لا يتوقف الحديث عن المشكلات التي يواجهها مشروع سد النهضة منذ عملت إثيوبيا على إنشائه في أبريل عام 2011، ودخلت القاهرة المفاوضات الأخيرة وهي تدرك أن التوصل إلى نتائج إيجابية عملية صعبة نتيجة تعنت الجانب الإثيوبي.

سد النهضة رفض إثيوبيا الأخذ بحلول وسطى

وكانت ذكرت وزارة الري عقب اجتماعات شهدتها أديس أبابا في سبتمبر الماضي أن إثيوبيا تراجعت عن توافق سبق التوصل إليه بين الدول الثلاث ورفضت الأخذ بحلول وسطى.

وأعلنت، أمس، وزارة الموارد المائية والري المصرية، انتهاء مفاوضات سد النهضة المنعقدة في أديس أبابا بين مصر والسودان وإثيوبيا الذي سبق إطلاقه في إطار توافق الدول الثلاث على الإسراع بالانتهاء من الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد في ظرف أربعة أشهر.

ولم يسفر الاجتماع الرابع والأخير من مسار مفاوضات سد النهضة عن أية نتيجة نظرا لاستمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسط التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث، وتمادي إثيوبيا في النكوص عما تم التوصل له من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة.

 مصر والدفاع عن أمنها المائي والقومي

كما بات واضحًا عزم الجانب الإثيوبي على الاستمرار في استغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، والتفاوض بغرض استخلاص صك موافقة من دولتي المصب على التحكم الإثيوبي المطلق في النيل الأزرق بمعزل عن القانون الدولي، بحسب ما ذكر بيان مجلس الوزراء.

أخبار التوك شو| مفاجآت حول أسعار البصل وقانون التصالح الجديد.. وهذه تفاصيل انتهاء مفاوضات سد النهضة اخبار مصر 24ساعة| مصر تحتفظ بحقها للدفاع عن أمنها المائي بعد فشل مفاوضات سد النهضة

وعلى ضوء هذه المواقف الإثيوبية تكون المسارات التفاوضية قد انتهت، وأكدت مصر أنها سوف تراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، وأن مصر تحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حاله تعرضه للضرر.

وزارة الموارد المائية والريلا تنازل عن متر واحد مكعب من المياه

ومن جانب ذلك، علق الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، على انتهاء الجولة الرابعة والأخيرة من مفاوضات سد النهضة والفشل في التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد الملء والتشغيل.

وقال سويلم ـ خلال مداخلة تلفزيونية، إنه لا يوجد تفاوض أو إجراءات جديدة في هذا المسار خلال المرحلة الراهنة.

وأضاف: كان هناك بيانا رئاسيا قبل 4 أشهر بشأن جولة المفاوضات الأخيرة، وكانت هناك مؤشرات إيجابية وقلنا حينها إننا في تفاؤل حذر لأننا نعلم جيدا على مدى التاريخ طرق التفاوض مع إثيوبيا والمراوغات والتلاعب التي اتخذتها على مدار 12 سنة ومع ذلك قلنا نبدأ صفحة جديدة.

وتابع: دخلنا الغرف المغلقة، وهنا ظهرت المفاجآت من عدة أمور وهي رفع السقف التفاوضي.

وعن معنى رفع السقف التفاوضي من الجانب الإثيوبي قال وزير الري: في الاجتماع الأول في الجولة الأخيرة اختلفت الأرقام عما وصلنا إليه في المسارات التي سبقت الجولة الأخيرة، منوها أن الصياغات نفسها بدأت تتغير مع طرح موضوعات كانت خارج التفاوض.

وواصل: مثلا على صعيد تغيير الصياغات، فنحن نتفاوض على سد وحيد اسمه سد النهضة من جهة الملء والتخزين، وفوجئنا بالزج بموضوعات أخرى مثل المشروعات المستقبلية والتنمية المستقبلية، إضافة إلى أمور تم الزج بها في الغرف المغلقة غير مقبولة من الجانب المصري.

ولفت إلى أنه تم تغيير الأرقام التي تؤمن الأمن المائي المصري في حالة الجفاف، وهو أمر لم يكن مقبولا لأننا كوفد تفاوضي مكلفين من قبل الدولة المصرية بحماية حقوق المصريين ولا نستطيع التنازل عن متر واحد مكعب من المياه.

