوّ، وأسر جنديين إسرائيليين- وفّر ذلك للحركة فرصة لاستعادة شعبيتها في الشارع الفلسطيني.
فقد التبست صورة الحركة لدى الفلسطينيين عامة بعد أحداث الانقسام، إلا أنّ افتقاد السلطة الفلسطينية للمشروع السياسي، وافتقادها للشرعية الشعبية- مع مرور الوقت بلا انتخابات تجدد بها شرعيتها، وضعف قدراتها الريعية، واعتمادها الكامل على الأمن- ساعد ذلك حماس على استعادة شعبيتها استنادًا لفعلها المقاوم، وهو ما تعزز كذلك بعد حرب العام 2021.
انعكس أداء حماس القتالي في غزّة؛ في الشارع الفلسطيني في الضفّة في هبّات متتالية متأثّرة بالرافعة المعنوية التي وفّرتها مواجهات الحركة في غزّة، فظلت الحالة الكفاحية في الضفّة الغربية تتصاعد، لاسيما إثر المواجهات الكبرى في غزّة، كما ظلّت نتائج إطارها الطلابيّ تتعاظم في جامعات الضفّة الغربيّة بنحو غير مسبوق.
في قلب الطوفانبعد معركة 2021 (سيف القدس)، بدأ الجناح العسكري للحركة بالتخطيط لضربة استباقية كبيرة، يحقّق من خلالها حصيلة عسكرية، لن يستطيع تحقيقها من موقع دفاعي، كانت تلك الضربة هي عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
جاءت العملية بالنظر المباشر، بناءً على معركة سيف القدس، بمحاولة استثمار نتائجها الكفاحية، ولأجل قطع الطريق على الاحتلال الذي أظهر قدرة على استهداف الأنفاق الهجومية للقسام، أو تعطيل فاعليّتها، وهي أهم وسائلها لتعويض الفارق العسكري مع العدوّ، ولتنفيذ عمليات الإنزال خلف خطوطه.
ومن ثمّ وبعد دراسة الثغرات التي ظهرت للقسام من مواجهة العام 2021، بدا وكأنه ليس أمام القسام إلا المبادأة في عمل أقرب للثورة، يسبق ضربة متوقعة للاحتلال، ويفرض القضية الفلسطينية من جديد على العالم، ويثبت استحالة تجاوزها.
وضعت كتائب القسام كل استثمارها التاريخي- الذي أخذت تراكمه من بعد نهاية انتفاضة الأقصى- في معركة "طوفان الأقصى" لتبدو حماس كلّها من جهة أعم قد صارت في معركة وجودية.
لكن وبقدر ما أنّ هذه التحدّي مختلف في الدرجة والنوع، عن التحدّيات السابقة كلّها التي عبَرتها الحركة- وبالرغم مما أظهره الاحتلال من إصرار على "القضاء على حركة حماس"، وبانخراط أميركيّ كثيف في هذا الهدف، وباستفراد كامل بالحركة وبيئتها الأساسية في القطاع- إلا أنّ صمود جناحها العسكري، ألقى بالشكّ الكثيف على إمكانية تحقيق أهداف كهذه.
في الذكرى السادسة والثلاثين لتأسيس الحركة، وفي خضم معركة غير مسبوقة في عنفها وإرادة الإبادة المكشوفة فيها- لا بالنسبة لحماس فحسب، بل بالنسبة للفلسطينيين، وفيما عايشه العالم من حروب في الأزمنة الأخيرة- تعود الولايات المتحددة وحلفاؤها وأوساط إسرائيلية مهمة للتشكيك في إمكان القضاء على حماس.
إذا كانت حماس قد وصلت إلى أن تكون الفاعل الفلسطيني الأهمّ- والذي يملك قدرة للتأثير على المسارات العالمية، بفضل احتفاظها بخطّها المقاوم، وتطوّر جناحها العسكري الذي امتلك بدوره القدرة على فرض خياراته- فإن استحالة القضاء عليها لا تعود إلى أداء جناحها العسكري فحسب، بل إلى كونها انبثاقًا طبيعيًّا من المجتمع الفلسطيني، بجذور تاريخية عميقة، وبممارسة نضالية طويلة.