وأشار إلى زج الجانب الإثيوبي ببعض النصوص المطاطة التي لا تعني الكثير ولا تعطي الهدف المطلوب، مثل وضع بعض النقاط التي تمنح الجانب الإثيوبي الحق في تغيير الأرقام مستقبليا بشكل منفرد، وهذا كان مرفوضا شكلا وموضوعا.

وأكد أن مصر لا تستطيع التوقيع أو النظر في اتفاقية يقوم فيها أحد الأطراف بالتعديل في نصوصها وأرقامها بشكل منفرد مستقبلا دون الرجوع للطرف الآخر، وهذا غير موجود في أي دولة في العالم.

وزير الموارد المائية والرياستغلال كل الخيارات التي تمكنها لحماية أمنها 

ومن جانبه، قال الدكتور أحمد سيد أحمد، خبير العلاقات الدولية، أن احتفاظ مصر بحقها المائي تعني أن مصر لديها كافة الخيارات في الحفاظ على أمنها المائي باعتباره جزء من الأمن القومي المصري، وأن مسالة المياه بالنسبة لمصر هي حياة ووجود كما أكد الرئيس السيسي في كلمته في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

وأوضح سيد ـ في تصريحات خاصة لـ “صدى البلد”، أن مصر لن تفرط في حقوقها المائية لان مصر تعتمد بشكل كبير على مياه نهر النيل، فالتعنت الإثيوبي يمثل عقبة في تجاه التعاون المشترك تجاه تنيمة وتحقيق الازدهار ويزيد من تعقيد الامور، وبالتالي مصر هنا لديها كل البدائل التي تمكنها من الحفاظ على أمنها المائي.

وتابع: مصر حتى اللحظات الاخيرة ومنذ سنوات وهي متمسكة بالخيار الدبلوماسي وبالحوار والتفاوض من أجل التوصل الي اتفاق قانوني وملزم بشان قواعد ملئ وتشغيل سد النهضة بما يحفظ مصالح مصر المائية وكذلك السودان.

وواصل: ولكن المشكلة تظل في الجانب الإثيوبي ، فالمفوضات الاخيرة دون تقدم يعكس هذا التعنت الإثيوبي ويعكس عدم وجود رغبة حقيقية لدى الجانب الإثيوبي في التوصل الي اتفاق ملزم لحل مشكلة سد النهضة، وبالتالي هذا يعني مصر لن تقف مكتوفة الايدي وتستغل كل الخيارات التي تمكنها لحماية لمنها المائي وأمنها القومي. 

 الدكتور أحمد سيد أحمدحق مصر المشروع في الدفاع عن أمنها

كما علق الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي العام، والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، على فشل الجولة الرابعة من المفاوضات بشأن سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، مؤكدا حق مصر المشروع في الدفاع عن أمنها المائي وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

وقال مهران ـ في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن المادة 51 تنص على أنه ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول فرادى أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة.

ولفت إلى أن مصر قد استنفدت كافة الوسائل والسبل الدبلوماسية طوال السنوات الماضية من أجل التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة بما يراعي المصالح المائية لمصر والسودان وإثيوبيا، إلا أن المفاوضات تعثرت واصطدمت بالتعنت والإصرار الإثيوبي على فرض الأمر الواقع بإقامة المشروع دون التقيد بأي التزامات تجاه دولتي المصب.

وأشار إلى أن سلوك إثيوبيا غير القانوني وتهاون المجتمع الدولي أدى إلى الوصول لهذه المرحلة الحرجة والخطيرة التي تهدد أمن مصر المائي، بما يفرض عليها اللجوء لحقها المشروع في الدفاع عن نفسها.

وأوضح أن مصر ظلت حتى اللحظة الأخيرة تدعو إلى ضرورة التوصل لتسوية تفاوضية توافقية ودية تعالج كافة مخاوف الدول الثلاث، إلا أن تمنع إثيوبيا وتهربها من توقيع اتفاق ملزم أرغم مصر على تغيير خطابها.

وأكد أنه يحق لمصر اتخاذ كافة التدابير اللازمة لرد العدوان الوشيك الذي سيلحق بها جراء سد النهضة في حالة تمادي إثيوبيا في سلوكها غير القانوني ورفضها التوقيع على اتفاق ملزم.

وأضاف أن مصر تمتلك الحق المشروع في الدفاع عن نفسها باعتبار أن أمنها المائي القومي مهدد بالخطر الداهم جراء إنشاء سد النهضة وتشغيله دون اتفاق يحفظ حقوق دولتي المصب، محذرا "أياً كانت النتائج"، داعياً المجتمع الدولي إلى إلزام إثيوبيا باحترام القانون الدولي وعدم المساس بحقوق مصر المكتسبة والتاريخية وتوقيع اتفاق قانوني ملزم ينظم قواعد تشغيل السد بما يضمن حصص مياه مصر والسودان.

الدكتور محمد محمود مهرانهدف إثيوبيا من فشل المفاوضات 

ومن جانبه، قال الدكتور عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، إن إثيوبيا تراجعت عن اتفاقاتها السابقة وأعادتنا إلى نقطة الصفر من جديد.

وأضاف أن إثيوبيا اقتربت من ملء سد النهضة وخزنت نحو 41 مليار متر مكعب من المياه.

وأكد أن يصبح سد النهضة أمرا واقعا يجعل من الممكن أن تعلن أديس أبابا انشاء سدا جديدا غدا، وهذا ما تستهدفه إثيوبيا.

وزير الري: إثيوبيا لا تريد الالتزام بأي قواعد للقانون الدولي|فيديو مصر تحذر إثيوبيا بعد فشل مفاوضات سد النهضة.. وتؤكد حقها في الدفاع عن أمنها المائي

وأشار إلي أنه كلما قامت إثيوبيا بوضع الخرسانة وتعلية الممر الأوسط لسد النهضة زاد الأمر صعوبة في الحاق الضرر المائي بدولتي المصب مصر والسودان.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: سد النهضة اثيوبيا وزارة الرى مفاوضات سد النهضة الأمن المائي المصري المشروع فی الدفاع عن مفاوضات سد النهضة الجانب الإثیوبی الموارد المائیة عن أمنها المائی الدفاع عن أمنها الدول الثلاث مصر والسودان اتفاق قانونی أن مصر

إقرأ أيضاً:

دور التضليل الإعلامي في تصعيد التوتر بين إثيوبيا وإريتريا

 

دور التضليل الإعلامي في تصعيد التوتر بين إثيوبيا وإريتريا

مقدمة : التضليل الاعلامي و النزاعات

في عالمنا المعاصر، أضحت الحروب لا تدار فقط في ساحات المعارك بل في وارء الشاشات بأدوات حديثة و مدمرة ، و يُشكّل التضليل الاعلامي أحد هذه الأدوات الأكثر خطورة في تأجيج النزاعات، وتوجيه الرأي العام و تعزيز الانقسامات و توفير الغطاء النفسي لمرتكبي الانتهاكات، وإطالة أمد الحروب. تعرف الأمم المتحدة التضليل المعلوماتي بأنه “توزيع مقصود لمعلومات كاذبة بهدف تحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية أو اجتماعية”. و منذ ظهور الشبكات الاجتماعية في الألفية الجديدة أولت الأمم المتحدة أهمية متزايدة لمخاطر التضليل في النزاعات، إذ ربطته بزيادة احتمالات ارتكاب انتهاكات جرائم الحرب والإبادة الجماعية، كونه يهدف الى شيطنة الآخر وتحفيز حشد و تعبئة جماهيرية لصالح العنف.

يرى Thomas Rid (2020) أنَ “التضليل هو أحد أدوات الحروب السياسية، وهو لا يقل أهمية عن السلاح التقليدي”، وألقت اعمال كل من Samantha Bradshaw وPhilip N. Howard (2018) الضوء على الدور الذي تلعبه المنصات الرقمية في تسهيل نشر الروايات المضللة أثناء الأزمات. ومن ثم، أصبح التضليل و الدعاية أداة مركزية في حروب اليوم ، ممتزجا بالدعاية السيبرانية، والحرب النفسية، والتلاعب بالمعلومات على نطاق واسع.

التضليل الاعلامي في حرب إثيوبيا 2020: بين الحكومة الفدرالية وجبهة تحرير تيغرا

في منتصف ليل الرابع من نوفمبر 2020 بدأت عملية ” فرض القانون” العسكرية في شمال اثيوبيا و سرعان ما تحولت الى حرب بشعة بين قوات الدفاع الوطني الإثيوبية بمساعدة قوات الشرطة الفدرالية و قوات الدرك في اقليم أمهرا و مشاركة غير رسمية لقوات الدفاع الاريترية من جهة وجبهة تحرير شعب تيغراي من جهة اخرى، لقى فيها ما يزيد عن 500 حتفهم اما بسبب العنف المباشر او الجوع او اسبابا ذات صلة بالنزاع ، ولا زالت النتائج الوخيمة للحرب تلقي بظلالها على الاقليم .