كما أنّ مشروع التسوية منعدم الإمكان؛ بحكم الطبيعة الاستعمارية للكيان الإسرائيلي، مما يعني أنّ الإلهام الذي بثته الحركة في عموم الفلسطينيين والعرب، سيكون أهمّ حتّى من نتائج الحرب الجارية في غزّة، فضلًا عن كون هذه الحرب- وبقطع النظر مرّة أخرى عن نتائجها- سوف تنتقل بالحركة لتكون النموذج التحرري الأكثر إلهامًا للشعوب كلّها في العالم، المتضررة من سياسات الهيمنة، بعدما غلب النموذج التحرري اليساري على العالم في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الانتفاضة الأولى الإسلامیة فی ة الإسلامیة الحرکة فی فی الحرکة ة الغربیة الحرکة من حماس فی فی الضف فی غز ة وهو ما لاحق ا الأو ل الضف ة الغز ی
إقرأ أيضاً:
قلب الكون..كيف غيّرت قناة بنما التي يرغب دونالد ترامب بالإستيلاء عليها العالم؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- قناة بنما ليست غريبة عن الاهتمام العالمي.
وأدّت تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بـ"المطالبة بإعادة قناة بنما إلى الولايات المتحدة الأمريكية بالكامل وبسرعة، ومن دون تساؤلات"، وربما باستخدام القوة العسكرية، إلى المزيد من الإعجاب الدولي بهذا الإنجاز الهندسي البشري.
قالت المديرة التنفيذية والمسؤولة الرئيسية عن متحف قناة بنما، آنا إليزابيث جونزاليس إنه كان بمثابة مشروع هندسي ضخم غيّر العالم بمساعدة 97 جنسية.
وأضافت: "نحن جسر العالم، ولكننا أيضًا قلب الكون، كوننا بمثابة مكان صغير، ومركزي، ومحطة للتواصل الدولي".
تتيح مناطق المراقبة في مركز زوار ميرافلوريس للأشخاص مشاهدة السفن خلال مرورها عبر قناة بنما.Credit: Danny Lehman/The Image Bank RF/Getty Imagesووفقًا لما ذكرته جونزاليس، جاء حوالي 820 ألف زائر إلى ميرافلوريس، وهو مركز الزوار الرئيسي للقناة، لمشاهدة التجارة البحرية أمام أعينهم في عام 2024، مع قيام الآلاف بجولات على طول القناة.
ومن المقرّر أن يرتفع هذا العدد، بحسبما ذكرت هيئة قناة بنما (ACP).
لماذا تحمل قناة بنما أهمية كبرى؟ سياح يلتقطون الصور أثناء عبور قناة بنما وهم على متن قارب في عام 2014.Credit: Rodrigo Arangua/AFP/Getty Imagesيتدفق حوالي 5% من إجمالي التجارة العالمية عبر القناة البالغ طولها 80 كيلومترًا سنويًا، وتُشكّل البضائع المتجهة بين الساحل الشرقي للولايات المتحدة وآسيا الجزء الأكبر منها.
تدير هيئة قناة بنما، وهي كيان حكومي مستقل، الطريق السريع المائي الذي يربط 170 دولة عبر 1،920 ميناء.
وقبل افتتاحها في عام 1914، اضطرّت القوارب التي أرادت العبور بين المحيطين الأطلسي والهادئ أن تٌبحر أسفل أمريكا الجنوبية، وحول "كيب هورن" عند طرف باتاغونيا التشيلية في رحلة خطرة للغاية، وتستغرق وقتًا طويلاً.
وتسبب هذا الممر بمقتل ما يقدر بنحو 10 آلاف بحار منذ أن استكشفه البحارة الهولنديون لأول مرة في عام 1616، وحتى افتتاح المسار البنمي.
تُعتبر القناة اليوم نسخة مطوَّرة عن القناة الأصلية، إذ خضع الممر المائي لتوسعة كلّفت مليارات الدولارات انتهت في عام 2016، لاستيعاب سفن الحاويات الضخمة.
في عام 2024، بلغت إيرادات القناة حوالي 5 مليارات دولار.
وأكّد لويس بينتو ريوس، وهو مرشد سياحي في "Panama Canal Tours" أن "القناة بمثابة الذَهَب لنا".