مثلت هذه الحرب أنموذجاً حديثاً لحروب الجيل الرابع و التي تستند إلى تكنولوجيات متقدمة و تتلاشى الخطوط الفاصلة بين التقنية المدنية و العسكرية . و قد شهدت الحرب استخدام الطرفين للتكنوجيا سيما في حملات التضليل الاعلامي المتبادلة ، لقد اظهرت تقارير متكررة ل “هيومن رايتس ووتش” في 2021 أن “الطرفين استخدما بشكل مكثف الدعاية الرقمية والتضليل لشيطنة الآخر وحشد الدعم المحلي والدولي” ،ادت هذه الحملات إلى تعقيد المشهد ، و تدمير الثقة الضرورية للجلوس على طاولة المفاوضات ، و بالتالي أعاقا الجهود الرامية إلى الوساطة والسلام و اطالة أمد النزاع الدامي.

وعلى سبيل المثال، تمّ التلاعب بفيديو لآبي أحمد عام 2020 حول مقتل المغني الشهير هاشالو هونديسا، حيث يُعتقد أن رئيس الوزراء يشير إلى عملية قطع رأس وقعت في أوروميا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

و بحسب جاك بيرنهام من مركز دراسات التضليل ، فإن التضليل الإعلامي ادى إلى استهداف الأقليات العرقية على طول خطوط المواجهة في الصراع، حيث أدت الأكاذيب المتعمدة المنتشرة عبر الإنترنت إلى أعمال عنف حقيقية، وهو ارتباط أبرزته معاملة شعب القيمانت Qemant، وهي أقلية عرقية في منطقة أمهرة، لطالما ادعت التهميش،و تعرضت للتمييز و تم اتهامها -دون دليل- بالتحالف مع جبهة تحرير شعب تيغراي بعد تلقي التدريب والأسلحة في السودان وتنفيذ هجمات في المنطقة. وقد دفعت هذه الادعاءات، التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، إلى أعمال انتقامية عنيفة من غالبية سكان أمهرة، بما في ذلك إحراق قرية بيليهوا بعد 24 ساعة فقط من منشور على فيسبوك يزعم كاتبه أن حافلة تعرضت لهجوم من قبل متمرد مجهول الهوية من القيمانت.

غالباً ما وجدت شركات التكنولوجيا العملاقة نفسها بقصد أو بغير قصد في قلب النزاعات، اليوم يستخدم مليارات من البشر الشبكات الاجتماعية للتواصل ، و لفت الانتباه العام و حشد الدعم و التوثيق للإنتهاكات ، و لكنهم قد يستخدمونها لبث خطابات الكراهية و ادانة الضحايا. عملاق الشبكات الاجتماعية (ميتا) الشركة الام لفيسبوك و انستغرام وجدت نفسها في قلب الحرب الأهلية الاثيوبية الاخيرة . ففي تقريرها حول “التهديدات المنسقة” لعام 2021، أشارت ميتا إلى أنها حذفت مئات المنشورات والحسابات المرتبطة بشبكات تضليل تعمل من داخل إثيوبيا وتنشر محتوى يستهدف تأجيج الكراهية بين الأعراق المختلفة اثناء الحرب. و يعكس تطور مماثل الاهمية التي يمكن ان تلعبها الشركات العاملة في ادارة الشبكات الاجتماعية في نزع فتيل التوتر و ضمان امكانية ملاحقة و تفكيك هذه الشبكات الخطيرة قانونياً.

وواجهت شركة ميتا دعوى قضائية بقيمة 1.6 مليار دولار بسبب منشورات فيسبوك التي تحرض على العنف في حرب التغراي وتطالب القضية بإنشاء صندوق تعويضات بقيمة 1.3 مليار جنيه إسترليني لضحايا الكراهية والعنف على فيسبوك.

خلال الحرب في اثيوبيا اتخذ التضليل أنماط عديدة و متفاوتة الخطورة ، على سبيل المثال : نشطت دعايات و محاولة للشيطنة والتحريض العرقي في بداية النزاع. لقد سعت الحملات المضللة من هذا النوع إلى تصوير كل طرف كعدو وجودي للطرف الآخر ، و ان التعايش يستحيل في حالة كهذه ، و تم استخدام سيل واسع من روايات تاريخية حقيقية اما بتفريغها من محتواها أو دس بعض المعلومات المغلوطة او نزعا من سياقها . على سبيل المثال ، تكررت المرات التي ذُكرت فيها سنوات الحكم الاحادية لعرقية ” تغراي ” و ان تغراي ضائقة ذرعا بصعود عرقيات اخرى لسدة الحكم ، و بالرغم من الحقائق التي يحتويها ادعاء كهذا ، الا انه لم يكن ذا صلة بالحرب و ان اخراج هذه الروايات من سياقها لم يوفر فحسب حشد و تعبئة و سط المواطنين بل وفر غطاء نفسي للمقاتلين أنفسهم . و على المدى الطويل فإن استمرار تدفق هذا النوع من السرديات بشكل كبير على الشبكة من شأنه ان يرسخ مفاهيماً مغلوطة و حقائق متحيزة عن لحظات معينة في تاريخ الامة وهو ما يهدد السرديات التي تقوم عليها الوحدة القومية ، وينبغي ان ينظر الي التاريخ من داخل سياقاته الداخلية لا كسيل متدفق من الاحداث غير المترابطة.

نمط اخر ارتبط بالتضليل الاعلامي اثناء الحرب الاثيوبية الاخيرة ، هو تشويه الحقائق حول الانتهاكات. لقد برز اتجاه لتضليل المجتمع الدولي من خلال اما إنكار وقوع انتهاكات بعينها أو التقليل حجم هذه الانتهاكات أو ربما تضخيمها، و أوردت منظمة العفو الدولية تقارير عن استخدام صور وفيديوهات مفبركة للترويج للانتصارات أو المجازر. و استهدفت هذه الحملات سرديات الضحايا و الناجين و الشهود في أكثر لحظات النزاع عنفاً في النزاع ، و بحسب تقرير معهد نيو لاينز ذو المائة و عشرون صفحة فان الحكومة الفدرالية الاثيوبية ارتكبت على الاقل 4 افعال تشكل جرائم ابادة جماعية ، لكن بالمقابل كانت ثمة دعاية كثيفة لتكذيب مثل هذه المزاعم و الاتهامات و تصويرها كوسائل ضغط سياسية لا تمت للواقع بصلة.

كذلك ظهر نمط يختلف في آليه عمله ، هو تزايد حملات التأثير على الجاليات الإثيوبية بالخارج ، و لم يكن محتوى النزاع نفسه محل استهداف هذا النمط ، بل كان المستهدف هذه المرة المهاجرين .لقد تم رصد عمليات تضليل عبر منصات التواصل تستهدف الجاليات الإثيوبية في الشتات بواسطة اطراف النزاع ، لتأليبهم ضد الطرف الآخر وتوجيههم نحو دعم مواقف سياسية معينة.

و بالمجمل ، أسهمت هذه الحملات بأنماطها المختلفة في زيادة الاستقطاب الحاد داخل المجتمعات الإثيوبية وضمن جالياتها بالخارج. و أخرت المساعي الأممية الوساطة بسبب غياب الثقة في الروايات المتبادلة. و هو ما كان بمثابة الجحيم للملايين من الاشخاص الذين وجدوا أنفسهم داخل داومة العنف . وعلى الأرض، وفرت هذه الحملات غطاء نفسياً وأيديولوجياً لتبرير أو انكار الانتهاكات، بما في ذلك الهجمات على المدنيين و البنية التحتية.

التصعيد الحالي بين إثيوبيا وإريتريا وسيناريوهات التضليل :

تشهد العلاقات الإثيوبية-الإريترية في 2025 تصعيداً جديداً ينبني على تاريخ طويل من الشكوك والعداوات و انعدام الثقة، و حدثت انفراجة مريحة بعض وصول آبي احمد الى السلطة و تطبيع العلاقات بتوقيع اتفاقية سلام و صداقة في 2018 ، و ساهمت حرب تيغراي في إعادة إحياء الشراكة العسكرية بين أديس أبابا وأسمرا، لكن سرعان ما شاب العلاقة فتوراً بعد توقيع اتفاقية بريتوريا ، والتي لم تشارك فيها أسمرا . لاحقا تصاعدت توترات على خلفية المصالح المتناقضة في إقليم تيغراي وصعود ادارة اقليمية مؤقتة على وفاق مع الحكومة الفدرالية في أديس أبابا تعمل بالقرب من حدود بادمي المتنازع عليها.