كيف يمكن زيارة القناة؟ يشاهد هؤلاء الزوار سفن الشحن الدنماركية خلال مرورها عبر قناة بنما في عام 2024. Credit: Arnulfo Franco/AFP/Getty Imagesإذا كنت ترغب في رؤية هذه الأعجوبة التي صنعها الإنسان، فهناك ثلاث طرق للزيارة من خلال البر، والماء، والجو.
ويمكن للأشخاص التوجه إلى مراكز الزوار بشكلٍ مستقل أو الانضمام إلى جولة إرشادية تديرها العديد من شركات الرحلات المستقلة.
أما المسافرين الذين يفضلون الهواء الطلق، وأولئك الذين يرغبون بتجنب الحشود، فإن حدائق "سوبرانيا"، و"كامينو دي كروسيس"، و"تشاجريس" الوطنية توفر مسارات للمشي لمسافات طويلة على طول حوض القناة.
ويتوفر أيضًا خيار أمام الزوار متاح لركوب قارب وزيارة القناة بنفسك.
كما تبحر مئات السفن السياحية عبر القناة كل عام.
وتقدم شركات الرحلات أيضًا فرصة ركوب الطائرات المروحية، ليتمكن الزوار من مشاهدة إطلالة شاملة للقناة.
تاريخ طويل سفينة "Brilliance of the Seas" السياحية أثناء عبورها لقناة بنما في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2024.Credit: Martin Bernetti/AFP/Getty Imagesتعود مساعي شق قناة عبر أمريكا الوسطى لربط محيطات العالم إلى أوائل القرن الـ16، عندما قام المستكشفون الإسبان بمسح الطرق على طول نهر "تشاجريس"، واستنتجوا آنذاك أن الأمر مستحيل.
ونشأ الاهتمام الأمريكي ببداية "حمّى الذهب" في منتصف القرن الـ19، عندما بحث الأمريكيون المتلهفون عن طرق أفضل وأسرع للتوجه إلى كاليفورنيا.
وكان المهندسون الفرنسيون، بقيادة مطوري قناة السويس، هم من قاموا في النهاية بالخطوات الأولى لبناء القناة، وبدأوا العمل عليها في عام 1881.
لكن فشلت المحاولات الفرنسية في النهاية بسبب وفاة أكثر من 22 ألف شخص نتيجة الأمراض، وحوادث البناء، والمشاكل المالية، والفساد الداخلي.
واشترت الولايات المتحدة الحقوق من الفرنسيين في بداية القرن العشرين.
تم الانتهاء من بناء القناة في عام 1914، ولكن أُلغي حفل الافتتاح الكبير المخطط له بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى، وكان مرور أولى السفن حدثًا صامتًا.
لم يتم استخدام الممر بشكل كافٍ طوال الحرب، ولكنه اعتُبِر ممرًا حاسمًا لجهود الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية.
وتفككت العلاقة بين الولايات المتحدة وبنما ببطء بسبب الخلافات، التي أدت إلى العنف أحيانًا.
تمحورت الخلافات حول السيطرة على القناة، وعدم المساواة في معاملة البنميين، والجنسيات الأخرى مقارنة بالعمال الأمريكيين.
في مرحلةٍ ما، قطعت بنما العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر هو الذي توسّط في شروط نقل الممر المائي إلى السيطرة البنمية في ليلة رأس السنة الجديدة عام 1999.
القناة اليومرُغم القلق العالمي من أنّ بنما لن تكون قادرة على إدارة القناة بشكل مناسب بعد تسليمها في عام 1999، إلا أنّ الممر المائي ازدهر تحت السيطرة المحلية.
بعد خمس سنوات فقط من توليها المسؤولية، أعلنت القناة عن مضاعفة دخلها، وخفض معدل الحوادث، وتولي مشروع التوسع الطموح.
وبينما أنّ القناة عُرِفت في السابق بالعمالة والإدارة الأجنبية، فإن حوالي 92% من القوة العاملة اليوم تُعتبر من بنما.
مع ذلك، اعتبر ترامب أنّها بمثابة ملك له، وهي الفكرة التي رفضتها حكومة بنما على الفور، إذ قال رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو، ببيان في ديسمبر/كانون الأول: "كرئيس، أريد أن أعبر بدقة عن أن كل متر مربع من قناة بنما والمنطقة المجاورة لها تُعتبر ملكًا لبنما، وستبقى كذلك".