كتير من التقارير اشارت الى كثافة حملات التضليل الاعلامي التي رافقت التصعيد الاخير بين اثيوبيا و اريتريا، مثل تقرير “مجموعة الأزمات الدولية” الأخير، والذي لفت الانتباه إلى تصاعد حملات تضليل يقودها إعلام رسمي وغير رسمي في الجانبين، تتهم كل طرف بدعم جماعات مسلحة أو تخريب اتفاقيات وقف إطلاق النار.

يؤجج التضليل الاعلامي السياق المضطرب بين البلدين ، و يزيد من احتمالات تفاقم الاوضاع ، و السؤال كيف يعمل ذلك ؟

ثمة انماط ظهرت مؤخرا ، تشكل المعالم الواضحة لحملات التضليل الاعلامي المتبادلة ،

أولها : إعادة تدوير روايات الطموح الجيواستراتيجي الاثيوبي القديم ، نشرت بعض الحسابات المؤيدة لأريتريا ، بما فيها وسائل الإعلام الرسمية الإريترية افادات تهدف الى إحياء سرديات “العدوان الإثيوبي التاريخي” على سيادة إريتريا، و تصوير التصعيد الاخير بما فيه زيادة الانفاق العسكري في اثيوبيا و افتتاح مصنعا للطائرات المسيرة كاستمرار اثيوبي نحو الحصول على اطلالة على البحر الاحمر مستقطعة من اراضي تتبع للسيادة الارتيرية ، و سمى وزير خارجية اريتريا عثمان صالح هذه المساعي ب ” الهوس الاثيوبي بالبحر الاحمر ” خلال اجتماع لوزراة الخارجية الاريترية مع بعض منسوبي المنظمات الدولية واعضاء في السلك الدبلوماسي . في المقابل حاول داعمي اثيوبيا نشر بعض المعلومات المضللة عن تعبئة عسكرية اريترية في الحدود .

ثاني انماط التضليل هو التلاعب بالخرائط والمعلومات العسكرية الخاصة بإنتشار جيوش الطرفين حيث جرى تداول خرائط مزورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تظهر “توغل قوات إريترية” داخل الحدود الإثيوبية، ما أثار موجة من التحريض الوطني في أديس أبابا.

نشرت وكالة (إنسايد افريكا) المختصة بشؤون القرن الافريقي في 9 مارس 2025 فيديو لآليات و مدرعات عسكرية يزعم انها قوات اريترية متجهة الى الحدود ، اتضح لاحقا ان الفيديو مبرك و مصدره تايلاند . بالاضافة الى ذلك نشطت بعض الحسابات في اعادة نشر الفيديو ومعلومات عن دعم اسمرا لبعض الفصائل المنشقة عن جبهة تحرير شعب تغراي. و اعتذرت المنصة عن الفيديو قائلة انها وقعت ضحية لهذا التضليل و هو امر يعكس مدى خطورة و حداثة هذه الحملات.

في 25 فبراير/شباط 2025، ادعى مقطع فيديو نُشر على فيسبوك أن آبي أحمد أكد ملكية البحر الأحمر خلال خطابه البرلماني قبل عامين، ووصفه على ما يبدو بأنه “ملكية إثيوبية”.

يحتوي المقطع على أكثر من دقيقة من خطاب آبي احمد، ويتضمن لقطات عامة لعمليات الموانئ التجارية. نُشر منشور مشابه في حساب Triangle of Afar في منصة X .

الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي كانت حاضرة في المشهد ايضا ،ففي 5 مارس 2025 تم نشر مجموعة صور تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تُظهر ميناءً جديدًا لامعاً مزوداً بمرافق حديثة ولافتة إرشادية باللغة الإنجليزية تقول: “مرحبا بكم في ميناء عصب إثيوبيا”. صور اخرى تظهر سفناً حربية تضع العلم الاثيوبي ذو النجمة الخماسية كتب عليها عصب اثيوبيا ، تحقق منها توليرا فيكرو من أ . ف .ب اثيوبيا باستخدام اداة AFP Fact Check و التي اتضح انها منشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي.

ادعاءات مماثلة عن تاريخ الاستعمار في البلدين ، تلفق بعض الحقائق و تسيئ لبعضها البعض منتشرة بكثافة في المحتوى الاثيوبي و الاريتري على منصة X . و تواجه كثير من الصفحات الاعلامية المهتمة بالمنطقة على نفس المنصة اتهامات بواسطة المستخدمين بالتضليل و تزييف الحقائق.

النتائج المتوقعة وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي :

يمكن ان تقود عودة كل من اثيوبيا و ارتيريا الى الحرب الى وضع المنطقة في أتون الجحيم و يحتمل ان تتوسع رقعة النزاع إلى دول الجوار مثل السودان والصومال، حيث تربطهما علاقات متوترة مع إثيوبيا ، كذلك تفاقم ازمة اللاجئين و الحدود كون اثيوبيا تمتلك حدودا مشتركة مع معظم دول القرن الافريقي .

ان استمرار هذه الحملات قد يقود إلى تعقيد الامور المتشابكة اساسا ، و تعميق ازمة انعدام الثقة بين البلدين ، و يمكن ان تكون بعض النتائج ذات احتمالية اكبر من غيرها في حال استمرار وتيرة التضليل الاعلامي المتبادل ، لكن بالمجمل فان تعبئة الجماهير في كلا البلدين نحو خيار الحرب بدل التسوية و التعاون سيؤدي الى إضعاف جهود الوساطة الهادفة الى خفض التصعيد ، اضافة الى ان تقويض الثقة بين البلدين هي اكثر النتائج المتوقعة رجاحة.

تعكس الحالة الإثيوبية-الإريترية اليوم أن التضليل المعلوماتي ليس مجرد “ضجيج رقمي”، بل هو سلاح ذو أثر حقيقي في تشكيل ديناميات الحرب والسلام. ولهذا، يحتاج المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، إلى آليات جديدة لرصد وتفكيك هذه الحملات كجزء من استراتيجية أوسع لحفظ السلام ، كما ينبغي ادماج مكافحة التضليل الاعلامي ضمن آليات بناء الثقة في اتفاقيات السلام.

مراجع و مصادر:

التضليل الإعلامي يؤجّج التوتّرات الإثنية الحادة في إثيوبيا – الشرق الأوسط – يناير 2025

https://surl.li/plrehq

مكافحة التضليل الاعلامي من اجل تعزيز و حماية حقوق الانسان والحريات الاساسية – تقرير الامين العام للامم المتحدة – اغسطس 2022

United Nations. (2021).

Guidance Note on Countering Disinformation in Conflict Settings.

Meta sued for $2bn over Facebook posts ‘rousing hate’ in Ethiopia.

https://www.aljazeera.com/news/2022/12/14/meta-sued-for-2bn-over-facebook-posts-rousing-hate-in-ethiopia

Human Rights Watch. (2021). Ethiopia: A Year of War Abuses and Atrocities.

Amnesty International. (2021). Mass Killings in Axum.

Ethiopia: The Massacre in Axum

International Crisis Group. (2025). Ethiopia and Eritrea: Renewed Tensions and Risk of War.

https://www.crisisgroup.org/africa/horn-africa/ethiopiaeritrea-eritrea-ethiopia/ethiopia-and-eritrea-collision-course

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الوسومإثيوبيا إريتريا الصراع تيغراي عبدالله قريضة

مقالات مشابهة

  • دور التضليل الإعلامي في تصعيد التوتر بين إثيوبيا وإريتريا
  • تأجيل محاكمة متهمين بحجز شخص بعابدين وإجباره علي توقيع إيصال أمانة
  • الرئيس اليمني يحث المجتمع الدولي على مواجهة الحوثيين وقطع الدعم الإيراني
  • الخارجية الفلسطينية تطالب المجتمع الدولي بوقف جرائم إبادة وتهجير الفلسطينيين
  • الخارجية الفلسطينية: نطالب المجتمع الدولي بالاهتمام بالتقارير حول الكارثة الإنسانية في غزة
  • جوتيريش: على المجتمع الدولي إيجاد سبل لمساعدة الشعب السوداني وخروجه من الكارثة
  • «النقد الدولي»: التوترات التجارية تهدد بانهيارات في أسواق الأسهم
  • حكومة دارفور تناشد المجتمع الدولي بالتحرك لفك حصار الفاشر
  • شهادة حول قصور المجتمع الدولي في السودان
  • وزارة الخارجية: صمت المجتمع الدولي شجع كيان الاحتلال على استئناف حرب الإبادة في غزة